هل يمكن للطعام أن يجعلنا أكثر سعادة أو كآبة؟

إن ما نأكله وما نشربه له دور هام على الحالة النفسية التي نشعر بها، إضافة إلى الحالة الذهنية والبدنية التي نكون عليها، لذلك ينصح العلماء الناس بأن يكونوا أكثر دقة حول نظامهم الغذائي و أن يكونوا أكثر وعيا بتأثير وجبات الطعام على تفكيرهم وسلوكهم وانفعالاتهم. عادة ما يكذب البعض بشأن عاداتهم الغذائية أو عند سؤالهم عن أخر وجبة تناولوها فإنهم بالكاد ما يتذكروا الجواب، وهذا ما جعل الأمر معقد وصعب بالنسبة إلى الأطباء والأختصاصين العاملين على توجيه سلوكيات الناس الغذائية نحو عادات غذائية سليمة ومفيدة.
في هذا الشأن، تقول دونا ميتز سبرويجيت المديرة الصحية في مركز الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية CSES أنهم يعملون على تطوير أجهزة تقيس المزاج وتحلل السلوكيات الغذائية ،وهذا الحل هو بديلاً عن تعريف الحمية التي لا يحبذ الكثير من الناس في إتباعها أو الالتزام بنظام غذائي عادة ما يكون صارم وروتيني. أفادت سبرويجيت ميتز أيضا ” إن إجابات الناس الغير دقيقة حول ما يأكلون هي المشكلة التي تعرقل أبحاث دراساتنا وللوصول للمعيار الصحيح في قياس مدى العلاقة بين العادات الغذائية ومزاجنا” .تضيف ميتز أن قبل عامين قد تلقى المركز هبة مالية تصل إلى نصف مليون دولا لتقوم هي وزملاؤها من جامعة فيرجينيا بالعمل على دراسة السمنة والعادات الغذائية للإناث بشكل خاص من خلال معدات طبية حديثة.
بدأت الدراسة عملية مراقبة الغذاء والمزاج والتي تمكن الباحثين من فهم السلوكيات الغذائية والانفعالات العاطفية للمشاركين في هذه الدراسة. يهدف الباحثون من خلال هذه الدراسة على خلق آلية فورية جديدة تمنع العادات الغاذئية المضرة والسمنة التي تصيب أكثر من ثلث البالغين و17% من الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة وفقاً للإحصائيات الصحية الفيدرالية.
إن هذا النظام يكشف عن التفاعلات التي تدور بين الأفراد وعن معدل الطعام المتناول خلال الجلسة. وداخل النظام توجد الحساسات التي ترصد حالات التوتر والمزاجية
تقول سبرويجيت “كمتخصصة في السلوكيات، بدأت بالتفكير في أننا نعلم أن سلوكياتنا العاطفية تؤثر على غذائنا بشكل ما، مثلا وجودك على طاولة الطعام وأنت في حالة حزن أو غضب يمكن أن نقيس هذا التأثير عن طريق حساسات”. طورت سبروجيت ميتز وفريقها في جامعة فيرجينيا قواعد رياضية لهذا النظام لتحديد مزاج المشاركين في الدراسة، وذلك اعتماداً على تركيب مكبرات صوت في المنزل تقوم بتسجيل البيانات الصوتية.
تقول بروك بيل المرشحة للدكتوراة في السلوكيات الصحية في كلية الطب بكيك، أن أفراد الأسرة المشاركة في هذه الدراسة يرتدون ساعات ذكية حول معاصمهم، إذ تقوم هذه الحساسات بإرسال إشارات يمكن من خلال معرفة متى وكم المدة وما هي السرعة التي يتناولون بها الطعام. تقول رايو المساعدة في المشروع على تقنية البرتوكولات التي تساعد بفهم تصرفات الأسرة المشاركة حول تناول الطعام.
