كيف يمكن أن تتعرف على مشروع سلسلة لنشر الكتب بجملة استفهامية غير مكتملة؟ هذا أول ما يمكن أن يتبادر إلى ذهن القارئ الذي يتعرف لأول مرة إلى “كيف ت”، فأنت حين تقرأها تبحث عن تكملة لهذا التساؤل المُقتطَع.
هكذا بدأت الفنانتان والناشطتان بالشأن الثقافي آلاء يونس ومها مأمون سلسلتهما لنشر نصوص في كتب تقع بين الأدبي والبحثي، بين الخيالي المُمتثل، بين التأمل والممارسة.
هناك رفّ شهير يعرفه أي شخص يذهب إلى المكتبات بشكل منتظم لشراء الكتب، الذي يحمل في كتبه مواضيعًا إرشادية سريعة لتعلم مهارة ما أو لغة جديدة أو لعبة رياضية أو حتى لتعلم الفنون المنزلية كالطبخ أو الخياطة على سبيل المثال، ربما يقع هذا الرف تحت تبويبة “كتب إرشادية” أو “كتب الأدلة” في المكتبة العربية كمعادل غير مباشر لكلمة “how to” الإنجليزية.
هذه الكتب غالبًا ما تتصدر واجهات أغلب المكتبات التجارية، فهي تبيع كثيرًا لارتباطها بالحياة اليومية والعمل، يقدم الكتاب الإرشادات كإجابات وافية لكي تتوقف عن البحث والتساؤل وتبدأ بالممارسة.
ـ”كيف ت” 4 كتيبات، صدر أولها عام 2013، جميعها تبدأ بـ”كيف ت” ثم تبادر بصنع السؤال الذي يتحدث عنه الكتاب، ليس سؤالاً يطلب جوابًا كما قلنا، ولكنه يبحث عن النقطة المشتركة التي تقع بين حدود الممارسة والشعور
لم يكن العنوان الدلالي لـ”كيف ت” شرطًا لإعطاء إجابات يمكن أن تتوقف فقط عند حدود الممارسة العملية لمهارة ما يجب أن نتعلمها، حيث تدور إصدارات السلسلة بين مواضيع تحاول أن تقطع المساحة بين الأشياء ومضاداتها، بين الفني وغير الفني، بين التعليمي والحدسي، بين الثابت والشعري، “حيث يمكن للفن والحياة أن يتقاطعا معًا”.
ففي إصدارات “كيف ت” تنوعت مواضيع تربط بين العمل اليدوي والموسيقى والتمارين الذهنية والنصوص الأدبية والدراسات الإنسانية التي تكشف مساحات هائلة يمكن أن تدرب القارئ على أن ينتبه أكثر لما يجري حول نفسه وحول العالم الذي يعيش فيه.
لـ”كيف ت” 4 كتيبات، صدر أولها عام 2013، جميعها تبدأ بـ”كيف ت” ثم تبادر بصنع السؤال الذي يتحدث عنه الكتاب، ليس سؤالاً يطلب جوابًا كما قلنا، ولكنه يبحث عن النقطة المشتركة التي تقع بين حدود الممارسة والشعور.
فيما يلي عروض لإصدارات السلسلة الأربعة حسب ترتيب نشرها:
كيف تختفي – هيثم الورداني
هو العدد الأول للسلسلة وفيها كتب الكاتب المصري هيثم الورداني مجموعة من التمرينات السمعية للقارئ، وهي تمرينات تخلق نوعًا من الحساسية تجاه الأصوات في المحيط الذي توجد فيه، فبين شوارع المدينة والغرفة وأصوات الأصدقاء في المقهى يدربك هيثم على التحرك بين مستويات الصوت.
في تدريبات بعناوين “كيف تختفي – كيف تعاود الظهور – كيف تستمع لصوتك الداخلي – كيف تجد معنى للأوقات الخاوية – كيف تغير ترددك – كيف تنضم إلى جماعة – كيف تخرج إلى جماعة” يمكن باتباع الإرشادات أن تسيطر على الأصوات المحيطة بك لإبراز حالات متعددة من الإدراك والوعي.
وفي ملحق للكتيب تحت عنوان “أصوات الطبقة المتوسطة” يعطي الورداني قاموسًا صغيرًا للأصوات التي تحيط بالطبقة المتوسطة، صوت جهاز التبريد القديم الذي يرج جدران المنزل، وكذلك أصوات لعب ودبيب الأطفال الذين يلعبون في الشقة متوسطة المساحة، إلى جانب بعض الأمثلة الأخرى، أعطى الكاتب للأصوات في هذا الملحق أيضًا بُعدًا اجتماعيًا، حيث يمكن أن تختلف الأصوات المسموعة حولنا باختلاف الطبقة الاجتماعية التي ننتمي إليها.
