تحتبس الأسواق المالية حول العالم، والسياسيون أنفاسهم في انتظار أول لقاء مرتقب بين زعيمي أكبر دولتين في العالم من المقرر عقده في 6 و 7 أبريل/نيسان الحالي في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة، فما قد يحدث بين الزعيمين سيعني الكثير ليس لمصير التجارة بين البلدين وحسب، بل على مستوى العالم أيضًا، فاستقرار العلاقة بين البلدين تعتبر ركيزة أساسية لاقصاد العالم برمته.
حيث يضمر ترامب العداء للصين منذ صعوده إلى البيت الأبيض، وينوي بأي شكل من الأشكال أن يعاقبها بسبب الميزان التجاري بين البلدين ولتلاعبها بالعملة لمصلحة تنافسية بضائعها، بالإضافة إلى الخلافات في بحر الصين الجنوبي.
قمة نارية بين ترامب والرئيس الصيني
بين سعي الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة نحو تعزيز إجراءات الحماية التجارية وجعل “أمريكا أولا” شعارًا له، تسعى الصين من جهتها للحفاظ على وتيرة صادراتها نحو السوق الامريكية، إذ تعتمد سياسة ترامب الجديد على “معاقبة” أي دولة تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري معها وذلك من خلال فرض رسوم جمركية على بضائعها وتضييق أسواقها في الولايات المتحدة.
وإذا كان أحد يعول على الفترة التي قضاها ترامب في البيت الأبيض بأنها ستغير من فكره وقراراته، فقد التغت تلك الأفكار بعد زيارة المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل إلى الولايات المتحدة قبل أسبوعين تقريبًا.
استقرار العلاقة بين الصين والولايات المتحدة تعتبر ركيزة أساسية لاقتصاد العالم
فبينما توقعت ميركل أن تأخذ محادثاتها مع ترامب حيزًا كبيرًا حول الاتفاقيات التجارية والسياسات الاقتصادية، تجاهل ترامب النقاش معها بخصوص تلك الأمور ليقول لها ضمنيًا أنه لا يزال مُصِر على اتباع سياسات انعزالية لحماية المصالح الأمريكية، وقالت ميركل عقب المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض أنها “لم تجد الوقت لمناقشة تفاصيل السياسات الاقتصادية مع ترامب” وذكرت أن “اللقاء بالمجمل اتسم بعدم الدفء”.
الرئيس الصيني ووزير الخارجية الأمريكي تيلرسون
ليرسل ترامب بهذا تهديدًا لركائز استقرار التجارة بين البلدين فالميزان التجاري مع الولايات المتحدة مائل لصالح ألمانيا، وتشكل السوق الأمريكية أقوى سوق لصادرات الشركات الألمانية بنسبة 10% من مجموع الصادرات الألمانية، وتهديد لبلدان العالم أجمع وصفته صحيفة دير شبيغل الألمانية “سياسة ترامب تعد أكبر مهدد للاقتصاد العالمي منذ أزمة المال العالمية في 2007 وأن ألمانيا تقف على خط النار”.
على كل حال ترامب مهّد للقاءه مع الرئيس الصيني كعادته على حسابه في تويتر، قائلًا أن الاجتماع سيتناول الخلافات حول كوريا الشمالية ومطامح الصين الاستراتيجية في بحر الصين الجنوبي، “سيكون اجتماعا صعبًا جدًا”، وقال “لا يمكننا أن نتحمل بعد ذلك عجزًا تجاريًا ضخمًا ولا فقدًا للوظائف”، وأضاف في إشارة واضحة إلى الشركات الأمريكية العاملة في الصين “لا بد من أن تكون الشركات الأميركية مستعدة للتحول إلى بدائل أخرى”.
يرى ترامب أن الإدارات السابقة فشلت في حماية حقوق العامل الأمريكي وفرطت في المصالح التجارية في المفاوضات المتتالية التي عقدت بين بكين وواشنطن
هذه التغريدات تعطي انطباع أولي أن ترامب لم يغير من فكره تجاه الصين، على الرغم من الفكر السائد في الولايات المتحدة أن العلاقة بين البلدين يجب أن تحظى باهتمام بالغ وترتقي إلى مستوى من التعاون أكثر من أي وقت مضى، إلا أن ترامب لديه رؤية مغايرة عن علاقة بلاده مع الصين ويرى أن الإدارات السابقة فشلت في حماية حقوق العامل الأمريكي وفرطت في المصالح التجارية في المفاوضات المتتالية التي عقدت بين بكين وواشنطن. ويشير ترامب أيضًا أن بكين عليها أن تدفع الثمن خلال سنوات حكمه، وذلك من خلال فرض رسوم جمركية على بضائعها قد تصل إلى 55% بينما يرى وزراء سابقون في الصين إن العلاقات الاقتصادية بين بكين وواشنطن لن تشهد نمواً، إذا لم تقم على المنفعة المتبادلة.
يُذكر أن التساهل الأمريكي مع الصين في العقدين الماضيين كان كبيرًا أسهم في اندماجها في الاقتصاد العالمي، وأصبحت في السنوات القليلة الماصية محرك النمو العالمي. وتظهر البيانات الرسمية الصينية أن التجارة الثنائية ازدادت من 2.5 مليار دولار في عام 1979 إلى 519.6 مليار دولار عام 2016، أي أنها زادت أكثر من 200 مرة.
من سيغير النظام العالمي؟
في الواقع ليس ترامب وحده من يفكر بتقويض مصالح الصين وفرض رسوم عليها، فالصين أيضًا لديها خطط لمواجهة استراتيجية ترامب ضدها، فالرئيس الصيني يعمل على مشروع “الحزام والطريق” حول العالم تنوي الصين إنفاق 4 ترليونات دولار عليه في الفترة المقبلة، وهو ما من شأنه أن يقوي علاقة الصين التجارية مع الدول الذي سيمر فيه المشروع ويعطي استدامة لنمو اقتصادها، فضلا عن مواجهة خطط ترامب الحمائية ضد البضائع الصينية.
زادت التجارة الثنائية بين الصين والولايات المتحدة من 2.5 مليار دولار في عام 1979 إلى 519.6 مليار دولار عام 2016، أي أنها زادت أكثر من 200 مرة.
مشروع الحزام والطريق يُقرأ على أنه “نظام عالمي جديد” ضد النظام الذي فرضته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فضلا أن الصين تسعى لإقامة بنوك شبيهة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتشكل تحالفات على كافة الأصعدة مع دول العالم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
أما ترامب فجاء بخطط هجينة على البيت الأبيض وغريبة على العالم من حيث قيادة أمريكا للاقتصاد العالمي إذ يعتمد على سياسات انعزالية محضة وخطط قومية، وعدم التزامه بالاتفاقيات التجارية والمواثيق الدولية، مرتكزًا على قوة الدولار وحركة المال حول العالم، بالإضافة إلى تصحيح الميزان التجاري الأمريكي مع الدول، وإنعاش صناعة الطاقة وإجبار الشركات الأمريكية للعودة للإنتاج من داخل الولايات المتحدة.
ترامب في الواقع بهذه السياسات يثور أيضًا على النظام العالمي ويريد تغييره ولكن ليس بالشكل الذي يفيد الصين ودول العالم أكثر من أمريكا بل بالشكل الذي يعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد والمواطن الأمريكيين، حيث يرى أن أمريكا خدعت من قبل دول العالم خلال السنوات الماضية. وتبقى الأيام القادمة هي التي ستحدد لمن الغلبة للقوة الصينية الصاعدة أم للقوة الأمريكية المنعزلة.