(صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين – اختراق للعلاقات المتجمدة – التاريخ سيسجل هذه الزيارة في سجلاته الحافلة – إعادة بناء جسور الثقة بين الإدارتين – لقاء السحاب بين الكبيرين – ترامب في شوق لهذا اللقاء) بهذه المانشيتات الرنانة علقت وسائل الإعلام المصرية على زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للولايات المتحدة الأمريكية في جولة تستغرق قرابة الأسبوع.
زيارة السيسي تأتي وسط زخم إعلامي وسياسي كبير، ساهم في رفع منسوب الطموحات والآمال المعلقة على ما يمكن أن تتمخض عنه هذه الجولة التي يراهن عليها الكثيرون من المقربين للسيسي في إضفاء المزيد من الشرعية الدولية على النظام الحاكم في مصر.
وما بين التفاؤل حيال هذه الزيارة وقدرة السيسي على إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتقديم المزيد من الدعم والتأييد، والترقب والقلق خوفًا من شخصية ترامب المتقلبة وانعكاسها على فرض العديد من الإحباطات، يقف المصريون في انتظار ما ستسفر عنه هذه الزيارة.
تعزيز التعاون المشترك
وصل السيسي مساء أمس السبت إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، على رأس وفد ضم كلاً من: سامح شكري وزير الخارجية، طارق قابيل وزير التجارة والصناعة، سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، عمرو الجارحي وزير المالية، اللواء خالد فوزي رئيس المخابرات العامة، اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي.
بحسب الرئاسة المصرية فإن اللقاء يهدف إلى تبادل الرؤى بشأن القضايا التي تشهدها المنطقة، وإطلاع الجانب الأمريكي على مواقف الجانب المصري حيالها
وبحسب جدول هذه الزيارة فسوف يجري السيسي عدة لقاءات مع عدد من المسؤولين منهم رئيس البنك الدولي جيم يونج كين ووزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتياس ووعدد من أعضاء الكونجرس بغرفتيه وسياسيين وباحثين بمراكز صنع القرار الأمريكية، هذا بالإضافة إلى لقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب غدًا الإثنين.
وعن الهدف من الزيارة قال السفير علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة إن زيارة السيسي للولايات المتحدة الأمريكية تستهدف بدء التنسيق والتشاور مع الإدارة الأمريكية الجديدة وإطلاعها على التطورات السياسية والاقتصادية التي تشهدها مصر، مضيفًا خلال كلمته في المؤتمر الصحفي الذي عقد بأمريكا أن اللقاء يهدف أيضًا إلى تبادل الرؤى بشأن القضايا التي تشهدها المنطقة، كذلك إطلاع الجانب الأمريكي على مواقف الجانب المصري، وأهم الركائز التي يجب العمل عليها لحل أزمة الإرهاب وسبل مواجهتها.
واختتم يوسف كلمته بأن اللقاءات المقرر عقدها مع مسؤولي البنك الدولي وصندوق البنك الدولي، ستكون فرصة جيدة لمتابعة ما تم تطبيقه في مشروع الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي بدأت الحكومة المصرية تنفيذه في شهر نوفمبر الماضي.. فماذا عن الجانب الأمريكي؟
وفي المقابل أكد البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي متحمس للترحيب بالرئيس المصري في البيت الأبيض، ويسعى لاستغلال الزيارة لإعادة تفعيل العلاقات الثنائية بين البلدين.
البيت الأبيض في مؤتمر صحفي عقده للتعليق على هذه الزيارة أشار إلى أن مصر واحدة من أعمدة الاستقرار التقليدية في الشرق الأوسط، وشريك يعتمد عليه بالنسبة للولايات المتحدة لعقود، وقد أدت التفاعلات المبدئية بين ترامب والسيسي، بما في ذلك مكالمتهما الهاتفية في 23 من يناير الماضي، إلى تحسن في العلاقات بالفعل.
