أطلقت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023 عملية “طوفان الأقصى” دفاعًا عن المسجد الأقصى المبارك ورفضاً للاعتداءات على النساء والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وتعتبر هذه المواجهة الجديدة التي أفاق عليها الفلسطينيون قبل أيام بسيطة، بعد أن قام مجموعة من عناصر كتائب القسام نجحوا في اخترقوا الحدود البرية والجوية مع الاحتلال الإسرائيلي وأحدثوا رعبًا في صفوف جنوده وأردوهم بين قتيل وجريح وأسير.
وأحدثت تلك المشاهد التي صاحبها اعتقال عشرات المستوطنين والجنود لمرحلة جديدة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع لا حجمًا ولا استعراضًا، لما فيها من إذلال لاحتلال يتباهى دومًا بامتلاكه أعتى منظومة عسكرية وأمنية، لكن ما جرى على الهواء مباشرة أمام مرأى العالم دحض كل رواياته المزيفة، وأثبتت المقاومة في غزة أنها من تمتلك زمام الأمور وعنصر المفاجأة.
ومع خروج القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف في كلمة مسجلة دعا فيها لحمل السلاح في مختلف الأرض الفلسطينية وضرب الأهداف الإسرائيلية والتظاهر في مختلف مدن العالم، تكون الصورة قد اتضحت بـأن ما يحصل بمثابة “طوفان بشري” فلسطيني.
وتشكل هذه الدعوات رسالة للفلسطينيين على وجه التحديد من أجل الانخراط في هذه المواجهة على غرار ما حصل خلال معركة “سيف القدس” عام 2021، والتي اندلعت فيها هبة القدس بالإضافة إلى هبة الكرامة في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.
هل تلتحق الضفة والداخل بطوفان الأقصى؟
يبدو سيناريو انضمام الضفة الغربية المحتلة والداخل بالقطاع أمرًا واردًا وغير مستبعد، في ضوء تصاعد حالة التصعيد بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، وغياب أفق بالوصول إلى اتفاق تهدئة في ظل الخسائر الكبيرة التي تكبدها الاحتلال الإسرائيلي من المقاومة.
وإلى جانب هذا الأمر تلعب حالة التصعيد الشعبي والميداني دورًا في التعجيل من دخول الضفة والداخل المحتل على وتر طوفان الأقصى في ضوء تصاعد الاحتياجات الميدانية والشعبية وتصاعد الجرائم والمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة.
ومن البوادر التي تلعب عاملاً في إشعال المنطقة استشهاد 13 فلسطينياً بالضفة الغربية المحتلة نتيجة لحالة الغضب الشعبي وهو ما يشي بإمكانية أن تشهد الضفة سلسلة من العمليات التي تطال بالاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه وجنوده في مختلف المناطق.
وإلى جانب هذا الأمر فإن الطرق الالتفافية والمستوطنات قد خلت من المستوطنين بعد الخشية من أن تقدم المقاومة أو الفلسطينيين بشكلٍ فردي على تنفيذ سلسلة من العمليات للانتقام والرد على السلوك الإسرائيلي في القطاع وما يقوم به من مجازر.
وبالتوازي مع هذا الأمر فإن لعوامل منها سير الأحداث والسلوك الإسرائيلي في الضفة والقدس دافع لإشعال المشهد هناك، في ضوء عمليات التصفية التي تتم ميدانياً من قبل الاحتلال للفلسطينيين والعدوان المتصاعد ودون توفق في مختلف مناطق الضفة.
أين الخلايا المسلحة؟
يطرح سير الأحداث الحالي سؤالاً يتمثل في “أين الخلايا المسلحة؟” سواء كتيبة جنين أو عرين الأسود مما يحصل من عمليات تقوم بها المقاومة الفلسطينية، وهو سؤال قد يبدو في ظاهره متاحًا ومشروعًا إلا أنه وعن الغوص في التفاصيل فإن الشيطان يكمن بها.
منذ لقاء شرم الشيخ والعقبة خلال العام الجاري، تم الاتفاق على سلسلة من الخطوات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بوساطات عربية ودولية، تتركز في محورها على استهداف الخلايا المسلحة للتقليل من حدة العمليات بالضفة.
تبع ذلك، عمليات أمنية قامت بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية أدت لاعتقال بعض المطاردين المطلوبين على خلفية عملهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى العمليات العسكرية التي شنها الاحتلال لملاحقة المطلوبين الفلسطينيين والمطاردين في مختلف المناطق بالضفة وتحديدًا المناطق الشمالية مثل جنين ونابلس وطولكرم.
كل ما سبق يشكل عوامل صعبة وتحدي بالنسبة للخلايا المسلحة، إلى جانب الطبيعة الميدانية القائمة حالياً وتخفي المستوطنين عن الأنظار في جبهة الضفة الغربية المحتلة بعد أن تراجعت حدة الاعتداءات على المسجد الأقصى منذ بداية “طوفان الأقصى”.
وهو ما يعني أن هذه المجموعات تواجه تحديات إلا أنها لن تكون بعيدة عن سير الأحداث في ظل أن الكثير منها مرتبط بالأذرع العسكرية والفصائل الفلسطينية في غزة، خلال السنوات الأخيرة وهو ما يعني أن يتم استخدامها لفتح بقية الجبهات عند الحاجة إليها.
القيود.. ملاحقة إسرائيلية وسلطوية
لا تخلو أي حالة فلسطينية بالضفة الغربية المحتلة أو حتى الأراضي المحتلة عام 1948، من قيود تتمثل في الملاحقة الأمنية والتصدي لها، إذ يسيطر الاحتلال على المشهد في الداخل المحتل ويحظر أي تظاهرات ويلوح باستخدام القوة المفرطة منذ هبة الكرامة عام 2021.
شهد العامين الماضيين إصدار أحكام بحق النشطاء الفلسطينيين تنوعت بين السجن لعام و لأكثر من 10 سنوات على خلفية التظاهرات التي تزامنت مع هبة القدس ومعركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة الفلسطينية دفاعاً عن المسجد الأقصى عام 2021.
أما فيما يتعلق بالضفة الغربية المحتلة، فتبدو هي الأخرى تحت الضغط الرسمي من قبل السلطة الفلسطينية والملاحقة والانتشار الأمني، إذ لجأت السلطة منذ اليوم الأول للمعركة إلى الإعلان عن تنفيذ خطوة الإضراب في مختلف المؤسسات للحفاظ على الهدوء.
تعتبر خطوة الإضراب حالياً غير مجدية نظراً لعدم وجود الاحتلال في مراكز المدن الفلسطينية مقارنة بالسابق وهو ما من شأنه أن يحبط أي تحرك شعبي موازي لـ “طوفان الأقصى” وينعكس بالسلب على التحركات الفلسطينية الشعبي لمواجهة الاحتلال.
الشارع الفلسطيني سيبقى مراقباً لما يحصل في القطاع فيما ستبقى التحركات رهينة لطبيعة الأحداث وسيرها ميدانياً حيث من الوارد أن تشهد بعض المناطق عمليات ضد المستوطنين والاحتلال، فيما سيكون من السابق لأوانه الحديث عن موجة واسعة.