ساد الحديث خلال الأيام الماضية حول احتمالية انهيار سد الفرات الواقع في محافظة الرقة شمال شرقي سوريا، حسب الإدعاءات التي أوردها داعش، بعد تعرض السد لسلسة غارات جوية نتيجة الاشتباكات المندلعة بين “قوات سوريا الديمقراطية” و”داعش” الذي سيطر على السد في نهاية العام 2013 بعد سيطرته الكاملة على محافظة الرقة. وقد أدت الغارات التي يقودها التحالف الدولي إلى وقف أنظمة صرف المياه المتسربة عن العمل، وتدمير غرفة العمليات والتحكم.
ومع استمرار الأعمال العسكرية ومنع دخول فنيي الصيانة لإجراء الإصلاحات المطلوبة، وصل منسوب المياه في البحيرة إلى 302.5 مترًا عن سطح البحر، وتقترب هذه النسبة من المنسوب الأعظمي لتخزين البحيرة، والبالغ 304 مترًا فوق سطح البحر، الأمر الذي يهدد السد بالانهيار نتيجة الارتفاع اليومي لمنسوب المياه، وتعطل الرافعة الرئيسية التي تفتح بوابات الضخ، وتدمير غرفة العمليات، ومنع فرق الصيانة والفنيين من الدخول إليه.
انعدام الطاقة الكهرومائية للسد
أشار المحامي “علاء السيد” الناشط في المجالات الإنسانية والسياسية والتاريخية، على صفحته الشخصية على فيس بوك أن هناك كارثة حقيقية لحقت بالسد لم يتطرق لها أحد خلال الأيام الماضية على إثر الضربات التي تعرض لها. مشيرًا إلى الطاقة الكهربائية المولدة من السد، فمسألة استهداف السد لم تكن بقصد هدمه كما أشيع في الإعلام وإنما بقصد إنهاء دوره في توليد الكهرباء كما يرى السيد.
ويرى في مدونته أن “الهدف الحقيقي من كل هذه الضجة الإعلامية، هو التغطية على جريمة جرت بحق تزويد السوريين بالكهرباء النظيفة عديمة التكلفة”، ويقول أنه “بفعل صاروخ جوي موجه بدقة، أصاب غرفة القيادة والتحكم بالسد الواقعة في الطابق الرابع من جسم السد، تم تدمير كافة تجهيزات التحكم بالتوليد الكهربائي لعنفات السد والبوابات أسفله”.
مسألة استهداف السد لم تكن بقصد هدمه كما أشيع في الإعلام وإنما بقصد إنهاء دوره في توليد الكهرباء
ويكمل “لقد سبق هذا الصاروخ، صاروخ جوي آخر أصاب ساحة التوزيع الكهربائي الرئيسية التي تتحكم بالكهرباء المولدة من عنفات السد، وبهذا فإن إمكانية توليد الكهرباء قد انتهت للأبد، وتحول السد إلى سد مائي فقط”، وتابع “لم يتم إطلاق الصواريخ على الطابق السابع وهو مكان تواجد العنفات، بل وبخبرة فنية مدروسة بدقة، تم الإطلاق على غرفة التحكم، ما سبب إغلاق فتحات السد السفلية بالكامل ورجوع المياه المتبقية أمام السد لتغمر الطوابق الثلاثة السفلية، التي تتواجد فيها كافة تجهيزات توليد الكهرباء أسفل العنفات ومحركات التجفيف وتخرجها عن الخدمة نهائيا”.
يحتوي سد الفرات على 8 بوابات
إلا أن مراقبون ومهندسون أشاروا أن الأعطال التي أدت إلى إيقاف توليد الطاقة الكهربائية يمكن أن يتم صيانتها، وأن الحديث عن خسارة سد الفرات بشكل مستمر لتوليد الكهرباء، هو حديث مبالغ فيه، وهندسيًا لا يوجد شيء غير قابل للصيانة، أو لعمليات الاستبدال.
