لقاءات لندن السرية.. عباس يحمي “إسرائيل” ويهديها طوق النجاة

بعيدًا عن أعين كاميرات الصحافة وأحاديث وسائل الإعلام، تواصل السلطة الفلسطينية طريقها بالركض وراء وهم المفاوضات السياسية مع “إسرائيل” الذي وقعت فيه قبل 22 عامًا وحتى اللحظة ترفض التنازل عنه، رغم أنها لم تحصل على أي نتائج ودفع الفلسطينيون ثمن هذا الوهم غاليًا.
وبخلاف كل التصريحات التي صدرت عن مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية، تحدثوا عن توقف كل أشكال المفاوضات السرية والعلنية مع “إسرائيل” منذ سنوات، وإغلاق هذا الباب بشكل نهائي، كشفت وسائل إعلام بريطانية عن لقاءات سرية جرت بين مسؤولين في السلطة و”إسرائيل” في العاصمة لندن، لتثير هذه اللقاءات علامة استفهام كبيرة عن دور السلطة الجديد وتمسكها المميت بهذا النهج “الفاشل”، بحسب مراقبين.
وقالت وسائل إعلام بريطانية: “مفاوضات سرية جرت بين سياسيين فلسطينيين وإسرائيليين في العاصمة لندن”، دون تحديد أسماء المشاركين فيها، وكان أحد القائمين على هذا اللقاءات هو المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصال والأبحاث (بيكوم).
لندن تفضح السلطة
وكشفت الصحف والمواقع البريطانية أن المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصال والأبحاث (بيكوم) أمدهم بمعلومات تؤكد عقد لقاءات التفاوض بين سياسيين فلسطينيين و”إسرائيليين”، وبعض هذه اللقاءات جمعت أكاديميين من الطرفين، وكان هدفها كسر حالة الجمود التي تعيشها المفاوضات، والتمهيد لعملية سياسية رسمية.
يُعد المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصال والأبحاث (بيكوم) من أهم وأنشط منظمات اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا
ولم تكشف المصادر الصحافية عن هوية أي من المشاركين في هذه المفاوضات أو عن توقيت تلك الاجتماعات، غير أن تقريرًا أعده المراسل العسكري لصحيفة “ذي إيفنينغ ستاندارد” روبرت فوكس، أفاد بأن “بيكوم” استضاف الاجتماعات بالتعاون مع المعهد الملكي للشؤون الدولية “شاتام هاوس”.
ويُعد المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصال والأبحاث (بيكوم) من أهم وأنشط منظمات اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، وقد تأسس في العام 2001 بهدف الدفاع عن موقف “إسرائيل” وتحسين صورتها أمام الرأي العام البريطاني، ويعمل المركز على الطعن في قانونية وشرعية حملات مقاطعة “إسرائيل”.
ويعتقد قيادات المركز أن إقناع الناس في بريطانيا بفكرة “إسرائيل تسعى إلى سلام دائم مع جيرانها” أفضل المفاتيح لزيادة الدعم لها، حتى لو كان تحقيق السلام بعيد المنال.
وكان الرئيس عباس قد وضع شروطًا للموافقة على العودة للمفاوضات من جديد مع الجانب الإسرائيلي، تمثلت في وقف الاستيطان ثلاثة أشهر والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى التي كان قد اتفق عليها مع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ونتنياهو وأوقفها الأخير وتسبب بانهيار المفاوضات.
وتوقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية نهاية أبريل/ نيسان 2014، دون تحقيق أي نتائج تذكر، بعد 9 أشهر من المباحثات برعاية أمريكية وأوروبية، بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان وقبول حدود 1967 أساسًا للمفاوضات والإفراج عن معتقلين فلسطينيين قدماء في سجونها.
اللقاءات السرية التي تجري بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين في الدول الأوروبية، وكان آخرها بالعاصمة البريطانية، تعد خرقًا غير مقبول لحالة الإجماع الوطني الرافضة للمفاوضات
انتقاد فلسطيني حاد للسلطة
وفور نشر وسائل الإعلام البريطانية عن اللقاء السرية بين السلطة و”إسرائيل”، خرجت موجة انتقادات فلسطينية كبيرة ضد السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، بسبب تمسكه بالمفاوضات التي تعد بالنسبة لهم طريقًا خطيرًا وخارجًا عن التوافق الفلسطيني الداخلي.
طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، انتقد مواصلة السلطة الفلسطينية سلوكها طريق المفاوضات واللقاءات السرية مع الجانب “الإسرائيلي” في الدول الأوروبية.
وأكد أبو ظريفة أن اللقاءات السرية التي تجري بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين في الدول الأوروبية، وكان آخرها بالعاصمة البريطانية، بحسب ما كشفت عنه وسائل إعلام بريطانية، يعد خرقًا غير مقبول لحالة الإجماع الوطني الرافضة للمفاوضات.
مثل هذه اللقاءات التي تتم بالسر بين مسؤولين في السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، توفر طوق نجاة للاحتلال أمام العالم
وأضاف: “هذه اللقاءات العبثية تقدم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي، وتساعد في التغطية على جرائمه المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج، والاعتداء الغاشم على حقوقه ومقدساته الإسلامية والمسيحية”.
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، ذكر أن مثل هذه اللقاءات التي تتم بالسر بين مسؤولين في السلطة الفلسطينية والجانب “الإسرائيلي”، توفر طوق نجاة للاحتلال أمام العالم، في ظل الجرائم البشعة التي يرتكبها بحق شعبنا الفلسطيني.