البيت الأبيض يرى أن الملف الحقوقي لن يكون حجر عثرة أمام استعادة العلاقات الأمريكية المصرية
المؤتمر الصحفي تطرق إلى تأكيد الرئيس الأمريكي على “الالتزام العميق والثابت من جانب الولايات المتحدة نحو أمن واستقرار مصر وازدهارها، في ضوء الخطوات التي قام بها السيسي والتي يرى ترامب من وجهة نظره أنها جريئة وقوية فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية ومحاربة الإرهاب وتجديد الخطاب الديني”
وفي مفاجأة فجرها البيت الأبيض أن الملف الحقوقي لن يكون حجر عثرة أمام استعادة العلاقات الأمريكية المصرية، لا سيما أنه كان أبرز نقاط الخلاف بين القاهرة وواشنطن في الإدارات السابقة، وهو ما يترجم شعار “أمريكا أولاً” الذي أطلقه ترامب خلال حملته الانتخابية والذي يهدف إلى تعزيز مصالح أمريكا بصرف النظر عن أي مسائل أخرى.
وعن الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، أشار البيت الأبيض أن “ترامب سيستمع إلى رأي السيسي في أنشطة الجماعة وكيف ينظر إليها، مع التأكيد على دراية الإدارة الأمريكية بتفاصيل عمل الجماعة وأعضائها إلا أنها لم تتخذ بعد أي قرارات بشأن تصنيفها كمنظمة إرهابية”
ثم اختتم المؤتمر الصحفي بسؤال عما أثير بشأن تسليم القاهرة قائمة ببعض الأسماء المطلوب تسليمها من قبل واشنطن بزعم أنهم إرهابيون، نفى المتحدث باسم البيت الأبيض تسلمه أي شيء من هذا القبيل، رافضًا التعليق عما يثار في الإعلام المصري بخصوص هذا الشأن.
السيسي يصل إلى قاعدة أندروز الأمريكية
8 ملفات على جدول الأعمال
لقاء ترامب المقرر غدًا مع السيسي ليس الأول له مع مسؤول عربي، فقد سبقه عدة لقاءات أخرى، كان في مقدمتها لقاؤه وولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ثم لقائه السابق مع ملك الأردن عبد الله الثاني، والذي من المقرر أن يلتقي به مرة أخرى خلال اليومين القادمين، إضافة إلى اللقاء المزمع إجراؤه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن.
وتأتي زيارة السيسي للولايات المتحدة في وقت تشهد فيه المنطقة زخمًا سياسيًا وأمنيًا غير مسبوق، حيث مزيد من تعقيد الأزمة في سوريا واليمن، وزيادة العمليات المسلحة في بعض الدول وفي مقدمتها مصر، إضافة إلى ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كما أنها تتزامن مع نهاية فعاليات القمة العربية التي عقدت مؤخرًا في الأردن.
أجندة اللقاء بين ترامب والسيسي ستتمحور حول ثمانية ملفات سيشملها جدول الأعمال المقترح وخي التعاون المشترك بين البلدين والدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي لمصر ومسألة إدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية ومكافحة الإرهاب وسبل التنسيق بين الجانبين وقضية نقل السفارة الإسرائيلية للقدس والملف السوري وآخر المستجدات والملف اليمني وبحث دور القاهرة العسكري داخل اليمن والهجرة وكيفية الحد من اللاجئين.
تحريك هذه المسائل والتوصل إلى صيغ ترضي الطرفين يتوقف على مدى استجابة كل طرف لضغوط الطرف الآخر، إلا أن الآمال التي يعقدها المقربون من السيسي على هذا اللقاء ربما تصطدم ببعض الاحباطات.. فما هي؟
زيارة السيسي لأمريكا تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة زخمًا سياسيًا وأمنيًا غير مسبوق
الدعم العسكري الأمريكي لمصر أبرز ملفات اللقاء بين السيسي وترامب
إحباطات ثلاث
محمد المنشاوي الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الأمريكية، أورد في مقال له بجريدة الشروق المصرية ثلاثة مخاوف مصرية من نتائج لقاء السيسي وترامب، وصفها بـ”الإحباطات”، حيث أشار إلى أن الإفراط في الآمال المعقودة على زيارة السيسي لواشنطن ربما يصطدم بثلاث نقاط أساسية:
1- المعونة الأمريكية.. حيث أوضح أن الميزانية التي قدمها ترامب للكونجرس هذا العام أربكت حسابات القاهرة بصورة كبيرة، إذ انخفضت ميزانية وزارة الخارجية التي تتضمن بداخلها المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر من 38 مليار دولار خلال هذا العام إلى 27 مليار العام الجديد، بتراجع قيمته 29% من الميزانية، ملفتًا أن الميزانية الجديدة لم تحصن سوى المساعدات المقدمة لإسرائيل والتي تبلغ فيمها 3.1 مليار دولار سنويًا، مما يعني أن المساعدات المقدمة للدول العربية ومنها مصر باتت رهن التقييم وهو ما أثار القلق لدى النظام الحالي.
