“الأشهر القادمة ستكون ربيعًا لتركيا وشعبها وشتاءًا أسود للإرهابيين” جزء مما قاله الرئيس التركي أردوغان في تصريحات أمام حشود في مدينة طرابزون أمس الإثنين، مشيرًا إلى المنظمات الإرهابية التي تدرجها أنقرة في قوائمها وهي “بي كا كا” و”داعش” و”قوات سوريا الديمقراطية” التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، وهي فصيل يشكل في سوريا الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني. الربيع القادم يتزامن مع إيقاف درع الفرات في شمال سوريا والاستعداد لإطلاق عمليات جديدة هناك قد تحمل أسماء أخرى وأهداف أكبر.
أنقرة تعيد خلط الأوراق
ذكّر إنهاء عملية درع الفرات بالنسبة للبعض بما قامت به روسيا سابقًا العام الماضي، بعد إعلانها انتهاء العمليات العسكرية في سوريا وسحب جزء من قواتها، إلا أن الواقع كان مخالفًا لما تم الإعلان عنه.
إنهاء درع الفرات له أهمية سياسية وأخرى عسكرية بالنسبة لتركيا في الوقت الحاضر، إذ صدّرت للرأي العام التركي أن العملية أنجزت ما أوكل إليها بنجاح وحققت أهدافها، يأتي هذا قبل أيام من الاستفتاء على التعديلات الدستورية الجديدة، والأهمية الأخرى تنبع من انفكاك أنقرة من الإلتزامات مع روسيا المفروضة عليها التي رافقت “درع الفرات”، ولا سيما أمام روسيا؛ وعليه ستستطيع أنقرة بعد هذا تحريك حلفاءها على الأرض بما يوافق مصالحها، من دون أي مسؤولية مباشرة أمام أي جهةٍ كانت، كما يرى باسل الحاج جاسم المتابع للشأن التركي.
إنهاء درع الفرات له أهمية سياسية وأخرى عسكرية بالنسبة لتركيا في الوقت الحاضر
اصطدمت أنقرة مع الولايات المتحدة بعد تجميد الأخيرة لاقتراحات اقتحام الرقة من عدة محاور، حيث أصرت واشنطن إبقاء التعاون مع قوات “قسد” الكردية، فواشنطن كما يرى المحلل السياسي، علي باكير، لا تريد أن تعتمد على دول لأنّ للدول حساباتها الخاصة؛ لذلك من الأسهل الاعتماد على ميليشيات يمكن التحكّم بها أو توجيهها أو توسيع دائرة الاستفادة منها، ويضيف أن واشنطن لا تريد أن يكون لها نفوذ بالواسطة عبر الدول الإقليمية، وإنما تريده مباشرًا وذلك لا يكون إلا من خلال الاستثمار في هذه الميليشيات.
وتتمثل استراتيجية أمريكا في الشمال السوري في أولويتين؛ بهزيمة داعش وإضعاف نفوذ إيران في المنطقة؛ من خلال ضرب “الهلال الشيعي” الذي يقع على امتداد إيران والعراق إلى سوريا ولبنان، إضافة إلى التخلص من القيود التي تضعها أنقرة على استخدام قاعدة إنجرليك التركية.
تركيا لم تتخلى عن أهدافها في صراعها مع المنظمات الإرهابية في الشمال السوري، وتعد لحملة عسكرية كبيرة بالتعاون مع فصائل الجيش الحر للسيطرة على الرقة، وهو ما سيغير من معطيات الصراع هناك، إذ كان من المتوقع أن يتم إطلاق عملية الرقة بشكل رسمي مع مطلع الشهر الحالي كما أفادت قيادات من المليشيات الكردية المتواجدة في الشمال السوري، ولكن إلى الآن لم يتم إطلاق المعركة.
تتمثل استراتيجية أمريكا في الشمال السوري في أولويتين؛ بهزيمة داعش وإضعاف نفوذ إيران في المنطقة
أحاديث إشراك أنقرة في معركة الرقة يأتي بعد زيارة تيلرسون لتركيا قبل أيام إذ من المرجح أن أنقرة أسمعت وزير الخارجية الأمريكي، كلامًا حول ما قد يفرضه استمرار دعم الولايات المتحدة للمليشيات الكردية على الأرض وعلى تحالف أنقرة مع واشنطن، وذكرت تقارير إعلامية أن أردوغان أبلغ تيلرسون، أنه من المهم أن تُشن الحرب على “الإرهاب من قبل الأطراف المناسبين والشرعيين”.
