قبل أشهر قليلة لم يكن اسم المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية، إيمانويل ماكرون متداولاً كثيرًا في الأوساط السياسية والشارع الفرنسي، أو بالكاد يسمع، إلا أنّه أضحى، الآن، الرقم الصعب ومفاجأة هذه الانتخابات، حيث يحتل المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي بعد أن كانت نتائج هذه الاستطلاعات تقصيه من الدور الأول في السباق نحو الإليزيه.
ماكرون في الصدارة
قبل ثلاثة أسابيع من موعدها، ما زال إيمانويل ماكرون المرشح المستقل الأوفر حظًا للفوز بانتخابات الرئاسة الفرنسية، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد أبحاث السوق والرأي الفرنسي (BVA)، أنّ المرشح إيمانويل ماكرون المنتمي لتيار الوسط يتجه للفوز بالجولة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية الشهر القادم، رغم تراجعه بنقطة مقارنة باستطلاع الرأي السابق الذي أجرته المؤسسة.
وأظهر الاستطلاع أنّ وزير الاقتصاد السابق في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، سيفوز بنسبة 25 %من الأصوات في الجولة التي ستجرى في 23 من أبريل الحالي بينما ستحصل مرشّحة اليمين المتطرف مارين لوبن على 24%.
معظم الاستطلاعات تظهر أن ماكرون سيتغلب بسهولة على لوبن زعيمة حزب الجبهة الوطنية في جولة الإعادة
ولئن لم يقدم هذا الاستطلاع توقعًا لجولة الإعادة، فإن معظم الاستطلاعات التي تطرقت لهذا الأمر في الشهور الأخيرة تظهر أن ماكرون سيتغلب بسهولة على لوبن زعيمة حزب الجبهة الوطنية في جولة الإعادة التي ستجرى بين المرشحين الاثنين الأوفر حظًا يوم الـ7 من مايو المقبل، ومع ذلك فإنّ العدد الكبير من الناخبين لم يحسموا أمرهم، مما يعني أنه لا يزال من الصعب التكهن بنتيجة الانتخابات.
كما أظهر الاستطلاع الذي أُجري في الـ29 و30 مارس الماضي، ارتفاع نسبة التأييد للمرشح المحافظ فرانسوا فيون من 17 إلى 19% فيما يمثل أول زيادة في نسب التأييد له منذ حاصرته فضيحة تتعلق بسداد مبالغ لأفراد بعائلته عن عمل ربما لم يقوموا به، مما يؤهّله للقيام بمفاجأة في هذه الانتخابات، ويبقى فيون حسب الاستطلاع المرشح الأفضل للناخبين الذين يبلغون سن الـ65 وما فوق الذين هم عرضة بشكل خاص للتعبئة.
نتائج استطلاع الرأي
وظل فيون الأوفر حظًا للفوز بالانتخابات بعد حصوله على تفويض اليمين نهاية 2016، إلى أن كشفت صحيفة أسبوعية في أواخر يناير الماضي عن دفعه المال لزوجته بصفتها مساعدته البرلمانية نظير عمل لم تقم به، وينفي فيون ارتكاب أي مخالفات لكن مدعين أخضعوه للتحقيق في قضية أصبحت تعرف باسم قضية الوظائف الوهمية.
وأظهر الاستطلاع الذي أجري على عينة تمثيلية من 1418 شخصًا مسجلاً في قائمة الناخبين، تحقيق مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلينشون المزيد من المكاسب ويتوقع أن يحصل في الجولة الأولى على نسبة تصل إلى 15% بعد أن كان الاستطلاع توقع حصوله على 14 %قبل ذلك بأسبوع.
هل يكون ماكرون مرشحًا لهولاند؟
مع احتداد المنافسة على منصب الرئاسة، اتهم مرشح اليمين فرانسوا فيون المرشح المستقل إيمانويل ماكرون بأنه مرشح الرئيس فرانسوا هولاند لدرجة أنه أطلق عليه اسم “إيمانويل هولاند” في إشارة إلى العلاقات المتينة التي تربط الرجلين.
فيون وأنصاره يبرّرون هذا الاتهام بما أدلى به فرنسوا هولاند من تصريحات لصحافيين من جريدة لوموند الفرنسية عندما قال في جملة شهيرة دخلت التاريخ وتناقلتها عديد من الوسائل الإعلامية: “إيمانويل ماكرون هو أنا”.
وما يزيد من صحة هذه الاتهامات، حسب أنصار فيون، إعلان عديد من المقربين من فرانسوا هولاند مساندة ماكرون في حملته الانتخابية، رغم وجود مرشح رسمي للحزب الاشتراكي بونوا هامون، ونشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، تصريحًا لفيون قال فيه: “كل فريق فرانسوا هولاند مع إيمانويل ماكرون، هذا ما أقوله دائمًا، إيمانويل ماكرون هو فرانسوا هولاند”.
لفت فالس الذي استقال من منصبه كرئيس للوزراء للترشح للرئاسة، إلى وجود رموز في الحزب الاشتراكي تدعم المرشح ماكرون
وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي السابق الاشتراكي مانويل فالس تأييده لمرشح الوسط إيمانويل ماكرون الذي عمل وزيرًا للاقتصاد تحت إدارة الأول في الفترة من عام 2014 إلى 2016، في الانتخابات الرئاسية، ولفت فالس الذي استقال من منصبه كرئيس للوزراء للترشح للرئاسة ولكنه خسر في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي أمام بونوا هامون، في مقابلة مع قناة “بي إف إم” الإخبارية، إلى وجود رموز في الحزب الاشتراكي تدعم المرشح ماكرون، مثل جون إيف لودريان وزير الدفاع وبرتران دولانويه عمدة باريس السابق، وقال إنه سيصوت لصالحه، واصفًا هذه الخطوة بالموقف المسؤول لمواجهة خطر وصول اليمين المتطرف إلى كرسي الإليزيه.
