حكمت محكمة في صنعاء يوم السبت 25 من مارس 2017 على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالإعدام، بعد إدانته بـ”الخيانة العظمى”، وهو ما يعد مؤشرًا خطيرًا على إدخال القضاء في المعركة السياسية.
وقبل أن ندخل في قراءة تحليلية للحكم ودستوريته، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الحكم هو الثاني على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد إدانته بالخيانة العظمى في غضون 30 عامًا، الأول حينما كان جنرالاً بالجيش في أثناء ما يعرف بأحداث 13 من يناير في جنوب اليمن.
وتعود وقائع الحكم على الرئيس اليمني الحالي نتيجة الاحتراب الداخلي في عدن أو ما بات يعرف بأحداث 13 من يناير 1986، والتي قُتل فيها الآلاف بسبب الاختلاف على السلطة بين متنفذين من أبين والضالع ولحج وعدن، بعد اختلافهم على إدارة الدولة الجنوبية حينها، وانتهت بنزوح الخاسرين في تلك المعركة إلى الشمال من بينهم أنصار الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، ونائب رئيس الأركان والمسؤول عن إمداد جيش اليمن الجنوبي بالأسلحة السوفييتية حينها عبد ربه منصور هادي (الرئيس الحالي للبلاد) إلى شمال اليمن وتحديدًا صنعاء.
وبعد انتهاء الأحداث، أصدرت المحكمة العليا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حينها في أواخر ديسمبر 1987 حكمًا بالإعدام رميًا بالرصاص على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد إدانته بالخيانة العظمي وارتكاب جرائم حرب في عدن.
تنص المادة (128) المتعلقة بهذا الإجراء على أن يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بخرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد بناءً على طلـب من نصـف أعضاء مجلـس النـواب ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضائـه ويبين القانون إجراءات محاكمتـه
وبعد 30 عامًا من هذا الحكم، تعود أحداث شبيهة بتلك الأحداث لكنها تعم اليمن بشكل كامل وأعنف، فاق عدد القتلى والجرحى في غضون عامين أكثر من خمسين ألف شخص، لكن هذه المرة الشخص المحكوم عليه بالإعدام أصبح رئيسًا للجمهورية، ويقاتل ضد الشخص ذاته الذي احتضنه وعينه نائبًا لرئيس الجمهورية حتى 2012 علي عبد الله صالح، نتيجة لتحالفه مع الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية الحالية، وقبل أن تنتهي الأحداث سواء بالنصر العسكري أو السياسي.
أدانت المحكمة الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة يوم السبت الماضي عبد ربه منصور هادي بجريمة انتحال صفة رئيس الجمهورية بعد انتهاء فترة ولايته المنسوبة إليه في الفترة الأولى وجريمة التحريض والمساعدة لدولة “العدوان السعودية وحلفائها” على جريمة الاعتداء على أراضي الجمهورية جوًا وبرًا وبحرًا والمساس باستقلال الجمهورية وسلامة أراضيها.
وقضى الحكم بالإعدام على كل من عبد ربه منصور هادي ورياض ياسين وأحمد عوض بن مبارك وعبد العزيز جباري وسلطان العتواني وعبد الوهاب الآنسي وعلي حسن الأحمدي، بتهمة الخيانة العظمى وتعريض أمن البلد للخطر والمشاركة في عمليات تحالف “العدوان” الذي قادته السعودية على اليمن.
وقضت المحكمة كذلك بالحجز على أملاكهم وأموالهم وأرصدتهم إلى أن يتم الفصل في القضايا المرفوعة من المدعين بالحق الخاص.
الغريب في المحاكمة أنها لم تشر إلى نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر لا من بعيد أو من قريب، وهو ما يثير تساؤلات عدة عن علاقته بالرئيس هادي ودوره في التحالف وإن كان يتواصل مع الداخل، أو أن هناك ترتيبات أخرى يعمل عليها تحالف الحوثي وصالح مستقبلًا لضمان عدم خسارة كل الأطراف في وقت واحد.
دستورية الحكم
في 7 من فبراير 2015، أي قبل انطلاق عاصفة الحزم بقرابة شهرين، وبعد أن قدم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي استقالته للبرلمان في 22 من يناير من نفس العام، أعلن الحوثيون إعلانًا دستوريًا، بموجبه ألغوا الدستور اليمني وأحلوا البرلمان، دون أن ينتظروا قرار الأخير في رده على الاستقالة ليكون إجراءً دستوريًا كاملًا حتى لا يدخل الحوثيين في مأزق سياسي وعسكري رغم التحذيرات التي تلقوها من جهات دولية وعربية بالمساس بالبرلمان أو الدستور اليمني.
لكنهم مضوا في إجرائهم المخالف للدستور في حل البرلمان دون السماح له بمناقشة استقالة الرئيس وفقًا للدستور اليمني، وهو ما مكن الرئيس هادي بعد فراره إلى عدن من الظهور الإعلامي كرئيس ما زال يحكم البلاد وليس كرئيس مستقيل رافض الحديث حينها عن أي استقالة، وهو ما يعني تراجعه عنها أو الانتظار لحين البت فيها من قبل البرلمان اليمني الذي يحق له دون غيره مناقشتها، والتي رميت على ما يبدو إلى أدراج البرلمان حتى يومنا هذا، وبعد عودته (أي مجلس النواب اليمني) لممارسة دوره التشريعي وفقًا للاتفاق الموقع بين الحوثيين وصالح في آواخر يوليو 2016 بإلغاء الإعلان الدستوري وإعادة المؤسسات الشرعية، وهو ما يطرح عدة استفهامات عن رفض البرلمان اليمني مناقشتها حتى الآن.
