يبدو أن عام 2018 سيكون أكثر صعوبة وسوءًا على المواطن المصري عما سبقه، فالمعاناة تتواصل والتحسن الاقتصادي المنعكس على المواطنين أصبح حلمًا.
كشفت مؤشرات الموازنة العامة للعام المالي المقبل 2017/2018 (تبدأ السنة المالية في مصر أول يوليو وتنتهي آخر يونيو) زيادة الحصيلة الضريبية لتصل إلى 604 مليار جنيه، مقابل 433.3 مليار العام الحاليّ، بنسبة زيادة 31%، بحسب تصريحات وزير المالية المصري.
كيف للدولة المصرية أن تزيد حصيلتها الضريبية بنحو 170 مليار في ظل الركود الاقتصادي الذي تشهده؟ هذا السؤال الذي يحمل في طيات إجابته المعاناة، ويمثّل الدولة كإقطاعي يسلب جهود عامليه دون وجه حق.
أعلنت وزارة المالية المصرية إحياء ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة من جديد بنسبة 1.25 في الألف على البائع والمشتري على كل عملية تداول
الضريبة هي أداة من أدوات السياسة المالية، تحقق التوازن للسوق من خلال رفع شرائحها في حالة التضخم لتقليل الطلب الكلي، وخفضها في مرحلة الركود للتشجيع على الاستهلاك بشقيه العائلي والاستثماري ومن ثم يتحقق النمو، كما أنها وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق تصاعدية شرائحها، وبالتالي يدفع أكثر من دخله أكثر، أما التعريف العام للضريبة فهي اقتطاع مالي مقابل الخدمات التي تقدمها الدولة لقاطنيها.
بعد معرفة ماهية الضريبة لنجيب عن السؤال المطروح
أعلنت وزارة المالية المصرية إحياء ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة من جديد بنسبة 1.25 في الألف على البائع والمشتري على كل عملية تداول، تصل إلى 1.50 في الألف في العام التالي، و1.75 في العام الذي يليه، وذلك بدءًا من العام المقبل.
ووفقًا لبيانات البورصة وحجم التداول الحالي من المتوقع أن تدعم ضريبة الدمغة الحصيلة الضريبية بنحو مليار ونصف جنيه، كما أن العام المقبل يشهد زيادة نسبة الضريبة على القيمة المضافة لتصبح 14% بدلاً من 13%.
أقرّت الحكومة المصرية تلك النسبة في أثناء إعداد قانون القيمة المضافة، لكن البرلمان رفضها وأقرّ نسبة الـ13%، على أن تطبق كاملةً بداية العام المقبل، ويبدو جليًا أن ضريبة الدمغة ونسبة الزيادة على “القيمة المضافة” يبعدا كل البعد عن تحقيق المستهدف الضريبي الذي يبلغ 170 مليار جنيه، إذًا كيف تحقق الحكومة ذلك؟ هناك إجابتان على هذا السؤال.
من المفارقة أن الموازنة الجديدة تستهدف نموًا بـ4.6%، في ظل ركود تضخمي ألحق الضرر بجميع فئات المجتمع الغني منها والفقير
السيناريو الأول: عن طريق زيادة أسعار الضرائب والرسوم الجمركية، وخاصةً أن الحكومة المصرية تعمل حاليًا على تعديل قانون الضريبة على الدخل كي يتماشى مع قانون الاستثمار الجديد، ولا نعلم إن كان التعديل يخفف الحمل على المواطن البسيط وذوي الدخول الثابتة! لكن ما نعلمه أنه سيقدم حوافزًا وإعفاءات ضريبية للمستثمرين، كما أوضح القانون، أي أنه سيزيد الثري ثراءً والفقير فقرًا.
من الدلالات التي لا يجب إغفالها أن البرلمان تقدم لوزارة المالية المصرية بأكثر من مشروع قانون لرفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل من 14.4 ألف جنيه إلى 24.4 ألف جنيه، لم تبت فيهم الوزارة حتى الآن وعلى الأرجح بات مصيرهم الأرشيف وأدراج مكاتبها.
من المفارقة أن الموازنة الجديدة تستهدف نموًا بـ4.6%، في ظل ركود تضخمي ألحق الضرر بجميع فئات المجتمع الغني منها والفقير، وفي حين أن قوام الناتج الإجمالي الاستهلاك العائلي، مما يعني في الأخير أن أي إجراء بزيادة الأسعار الضريبية سيقلل الاستهلاك ويرفع مستويات التضخم وندور في حلقة مفرغة، تدفع المواطنين تجاه الفقر المدقع، والاقتصاد المصري تجاه أزمة لا سبيل للخروج منها.
يبقى الحل للارتقاء بالاقتصاد والمواطن على حد سواء، تسيير إجراءات العمل وتوفير التمويل اللازم لبدء النشاطات الصناعية وتشغيل المتوقف منها، وبالتالي زيادة القوى العاملة وارتفاع الدخول، وازدياد الحصيلة الضريبية
السيناريو الثاني ليس أقل سوءًا من أوله، وهو عجز وزارة المالية من تحصيل المستهدف، وتوقع الكثير ذلك، وبالتالي طرح المزيد من أذون وسندات الخزانة، أى المزيد من الديون، التي بلغت فوائدها في الموازنة الجديدة 380 مليار جنيه مقابل 330 مليار العام الحالي، بنسبة 34% من جملة المصروفات العامة، وسنتحدث عنها وعن أُثرها في مقام آخر إن شاء الله.
الخلاصة أن أي إجراء يقضي برفع أسعار الضريبة سينعكس سلبًا على المواطن والاقتصاد، لأن الزيادة ستزيد أعباء المواطنين وتدفعهم نحو التهرب الضريبي، ولن تستطيع الحكومة تحصيل مستهدفها مما سيدفعها للاقتراض، ويبقى الحل للارتقاء بالاقتصاد والمواطن على حد سواء، تسيير إجراءات العمل وتوفير التمويل اللازم لبدء النشاطات الصناعية وتشغيل المتوقف منها، وبالتالي زيادة القوى العاملة وارتفاع الدخول، وازدياد الحصيلة الضريبية.