ويتفق نبيل فهمي وزير الخارجية المصري السابق، مع ما ذهب إليه المنشاوي في مقاله في هذه الجزئية، حيث قال في فيديو تسجيلي نُشر عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “إدارة بارك أوباما كانت تؤيد تقديم المعونة لمصر، بينما الإدارة الحالية للرئيس ترامب لا تؤيد التوسع في تقديم المعونة بالأساس لدول العالم، ونحن في انتظار نتائج زيارة السيسي للقاء ترامب”.
.@egoadel #AskDeanFahmy pic.twitter.com/6jcJ7jwaJ3
— Nabil Fahmy (@DeanNabilFahmy) March 30, 2017
2- التوصيف الأمريكي للجيش المصري.. تصنيف إدارة ترامب للجيش المصري ووصفه بأنه “الجيش السني العربي الأكبر” أثار إزعاج القاهرة بشكل مقلق، إذ إن هذا التوصيف الذي تم استدعاؤه في إطار الحديث عن مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يحمل العديد من المخاطر، فالجيش المصري جيش يجمع كل الأطياف، مسلمين وأقباط، وتوصيفه بـ”السني” يضعه في مواجهة مع “الجيش الشيعي” ومن ثم يبعده عن مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
3- مواجهة جماعة الإخوان المسلمين.. الانتقادات التي وجهها ترامب خلال حملته الانتخابية لمنافسته هيلاري كلينتون بشأن دعمها للراديكاليين والإخوان المسلمين في مصر، وتعهده بالتصدي لمثل هذه الجماعات، رفعت منسوب التفاؤل لدى النظام المصري في تصنيف واشنطن للجماعة كمنظمة إرهابية، وهو ما زاد بصورة كبيرة عقب تقديم بعض أعضاء الكونجرس مشروع قانون لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، إلا أن ترامب إلى الآن لم يتخذ أي قرار بشأن الجماعة، وهو ما أشار إليه كاتب المقال مستبعدًا إصدار أمر تنفيذي رئاسي بتصنيف الجماعة بالإرهاب نظرًا لما يحمله هذا القرار من تداعيات إقليمية وأعباء جديدة على واشنطن، وربما تكتفي فقط بتصنيف حركتى حسم ولواء الثورة بالإرهاب.
ثلاثة مخاوف مصرية من نتائج لقاء السيسي وترامب أبرزها الموقف من الإخوان والمعونة الأمريكية
حشد إعلامي وشعبي
وفي محاولة للتخفيف من حدة هذه المخاوف والسعي لتصدير صورة للعالم بشأن الدعم الشعبي الذي يحظى به النظام الحاكم، صاحب السيسي حشد إعلامي طالما رافقه طيلة زيارته وجولاته الخارجية، والمدعم من بعض رجال الأعمال المقربين من النظام وحكومته.
ولم يتوقف الأمر على الحشود الإعلامية فحسب، بل نظم بعض رجال الأعمال المصريين المقيمين في أمريكا رحلات تأييد ودعم للسيسي أمام محل إقامته بواشنطن، فضلاً عن الدعوات التي تطلقها الكنيسة المصرية لمؤازرة الرئيس المصري، في محاولة للتصدي للحملات المناهضة له من المعارضين المصريين المقيمين بالولايات المتحدة.
التضخيم الإعلامي لهذه الزيارة والحشود المتتالية الإعلامية منها والشعبية، لا شك أنها ألقت بظلالها على الشارع الأمريكي، فكيف تناول الإعلام في أمريكا هذه الظاهرة؟
وصفت صحيفة “الإيكونوميست” تغطية الإعلام المصري لزيارة السيسي لأمريكا بـ”الكاذبة”
حشود إعلامية وشعبية لتأييد السيسي خلال زياراته الخارجية
السراويل تحترق في القاهرة
“السراويل تحترق في القاهرة، لماذا يحب حاكم مصر دونالد ترامب، وكيف يبالغ الإعلام المصري في العلاقة الوطيدة بينهما” كان هذا هو العنوان الذي اختارته صحيفة “الإيكونوميست” لمقال علقت من خلاله على التناول الإعلامي المصري لزيارة السيسي لواشنطن، والذي وصفته بـ”الكاذب”.