بعد عودة البرلمان، كان يحق له كإجراء دستوري مناقشة تلك الاستقالة واتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى وفق قواعد قانونية ودستورية سلمية إلا أن ذلك لم يتم، بل تم تجاهله تمامًا، ليتفاجأ الجميع في يوم 25 من مارس بحكم المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء الذي قضى بإعدام الرئيس هادي وستة من كبار معاونيه، وهو ما يعني أن الحكم اعتباري وسياسي أكثر منه قضائي، لأن الإجراء المتعلق بالخيانة والمحاسبة يتم أولاً عبر البرلمان أو المحكمة العليا الشعبة الدستورية.
في هذه الأثناء يزور المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ عواصم عربية ودولية لحشد التأييد الواسع للضغط على أطراف الصراع اليمني للقبول بالمبادرة الأممية
وتنص المادة (128) المتعلقة بهذا الإجراء على أن يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بخرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد بناءً على طلـب من نصـف أعضاء مجلـس النـواب ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضائـه، ويبين القانون إجراءات محاكمتـه، فإذا كان الاتهام موجهًا إلى رئيس الجمهورية ونائبـه تباشر هيئة رئاسة مجلس النواب مهـام رئاسة الجمهورية مؤقتًا حتى صدور حكم المحكمة، ويجب أن يصدر القانون المشار إليه خلال دور الانعقاد العـادي الأول لمجلس النواب التالي لسريان هذا الدستور، وإذا حكم بالإدانة على أي منهما أعفي من منصبه بحكم الدستور مع عـدم الإخـلال بالعقوبات الأخرى، وفي جميع الحالات لا تسقط بالتقـادم أي من الجرائـم المذكـورة في هـذه الـمـادة.
هذا الحكم يضاف إلى الإجراءات الأحادية التي تتخذ من الأطراف المتصارعة في اليمن، والتي تعمل على تغليظ جدار الأزمة اليمنية، وتحصينها من أي اختراق فيه لحلحلة الأوضاع وإنقاذ اليمن وشعبها من كارثة إنسانية محققة.
إن هذا الحكم والإجراءات الأخرى من جانب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، فيما يتعلق بتعيينات السفراء ورفض تسليم الرواتب للموظفين والخطط التي يعمل عليها لحصار البلاد عسكريًا واقتصاديا لا تسهم في تهيئة الأجواء الملائمة لإحياء الثقة وإعادة إطلاق الحوار، وتزيد من ابتعاد آفاق تسوية الأزمة بصورة سلمية، وتزيد من مأساة الشعب اليمني الذي يتوق للعيش والاستقرار الأمني، والحكم ذاته لن يؤثر على الرئيس اليمني، بل منعدم الأثر نتيجة لعدم اكتمال الإجراءات الصحيحة في مثل هكذا حكم.
تسوية سياسية
في هذه الأثناء يزور المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ عواصم عربية ودولية لحشد التأييد الواسع للضغط على أطراف الصراع اليمني للقبول بالمبادرة الأممية أو ما باتت تعرف إعلاميًا بـ”مبادرة جون كيري للحل السياسي اليمني”.
وتسعى الخطة الجديدة التي قدمها المبعوث الأممي للضغط على طرفي النزاع لتقديم تنازلات سياسية من الحكومة المدعومة دوليًا مقابل تنازلات عسكرية من الحوثيين وصالح، لكن الحكم الأخير بحق الرئيس هادي يشير إلى مدى صعوبة تقديم أي تنازلات أو استئناف مفاوضات السلام المتوقفة لإنهاء الصراع الذي أودى بحياة عشرة آلاف شخص على الأقل.
إن إدخال القضاء في معركة خاسرة، يهز صور العدل في اليمن ويدخل القضاء في أزمة سياسية ليس طرفًا فيها، كون أن محاكمة رئيس دولة لها إجراءات وقوانين وطرق حددها الدستور
هناك سيناريوهات متوقعة قد يقدم عليها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد هذا الحكم، وهو أن يعمل على نقل المحكمة الدستورية في صنعاء إلى عدن، وتغيير قيادتها رغم مخالفتها الدستورية، لكن ذلك لن يكون له أي أثر، غير أنه سيعمل على دعم محامين وناشطين لرفع دعاوى قضائية ضد قيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، وهذا إن حدث قد يكشف النوايا الحقيقية لطرف الحكومة فيما يخص السلام أو الحرب.
السيناريو الثاني، قد تخصص المملكة العربية السعودية نشطاءً وإعلاميين لتهديد الحوثيين وصالح بالإعدام بعد نجاح عاصفة الحزم أو تخصيص قبله محاكم في المناطق التي تسيطر عليها قوات التحالف، أو تهديدهم بالمحاكمة الدولية للتقليل من أهمية الحكم الصادر بحق الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يعد معنويًا لأنصار الحوثيين، ويهز من ثقة أنصار هادي.
الخلاصة
إن إدخال القضاء في معركة خاسرة، يهز صور العدل في اليمن ويدخل القضاء في أزمة سياسية ليس طرفًا فيها، كون أن محاكمة رئيس دولة لها إجراءات وقوانين وطرق حددها الدستور، والحكم على الرئيس هادي هو اعتباري وسياسي أكثر منه قضائي، لأن الإجراء المتعلق بالخيانة والمحاسبة يتم أولاً عبر البرلمان أو المحكمة العليا الشعبة الدستورية.