وأوضح أبو ظريفة أن هذه اللقاءات مرفوضة تمامًا، وعلى السلطة الفلسطينية وقفها بشكل فوري، لما فيها من ضرر كبير على القضية والمشروع الوطني، وما تقدمه من فائدة كبيرة لصالح الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
من جانبه قال فتحي القرعاوي القيادي في حركة “حماس” والنائب في المجلس التشريعي بالضفة الغربية المحتلة: “السلطة الفلسطينية تلهث وراء سراب العملية السياسية الذي تسوقه إسرائيل والإدارة الأمريكية، ويعتقد الرئيس عباس بأنه سيحصل على أي نتائج من خلال لقاءاته السرية مع الجانب الإسرائيلي، إلا أن ذلك لن يحقق أي نتائج إيجابية”.
وأضاف: “نحن نعلم أن الرئيس عباس يجري لقاءات سرية مع الجانب الإسرائيلي في عواصم أجنبية، ويحاول بكل الطرق الحصول على أي موافقة إسرائيلية للبدء بتحريك العملية التفاوضية من جديد، بعد فشلها وتوقفها قبل عامين تقريبًا”.
وتابع القيادي في حركة حماس: “22 عامًا من عمر المفاوضات ولم تحقق شيئًا للفلسطينيين، بل تسببت بمزيد من الحصار والدمار والاستيطان وقتل أبناء شعبنا وسرقة حقوقه وممتلكاته، واللهث وراء هذا الخط الفاشل لن نجني من ورائه إلا مزيدًا من الفشل”.
طعن في ظهر الفلسطينيين
وحذر القرعاوي من تقديم السلطة الفلسطينية تنازلات جديدة لإرضاء إسرائيل و”إنزالها عن الشجرة”، مقابل موافقتها على فتح باب جديد من المفاوضات، وإنقاذها من الأوضاع الصعبة والمتأزمة التي تمر فيها السياسية والاقتصادية.
يشار إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعلن في شهر مايو/ أيار الماضي مبادرة لدفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أنها لم تحرك بعد ويرفضها الرئيس عباس
كما حذرت الجبهة الشعبية، قيادة السلطة الفلسطينية من مغبة الاستمرار في طريق العبث والمراوغة وإخفاء معلومات عن لقاءات جرت مع “إسرائيل” في لندن أواخر العام الماضي.
وقالت الجبهة “نريد ردًا على التقرير الذي صدر أمس بشأن لقاءات (مسار بديل) جرت مع وفود إسرائيلية أواخر 2016″، معتبرة أن هذه التقارير تقوض جهود حركة المقاطعة الدولية، وتشّكل طعنة لنضالات آلاف من أبناء الحركة الدولية التي تدعو لعزل كيان الاحتلال وجره إلى المحاكم الدولية.
في حين رأى المحلل والكاتب السياسي مصطفي الصواف أن اللقاءات غير المعلنة بين فلسطينيين وإسرائيليين ليست غريبة ولا جديدة علينا، لافتًا إلى أن قناعات الرئيس عباس وبعض الأطراف الإسرائيلية تفضل السرية والكتمان كي لا تشكل أي عقبة في طريق الاتفاقيات وكذلك كي لا يثور الشعب الفلسطيني في وجه عباس.
وأشار الصواف إلى أن اللقاءات بين الجانبين سواء التي تحدث بشكل سري أو علني لم تنقطع، فهي تُعقد بشكل دائم، منوهًا إلى أن بعض الاتفاقيات التي جرت بين الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني كاتفاقية “أوسلو” التي لم يعلن عن بنودها حين التوقيع عليها، اتسمت بالسرية والكتمان.
وتوقع أن يتم الكشف بشكل علني عن مضمون اللقاءات خلال فترة وجيزة من خلال تصريحات المشاركين الإسرائيليين فيها كما جرت العادة حين الانتهاء من عقد لقاء وتوقيع اتفاقية، يتم الكشف عنها من مصادر إسرائيلية، مشيرًا إلى أن الاحتلال يُطلع جمهوره على أي اتفاق ومضمونه قبل وبعد حدوثه، وذلك بخلاف الجانب الفلسطيني الذي يتجاهل رأي الشارع وتوجهاته.
كانت باريس قد استضافت اجتماعًا وزاريًا دوليًا قبل أشهر شارك فيه 25 وزير خارجية، بينهم 4 من دول عربية، بغرض التشاور لإحياء عملية السلام، وطرحت مبادرة لتحريك عملية السلام المتجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين
واعتبر أن اللقاءات السرية محاولة إسرائيلية لعلاج بعض القضايا الخلافية بين الجانبين كالعودة إلى المفاوضات والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، ووسيلة لابتزاز الجانب الفلسطيني ليعود إلى طاولة المفاوضات من جديد وكذلك للتنازل عن مزيد من حقوق الشعب الفلسطيني.
ويشار إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعلن في شهر مايو/ أيار الماضي مبادرة لدفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أنها لم تحرك بعد ويرفضها الرئيس عباس.
وكانت باريس قد استضافت اجتماعًا وزاريًا دوليًا قبل أشهر شارك فيه 25 وزير خارجية، بينهم 4 من دول عربية، بغرض التشاور لإحياء عملية السلام، وطرحت مبادرة لتحريك عملية السلام المتجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عبر عقد مؤتمر دولي للسلام يساعد في دفع العملية السياسية، ويبحث إيجاد آلية دولية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي استنادًا إلى رؤية حل الدولتين.