العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يوجه دعوة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لزيارة السعودية وذلك على هامش القمة العربية الثامنة والعشرين التي عقدت في الأردن منذ أيام، حسبما أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية الأربعاء الماضي.
قبل هذه الدعوة بأيام قليلة أعلنت شركة أرامكو السعودية استئناف توريد شحنات النفط للقاهرة حسب العقد الموقع بين وزارة البترول المصرية والشركة السعودية، وذلك بعد توقف توريد الشحنات لثلاثة أشهر متتالية، حسبما أعلن طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية المصري.
وبعد مرور 15 يومًا على إعلان الشركة إعادة توريد شحنات النفط، وخمسة أيام على دعوة العاهل السعودي للرئيس المصري لزيارة المملكة، محكمة الأمور المستعجلة في مصر تصدر حكمًا ببطلان القرار الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بشأن عدم دستورية توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، مما يعني أن الجزيرتين المتنازع عليهما وهما تيران وصنافير سعوديتان وليستا مصريتين كما أقر الحكم السابق.
بعيدًا عن العزف على وتر المؤامرة كما يحلو للبعض أن يتهم، إلا أن الربط الزمني والسياق السياسي لهذه الأحداث الثلاث وما أثير بشأنها من تأويلات هنا وهناك، في ظل مستجدات إقليمية ودولية راهنة، يضع العديد من التساؤلات عن العلاقة بينهم، وهل كانت عودة العلاقات بين البلدين ثمنها الجزيرتين كما ذهب البعض؟ أم أن هناك ضغوط مورست على الطرفين لتفعيل عملية التقارب؟ وإن كان كذلك فما دلالات حكم الأمور المستعجلة في هذا التوقيت؟
رغم تغير ملامح الخارطة السياسية الإقليمية التي كان لها دور محوري في التأثير على العلاقات السعودية المصرية فإن قضية ترسيم الحدود بين البلدين كانت الأكثر تأثيرًا
القاهرة – الرياض.. شد وجذب
البداية تعود إلى ما شهدته العلاقات المصرية السعودية من موجات من المد والجذر منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الأمور في المملكة خلفًا لشقيقه الراحل الملك عبد الله والذي كان من أبرز الداعمين لنظام عبد الفتاح السيسي سياسيًا واقتصاديًا، والمدافع الأبرز عنه خليجيًا.
بعد رحيل عبد الله باتت العلاقات بين البلدين على المحك، لا سيما بعدما سعت القاهرة إلى التغريد خارج السرب السعودي في أكثر من مجال، وهو ما استفز الرياض بصورة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالموقف المصري من اليمن والتراجع عن المشاركة في عاصفة الحزم بقيادة السعودية، فضلاً عن الموقف من نظام بشار الأسد في سوريا والمناقض تمامًا لتوجهات الديوان الملكي في الرياض، إضافة إلى التنسيق الأمني والمخابراتي مع النظام السوري وهو ما كشفت عنه زيارة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، للقاهرة ولقائه ببعض القيادات المخابراتية المصرية، وهو ما اعتبرته السعودية إجهاضًا لمساعيها الرامية إلى الإطاحة بنظام الأسد.
ورغم تغير ملامح الخارطة السياسية الإقليمية والتي شهدت العديد من المستجدات السياسية والأمنية، وما كان لها من دور محوري في التأثير على العلاقات السعودية المصرية، فإن القضية الأبرز التي فرضت نفسها على واقع ومستقبل تلك العلاقات هي اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين البلدين والتي بمقتضاها يتم نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين بسيناء إلى السيادة السعودية، وهو ما أثار جدلاً واسع النطاق داخل الشارع المصري، ومن ثم يمكن القول إن هذه القضية تعد ترمومترًا يقيس العلاقات بين البلدين.. كيف ذلك؟
توتر في العلاقات بين القاهرة والرياض بعد رحيل الملك عبد الله
ترمومتر العلاقة بين البلدين
علاقة طردية بين العلاقات المصرية السعودية من جانب، ومسيرة اتفاقية ترسيم الحدود والمعروفة إعلاميًا بـ”تيران وصنافير” داخل أروقة القضاء من جانب آخر، فكلما جاءت الأحكام في صالح سعودية الجزيرتين يستتبعها توافق وانسجام في العلاقات بين البلدين والعكس صحيح، وهذا ما استقر في وجدان الكثير من المصريين المتابعين لمسيرة القضية على مدار ما يقرب من عام.
