دخلت الثورة السورية في عامها السابع، والاقتصاد السوري يسير من سيء إلى أسوأ، فمنذ السنة الأولى للثورة تلاعب النظام السوري بهيكلية الاقتصاد إلى أن وصل به الحال إلى استنزاف قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة، وأثر بشكل كبير على المواطن والعملة المحلية وركّب عجز تجاري وديون كثيرة للدول الداعمة للنظام، وكل هذا لخدمة الآلة العسكرية والقضاء على الثورة.
ومن جهة أخرى أسهمت حالة الاحتراب وتقاسم مناطق النفوذ بين أطراف الصراع إلى فوضى كبيرة في النشاطات الاقتصادية انعكست سلبًا على حياة المواطن بالدرجة الأولى، لا يزال النظام السوري يحمل نفس الفكر في إدارته للصراع، ويحرق لأجله مقومات الاقتصاد وموارده غير آبه للمستقبل الذي وضع فيه سوريا، أما بالنسبة للمعارضة السورية فقد حملت السنوات الست المنتهية العديد من التجارب في إدارة المناطق المحررة.
الاقتصاد بعد 6 سنوات: أرقام مرعبة
في كل سنة يقوم الاقتصاديون بجردة للأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري خلال السنة ومراكمتها مع أضرار السنوات الماضية، السنة السادسة لم تكن أفضل من سابقاتها، والثابت في كل السنوات طريقة تعاطي النظام السوري مع الحقائق على الأرض التي تكشف عن اقتصاد متهالك. والأرقام هي الحكم الفصل في هذا.
فالميزانية السورية في العام الماضي 2016 بلغت نحو 4 مليارات دولار بعدما كانت سجلت نحو 16 مليار دولار في العام 2010، وانخفضت قيمة الليرة السورية بأكثر من 90% حيث تبلغ اليوم 540 ليرة مقابل الدولار بعدما كانت حوالي 50 ليرة للدولار قبل الثورة، والناس في مناطق سيطرة النظام بالكاد يحصلون على رواتب تتراوح بين 30 و 40 دولار وهي لاتكفيهم لسد حاجاتهم الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير، ووصلت أسعار السلع الأولية إلى أرقام خيالية في المناطق التي يحاصرها النظام، بلغت نسبها 4000%. أما الناتج الإجمالي لسوريا يعادل نحو 5 مليارات دولار في العام 2016 بعدما كان يساوي في العام 2008 نحو 55 مليار دولار.
بلغ إنتاج سوريا من النفط قرابة 15 ألف برميل يوميًا مع نهاية العام 2016
ويكفي القول أن النفط الذي كان يساهم بحوالي 30 – 40% من الدخل القومي لم يعد موجود، حيث تراجع الإنتاج اليومي للنفط بنسبة 95%، حيث بلغ إنتاج سوريا من النفط 15 ألف برميل يوميًا مع نهاية العام 2016 بعدما كان يقرب من 400 ألف برميل. كما تراجع إنتاج الغاز حتى نهاية العام 2016 ليبلغ 10 مليون متر مكعب يوميًا بعد أن كان 30 مليون متر مكعب أي بتراجع نسبته 65%. وحسب ما أشارت مصادر النظام فإن الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي طالت قطاع النفط في سوريا بلغت أكثر من 95 مليار دولار حتى نهاية العام 2016.
وكذا السلة الزراعية حيث تعتبر الزراعة من أهم مقومات الاقتصاد السوري إذ تبلغ مساحة مجمل الأراضي الصالحة للزراعة 32% وتشكل نحو 26% من الدخل القومي، بينما تراجع الإنتاج الزراعي بنحو 70% مع نهاية العام الماضي. والحديث عن الصناعة السورية يكفي لمعرفة الضرر الذي لحق بالاقتصاد السوري، حيث تضررت صناعة النسيج والحلج والصناعات الغذائية بشكل كبير وأغلقت المصانع ورحل رأس المال إلى مناطق مجاورة إذ يذكر أن استثمارات السوريين في البلدان التي هاجروا إليها تبلغ أكثر من 50 مليار دولار، حصة مصر منها 23 مليار دولار.
تراجعت قيمة الصادرات السورية من 4.7 مليارات دولار في العام 2011 قبل اندلاع الثورة إلى 220 مليون دولار فقط في العام 2014
وتذكر الإحصائيات أن هناك نحو 38 ألف منشأة صناعية في حلب لا يزال عدد قليل منها يعمل في حين تضرر الباقي بشكل كبير ورحل أصحابها إلى الخارج، وهناك 15 منطقة صناعية متوزعة في مناطق مختلفة من سوريا، لم تعد تعمل. وتراجعت قيمة الصادرات السورية من 4.7 مليارات دولار في العام 2011 قبل اندلاع الثورة إلى 220 مليون دولار فقط في العام 2014.
تراجع الإنتاج الزراعي في سوريا مع نهاية العام 2016 بنسبة 70%
ولدى الحديث عن البنية التحتية فالأرقام تشير إلى دمار بنسبة 80% من شبكتي الكهرباء والمياه، وتدمير أكثر من 50% من البنى التحتية لقطاع الخدمات كالمدارس والمشافي.
والأسوأ من كل هذا، هو هجرة الأدمغة وأصحاب الشهادات، فنحو 70% من حملة الشهادات هاجروا إلى بلاد المهجر، ويقدر أن نحو 15% من الأطباء والمهندسين صاروا في أوروبا حيث غادر نحو 20 ألف مهندس من البلاد، وخرج نحو 3 ملايين طالب من سلك التعليم و780 ألف شخص كانوا يعملون في الصناعة. والشيء بالشيء يذكر، فهناك 10 ملايين ما بين نازح ومهجر يشكلون نحو 45% من عدد سكان سوريا.