الأهمية الاقتصادية لسد الفرات
يُستفاد من مياه سد الفرات في ري المشاريع الزراعية الكبيرة في المنطقة، وهو الهدف الرئيسي من بناء السد حيث تزيد الأراضي الزراعية التي تروى من مياه السد على 640 ألف هكتار، بالإضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية عبر محطات التوليد الكهرومائية، وتعتبر المحطة الكهرومائية جزءًا أساسيًا من سد الفرات، وتقع على الضفة اليمنى وهي من أكبر المحطات التي تولد الطاقة الكهربائية في سوريا بإنتاج سنوي من الطاقة يقدر بنحو 2.5 مليار كيلو واط ساعي، فضلا عن تنظيم مجرى نهر الفرات ودرء أخطار فيضانه.
سيؤدي انهيار السد إلى تسرب نحو 14 مليار متر مكعب من المياه، تؤدي إلى تشكيل موجة بارتفاع 50 مترًا
يبلغ طول المحطة الكهرومائية 273 متر وتتألف من ثماني مجموعات توليد مائية مزودة كل منها بعنفة مائية استطاعة الواحدة منها 110 ميغاوات واستطاعة المحطة الإجمالية 880 ميغاوات وبإنتاج سنوي من الطاقة يقدر بحوالي 2.5 مليار كيلو واط ساعي. وتلعب محطة سد الفرات الكهرومائية دورًا هامًا وكبيرًا في تنظيم التردد والتوتر في الشبكة العامة وتأمين احتياطي دوار من الاستطاعة الكهربائية عند حدوث أي عطل أو فصل طارئ ومفاجئ في محطات التوليد الغازية والحرارية وذلك أثناء الانقطاع العام في البلاد.
بلغت مساهمة إنتاج محطة سد الفرات من كمية الطاقة المولدة على مستوى سوريا خلال العام 1998 ما نسبته 17% في حين كانت النسبة في عام 1978 حوالي 87% وفي العام 1982 كانت النسبة 54%، حتى وصلت خلال عام 2009 إلى ما نسبته 4.3% من إنتاج الطاقة الكهربائية في عموم سوريا.
ويفسر هذا التناقص في نسبة المساهمة إلى تزايد استخدام الكهرباء في المنشآت الصناعية بالإضافة إلى تزايد استخدام الكهرباء في المنازل، وإنارة الريف، والتوسع الحاصل في المدن، إضافة إلى التوسع في مشاريع الري والاستصلاح.
بلغت مساهمة إنتاج محطة سد الفرات من كمية الطاقة المولدة على مستوى سوريا في عام 2009 إلى 3.4% من إجمالي الطاقة الكهربائية
وتجدر الإشارة إلى أن كمية الطاقة الكهربائية المنتجة من محطة سد الفرات منذ بداية استثمار المحطة ولغاية شهر كانون الأول 2010 بلغت نحو 71.850 مليار كيلوواط ساعي تقريبًا تساوي قيمتها المادية ما يعادل 120 مرة من كلفة بناء جسم السد والمحطة الكهرومائية ، ومواد البناء والمعدات والآليات، والمدينة السكنية ومرافقها الخدمية وأجور العاملين، التي بلغت آنذاك ما يقارب 1600 مليون ليرة سورية.
سد الفرات
لا يعد سد الفرات من أهم السدود في سوريا وحسب بل في الوطن العربي أيضًا، فهو واحد من أكبر السدود على مستوى الحجم ومنسوب المياه المخزنة والخدمات التي يقدمها، حيث يستفاد منه في مشاريع زراعية وفي توليد الكهرباء.
بني السد في العام 1968 على نهر الفرات واستمر بناؤه 10 أعوام، علمًا أن فكرة بناءه كانت مطروحة في العام 1955، إلا أن المشروع توقف أثناء الوحدة السورية المصرية عام 1958، وعادت عملية البناء عام 1962. وبعد استلام حزب البعث للسلطة في سوريا تم الاتفاق مع الاتحاد السوفياتي آنذاك على تمويل المشروع وتنفيذه، حيث أشرف الخبراء والفنيون السوفيات على بناء السد في العام 1968 وانتهى العمل به في مارس/آذار 1978.