فيون يتهم هولاند بدهم ماكرون
وسبق لفيون أن اتهم الحكومة الاشتراكية بالوقوف وراء التسريبات التي ينشرها الإعلام ضده من حين لآخر عبر استغلال معطيات قضائية سرية بهدف إقصائه من السباق الانتخابي، وفق قوله، وأضاف فيون في حديث لإذاعة “فرانس أنفو” قائلاً: “كل أسبوع هناك تسريبات منظمة في انتهاك واضح لمبدأ السرية القضائية، من ينظمها؟ إنها الحكومة“، الأمر الذي تنفيه الحكومة الفرنسية.
ماكرون يتقرب إلى رجال ساركوزي
في محاولة منه لسحب البساط من تحت أقدام فيون الذي يتهمه بأنه يجسد استمرارية الاشتراكيين في الحكم، عقد إيمانويل ماكرون اجتماعًا مع السياسي المحافظ كريستيان استروزي المحسوب على نيكولا ساركوزي يوم السبت خلال زيارة لمدينة مرسيليا في إشارة إلى مدى انفتاح مرشح تيار الوسط على مختلف التوجهات.
وينتمي استروزي لجناح سياسي محافظ في فرنسا يقع على يمين الحكومة الاشتراكية التي كان ماكرون (39 عامًا) وزيرًا للاقتصاد فيها حتى العام الماضي، وقال ماكرون للصحفيين إنه يرغب في مد الجسور بين اليمين واليسار في البلاد، بينما وصف فريق فيون اللقاء بين ماكرون واستروزي بأنه انتهازي، وأكّد لقاء ماكرون واستروزي، قدرة هذا المرشّح الشاب للرئاسة الفرنسية على استقطاب شخصيات يمينية في خطوة لدرء الاتهام بأنه لن يتمتع بأغلبية تسانده في مهامه وبرنامجه الرئاسي في حال فاز بقصر الإليزيه.
من هو ماكرون؟
قبل الـ16 من نوفمبر 2016، لم يكن أحد يسمع شيئًا عن الليبرالي إيمانويل ماكرون ولا يعرف عنه شيء سوى كونه وزيرًا سابقًا للاقتصاد الفرنسي، إلا أنه بعد هذا التاريخ وإعلانه ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017، أصبح محل كل ذكر.
كل الأنظار تتجه نحو ماكرون، النجم الصاعد في السياسة الفرنسية، وزير الاقتصاد الفرنسي السابق (2014-2016) الذي تحول إلى ظاهرة سياسية منذ استقالته من منصبه الوزاري في شهر أغسطس 2016 ليؤسس حركة “إلى الأمام”، والأوفر حظًا لنيل شرف الرئاسة.
بدأ حياته بمسار تعليمي ناجح في أبرز المدراس والمعاهد الفرنسية وهي معهد “هنري 4” بباريس ثم معهد العلوم السياسية بباريس (2001) والمدرسة العليا للإدارة بمدينة ستراسبورغ (2002-2004).
في عام 2012، التحق ماكرون بالرئيس هولاند وعمل مستشارًا اقتصاديًا حتى 2014 ليعينه هولاند بعد ذلك وزيرًا للاقتصاد
خلال مشوراه الدراسي، وقع إيمانويل ماكرون قبل أن يتجاوز الـ16 سنة في غرام مدرسة للغة الفرنسية تدعى برجيت ترونيو والتي كانت تكبره سنًا بعشرين سنة، فتزوجها وما زالت تشاركه حياته إلى اليوم، لتلعب بذلك دورًا أساسيا في تألق نجم ماكرون سواء كان على الصعيد المهني أو السياسي.
بعد تخرجه، عمل ماكرون كمفتش عام للمالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي تحت رئاسة مستشار الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران، جاك أتال، وفي 2008 التحق بمصرف “روتشيلد”، في عام 2012، التحق بالرئيس هولاند وعمل مستشارًا اقتصاديًا حتى 2014 ليعينه هولاند بعد ذلك وزيرًا للاقتصاد محل أرنو مونتبورغ الذي استقال من منصبه، دون أن يكون عضوًا في الحزب الاشتراكي أو ينتخب لأي مقعد.
ماكرون مع زوجته برجيت ترونيو
في بداية 2016 قدّم استقالته، وأسس بعد ذلك حركته “إلى الأمام” التي أكّد أنها “لا يمينية ولا يسارية”، واستقطب عشرات الآلاف من المساندين، غالبيتهم من الشباب، ليعلن في نوفمبر ترشحه الرسمي للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وبرنامجه خفض كلفة العمل للمؤسسات العمومية وإبقاء نظام العمل 35 ساعة في الأسبوع وتحسين القدرة الشرائية للموظفين في حال انتخابه رئيسًا للبلاد.
ويعرف عن ماكرون أنه يتبنى الفكر الليبرالي في الاقتصاد، وهو ما ظهر في مشروع قدمه لحكومة مانويل فالس حول “تكافؤ الفرص وتنشيط النمو”، الذي يتضمن جملة من القرارات الاقتصادية الجديدة لإعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الفرنسي وحل مشكلة البطالة.
ومن بين تلك الإجراءات السماح لبعض المراكز التجارية الكبرى، خاصة تلك الموجودة في المناطق السياحية، العمل مدة أطول خاصة في نهاية الأسبوع، إضافة إلى تحرير قطاع المواصلات خاصة الحافلات، وإجراء تغييرات على جانب من قوانين الشغل وعلى بعض القطاعات المهنية التي كانت حكرًا على بعض المستثمرين.