بعد تحرّك قوة سرايا الدفاع عن بنغازي باتجاه الموانئ النفطية وتمكنها في زمن وجيز من السيطرة على السدرة وراس لانوف، انتبه المتابعون للمشهد الليبي إلى هذه القوة العسكرية وأهمية منجزها العسكري.
وعن هوية سرايا الدفاع وأهدافها والموقف من خصمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومن اتفاق الصخيرات والمجلس الرئاسي، وكذلك عن تفاصيل تقدم السرايا باتجاه منطقة الموانئ وخلفية انسحابها السريع بعد عشرة أيام من السيطرة الميدانية، تحدّث إلى “نون بوست” -في حوار هو الأول من نوعه منذ تحركها الأخير- قائد قوة سرايا الدفاع عن بنغازي العميد طيار مصطفى الشركسي.
وتاليًا نص الحوار:
سرايا الدفاع عن بنغازي.. هذا الرقم الجديد في المعادلة الليبية، ما هي مكوناته وأهدافه؟
سرايا الدفاع عن بنغازي، تكوّنت أساسًا من منطقة بنغازي العسكرية والتي أُنشأت بقرار من رئاسة الأركان التابعة للمؤتمر الوطني العام، بعد أن رفض نحو ألفين من ضباط وضباط صف وجنود، المشاركة في عملية الكرامة، وكلفت شخصيًا برئاسة هذه المنطقة. كما تضم سرايا الدفاع عن بنغازي الكتيبتين 12 مشاة و303 مشاة التابعتين لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق بالإضافة إلى القوى المساندة من الثوار المدنيين الذين تصدوا لرتل القذافي في 19/03/2011.
أما عن أهدافنا، فهي تتمثل في رفع الظلم عن مدينة بنغازي وإعادتها إلى حضن ثورة الـ17 من فبراير، وكذلك إرجاع أهلنا المشردين إلى مدينتهم وإزاحة هذا الانقلاب الذي يعرف باسم عملية الكرامة.
يصنّفكم البعض على أنكم الذراع العسكري لحكومة الإنقاذ والبعض الآخر على أنكم الذراع العسكري لدار الإفتاء، فمن تمثلون؟
نحن كسرايا الدفاع عن بنغازي، لا نتبع أي حزب كما لا نتبع أيًا من الجهتين، أما في ما يتعلّق بأول بيان أذعناه عند تشكيل السرايا، فعندما قلنا إن مرجعيتنا هي دار الإفتاء كان مقصدنا توضيح أن مرجعيّتنا محليّة من شيوخ ليبيا على خلاف تشكيلات مسلحة أخرى تأخذ فتاويها إما عن البغدادي أو من أفغانستان أو من علماء في السّعودية.
كما أذكر في نفس هذا السياق ببيان الملتقى السادس للعسكريين من ضباط وضباط الصف الموجودين في المناطق الغربية والجنوبية والوسطى، الّذي ينص فيما ينص على أننا كعسكريين لا نتدخل في الصراعات السياسية في البلاد، وعلى الليبيين اختيار من يحكمهم دون أن تكون لدينا أي مشكلة مع ما يتوافق عليه الليبيون، بيد أن سبب اختلافنا مع السرّاج هو وصفه لانقلاب حفتر بانتفاضة الـ 15 من أكتوبر، ووصفه للميليشيات التي تقاتل في صفوفه بـ”الجيش”.
لو توضّح لنا، ما هي مخرجات الملتقى السادس للقيادات العسكرية؟
هذا الملتقى أكدنا فيه كعسكريين أننا لن نتدخل في الصراعات السياسية التي نريد لها أن تدار فقط عبر صندوق الانتخابات والإعلام والنقاش والرأي والرأي الآخر.
بيان هذا الملتقى اعتبر في إحدى نقاطه أن حفتر مجرم حرب، قبل أن يقع حذف هذه الإشارة في البيان الذي أعاد المجلس الرئاسي نشره، كيف تفسّر ذلك؟
البيان لم يلحقه أي تغيير وهو موجود كما هو في أرشيف هيئة التنظيم والإدارة التابعة لرئاسة الأركان، إلا أن من نشره باسم المجلس الرئاسي أسقط هذه النقطة مع العلم أن موقف العسكريين لم يتغير من حفتر كما أن ما يثير حفيظة العسكريين الّذين هم في صف الثورة، هو رفض المجلس الرئاسي تعيين رئيس أركان على أكثر من 70% من الجيش الليبي، وهم متواجدون في المناطق التي لا يسيطر عليها حفتر والذي هو كفيل في حال حصوله بحل الكثير من مشاكل المؤسسة العسكرية.