لذا يمكن الوقوف على ما تمثله تلك القضية كونها ترمومترًا للعلاقات بين القاهرة والرياض وردود فعلهما من خلال الأحكام الصادرة بشأن سعودية أو مصرية الجزيرتين داخل المحاكم المصرية.
8 من أبريل 2016.. تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين مصر والسعودية من بينها اتفاقية ترسيم الحدود والتي بمقتضاها يتم نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وذلك خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان للقاهرة.
15 من أبريل 2016.. دعوات للاحتشاد رفضًا للاتفاقية، حيث تظاهر آلاف المصريين أمام نقابة الصحفيين تنديدًا بتوقيع الاتفاقية في جمعة أطلق عليها “جمعة الأرض هي العرض”، وحدوث اشتباكات مع قوات الأمن التي حاصرت النقابة ما أدى إلى وقوع إصابات واعتقال بعض منهم.
15 من مايو 2016.. مثول المقبوض عليهم في جمعة “الأرض هي العرض” أمام القضاء، وأحكام بالسجن ضد العشرات منهم والرافضين للاتفاقية.
21 من يونيو 2016.. محكمة القضاء الإداري تقضي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود وتؤكد على الهوية المصرية لتيران وصنافير، وهو ما مثل صدمة للحكومة المصرية حينها، حيث قامت بالطعن على هذا الحكم أمام محكمة الأمور المستعجلة.
29 من سبتمبر2016: محكمة الأمور المستعجلة تقضي ببطلان حكم محكمة القضاء الإداري الذي أبطل نقل الجزيرتين للسعودية وذلك بعد الطعن الذي تقدمت به الحكومة.
7 من أكتوبر 2016.. الكشف عن توقف شركة أرامكو السعودية عن إرسال شحنات النفط المتفق عليها للقاهرة وفق العقد الموقع بين وزارة البترول المصرية والهيئة، في قرار وصفه البعض بـ”التصعيد” السعودي ضد مصر.
8 من أكتوبر 2016.. مصر تصوت لصالح قرار روسي بمجلس الأمن بشأن الوضع في سوريا، وهو ما جاء على عكس هوى الرياض، مما دفعها لتوجيه انتقادات للقاهرة، حيث وصف المندوب السعودي لدى منظمة الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، تأييد مصر لمشروع القرار الروسي بأنه “أمر مؤلم”.
8 من نوفمبر 2016.. محكمة القضاء الإداري تقضي بالاستمرار في تنفيذ حكم مصرية “تيران وصنافير” ورفض استشكال الحكومة المقدم للطعن على حكمها السابق.
3 من ديسمبر 2016.. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يغادر الإمارات قبل ساعات من وصول الملك سلمان رغم توقعات بلقاء بينهما.
31 من ديسمبر 2016.. رفضت محكمة “مستأنف الأمور المستعجلة” الطعن على حكم الأمور المستعجلة ببطلان الاتفاقية، ومن ثم تأييد سعودية الجزيرتين.
16 من يناير 2017.. المحكمة الإدارية العليا تقضي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود ومن ثم تأييد مصرية الجزيرتين.
ما بين العلاقات المصرية السعودية من جانب، ومسيرة اتفاقية ترسيم الحدود والمعروفة إعلاميًا بـ”تيران وصنافير” داخل أروقة القضاء من جانب آخر هناك علاقة طردية
15 من مارس2017.. وزارة البترول المصرية تعلن استئناف ضخ شحنات النفط عبر شركة أرامكو بعد توقف دام ما يقرب من 3 أشهر.
