على شاكلة جبهة الإنقاذ الأولى التي تشكلت في صيف 2013 قصد الحد من هيمنة حركة النهضة التونسية وافتكاك مقاليد حكم البلاد منها، أعلنت أمس الأحد في تونس، مجموعة من الأحزاب، تأسيس جبهة سياسية معارضة تحت اسم “جبهة الإنقاذ والتقدم”، جبهة طرحت نفسها بديلاً للأحزاب الحاكمة الآن على رأسها حركة النهضة وما تمثله من مشروع ترى هذه الجبهة أنه يهدد القيم المجتمعية للبلاد، فهل تفلح جبهة الإنقاذ الجديدة فيما فشل فيه من سبقها؟
تأسيس الجبهة
بعد تأجيل متكرر لموعد الإعلان الرسمي عن تأسيس الجبهة في العديد من المناسبات نتيجة اختلافات في بعض المواقف والتوجهات، أعلنت 10 أحزاب سياسية، خلال اجتماعها في العاصمة تونس، أمس، تأسيس جبهة سياسية معارضة تحت اسم “جبهة الإنقاذ والتقدّم”، بهدف تحقيق التوازن المفقود في المشهد السياسي والحد من هيمنة حركة النهضة، بحسب تصريحاتهم.
يأتي تشكل هذه الجبهة السياسية الجديدة في تونس في وقت تشهد فيه قوى المعارضة تشتتًا واضحًا وتراجع مكانة حركة نداء تونس في البرلمان والشارع
وتضم الجبهة الجديدة، الهيئة التأسيسية لحركة نداء تونس وحركة مشروع تونس (20 نائبًا في البرلمان من مجموع 217) والاتحاد الوطني الحر (11 نائبًا) وحزب العمل الوطني الديمقراطي وحركة تونس المستقبل والحزب الاشتراكي وحزب الثوابت وحركة الشباب التونسي وحزب الوحدة الشعبية والحركة الوسطية الديمقراطية.
ويأتي تشكل هذه الجبهة السياسية الجديدة في تونس في وقت تشهد فيه قوى المعارضة تشتتًا واضحًا وتراجع مكانة حركة نداء تونس في البرلمان (ثانيًا خلف حركة النهضة بـ67 مقعدًا) والشارع نتيجة الانشقاقات والأزمات المتعدّدة التي عرفها الحزب منذ خريف 2015، ويحاول مؤسسو هذه الجبهة الاستفادة من الزخم الجماهيري الذي أحدثته تسمية جبهة الإنقاذ الأولى التي تأسست سنة 2013 بعد جريمة اغتيال النائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي.
عقيدة النهضة “عدو”
البند الثالث من البيان التأسيسي الذي يحدد عمل الجبهة، نص على “العمل على إعادة التوازن السياسي وبناء القطب الديمقراطي التقدمي وضمان ديمومته باعتباره مشروع بديل للتداول السلمي على الحكم، مع التأكيد على عدم التحالف مع حركة النهضة وتفرعاتها وشركائها”، حيث أكد رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي، في كلمة له خلال الاجتماع، أن جبهة الإنقاذ والتقدم تحمل مشروعًا مجتمعيًا مختلفًا لما تحمله حركة النهضة.
تقوم الجبهة على شيطنة حركة النهضة
بدوره قال ممثل الهيئة التسييرية لحركة نداء تونس رضا بالحاج، في كلمته: “المشهد السياسي في تونس بدأ يختل لصالح حركة النهضة التي أصبحت الماسك الفعلي لدواليب الحكم والقوة المهيمنة، بسبب الأزمة التي تعرفها حركة نداء تونس وانقسامها، وهذا الأمر أصبح يهدد مؤسسات الحكم واستقلال السلطات”، وشدّد بالحاج على أن حركة النهضة مهيمنة اليوم لأن بقية الأحزاب مشتتة، وتأسيس الجبهة يأتي لخلق التوازن المفقود.
أرجع الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق، مسؤولية حالة الفشل التي تعيشها البلاد، إلى حركة النهضة التي تختبئ وراء الحكومة
إضافة إلى سعيها لخلق التوازن في المشهد السياسي الراهن بكسر ما وصفوه بهيمنة حركة النهضة وإقصائها من المشهد السياسي، طرحت الأحزاب المكونة لجبهة الإنقاذ نفسها كبديل سياسي جدي لتشتت المعارضة في تونس وخوض كل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وأولها الانتخابات البلدية، للمنافسة على الحكم.