ما تقييمكم في سرايا الدفاع عن بنغازي لمسار الاتفاق السياسي عمومًا، ولأداء المجلس الرئاسي بشكل خاص؟
لو كانت تصريحات المجلس الرئاسي وبياناته متوازنة إلى حد ما مثل مواقفه الأخيرة ودعا إلى الحياد وإلى ضرورة تطبيق وقف إطلاق النار بين أبناء المدينة الواحدة، لكان موقفنا من المجلس مختلفًا، لكنه على العكس من ذلك صنّفنا منذ مجيئه أول مرة كإرهابيين وصنّف من انقلب على شرعية رئاسة الأركان كجيش نظامي.
ما علاقتكم بتنظيم القاعدة وهل يقاتل منتسبون لها في صفوفكم؟
في كل مرة يقوم إعلام الكرامة بإقحام أسماء وصفات لأشخاص لا نعرفهم ولم نلتق معهم ولا علاقة لهم بسرايا الدفاع، بينما قياداتنا معروفة ومعلومة لدى الجميع، ثم هل من المنطقي أن تتحالف القاعدة مع وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق، أو أن ترفع معنا شعار وعلم الاستقلال الّذي نرفعه كسرايا؟
من أين تتلقون الدعم والتسليح؟
نحن نتلقى الدعم الرئيسي من رجال أعمال من مدينة بنغازي ومن مدن أخرى ليبية، والأغلبية من تجار سوق العرب بمدينة بنغازي وهؤلاء من النازحين وأبنائهم من الثوار، كما نتلقى الدعم من كتائب الثوار من المدن الأخرى التي يسودها الاستقرار والتماسك الاجتماعي بالرجال والذخائر، كما أن هناك من ينتمي لجيش حفتر ويبيعنا السلاح مما بقي من تركة القذافي.
هل تدعمكم دول بعينها؟
لا، بالمطلق، ليست هناك أي دول تدعمنا.
حسب بيانكم الأول إبان تحرككم العسكري الأخير فإن عودة المهجرين من بنغازي إلى مدينتهم تأتي على رأس أولوياتكم، ألا ترى أن هذه العودة كان بالإمكان أن تحدث بالتفاوض بين الفرقاء وبالتسويات والتوافقات السياسية؟
مستحيل أن يحدث ذلك بالتفاوض، فعلى سبيل المثال لدي شخصيًا ثلاثة أخوة في مدينة بنغازي وأبنائهم الثمانية كلهم أودعوا في السجن دون أن يرتكبوا أي جرم، هؤلاء الناس كالوا لنا كل التهم من الإرهاب إلى الخيانة إلى الإجرام و حتى لما أسرنا مجموعة من جنودهم وعرضنا مبادلتهم معهم مقابل إدخال بعض قنينات المياه للمدنيين المحاصرين في فنفوده رفضوا ذلك مع العلم أن هناك من حاول التواصل بشأن هذا الأمر لكن دون جدوى.
كيف يمكن أن نفهم التقدّم السريع والمباغت الّذي أنجزته سرايا الدفاع في وقت وجيز في تحرّكها الأخير؟
قمنا بتغيير المحاور والاتجاهات المعلن عنها للهجوم، وكنا ننشر أخبارًا مموهة على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن نوايا تحركاتنا، كما كنا نحاول الإفلات من طائرات التجسس التي كانت تراقبنا ونتحين غيابها عن سماء مناطق، تحركنا للدفع بأرتالنا إلى المواجهة.
هذه العوامل كلها، أربكت العدو ودفعته إلى الاعتقاد بأننا لن نهجم على المواني، كما كانت خطتنا تعتمد على المواقع التي توجد فيها قوات حفتر كلها في وقت واحد على طول الشريط الّذي يمتد من النوفلية غربًا حتى راس لانوف شرقًا، زد على ذلك أن العقيدة القتالية لدى الطرف المقابل ليست بتلك الصلابة التي يدعيها.
كيف تمكنتم من تحييد سلاح الطيران الذي يعتبر نقطة قوة لدى عملية الكرامة؟
طبعًا نحن قمنا عند بدء الهجوم بإسقاط طائرة عموديّة لحفتر، وهذا كان له تأثير على بقية أطوار المعركة، بالإضافة إلى أننا حصلنا على صواريخ لم تكن عندنا في السابق وهي الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات والتي تعتبر أفضل من المضادات العادية مثل الـ23 وغيرها رغم أنها تعتبر قديمة مع ذلك فوجئنا بأن هناك طيران ليلي يستهدفنا في أكثر من مناسبة رغم علمنا أن حفتر لا يمتلك طيرانًا ليليًا وأن طائراته الميغ 23 لا تطير في الليل.
هل صحيح أنه وقع استهدافكم عبر راجمات صواريخ غراد من البحر؟
نعم صحيح، وهي راجمات ذات مدى أبعد وقدرة تدميرية أكبر ودقة أكثر من الراجمات العاديّة التي نعرفها ووفق المعلومات والصور التي حصلنا عليها فهي راجمات روسية متحكم بها رقميًا.