29 من مارس2017.. السيسي يلتقي سلمان على هامش القمة العربية في الأردن والأخير يوجه دعوة له لزيارة المملكة.
2 من أبريل 2017: محكمة الأمور المستعجلة تقضي ببطلان حكم الإدارية العليا وتؤكد سعودية الجزيرتين.
ملحوظة لفتت أنظار البعض في هذا التسلسل الزمني لمسيرة قضية تيران وصنافير وتأثيرها على العلاقات المصرية السعودية، وهي أنه في اليوم الذي أعلن فيه وزير البترول المصري استئناف شركة أرامكو السعودية توريد شحنات النفط للقاهرة هو نفس اليوم الذي التقى فيه ترامب مع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذلك في 15 من مارس الماضي.. فما العلاقة بين هذا وذاك؟
تظاهرات جمعة “الأرض هي العرض” تنديدًا باتفاقية ترسيم الحدود
هل هناك ضغوط أمريكية؟
البعض ربط بين زيارة ابن سلمان للولايات المتحدة والتي التقى خلالها الرئيس ترامب بحضور نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ومستشار الأمن القومي الجنرال هربرت ريموند ماكمستر، وعودة العلاقات مع القاهرة، مما يعني أن هناك ضغوط مورست على الرياض بخصوص هذه المسألة.. لماذا؟
أنصار هذا الرأي يميلون إلى أن هناك رغبة أمريكية واضحة في استعادة حلفائها القدماء في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة التحالفات الجديدة التي تسعى موسكو لإنشائها والتي تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، ومن ثم فإن واشنطن تسعى إلى تقوية حلفائها وعلى رأسهم مصر والسعودية من أجل التصدي لحلفاء روسيا وفي مقدمتهم إيران.
كما أن مساعي الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب في الدخول كلاعب أساسي في المشهد السوري واليمني مرة أخرى بعد تراجع دام طويلاً إبان فترة أوباما لحساب موسكو كان أحد الدوافع وراء ضغوط واشنطن لتخفيف حدة التوتر بين القاهرة والرياض، حيث إن تصعيد الخلاف بينهما يصب في صالح موسكو وحلفائها.
البعض يرى أن هناك رغبة أمريكية واضحة في استعادة حلفائها القدماء في منطقة الشرق الأوسط على رأسهم مصر والسعودية من أجل التصدي لحلفاء روسيا وفي مقدمتهم إيران.
الدكتور حسن أبو طالب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (مركز حكومي داعم للنظام)، ذهب إلى تأييد أنصار هذا الرأي، ملفتًا أن العلاقات بين البلدين علاقات تاريخية ولا بد من التدخل للحيلولة دون تصعيدها خاصة في ظل المستجدات الراهنة.
أبو طالب أشار في تصريحات له إلى أن توتر العلاقات بين القاهرة والرياض تلاشى بواسطة الضغوط الأمريكية، فمع تولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تغيّرت سياسة أمريكا في التعامل مع القضايا العربية، ويقين ترامب أن هذين البلدين لديهما نفوذ وتأثير في السياسة العربية وكلما كانا متفاهمين ومتفقين على أسس التعامل مع القضايا المهمة في المنطقة، يصب ذلك في مصلحة الولايات المتحدة والمنطقة أيضًا.
لقاء محمد بن سلمان بالرئيس الأمريكي في واشنطن
ما دلالات حكم “الأمور المستعجلة”؟
أثار الحكم الصادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، أمس الأحد، ببطلان حكم المحكمة الإدارية الذي أوقف نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، جدلاً قانونيًا ودستوريًا، فضلاً عما تسبب فيه من إثارة البلبلة لدى رجل الشارع والذي وقع أسيرًا للحيرة والفوضى ما بين مصرية الجزيرتين أم سعوديتهما.
