نجحت مجموعة من المقاومين في التسلل البحري إلى الأراضي المحتلة عام 1948 وتنفيذ عملية إنزال بحري ناجحة، تمكنوا فيها من الاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، لتصبح عملية “زيكيم” أول عملية إنزال بحري تنفّذها المقاومة، وذلك في عام 2014 وتحديدًا في 8 يوليو/ تموز.
وشكّلت هذه العملية إماطة اللثام بالنسبة إلى الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، عن وحدة سرّية ظلت تعمل لسنوات في الخفاء وتستعد للمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي على الصعيد البحري، الذي يمتلك فيه الاحتلال زوارق حربية متطورة.
حاول جيش الاحتلال جاهدًا التكتم على خسائره في هذه العملية، إلا أن الفيديو المسرّب لها نسف رواية الاحتلال بفشل العملية، وأظهر شجاعة المجاهدين أثناء مهاجمتهم لجنود الاحتلال وآلياته، وملاحقة إحدى الآليات وتفجيرها من مسافة صفر، كما أظهر المجاهدين الأربعة أثناء انسحابهم بعد إتمام مهامهم بنجاح واستشهادهم بعد تعرّضهم للقصف.
وبعد مرور أعوام على عملية “زيكيم” والحرب على غزة، ظنّ جيش الاحتلال أنه استطاع تدمير قدرات كتائب القسّام والمقاومة، إلا أن الكتائب استغلت فترة الهدوء لترميم هذه القوة، لتصبح الخطر الحقيقي الذي يلاحق قادة الاحتلال، وتعاود الكرّة من جديد في عملية “طوفان الأقصى”.
ونظرًا إلى خطورة القوات البحرية الفلسطينية، شرع كيان الاحتلال الإسرائيلي في بناء منظومة مائية جديدة، لمنع تسلُّل فلسطينيين من قطاع غزة عبر البحر إلى مناطق عسكرية إسرائيلية، حيث تقوم ببناء هذه المنظومة وزارة الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع ما تسمّى “إدارة خطوط التماسّ”، قرب شواطئ المنطقة المسمّاة “زيكيم” وتقع شمال قطاع غزة.
وعلى مدار سنوات طويلة، أبدت المنظومة الإسرائيلية خشيتها من تنامي قدرات القسّام البحرية، لأن هذا الأمر سيشكّل تهديدًا خطيرًا للنقاط الحسّاسة لكيان الاحتلال، لا سيما محطات توليد الكهرباء والغاز، فضلًا عن الخشية من الأضرار المترتّبة عن أي عمل بحري.
وتصف بعض المستويات الأمنية في الاحتلال التطور البحري في عمل المقاومة الفلسطينية على صعيد الكوماندوز، بأنه نموذج لانتفاضة بحرية من شأنها أن تغيّر شكل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي في المستقبل، من خلال عمليات نوعية قد تؤدي إلى تفوق بحري كامل.
ويخشى الاحتلال الإسرائيلي كثيرًا من أن تستهدف المقاومة الفلسطينية حقول الغاز القريبة من البحر الأبيض المتوسط، والتي تشكّل بالنسبة إلى الاحتلال أهمية قصوى على المدى الاستراتيجي اقتصاديًّا وماليًّا، وهو أمر من شأنه أن يقلب المعادلة والطاولة على رأس الاحتلال الإسرائيلي.
الخطر الحقيقي.. من ماذا يخشى الاحتلال؟
الخطر الحقيقي بالنسبة إلى الاحتلال يتمثل في أنه بعكس المواجهة في الميدان البحري حيث يوجد جدار قائم، فإنه في البحر لا يوجد عائق مادي حقيقي يمنع اجتياز الفلسطينيين، وهذا ما يزيد من عمق التحدي الأمني لدى سلاح البحرية الإسرائيلي، وهو ما يتحقق من خلال القوة البحرية.
وإلى جانب ذلك، يخشى الاحتلال من تطوير المقاومة وحركة حماس زوارق غير مأهولة، لتنفيذ عمليات هجومية ضد البحرية الإسرائيلية خلال أي مواجهة عسكرية، ما من شأنه أن يقلب الطاولة على رأس الاحتلال الإسرائيلي بشكل أكبر.