هناك من تحدث عن تطمينات من دول إقليمية تلقيتموها قبل البدء بالتحرّك نحو السدرة وراس لانوف، بأن الطيران لن يتدخّل، ما صحة ذلك؟
هذا غير صحيح، وهي مجرّد استنتاجات، وحتى الكتيبتين التابعتين لوزارة دفاع حكومة الوفاق والتي شاركت معنا في الهجوم لم تكن لديها هذه التطمينات وكان لدينا دائمًا في اجتماعاتنا هاجس دخول طيران أجنبي على خط المعركة.
بعد السدرة وراس لانوف، انتظر كثيرون تقدمكم باتجاه الزويتينة والبريقة، فما الّذي أعاق تقدمكم نحو تلك الأهداف ؟
هنا أيضًا نتساءل عن موقف المجلس الرئاسي، فسرايا الدفاع عن بنغازي سلّمت الموانئ النفطية في السدرة وراس لانوف لحرس المنشآت النفطية التابع للمجلس الرئاسي، ألم يكن من الأحرى بالمجلس الرئاسي أن يأتي بقوة كافية حتى يمكن لها تأمين المواني بشكل جيّد؟ إذ إن المجموعة التي جاءت لحماية المواني كانت بسيطة جدًا ولا تستطيع حماية الموانئ، حتى من عصابة أو مجموعة من المجرمين. وحين تعرضت للهجوم دفعت بسريتين لمساندتهم، ولكن الهجمة كانت قوية جدًا وشارك فيها الطيران من مختلف الأنواع وشاركت فيها حتى الطائرات الحاملة لشعار الإسعاف والتي كانت تلقي قذائف الهاون بشكل عشوائي بالإضافة إلى استهدافنا المتواصل عبر منصات صواريخ جراد من البحر وعبر الطيران الليلي.
هل صحيح أن سبب هذا التراجع كان سوء تخطيط عسكري من قبلكم؟
على العكس من ذلك، فنحن قمنا عندما لاحظنا أن حفتر بصدد تجميع عدد كبير من القوات منها 1500 عنصر من مليشيا العدل والمساواة متموضعة في منطقة زلّة لا تفصلها عنا إلا ساعات قليلة، رأيت أن من واجبي الحفاظ على قوات سرايا الدفاع عن بنغازي دون أن ننسى التحشيد العسكري الّذي قام به حفتر بسبب عدم سرعة تسلّم الموانئ النفطية من المجلس الرئاسي، فنحن بقينا هناك 10 أيام، نصف هذه المدة قضاها حفتر في تجميع كل القوات التي لديه في جميع المناطق.
فكان الأنسب بالنسبة لي، أن تكون هذه المعركة جولة تليها جولات من أن يضيع أبنائي في الصحراء أو أن تحاصر قواتي من جهات عدة، وفي المحصّلة نحن قدمنا في هذه المعركة 13 شهيدًا و15 جريحًا، جراح أغلبهم بسيطة. وفقدنا أسيرين، بينما لم يغنموا هم منا سوى سيارتين أو ثلاثة استهدفهم الطيران. بينما غنمنا منهم رادار B 12 ومنصتين لصواريخ مضادة للطيران و25 آلية عليهم رشاشات أوتوماتيكية. وحدّث ولا حرج بالأسلحة والذخائر مع 12 أسيرًا من قبلهم، وبالتالي نحن نعتبرها جولة من الجولات، بالإضافة إلى أن القتال قرب الموانئ النفطية يمكن أن يتسبب في دمار في هذه الموانئ خاصة أن إعلام عملية الكرامة سوّق أننا قمنا بتفخيخ آبار النفط.
ما خطوة سرايا الدفاع عن بنغازي القادمة؟
ستكون لدينا جولات أخرى إن شاء الله، بعد سيطرتنا على الموانئ، التحقت بنا مجموعات أخرى من شباب الثوار وقواتنا أصبحت أفضل من السابق، لن أستطيع أن أخبرك متى سيكون تحرّكنا أو من أين سنتحرّك، لكن ذلك سيكون قريبًا جدًا.
هل تقبلون كسرايا الدفاع عن بنغازي أن يكون لخليفة حفتر موقع ما في أي عملية سياسية مستقبلية؟
أبدًا، هذا الرجل إما أن يودع السّجن أو أن يقع بأيدينا، هذا الرجل عليه أن يرحل لأنه أفسد الحياة السياسية في ليبيا وأفسد فرحتنا بالثورة ومزق النسيج الاجتماعي، ونحن نعتبره مجرم حرب ومسؤولاً عن كل التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبها جنوده، ولن تفيده تصريحات قياداته بأن جنوده مرضى نفسيون أو أن تجاوزاتهم مخالفة لأوامره.
نحن من الممكن أن نرضى باتفاقات مع قبائل، أو بصفح عما مضى بالنسبة للشباب المغرر بهم ومستعدون لتقديم أي منا للمحاكمة إذا ثبت ارتكابه لتجاوزات، كما أؤكد أننا لسنا طلاب سلطة أو حكم وأننا مع كل ما يتوافق عليه الليبيون.