خالد علي أحد أعضاء فريق الدفاع عن مصرية تيران وصنافير، علق على هذا الحكم بقوله “حكم محكمة الأمور المستعجلة باطل ومنعدم وصادر من محكمة غير مختصة، كما لا تملك أي محكمة وقف تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية العليا إلا أمامها سواء بتقديم استشكال أو إقامة دعوى بالبلاد”.
المحامي علي صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” أشار إلى أن “كل أحكام محكمة الأمور المستعجلة لا تمثل أي خطر دستوري أو قانوني على جزيرتي تيران وصنافير حتى لو أصدرت مئة حكم، فهي محكمة غير مختصة دستوريًا بذلك”.. إذًا فلما القلق من هذا الحكم؟
القلق من هذا الحكم كما يشير الحقوقي خالد علي يتمثل في “التمهيد لعرض الاتفاقية على مجلس النواب وموافقته عليها، وهو الأمر الذي يساعد السعودية في كسب التحكيم الدولي لأنها بذلك يكون معها موافقة من السلطة التنفيذية ومن السلطة التشريعية مما يجعل لملفها أفضلية أمام الجهات الدولية، لذلك لا تلتفتوا لحكم الأمور المستعجلة ولكن يجب السعي لوقف عرض الاتفاقية على مجلس النواب، ووقف كل محاولات السلطة للالتفاف على أحكام الإدارية العليا”.
أما عن هدف النظام من هذا الحكم كما يشير خالد فيتمثل في أولاً: منح مجلس النواب غطاء قضائي يستتر به لتبرير بدء مناقشته للاتفاقية بزعم أن هناك حكم قضائي من محكمة الأمور المستعجلة قضى بعدم الاعتداد بحكم الإدارية العليا، ليدعوا بعد ذلك أن الاتفاقية سارية وصحيحة ومن ثم من حق البرلمان مناقشتها.
خالد علي يقول إن القلق من هذا الحكم يتمثل في التمهيد لعرض الاتفاقية على مجلس النواب وموافقته عليها، وهو الأمر الذي يساعد السعودية في كسب التحكيم الدولي
ثانيًا: الحكم يستهدف تمهيد الأرض لتقدم الحكومة دعوى تنازع اختصاص أمام الدستورية العليا، بزعم أن الاتفاقية تعرضت لها جهتان قضائيتان مختلفتان وكل منها تمسكت بنظر النزاع وأصدرت أحكامًا مختلفة عن الأخرى، ومن ثم أصبح هناك تنازع اختصاص بين المحاكم مما يوجب على المحكمة الدستورية العليا الفصل في هذا التنازع لتحدد ما المحكمة المختصة، ومن ثم تحديد الحكم واجب النفاذ.
“حكم في مواجهة حكم” هذا ما يسعى النظام إلى تمريره للشارع، فالمعارضون للاتفاقية يستندون إلى حكم قضائي، والمؤيدون أيضًا يملكون حكمًا قضائيًا، ومن ثم لا بد من الاحتكام إلى جهة أخرى، قد تكون المحكمة الدستورية، وقد يكون البرلمان كما أعلن بذلك رئيسه علي عبد العال في تصريحات سابقة له أكد خلالها أن القرار بيد المجلس والاتفاقية وصلت بالفعل إلى أروقة البرلمان لدراستها.
المواطن المصري الآن عليه أن يقف في انتظار ما تسفر عنه هذه المعركة ثلاثية الأبعاد، الرافضون للاتفاقية وما لديهم من وثائق تاريخية وحكم قضائي، والمؤيدون المدعومون من النظام وما يملكونه من شهادات لبعض الأكاديميين والخبراء بالإضافة إلى حكم قضائي آخر، والولايات المتحدة التي تضغط في سبيل تخفيف التوتر بين القاهرة والرياض دون أن تحدد سبيل ذلك.