بلغ حجم الخسائر في الاقتصاد السوري نحو 300 مليار دولار
والمحصلة من كل هذا أن حجم الخسائر في الاقتصاد السوري بلغت نحو 300 مليار دولار، بدون احتساب كلفة معدلات النمو وبعد احتسابها قد تصل إلى 689 مليار دولار بحسب دراسة لمركز فرونتيير إيكونوميكس الأسترالي للاستشارات ومؤسسة ورلد فيجن الخيرية.
المناطق المحررة.. إدلب نموذجًا
تحررت إدلب عن سيطرة النظام في العام 2014 إلا قريتي كفريا والفوعة، وأُطلق عليها عاصمة النازحين بسبب عدد المهجرين الذين هجروا إليها قسرًا من كل أنحاء سوريا، والذي بلغ عددهم أكثر من مليون شخص، استلمت إدارة إدلب خليط من الإدارات المدنية والعسكرية، واعتمدت لتأمين إيراداتها على المنظمات الأجنبية والمحلية بشكل مفرط. عوّل السوريون على نجاح تجربة إدلب في إدارة المحافظة لعكس صورة إيجابية أمام المجتمع الدولي، وإيجاد سبل الحياة الكريمة للمواطن هناك.
لم تستطع المعارضة التي تدير مناطق عديدة في سوريا من درعا مرورًا بريف دمشق وأجزاء من حمص وحماة انتهاء بإدلب وأجزاء من حلب، حتى الآن من إيجاد تجربة مميزة تتواءم مع المرحلة الحرجة التي تمر بها
ولكن بعد مرور أكثر من سنتين على هذه التجربة لم تظهر علامات التحسن في اقتصاد المحافظة وإدارتها، حيث شهدت المحافظة ارتفاع في المستوى العام للأسعار أدت لتنامي السوق السوداء وانتشار الاستغلال والاحتكار من قبل تجار الحرب والفوضى، أدى لانتشار العمل العشوائي وإفساح المجال لاقتصاد موازي يحاكي الرسمي المفترض بمعاملاته التجارية، وفقدت الكثير من السلع الاستهلاكية داخل الأسواق لصعوبة دخولها إلى المحافظة.
كما ارتفعت معدلات الفقر إذ بلغت نسبة الفقر في المحافظة نحو 76% في العام 2014، ومن ثم افتقرت المحافظة للإجراءات الضابطة لعمل القطاعات الاقتصادية، بسبب غياب العمل المؤسساتي في الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات، وعلى الرغم من الميزات الزراعية التي تتمتع بها إدلب إلا أن المحافظة افتقرت للأمن الغذائي بسبب عدم تنظيم العمليات المتفاعلة في هذا القطاع المهم.
كما كان للعسكر دور كبير في إفساد هذه التجربة بسبب دخولهم في مفاصل الإدارة وتدخلهم في نشاطات الحياة المدنية، حتى أنهم تدخلوا في إدارة العملية التعليمية إذ عملوا على فرض نمط ومنهاج تعليمي إلى جانب المرجعيات التعليمية الموجودة في المحافظة والتابعة للحكومة المؤقتة ولحكومة النظام السوري.
نسبة 80% من المسافرين والبضائع تمر عبر باب الهوى بينما الـ20% الأخرى تعبر من خلال باب السلامة في ريف حلب الشمالي.
وأخيرًا وليس آخرًا، تحتفظ إدلب بأهم مورد تجاري على الإطلاق هو معبر باب الهوى، والذي تديره حركة أحرار الشام الإسلامية، فالمعبر أصبح ذو قيمة استراتيجية لأنه يغذي مناطق المعارضة في شمال سوريا ويسهم بشكل كبير في التجارة الخارجية لسوريا، فهو الشريان الأكبر الذي يربط سوريا بالعالم من خلال تركيا، وصُنّف بأنه المعبر الأول من بين المعابر السورية التي تسيطر عليها المعارضة، تبعًا لحركة عبور المسافرين والبضائع القادمة من تركيا والتي تمد منطقة إدلب وما حولها بالسلع والخدمات الأساسية، فنسبة 80% من المسافرين والبضائع تمر عبر باب الهوى بينما الـ20% الأخرى تعبر من خلال باب السلامة في ريف حلب الشمالي.
إلا أن إيرادات المعبر الشهرية التي قدرتها جهات إعلامية محلية بنحو 5 مليون دولار أي ما يقرب من 60 مليون دولار سنويًا، لم يتم توجيها لرفد التنمية المحلية في القطاعات المختلفة في إدلب بحيث يتم الاستعاضة بها عن المنظمات الأجنية والمحلية، وتنتشل المحافظة من المشاكل والأزمات الذي وقعت فيها إلى مرحلة أخرى.
وفي النهاية لم تستطع المعارضة التي تدير مناطق عديدة في سوريا من درعا مرورًا بريف دمشق وأجزاء من حمص وحماة انتهاء بإدلب وأجزاء من حلب، حتى الآن من إنجاز تجربة اقتصادية مميزة وخاصة بها على صعيد إدارة المناطق المحررة، تتلائم مع ظرف الأزمة الذي تمر فيه وتأمن حياة سليمة للمواطن بأدنى الظروف تخفف من الأعباء الثقيلة التي يتعرض لها وتقيه شر اللجوء إلى المخيمات الموجودة على الحدود السورية أو تعريض نفسه للخطر بالهجرة إلى الخارج.