صمم السد لمقاومة هزة أرضية تصل قوتها إلى سبع درجات
ففي عام 1968 تم ردم أول متر في جسم السد وفي مايو/أيار عام 1970 تم صب أول متر مكعب من البيتون في جسم المحطة، وفي يوليو/تموز عام 1973 تم تحويل مجرى النهر.
بلغ طول السد 4.5 كلم وارتفاعه أكثر من 60 مترًا يقع بالقرب من “مدينة الثورة” ويبعد عن مدينة الرقة نحو 50 كيلو متر، وبني جسم السد من الإسمنت والحديد الصلب، وصمم لمقاومة هزة أرضية تصل قوتها إلى سبع درجات.
سيؤدي انهيار السد إلى تهجير أكثر من 3 ملايين شخص في محافظتي ديرالزور والرقة
وتشكلت خلف السد “بحيرة الأسد”، حيث يبلغ طول البحيرة 80 كلم وعرضها 8 كلم ومحيطها 200 كم ومساحتها 640 كم2 وحجم التخزين فيها 14.1 مليار متر مكعب. وقد بدأ التخزين في البحيرة عام 1973، عندما تم تحويل مجرى النهر، وبدأت الاستفادة من المياه المخزونة لري الأراضي الزراعية في عام 1975، ويبلغ منسوب التخزين الأعلى للبحيرة 304 متر والأدنى 208 متر، وتعد البحيرة إحدى أهم موارد الثروة السمكية في سوريا.
خطر انهيار السد
على الرغم من تأكيد العديد من المراقبين أن الضربات التي تعرض لها السد لا ترقى إلى حدوث انهيار عاجل للسد، على خلاف ما أورده داعش، وأن هذه الأخبار ليست إلا استثمار إعلامي وتحذير للتحالف الدولي من مغبة استمرار الهجوم المتواصل على الرقة. وفي نفس الوقت لم يقلل خبراء من خطر التعرض للسد وطالبوا الجميع بتحييده لما له من حساسية عالية.
ففي حال انهياره فعلا سيؤدي ذلك إلى تسرب نحو 14 مليار متر مكعب من المياه المخزنة في النحيرة خلفه، وتشكيل موجة بارتفاع 50 مترًا، تنطلق باتجاه “سد البعث”، الذي خرج عن الخدمة، نتيجة عدم تمرير المياه من سد الفرات. ستصل هذه الموجة إلى مدينة الرقة بارتفاع 12 مترًا، وإلى مدينة البوكمال الحدودية مع العراق بارتفاع 3 أمتار، وستهجّر أكثر من 3 ملايين شخص في محافظتي ديرالزور والرقة، وسيمتد تأثيرها إلى محافظة الأنبار العراقية ومدينة كربلاء وبغداد، ويمكن أن تؤدي إلى غرق مدينة بابل الأثرية، وحذر خبراء أنه بسببه هذه المياه قد تصبح جميع المدن السابقة، أطلالا.
يعيش نحو 65% من أهالي محافظة الرقة على ضفاف الفرات وحوالي 90% من مدينة ديرالزور
وفي ندوة صحفية لرئيس الحكومة السورية المؤقتة جواد أبو حطب أشار فيها أن خطر انهيار سد الفرات يفوق في تأثيره القنبلة النووية، فهو سيؤدي لمحو مدن بأكملها، وكارثة بشرية كبيرة، مع وجود 65% من أهالي محافظة الرقة على ضفاف الفرات، وحوالي 90% من مدينة ديرالزور ومدنها الرئيسية كمو حسن والبوكمال، وتدمير الحياة البيئية والتربة الزراعية والحقول النفطية في المنطقة.
وبالنسبة للحلول الموجودة حتى الآن فقد أشار أبو حطب إلى جهود للحكومة التركية، لبحث وقف تدفق المياه التركية عبر نهر الفرات، وخصوصًا مع بدء ذوبان الثلوج من المرتفعات الجبلية في تركيا وزيادة منسوب المياه في النهر، كحل إسعافي ريثما يتم إنقاذ السد، والسماح لفرق الصيانة والفنيين بتنفيذ العمليات الطارئة وإعادة فتح بوابات الضخ، والتخفيف من منسوب المياه في البحيرة.