تركيا تعد لحملة عسكرية كبيرة بالتعاون مع فصائل الجيش الحر للسيطرة على الرقة
ومن ثم أخذت أنقرة على عاتقها تعزيز علاقتها بموسكو ضد واشنطن، في الزيارة التي قام بها أردوغان إلى روسيا في الشهر الماضي وكان الملف السوري على رأس الملفات التي تمت مناقشتها. ومع بقاء العداء بين أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية على الساحة، فإن أنقرة تسعى في المقام الأول من مشاركتها في معركة الرقة، وتقويض أهداف الأكراد في توسيع فيدراليتهم المزعومة من جهة وقطع الطريق عليهم في وصل الكانتون من خلال خلال السيطرة على تل أبيض، وعدم تمكينهم من تهجير العرب وعمل أي تغيير ديمغرافي في المنطقة قد يغير ملامحها لصالح الأكراد.
بالإضافة إلى تذكير واشنطن أن تركيا لن تسمح باللعب بمعادلة الصراع في الشمال السوري بدون أن يكون لها أي دور رئيسي فيها. وبهذا تجعل أنقرة دخول معركة الرقة حجر أساس لها في المرحلة المقبلة مع إبقاء قوات “قسد” تحت ناظريها، فما إن تنتهي من تغيير خطط واشنطن في الرقة ستعود من جديد إلى قتالها.
معركة الرقة
أشارت تقارير إعلامية أن أنقرة انتهت من تدريب آلاف المقاتلين السوريين للمشاركة في معركة الرقة، من المتوقع أن يطلق على الجيش اسم “جيش الرقة” وحسب ما أفاد به قيادات من الجيش الحر فإن المعركة قد تبدأ بعد الاستفتاء المزمع في 16 أبريل/نيسان القادم وستدخل القوات بشكل مرجح من مدينة تل أبيض شمال الرقة التي تسيطر عليها الوحدات الكردية منذ منتصف عام 2015، حسب ما أفاد به قيادات سورية من الجيش الحر.
ويعد الطريق إلى الرقة عبر مدينة تل أبيض الأقصر مسافة باتجاه المدينة، خصوصاً أن “قوات سورية الديمقراطية” توغلت جنوب تل أبيض، وباتت على مسافة نحو 30 كيلومتراً من المدينة، أي أن قوات المعارضة والقوات التركية لا تحتاج إلى وقت كبير كي تكون على التخوم الشمالية للرقة، في الوقت الذي تبلغ فيه المسافة من مدينة جرابلس إلى مدينة الرقة نحو 150 كيلومترًا.
يعد الطريق إلى الرقة عبر مدينة تل أبيض الأقصر مسافة باتجاه الرقة
وحول آخر مجريات المعركة في مدينة الطبقة وسد الطبقة، حيث لا تزال المعارك مستمرة على الجبهة هناك، حيث فشلت قوات “قسد” في السيطرة عليها، رغم حصارها من الشمال والغرب والجنوب.
وتحاول “قسد” جاهدة السيطرة على مدينة الطبقة لخلق وقائع على الأرض من الصعب تجاوزها في حال حسمت أميركا أمرها، وقررت الاعتماد على الأتراك في عملية انتزاع السيطرة على الرقة، لكن جهود هذه القوات لم تكلل بالنجاح رغم عمليات إنزال جوي قام بها التحالف في ريف الطبقة الغربي.
تسعى واشنطن لإطباق سيطرتها على مطار الطبقة العسكري في الرقة من خلال معركة “قسد”، بغية تحويله إلى قاعدة عسكرية لتقليل الاعتماد على قاعدة إنجرليك جنوب تركيا.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية، أطلقت في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عملية عسكرية باسم “غضب الفرات” لعزل مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة ثم السيطرة عليها. وتسعى الولايات المتحدة لإطباق سيطرتها على مطار الطبقة العسكري في الرقة من خلال معركة “قسد”، بغية تحويله إلى قاعدة عسكرية تتضمن مدرجات لهبوط الطائرات العسكرية الأمريكية وانطلاقها، وتريد وزارة الدفاع الأمركية اعتماد المطار في الهجوم على الرقة وتقليل الاعتماد على قاعدة إنجرليك جنوب تركيا.
علمًا أن لدى واشنطن اليوم أربع مطارات زارعية شرق نهر الفرات ومناطق قسد وهي مهبط للمروحيات قرب الحسكة ومطاري دجلة والخابور قرب مدينة الرميلان، إضافة إلى مطار في كوباني قادر على استقبال طائرات مدنية وعسكرية كبيرة.