قررت الحكومة الإسرائيلية إعلان التعبئة العامة للجيش، وإخلاء عدد كبير من المستوطنات على حدود قطاع غزة، استعدادًا للهجوم البرّي خلال الساعات القادمة كما تزعم. توقّعت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن تقوم “إسرائيل” بهجوم برّي على قطاع غزة، بناءً على معلومات رسمية استقتها من البنتاغون، وصرّح أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن “إسرائيل” تأخذ في الاعتبار جميع الاحتمالات والخيارات، بما في ذلك تنفيذ عملية برية واجتياح قطاع غزة.
ردَّ أدرعي لوكالة “ريا نوفوستي” على سؤال حول إمكانية القيام بعملية برية في غزة: “قمنا بتفعيل حالة الأحكام العرفية، وقد تم أخذ كل الاحتمالات والخيارات في الحسبان، لقد حشدنا عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، وفي المستقبل قد يرتفع هذا الرقم إلى عدة مئات من الآلاف، وهذا سيعزز الجبهة الجنوبية”.
ووفق ما تروج له وسائل الإعلام العبرية حول حدوث اجتياح برّي لقطاع غزة، فإن جميع المعطيات على أرض الواقع تؤكد أنه من الصعب حدوث ذلك في هذا التوقيت، كون “إسرائيل” لن تجرؤ على التوغُّل ما دام هناك مقاتلون فلسطينيون في المستوطنات، ومشهد حشد الدبابات على الحدود يعتبر خدعة عسكرية، ليترك عناصر حماس المستوطنات ويفرّون إلى قطاع غزة للدفاع عنه.
الاجتياح البرّي خيار استراتيجي بلا هدف سياسي
ما ينشَر في الصحافة العبرية عن توغل برّي في قطاع غزة، يدل على أن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في حالة تخبُّط، خاصة أنه في التصعيدات السابقة وضعت “إسرائيل” آلاف الدبابات على حدود غزة لكن دون استخدامها، وفي حال تجرأت واجتاحت القطاع برًّا سيكون الأمر مكلفًا بالنسبة إليها، ليس بعدد القتلى بل بشكل المواجهة التي ستكون لعدة أشهر.
يقول المختص في الشأن الإسرائيلي أسامة الرشق، إنه من الصعب التكهُّن بالتطورات التي تحدث كل ساعة، كون المعركة قلبت موازيين الصراع.
وتحدّث الرشق لـ”نون بوست” عن مكاسب نتنياهو السياسية من المعركة، حيث إنه وحكومته وآلته الإعلامية تعمل بشكل غير مسبوق، مستغلة كل الأرقام والصور والتوثيقات للجنود والمستوطنين المعتقلين لدى حماس، وكذلك العمليات البطولية في المستوطنات الإسرائيلية وتسويقها بطريقة تؤثر على التضامن العالمي للقضية الفلسطينية، وكسب المزيد من التأييد الأمريكي والأوروبي لآلة القتل الإسرائيلية.
أما عن فكرة الاجتياح البري لقطاع غزة، ذكر أن المجتمع الإسرائيلي يطالب ويضغط الحكومة الإسرائيلية لإعادة الانتشار في قطاع غزة، فهذا السيناريو بات مطروحًا على مستوى الإعلام العبري.
ويرى الرشق أنه في حال الضغط الشعبي الإسرائيلي على نتنياهو لاجتياح غزة، سيكون الأمر مدمّرًا للطرفَين، فهو لم يخض حروبًا برية كبيرة في السابق، لذا حذّر رغم اتهام حكومته بالفشل الاستخباراتي والتقصير في الساعات الماضية.
وبحسب متابعته، فإن نتنياهو يفضّل الضربات الجوية كونها تقلل من الخسائر البشرية الإسرائيلية، وتلحق أضرارًا جسيمة بالغزيين.