الصحيفة تناولت بعض المبالغات التي تطرق إليها الإعلام المصري عن علاقة السيسي بترامب، والتي ثبت كذبها فيما بعد، منها أن ترامب تنازل عن راتبه كرئيس من باب اقتدائه “بخطى” نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وليس بإلهام من خطوات مماثلة فعلها قادة أمريكيون سابقون أمثال هربرت هوفر وجون كينيدي، كذلك ما قاله مذيع تلفزيوني مصري بأن السيسي هو “النموذج ” الذي يسير عليه ترامب، كذلك ما ذكره موقع إخباري بأن السيسي كان على رأس قائمة المدوعين في حفل تنصيب ترامب.
المقال أورد أن مثل هذه الأخبار الزائفة من السهل كشفها إذ إن ترامب وعد بالتخلي عن راتبه قبل أن يلتقي أصلاً بالسيسي الذي خفض راتبه بمقدار النصف، كما أنه لم يحضر مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي.
وبحسب الصحيفة فإن الإعلامي المصري عمرو أديب أوحى إلى أن ترامب تملكه شعور بالهيبة تجاه قيادة السيسي، وبحسب أديب، فإن ترامب سأل السيسي: “كيف استطعتم النجاة خلال الشهور الأربعين الماضية”، في إشارة إلى المشكلات الاقتصادية العديدة التي تعاني منها مصر.
ماذا عن ملف حقوق الإنسان؟
في الوقت الذي أعلن فيه البيت الأبيض أن ملف حقوق الإنسان لن يقف حجر عثرة أمام التقارب الأمريكي المصري كما كان في السابق، ذهبت صحيفة “واشنطن بوست” إلى إلقاء الضوء على هذا الملف الذي تجاهلته إدارة ترامب، في محاولة لتذكير الأمريكيين به، وذلك حين عنونت لتقرير لها: “ديكتاتور ترامب المفضل يهبط على مواطني الولايات المتحدة” تعليقًا على زيارة السيسي للولايات المتحدة.
الصحيفة الأمريكية قالت في تقريرها إن السلطات المصرية تحتجز 7 مواطنين أمريكيين على الأقل بتهم مسيسة، منهم آية حجازي خريجة جامعة جورج ميسون التي تزوجت واستخدمت أموال زفافها لإنشاء منظمة غير حكومية لأطفال الشوارع، ووجدت نفسها وزوجها يقبعان في السجن لأكثر من 3 سنوات، إضافة إلى مصطفى قاسم (52 عامًا)، وأحمد عطوي (26 عامًا).
“ديكتاتور ترامب المفضل يهبط على مواطني الولايات المتحدة”، هكذا علقت “واشنطن بوست” على زيارة السيسي لأمريكا
الإدارة الأمريكية ترى أن ملف حقوق الإنسان لن يعرقل التقارب مع القاهرة
ثم ألقى التقرير المنشور الضوء على حالتين من الحالات الثمانية القابعة داخل السجون المصرية، منها طفل أمريكي من أصل مصري يدعى أحمد مصطفى (يعيش في نيوجيرسي ويبلغ من العمر 18 عامًا)، موضحة أنه كان في مصر مع عائلته قبل 5 أشهر عندما اقتحمت الشرطة المنزل، وقامت باعتقال عمه بتهم باطلة، ولما تبادلوا الحديث مع الضباط للسؤال عن سبب اعتقال عمه، قاموا باعتقاله هو أيضًا، والاعتداء عليهما، فضلاً عما يتعرض له داخل محبسه من معاملة غير آدمية وتعذيبه بطرق وحشية.
أما النموذج الثاني فكان لمواطن أمريكي أصيب عام 2013، برصاصة من الشرطة خلال فض تظاهرة سلمية، واعتقل بعد ذلك من منزل عائلته في مصر مع 3 صحفيين، وحكم عليه بالسجن المؤبد بتهم مسيسة لمدة 22 شهرا، حيث تعرض للعديد من صور التعذيب والانتهاك.
وهكذا تمثل زيارة السيسي للولايات المتحدة أهمية كبرى في دعم وتقوية النظام الحاكم في مصر برأي العديد من الخبراء والمحللين المقربين منه، إلا أنها في ذات الوقت تحمل العديد من التخوفات بخصوص ما يمكن أن يتمخض عنه اللقاء مع ترامب في ظل ما يتمتع به الأخير من شخصية متقلبه.
وتبقى الساعات الأربعة والعشرون المتبقية على لقاء الرئيسين المصري والأمريكي وما ينجم عنه من قرارات هي الفيصل.