تركيبة غير متجانسة
جبهة سياسية جديدة عبّرت صراحةً عن رفضها التام للتحالف مع حركة النهضة مُستقبلاً، وسعيها المطلق نحو إقصاء الحركة من المشهد السياسي للبلاد، الأمر الذي تعهدت به مكونات الجبهة القديمة على رأسها حركة نداء تونس لناخبيها قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة وهو ما لم يتحقّق، فحركة النهضة ممثلة في الحكومة بعدد من الوزراء كما أنها تحتلّ المرتبة الأولى في عدد مقاعد البرلمان بـ69 مقعدًا.
نتيجة لانعدام الانسجام بين مكوناتها، عرف مسار إعلان هذه الجبهة خلافات حادة
كما تكونت الأولى من خليط غير متجانس، جاءت الثانية أيضًا تحمل في طياتها خليطًا نادرًا، فقد تكونت من عائلات سياسية مختلفة منها القومية والبورقيبية والديمقراطية واليسارية ونواب وشخصيات كانت في السلطة وآخرين خارجها ومعارضين من خارج الكيان السياسي للدولة، لا رابط بينهم سوى حب الحكم والتخلص من حركة النهضة ليس أكثر.
نتيجة لانعدام الانسجام بين مكوناتها، عرف مسار إعلان هذه الجبهة خلافات حادة بسبب انقسام الآراء بشأن أزمة القضاء والتصويت عليها داخل البرلمان، بالإضافة إلى خلافات أخرى سابقة بشأن التعاطي مع عديد من الملفات المهمة، ولاحقة بخصوص توزيع الأدوار داخل الجبهة.
حرب زعمات قادمة
لئن تمكنوا من صياغة البيان التأسيسي للجبهة، وإن كان بعد أشهر طويلة من نيتهم القيام بذلك نتيجة تباين وجهات النظر واختلاف المرجعيات الفكرية بين الأحزاب المكونة لها، فلن تتمكن هذه الجبهة، حسب عديد من الخبراء، من تنزيل برنامجها على الأرض وتطبيقه نتيجة اعتبارات عدة من بينها حرب الزعمات القادمة.
فمن جملة من ضمّت هذه الجبهة السياسية الجديدة شخصيات خرجت من أحزابها الأم أو من ائتلافات سابقة نتيجة عدم حصولها على المناصب الأولى، فالمبادران بتأسيس الجبهة وهما زعيما حركة مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر أسسوا الجبهة لتلاقٍ في الأهداف بينهم قد لا يستمر طويلاً، فمحسن مرزوق خرج مبعدًا من حركة نداء تونس بعد أن سحب بساط الزعامة من تحت أقدامه بعد أن تأكد “دساترة” النداء أن مرزوق غلبته “الأيديولوجيا” وعاد إلى فكر الإقصاء.
سليم الرياحي إلى جانب محسن مرزوق
أما سليم الرياحي فقد خرج من التحالف الحكومي بعد فشله في تحقيق مكانة له ولحزبه داخل الحكومة تفوق حجمه الأصلي، فبدأ بمهاجمة حليفي الأمس الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية وأيضًا رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مطالبًا بإجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها لأن رئيس الجمهورية احتكر سلطتي قرطاج والقصبة، حسب رأيه.
إضافة إليهما، نجد ممثل الهيئة التسييرية لحركة نداء تونس رضا بالحاج، الذي انشق عن حزب نداء تونس وأعلن الحرب عليه وعلى مجلس نواب الشعب، بعد أن اقتنع يقينًا ألا مكان له في النداء الذي يعمل بتوافق مع حركة النهضة، أما المستقلون، من أمثال عبد العزيز القطي، فقد انسلخ عن حزبه بعد أن وعد بمنصب وزير الفلاحة ولم ينله.
من الممكن أن تفشل الجبهة في دخول الانتخابات البلدية والمحلية القادمة بقائمات موحدة
ورغم تأكيد قياداتها أن الجبهة لا تريد زعيمًا أو تبحث الالتفاف حول شخص، وأن الهدف من تجمعهم وانصهارهم ضمن جبهة موحدة هو إنقاذ تونس، فإن الواقع والتجارب السابقة تقول عكس ذلك، الأمر الذي قد يضعف حظوظهم في الوصول إلى الحكم وإقصاء حركة النهضة من المشهد السياسي كما تضمّن برنامجهم، حتى إنهم من الممكن أن يفشلوا في دخول الانتخابات البلدية والمحلية القادمة بقائمات موحدة.