ويبدو الحديث حول الاجتياح البري غير مرجّح لأنه بلا هدف سياسي، ويمكن أن تحدث مناورة برية محدودة، فمستوطنات غلاف غزة انتهت استيطانيًّا وستتحول إلى وجود رمزي عسكري.
الاحتلال لن يقتحم برًّا و”ظهره مكشوف للقسّام”
منذ اللحظة الأولى التي خسر فيها الاحتلال وهو يحاول استيعاب الصدمة، فكل عملياته العسكرية الجوّية عمليات انتقامية بدائية بالمنطق العسكري، لذا كعادته عمل على الحرب النفسية والإعلامية عبر محاولة تجميل صورته أمام شعبه، والترويج لتدمير قطاع غزة برًّا وبحرًا وجوًّا.
وفي السياق ذاته يقرأ المشهد إسلام شهوان الخبير الأمني، ويقول: “من الواضح أن الاحتلال بكافة أذرعه الأمنية والعسكرية والسياسية في حالة تخبُّط شديد، ولم يعطِ صورة واضحة لوسائل الإعلام، ولم يستطع ترميم وحداته العسكرية، فقد استدعى قوات الاحتياط وأخذ قرارًا من الكابينيت لإعلان الحرب، واتخذ كل التجهيزات العسكرية وجلب أعدادًا كبيرة من وحدات الدفاع من داخل الكيان، ومع ذلك لم يستطع حتى اللحظة رسم خطوطه العسكرية”.
ويرى شهوان أن الاحتلال يحاول البحث عن مخرج لتحسين صورته أمام ارتفاع حالات القتلى في صفوف الجنود والمستوطنين، فهو يقصف بيوت المدنيين والمساجد والمؤسسات دليلًا على تخبُّطه العسكري.
أما على المستوى النفسي، يصف الخبير الأمني أن الاحتلال في حالة صدمة وذهول، حيث قام باستدعاء آلاف الخبراء والمختصين في البُعد النفسي والاجتماعي لمعالجة أعراض ما بعد الصدمة، وفتح عيادات نفسية، ونشر أرقامًا للاتصالات المباشرة لتلقي الخدمة لمن تعرض للصدمة النفسية.
وبحسب متابعته، فإن الاحتلال يحاول استعادة قوته أمام جنوده ومستوطنيه، بعدما رسمت كتائب القسّام صورة الذل والعار لمنظومته الأمنية.
ويؤكد أن نتنياهو هو الخاسر الوحيد من المعركة، كونه قبلَ البقاء أسيرًا لوزراء متطرفين في حكومته، فهذه الجولة منذ بدايتها والفوز للمقاومة التي حقّقت نجاحًا غيّر المعادلة في الشرق الأوسط.
ويرى أن أقصى ما يمكن وصول الاحتلال إليه في ذروة غضبه هو استهداف البيوت والمساجد، دون الاقتحام البرّي الذي سيفشل فيه فشلًا ذريعًا لما أظهرته كتائب القسّام في جولاتها مع جنوده داخل المستوطنات، لذا “لن يقتحم برًّا وظهره مكشوف لعناصر القسّام”.
المعركة الحالية “طوفان الأقصى” تعتبر الأشد قسوة على الاحتلال، كونها كسرت صورته القوية أمام العالم على يد المقاومة الفلسطينية، لا سيما حجم الخسائر البشرية والقتلى لدى الاحتلال الذي فاق الـ 900 قتيل، فذلك يشكّل رادعًا أمام أي خيار عسكري غير مدروس بعناية.
كما أن “إسرائيل” تأخذ في عين الاعتبار أيضًا أنه وقت الاجتياح البري وقع مئات الضحايا بين المدنيين، حيث يصعب تحمّلها لذلك أمام المجتمع الدولي، وما ينقل الإدانة الدولية ضد دولة الاحتلال وربما الولايات المتحدة التي تعلن عن دعمها المستمر لـ”إسرائيل”، وتسعى لإرسال مساعدات عسكرية لدعمها في مواجهة المقاومة الفلسطينية.