تقوم رايو بمراقبة الأسرة في جلسات مدتها 15 إلى 20 دقيقة، تعمل الأسرة من خلالها على مناقشة مواضيع من اختيارهم ومن خلال نظام معين تقوم هي بتتبع مزاجهم. تضيف رايو أن أحد المهمات الأساسية لهذا النظام هو تحديد الحالة المزاجية للمشاركين من خلال محادثتهم. فإن هذا النظام يكشف عن التفاعلات التي تدور بين الأفراد وعن معدل الطعام المتناول خلال الجلسة. وداخل النظام توجد الحساسات التي ترصد حالات التوتر والمزاجية”
من خلال تجربة أجريت على خمس إناث وخمسة ذكور، استطاع اجهاز قياس الحالات المزاجية بدقة عالية وكانت النتائج كالتالي: الغضب بدقة 94.5%، القلق 95.7%، الملل 97.5%، السعادة بدقة 88.7%، الحزن بدقة 88.9%. تقول سبرويجيت أن هذه النتائج تبين أن المزاج والسلوك الغذائي يسيران يداً بيد.
في دراسة أخرى أجراها فريق باحث في لندن، أكد على وجود صلة بين الإصابة بالاكتئاب وتناول الأغذية المصنعة. فالذين يتناولون كميات من الغذاء الصحي كالخضراوات الطازجة ولحوم الأسماك هم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب مثلا. أما الذين يعتمدون بشكل أساسي على الأغذية المحتوية على نسبة عالية من الدهون، غالبا ما يعانون من حالات توتر وحالة نفسية سيئة.
إن أغلب أدوية الأكتئاب تعمل على تقليل إعادة امتصاص السيروتونين في النهايات العصبية في الدماغ.
الدراسات الأخيرة تظهر تأثير الأطعمة في بناء الدماغ وخواصه الكيميائية والفسيولوجية التي تؤثر على المزاج والأداء. وتؤكد على علاقتها بشكل مباشر في نظام النقل العصبي، والنواقل العصبية في الدماغ كالسيروتونين والدوبامين، تسبب التأثير الواضح في المزاج بشكل مؤقت، وبالمقابل فإن للمزاج دوره في التأثير على خياراتنا الغذائية.
فمثلا، نقص تركيز السيروتونين في الدماغ يؤدي إلى مشاكل نفسية كالاكتئاب وتربط هذه الدراسات نوع الطعام بقدرة الإنسان على إنتاج النواقل العصبية، فإن أغلب أدوية الأكتئاب تعمل على تقليل إعادة امتصاص السيروتونين في النهايات العصبية في الدماغ.
الآن للتعرف على العملية المعكوسة وهو تأثير المزاج على طعامنا، لاحظ العلماء بشكل ملحوظ تأثير المزاج على السلوكيات الغذائية وعلى نوعية الطعام المختار في كل حالة نفسية يمر بها الإنسان، عام 1999 درس العلماء التغييرات العاطفية والانفعالية لمجموعة من الشابات والشباب، وعند اختبارهم لحالة الغضب أو الفرح فأنهم سجلوا ارتفاع في حالة الجوع لدى المشاركين. في نفس التجربة، لاحظ المختصون أن المشاركين الذين يشعروا بالحزن توجهوا بشكل واضح للأطعمة الأقل صحية.
ذكرت الدراسة أن هناك العديد من الأكلات تعد دواء معالج لبعض الاضطرابات العاطفية كالبيض واللبن، ونقص هذه المواد في الجسم قد يؤدي إلى زيادة الحساسية تجاه المؤثرات العادية في البيئة المحيطة، وتؤكد الأبحاث أيضاً أن بعض الخضراوات كالخس تعمل على تهدئة الأعصاب وتسبب له حالة من الاسترخاء. على الرغم من الدراسات الكثيرة والأبحاث التي أجريت إلا أن العلماء بعيدين عن جزم دقة قوة هذه العلاقة، ويرجع السبب بأن هناك عوامل كثيرة قد تؤثر على غذاء الإنسان وعلى مزاجه.