خلال السنوات الأخيرة، بات العالم يشهد تدميرًا متزايدًا للمواقع الأثرية العالمية، في الشرق الأوسط وأفريقيا وغيرها. ناهيك عن عمليات النهب والسرقة والتهريب التي لم تتوقف، حتى أصبح لهذا المجال أباطرة ومافيات تجني ملايين الدولارات جراء هذه الجرائم، التي باتت تسحق تاريخ دول كانت حضارتها ملئ السمع والبصر.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، شهدنا في الأعوام الأخيرة ما حصل من دمار وخراب كبيرين في اليمن والعراق وسوريا للأثار التاريخية على يد الأطراف المتنازعة هناك، حيث كان النصيب الأكبر من الجرائم على يد “تنظيم الدولة” في سوريا والعراق، خلال الأعوام 2014 و2015.
التحذيرات الأممية والدولية حول خطورة تدمير هذا التراث التاريخي كانت ولا زالت مستمرة، لكن ذلك كان دون جدوى عندما دمرت الآثار في “تدمر” السورية على سبيل المثال قبل نحو عامين أو آثار الموصل العام الماضي.
إلا أن هذه التحذيرات باتت تجد طريقًا جادًا نحو حماية التراث في مناطق النزاع حول العالم وكذلك التراث العالمي بشكل عام. فقد أعلنت أمس الجمعة مجموعة الدول السبع (كندا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، بريطانيا، الولايات المتحدة، إيطاليا) التزامها بالسعي لإنشاء قوة تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام، لحماية مواقع التراث العالمي من الدمار خلال الأزمات والحروب، ولمكافحة تهريب الآثار المسروقة.
هذه الإعلان، والذي وقعت عليه هذه الدول مجتمعة في مدينة البندقية الإيطالية، جاء “لتعزيز التعاون الدولي لحماية التراث الثقافي”، حيث تقول الأمم المتحدة إن “تدمير الآثار بمواقع تراثية مثل مدينة تدمر السورية ومزارات تمبكتو في مالي أصبح على نحو متزايد، أسلوبًا تتبعه في الحرب جماعات مثل “تنظيم الدولة” لنشر الدعاية وتحقيق أرباح من التهريب”.
“خوذ زرقاء” لحماية التراث العالمي
وكانت الأمم المتحدة قد نشرت قوات مسلحة من الأمم المتحدة لحفظ السلام في دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، تشتهر باسم أصحاب “الخوذ الزرقاء”. كما أنشأت إيطاليا وحدة من أصحاب “الخوذ الزرقاء للثقافة” تنشط في مناطق توجد بها عمليات إنسانية أممية. ويأتي اتفاق أمس تأكيدًا على التزام هذه الدول بتمكين خبراء الآثار والفن من الانضمام لبعثات أممية في مناطق الصراع.
حيث وافق مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي -في أول قرار له على الإطلاق يركز على التراث الثقافي- دعا فيه الدول إلى تصعيد الحرب ضد سرقة وتهريب التحف الأثرية والدينية والثقافية.
يشكك كثيرون حول نجاح هذه الخطوة من قبل الأمم المتحدة في مناطق نزاع شديد، مثل اليمن أو سوريا أو العراق
إلى ذلك، كانت إيطاليا -التي تستضيف اجتماعات مجموعة السبع هذا العام- قد أنشأت قوة شرطة خاصة عام 1969 لتعقب التحف والقطع الفنية المسروقة والتي غالبا ما تُهرب إلى الخارج.
ومنذ ذلك الوقت، ضبطت تلك القوة نحو 800 ألف تحفة مسروقة في إيطاليا التي توجد بها مواقع للتراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أكثر من أي دولة أخرى.
هل تنجح هذه الخطوة في حماية ما تبقى من التراث؟
يشكك كثيرون حول نجاح هذه الخطوة من قبل الأمم المتحدة في مناطق نزاع شديد، مثل اليمن أو سوريا أو العراق، حيث تتشابك فيها أطراف كثيرة، بعضها أصلًا لا يؤمن بوجود أي قوات أممية من قبل الأمم المتحدة ويعتبرها قوات غازية أو محتلة أو حتى “كافرة”، مثلما يعتقد تنظيم الدولة في سوريا والعراق.
لم تخلّف حرب التحالف الدولي على تنظيم الدولة في العراق إلا دمارًا ووبالًا على البشر قبل الحجر
كما يقول البعض، إن كانت هذه الدول الكبرى قد نجحت في حماية الإنسان فستستطيع حماية الآثار والتراث، حيث أن مئات الآلاف قضوا في سوريا والعراق واليمن منذ انطلاق الربيع العربي دون أي تدخل دولي لحمايتهم أو نجدتهم.
حيث ما تزال المبادرات الأممية تدور في رحى الغرف المغلقة منذ 6 سنوات لإنهاء مأساة القرن في سوريا دون جدوى، كذلك لم تخلّف حرب التحالف الدولي على تنظيم الدولة في العراق إلا دمارًا ووبالًا على البشر قبل الحجر. وليس الحال في اليمن ببعيد عن سابقاتها، فما تزال هناك تدمر مدن وحضارات وتزهق آلاف الأرواح منذ انقلاب الحوثيين على السلطة وسيطرتهم عليها، وتدخل السعودية وتحالفها في البلاد، جوًا وبحرًا وبرًا.
صنعاء القديمة لم تسلم من خراب الحرب
آلة التدمير لا تتوقف
عمليات تدمير الآثار والتراث ما زالت مستمرة لم تتوقف، وما زالت مستمرة حتى اللحظة، حيث ذكرت وكالات أنباء أن تنظيم “داعش” قبل نحو شهرين فقط، دمر واجهة المسرح الروماني والتترابيلون في مدينة تدمر الأثرية.
حيث تناقلت الأنباء عن مصادر محلية داخل مدينة تدمر قولها إن مسلحي “داعش” فخخوا واجهة المسرح الروماني والمصلبة (التترابيلون) المؤلفة من 16 عمودا في الشارع الرئيسي بالمدينة الأثرية وفجروها ما أدى إلى تدميرها بالكامل.
يذكر أن “تنظيم الدولة” كان قد دمّر عدة مواقع ومنحوتات أثرية في العراق وسوريا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ولقد كانت هذه الآثار تعود لعصور قديمة ومنها من كانت مدرجة ضمن لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو مثل مدينة الحضر، وآشور والتي تدعى بقعلة الشرقاط وكالح في العراق، بالإضافة إلى مدينة تدمر الأثرية في سوريا.
قوس النصر بمدينة تدمر بعد تدميره من قبل عناصر “داعش”
كما قام التنظيم بتدمير عدة مساجد قديمة مثل مسجد النبي يونس في الموصل، والتي يعتقد بأنها تحوي رفاة النبي يونس، وكذلك مسجد النبي شيث، بالإضافة إلى تدميره لعدة مساجد وكنائس ومعابد أيزيدية قديمة، بالإضافة إلى المراقد الشيعية، وعادة ما يقوم التنظيم بتصوير عمليات التدمير هذه بأفلام فيديو قصيرة مثلما فعل في تدميرهِ لأثار متحف الموصل وكذلك جامع النبي يونس ومدينة تدمر.