عالم الطب بحر واسع مليء بالاكتشافات والأبحاث العلمية التي تفك لغز كل مرض مستعصٍ للوصول إلى حل، “الدم” أحد العناصر المتصلة بإنقاذ حياة الإنسان من الموت، لذلك توصل العلماء إلى اكتشاف قد يجعل الحصول على “دم صناعي” ممكنًا، لكن كيف؟
بعد أبحاث كثيرة ودقيقة حقق العلماء تقدمًا مهمًا في إنتاج غزير لكرات الدم الحمراء القابلة للتبرع، ومن الممكن في الوقت الحالي إنتاج كرات الدم الحمراء معمليًا، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الكمية الممكن إنتاجها في المعامل.
ولم يكتفوا بهذا القدر من الأبحاث، فقد طور فريق من الباحثين في جامعة “بريستول” بالتعاون مع إدارة نقل الدم وزرع الأعضاء في الهيئة الوطنية للرعاية الصحية طريقة لإنتاج كميات غير محدودة من الدم.
السبب الرئيسي الذي دفع العلماء لإنتاج دم صناعي في المعمل، إنقاذ حياة الإنسان خاصة في حالات النزيف الحاد
ويعتمد إنتاج الدم معمليًا في الوقت الحالي على استخدام نوع معين من الخلايا الجذعية التي تنتج خلايا الدم الحمراء في الجسم والتعامل معها لتنتج الدم في المعمل، لكن هذه الخلية الجذعية تحترق قبل أن يتجاوز ما تنتجه 50 ألف من كرات الدم الحمراء.
السبب الرئيسي الذي دفع العلماء لإنتاج دم صناعي في المعمل، إنقاذ حياة الإنسان خاصة في حالات النزيف الحاد، فرغم أهمية عملية نقل الدم ومشتقاته، توجد مخاطر كثيرة تنتج عنها، ومنها المخاطر الحادة، وهذا النوع تظهر علاماته وأعراضه مباشرة على المريض.
أما النوع الآخر من المخاطر فهو النوع المزمن وعادة ما يكون هذا النوع في المرضى الذين ينقل لهم دم بشكل شهري منتظم، ومن أمثلة هذا النوع من المخاطر نقل دم يحتوي على فيروسات الكبد “بي” و”سي” وكذلك نقل الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).
الدم المثالي
توصل العلماء أيضًا إلى أسلوب جديد لإنتاج الدم يعتمد على محاصرة الخلية الجذعية المسؤولة عن إنتاج الدم وهي في مرحلة مبكرة من مراحل النمو وزرعها لتنتج أعدادًا لا نهائية من الخلايا الجذعية، وهو ما يقول العلماء إنه جعل هذه الخلايا “غير قابلة للموت”، وبمجرد الحصول على هذا الكم الهائل من الخلايا الجذعية، تبدأ عملية تحفيزها لتتحول إلى خلايا دم حمراء.
وللحصول على دم صناعي مثالي لا يعرض المريض للخطر، لا بد من وجود عدة خصائص حسبما ذكر الباحثين، أولها أن يكون استخدامه مأمونًا ومتوافقًا داخل الجسم البشري، وهذا يعني أن الدم الصناعي يمكن تجهيزه لإزالة جميع العوامل المسببة للأمراض مثل الفيروسات والكائنات المجهرية.
الخاصية الثانية أن يكون قادرًا على نقل الأكسجين إلى أنحاء الجسم، ثم إطلاقه وتحريره عند الخلايا التي تحتاج إليه، والخاصية الأخيرة أن يكون جاهزًا ومتوفرًا دائمًا على الرف، بخلاف التبرع بالدم، فالدم الصناعي يمكن تخزينه لأكثر من عام، وهذا على النقيض من الدم الطبيعي الذي لا يمكن تخزينه لأكثر من شهر واحد قبل أن يصبح منتهي الصلاحية.
وجدير بالإشارة أن الطفرة العلمية في إنتاج الدم لم تكن وليدة اللحظة، في عام 2002 نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” تقريرًا يفيد بتوصل البروفسور فولفغانغ بارنيكول عضو المجلس الإداري لشركة سانغوي وأحد مؤسسي جامعة فيتن الألمانية الخاصة، بعد 31 عامًا من البحث والتجارب إلى إنتاج دم صناعي لا يرفضه جسم الإنسان وقادر على الوصول إلى المناطق التي يعجز دم الإنسان عن بلوغها كما هو الحال في مناطق ضيق الشرايين الصغيرة.
ما زال الوصول إلى المرحلة النهائية لإنتاج الدم الصناعي في المعامل، لم يتحقق فعليًا حتى الآن وما زال هناك وقت أمام تحقيق ذلك على أرض الواقع
ونجح بارنيكول في صناعة الدم باستخدام ثلاثة عناصر هي: أولاً كريات دم الخنزير، وقد لجأ العالم إليها بسبب صغر حجمها وللحد من احتمال تعرضها لمرض جنون البقر، ثانيًا استخدام جزيئات ضخمة من مادة الهيموغلوبين المسؤولة عن نقل الأكسجين، ثالثًا استخدام مادة غلوترالدهيد كمادة رابطة لكريات الدم وجزيئات الهيموغلوبين الصناعية.
وأكد البروفسور بارنيكول أن الدم الصناعي سيفتح آفاقًا مشرقة أمام علاج الأمراض السرطانية بالطرق الكيميائية والإشعاعية، فتزويد الخلايا السرطانية بالمزيد من الأكسجين يزيد من ضعفها أمام العلاج بالمواد الكيماوية والإشعاعية ويضعف مقاومتها له، وستعمل كريات الدم الصغيرة المشبعة بالأكسجين والقادرة على بلوغ الأنسجة المصابة على زيادة فرص العلاج الكيماوي لدى الأشخاص الذين يعانون من الأمراض السرطانية.
ورغم كل ما ذكر أعلاه، ما زال الوصول إلى المرحلة النهائية لإنتاج الدم الصناعي في المعامل لم يتحقق فعليًا حتى الآن وما زال هناك وقت أمام تحقيق ذلك على أرض الواقع، فالذي يتوفر لدى الباحثين في الوقت الحالي هو الموارد البيولوجية اللازمة لإنتاج الغزير للدم، لكن تكنولوجيا التصنيع ما زالت قيد التطوير.