ومن العوامل التي سعى الاحتلال إلى معرفتها خلال الفترة الماضية، هي محاولة توقّع الخطوة المقبلة لحماس، سواء إمكانية استخدامها لوسائل بحرية أسفل الماء أو زوارق غير مأهولة، إلا أن هذا الأمر لم يحصل خلال الجولة الحالية التي تحمل اسم “طوفان الأقصى”.
وشهدت السنوات التي تلت عام 2014 سير حركة حماس في عدة اتجاهات لتطوير قدراتها البحرية، وإدخال أنماط جديدة من المواجهة مع الجيش الإسرائيلي على الصعيد البحري، وهو ما تحقق من خلال الإنزال البحري عبر الزوارق المحملة بالمقاومين الفلسطينيين.
ما الذي فعله الاحتلال.. كيف واجه أولى العمليات؟
بعد نجاح المقاومة في تنفيذ أول عملية رسمية عام 2014، كان هناك تقدير موقف لدى المقاومة بأن الاحتلال سيقوم استعراضيًّا بإغارة برمائية، كنوع من الردّ والمواجهة على عمليات المقاومة البحرية التي تم تنفيذها خلال المواجهة، وفي محاولة لترميم الصورة.
غير أن العملية الإسرائيلية تحولت إلى كمين للاحتلال الإسرائيلي، حيث وقعت وحدة “شايطيت 13” في كمين للقسّام أجبر الاحتلال على قصف محيط المكان للانسحاب، خشية من وقوع المجموعة المتسلّلة في كمين ينتهي بهم إلى التحول لأسرى لدى المقاومة.
في المقابل، نفّذت المقاومة سلسلة من العمليات للتسلُّل داخل الأراضي المحتلة، سواء عبر الغوص أو عبر الزوارق المحمولة الخاصة به، وهو ما شكّل صدمة بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي، دفعه للبحث عن أداوت ووسائل بديلة يتعامل بها مع تطور المقاومة الفلسطينية.
ما الذي تريده المقاومة.. ضربات نوعية؟
يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية من خلال تطوير وحداتها الخاصة وبناء فرقة بحرية، تريد أن توجّه ضربات نوعية من البحر إلى الاحتلال الإسرائيلي، خلافًا للضربات الصاروخية والبرّية، إلى جانب الطائرات المسيَّرة التي دخلت على خط المواجهة خلال السنوات الماضية.
وعملت المقاومة على تدريب كوادرها في القوة البحرية على الغوص لمسافات طويلة، ومحاولة تجنُّب المجسّات البحرية والزوارق البحرية والتحكم في السلاح، وتنفيذ عمليات إغارة على الأهداف العسكرية الإسرائيلية القريبة من الأراضي المحتلة عام 1948، والعودة إلى القطاع.
وشكّلت الوحدات البحرية بالنسبة إلى القسّام والمقاومة نقلة نوعية على الصعيد التكتيكي والعملياتي، من خلال تنوع الوحدات العاملة في الميدان، والتي تستهدف الوحدات العسكرية الإسرائيلية المختلفة التي تفتك بالفلسطينيين في كل جولة تصعيد أو حرب ضد القطاع.
بالمحصلة، لهذه الوحدات تعزيز لقدرات المقاومة الفلسطينية، وتمكّنها من تنوع العمل الميداني والأدواتي بما يخدم أهدافها، ويمكّنها من توجيه ضربات نوعية وثقيلة ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يمتلك تكنولوجيا متطورة ومتقدمة، مقارنة بما تمتلكه المقاومة الفلسطينية.
وبالتالي سعت المقاومة الفلسطينية باستمرار لتوسيع وحداتها، وليس بعيدًا عن ذلك ما قامت به من تطوير وحدة الطائرات الشراعية التي تمكّن المقاومة من تنفيذ عمليات إنزال جوي داخل الأراضي المحتلة عام 1948، تفاجئ الاحتلال الإسرائيلي وترسانته.