كثر الحديث في السنوات الماضية حول مدن المستقبل وباتت تعقد ندوات ومؤتمرات في أماكن مختلفة حول العالم، حيث تجتمع كبرى الشركات العالمية لمناقشة آخر ما توصل إليه العلم في تطوير طرق وأشكال البناء والمواد المتعلقة فيه وعرض آخر التقنية في مصادر الطاقة المتجددة وإعادة تدوير المياه والمخلفات وإنتاج الطعام ووسائل النقل النظيفة وميزات اجتماعية واقتصادية أخرى.
مدن المستقبل الذكية
عكفت شركات التطوير العقاري والمستثمرين والمهندسين للانشغال بكيفية عمل مدينة المستقبل من خلال حل مشاكل المدن التي تعاني منها في الوقت الراهن، وأبرز تلك المشاكل هي التلوث والازدحام والتغير المناخي والجريمة والضوضاء في بيئة العمل وقلة انتشار النت وأشياء كثيرة أخرى، لذا وانطلاقًا من المشاكل التي تعاني منها المدن الآن حول العالم، ظهرت الحاجة لشكل جديد للمدينة يكون فيها كل شيء متقن ومخطط له.
تعد الطاقة الخضراء أهم ركيزة في تصميم وبناء مدن المستقبل؛ والطاقة الخضراء هي التي تعتمد على مصادر طاقة نظيفة المتولدة من الشمس والرياح والمياه بدلا عن النفط والغاز، التي تسببت بنسب تلوّث عالية ضربت جميع المدن حول العالم. استخدام مصادر الطاقة المتجددة سيحد من التلوث في الهواء بالإضافة إلى اعتماد أساليب البناء الخضراء الذي يشير إلي بناء صُمم وشُيد ويُدار ويُصان ويُهدم بطريقة مستدامة وفعالة، وذلك بهدف الحد من الآثار المضرة على صحة الإنسان والبيئة الطبيعية من خلال استخدام الموارد النظيفة كطاقة الشمس والمياه وغيرها بكفاءة عالية، وحماية صحة الناس وتحسين إنتاجية الموظفين، والحد من النفايات والتلوث والتدهور البيئي.
وللاستفادة من طاقة الشمس سيتم تزويد المباني بصفائح زجاجية تجمع طاقة الشمس باستمرار، مستغلّة كل ما يمكن استغلاله من هذه الطاقة النظيفة. وللتقليل من ثاني أوكسيد الكربون ومن خطر الانحباس الحراري من خلال نشر البقعة الخضراء والتوسّع في إنشاء الحدائق السماوية على أسطح الأبنية وناطحات السحاب، التي تقوم بتقليل نسبة ثاني أكسيد الكربون بمعدلات قياسية.
البناء الخضراء الذي يشير إلي بناء صُمم وشُيد ويُدار ويُصان ويُهدم بطريقة مستدامة وفعالة
مدن المستقبل ستسخدم التكنولوجيا بشكل كبير وفي كل مناحي الحياة المحتلفة، فمع تنامي استخدام شاشات اللمس والهواتف الذكية لن يكون هذا الأمر صعب، إذ سيستخدم نظام تحديد المواقع (GBS) على نطاق واسع في المدينة بحيث لن يضل أحد طريقه بعد ذلك، فباستخدام الشاشات التفاعلية، سيكون من السهل أن يجد الشخص الاتجاه والمكان الذي يرغب الذهاب إليه.
وإذا كان سائقي السيارات في المدن الحالية يعانون في ركنها في مكان ما قد يأخذ منهم وقت كثير بسبب الازدحام، فإن المجسات الإلكترونية في مدن المستقبل ستأخذ دورها في هذا، فلن يكون من الصعب على أي شخص أن يجد مكانًا يركن فيه سيارته، فضلا عن انتشار السيارات الذكية والصغيرة الحجم، والتطبيقات الإلكترونية، التي يمكن من خلالها بسهولة العثور على مكان، كما من الممكن أن تنتشر الطائرات الصغيرة الحجم ذات الاستخدام المدني كبديل عن السيارات.
أما مسألة شبكة الانترنت ومشكلة عدم توفرها في بعض الأماكن وضعفها في أماكن أخرى، فإن مدن المستقبل ستحل هذه المشكلة إذ سيكون من السهل الوصول لخدمة الإنترنت بسهولة، من خلال خدمة “الواي فاي” في كل مكان. وبخصوص مسألة الجرائم والأمان الشخصي ستحظى مدن المستقبل بجرائم أقل، فمن خلال تقنية مسح الوجه التي ستمكن من القبض على المجرم خلال دقائق. كما سيتم تطبيق تقنية التعرف على أصوات إطلاق النار، وبسهولة يتم تحديد المكان، ومن ثم إرسال رجال الشرطة إلى المكان.
سيتم التحكم بالمناخ أكثر بحيث تكون المدن مغطاة بغطاء بلازمي شفاف أو غلاف مثل الغلاف الجوي لإتاحة التحكم بالطقس
وربما سيتم التحكم بالمناخ أكثر بحيث تكون المدن مغطاة بغطاء بلازمي شفاف أو غلاف مثل الغلاف الجوي وماكينات ضخمة على أطراف المدينة تتحكم بالحرارة وقوة سطوع الشمس المرغوب بها وتولد الرياح أو تسمح لها بالمرور بعد تصفيتها وترشيحها من كل المواد الضارة القادمة من الخارج. على كل حال كل ما ذُكر أعلاه البعض منه مطبق والبعض الآخر لا تزال عبارة عن خطط للمستقبل، تسعى مدن عديدة حول العالم للمنافسة لتكون أول مدينة ذكية تحاكي أفضل المعايير، وفي ظل تطور العلم والتكنولوجيا المستخدمة في هذه الأيام فإن هذه المدن كانت في الماضي من الخيال واليوم تصبح شيئًا فشيئًا من الواقع.