صوت صورة ساحلية.. كيف تحاكي صوت الساحل باستخدام يدين وسجادة – جودت إريك
يأتي كتيب الفنان التركي جودت إريك كإرشادات لتنفيذ أحد أشكال الفنون المعاصرة، وهي محاكاة صوت الطبيعة، حيث استخدم الفنان يديه وسجادة لمحاكاة صوت الساحل وإخراجه بهذه الطريقة فقط، تأتي فكرة الأصوات مرة أخرى في هذا الكتاب ولكن في صورة فن، حيث شارك في كتابه مجموعة من الأفكار والخواطر عن صوت الساحل وكيفية محاكاته وكيف أتت هذه الفكرة لديه، كما كتب مجموعة من الإرشادات لمن يريد أن ينفذ مقطوعة الصوت، مصحوبة بصور لوضعية اليد ورسومات توضيحية لحركتها على السجادة لإخراج صوت يحاكي صوت الشاطئ.
جودت إريك متحدثًا عن الكتاب
جودت إريك محاكيًا صوت الساحل باستخدام يديه وسجادة
كيف تعرف ما الذي يجري حقًا – فرانسيس ماكي
في نوع من الحكي يستخدم الكاتب والمؤرخ الطبي الأيرلندي فرانسيس ماكي لغة شائقة وكشفية ليجعلنا نتساءل معه عن الذي يجري حقًا، ففي عصر المعلومات اللامتناهية والمتاحة للجميع أصبح البحث عن الحقيقة ليس في الحصول على المعلومات، ولكن في انتقائها بحيث تكون أكثر مناسبة للواقع.
يتناول المؤرخ في كتيبه الطرق والوسائل المتعددة للبحث عن الحقيقة في العالم، فبين مكاتب التجسس ومساحات الجامعة ومتصوفي التبت تتراوح عملية البحث بين أوساط مادية وروحية، حيث لا يبدو هناك وصفًا نهائيًا لماهية الحقيقة، فالحقيقة ربما في النهاية لا تعدو كونها أكثر من سرد متماسك له قدرة على تفسير الواقع.
كيف تلتئم.. عن الأمومة وأشباحها – إيمان مرسال
في كتيب يجمع بين الأدبي والبحثي كتبت الشاعرة المصرية إيمان مرسال عن الأمومة باعتبارها صورة لصراعات وتفاعلات في خلفية علاقة الأم بالطفل، حيث تختفي صورة الأم النمطية المعروفة، بينما تعتمل أسئلة كثيرة في الداخل.
ففي الفصول الأربع لكتيب إيمان تنوعت أساليب الكتابة بين البحث الأدبي والبحث الأنثروبولوجي الإنساني والنصوص الأدبية والمذكرات، فكما ترصد مرسال تجربة كاتبات أمهات مع أطفالهن في الفصل الأول، رصدت أيضًا عن تجربتها كابنة ثم كأم، في نصوص مليئة بالمشاعر، فقد بدا سؤال “كيف تلتئم” الذي وضعته في عنوان الكتاب، يحمل بداخله أسئلة – أم جروح؟ – كثيرة أخرى، حتى دفع مرسال نفسها للبحث عن فكرة الأمومة في وسيط الفوتوغرافيا، في الفصل الثالث من الكتيب.
لا تبدو أن هذه الصياغة اللغوية في “كيف تلتئم” تحمل منطقًا استفهاميًا، حيث لا يمكن أن يوجد حدًا نهائيًا يمكن أن تنتهي معه فكرة الالتئام في علاقة مستمرة بطول الحياة، ففي “الأمومة” فقط، تتبدل الأدوار، في مسيرة التئام لا تنتهي
صدر كتيب إيمان مرسال في فبراير 2017، وهو الكتيب الأخير في سلسلة “كيف ت” حتى الآن، وهي مبادرة غير ربحية بدعم من مؤسسة مفردات، وهي جمعية دولية غير ربحية تعني بالفنون المعاصرة، وتقع في مدينة بروكسيل ببلجيكا، حيث تعمل على دعم فنانين معاصرين وأصحاب المشروعات الثقافية بالعالم العربي.