شغلت قضيتها الرأي العام الأردني الفلسطيني، والعربي في الأسابيع الأخيرة، أحلام التميمي، الأسيرة الفلسطينية – الأردنية المحررة، ما تزال السلطات الأمريكية تطالب الأردن بتسليمها واعتقالها، على خلفية مقتل أمريكيين اثنين في العملية الفدائية التي شاركت بها في القدس المحتلة في ذروة الانتفاضة الفلسطينية عام 2001.
في هذا الحوار تكشف الأسيرة المحررة عن أوضاع الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وتروي تطورات قضيتها في الولايات المتحدة والموقف الأردني منها بعد رفض عمّان تسليمها إلى السلطات الأمريكية. وتتحدث التميمي أيضًا عن موقفها من الانقسام الفلسطيني، وموقف السلطة الفلسطينية منها عقب إطلاق سراحها في صفقة تبادل الأسرى التي أجرتها حركة حماس مع الجانب الإسرائيلي في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وفيما يلي نص الحوار:
بداية، إلى أين وصلت قضيتك في الولايات المتحدة؟ وما السيناريوهات المتوقعة لانتهاء القضية؟
لا تزال قضيتي عالقة في محكمة واشنطن العاصمة، في الحقيقة، ليست قضية واحدة! فهناك قضيتان ضدي من قبل عائلتي قتيلين أمريكيين توفيا في العملية التي قمت بها في القدس، بالإضافة إلى قضية ثالثة رفعتها إحدى المصابات الأمريكيات عبر منظمة إسرائيلية اسمها “شيروت هديم”.
السيناريوهات المتوقعة لانتهاء القضية، فلا أستطيع أن أقدّرها، ولكن إذا لم أبق في الأردن وأحافظ على خطواتي ووجودي في مكان آمن دون أي تنقل بين الدول، فقد يتم اختطافي وإرسالي إلى الولايات المتحدة، وإلا فستظل القضية عالقة إلى أجل غير معلوم
محاميّ يدرس القضايا الثلاثة وكلامه غير مطمئن بالمرة، والسبب أن “إسرائيل” أعادت اعتقال محرري صفقة التبادل وأعادت إخضاعهم للأحكام السابقة، وبحسب المحامي فإن الولايات المتحدة تطالب – مثل دولة الاحتلال – باعتقالي وإعادة الحكم عليّ بالسجن مدى الحياة أو حتى الحكم بإعدامي.
أما عن السيناريوهات المتوقعة لانتهاء القضية، فلا أستطيع أن أقدّرها، ولكن إذا لم أبق في الأردن وأحافظ على خطواتي ووجودي في مكان آمن دون أي تنقل بين الدول، فقد يتم اختطافي وإرسالي إلى الولايات المتحدة، وإلا فستظل القضية عالقة إلى أجل غير معلوم.
فقد علمت بوجود قضايا مشابهة لقضيتي وعلمت أن المتهمين فيها لا يغادرون بلدانهم، والولايات المتحدة لا تستطيع اعتقالهم في هذه الأثناء، ومن ذلك قضايا تم بحثها بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، لكن الخطر لا يزال قائمًا، خاصة بعد قيام “إسرائيل” باغتيال الأسير المحرر مازن فقهاء، وكل شيء وارد، قضيتي أمريكية إسرائيلية، ولا أعلم إلى أين يمكن أن تصل الأيادي الإسرائيلية.
لم يقبل الأردن بتسليمك للولايات المتحدة، هل تعتقدين أن ضغوطًا أمريكية و”إسرائيلية” يمكن أن تؤدي إلى تغيير هذا الموقف؟
قرار الأردن قطعي بعدم التسليم، لست متخوفة من الإجراءات القانونية التي تمت، غير أنني أتخوّف من الناحية السياسية، ففي السياسة كل شيء وارد، والضغط يتغير والمصالح تتغير، ولكن ما نعهده في الأردن أن كلمته لا تتغير.
ما الذي يمكنك أن تخبرينا إياه عن تجربة الأسر لامرأة فلسطينية؟
السجن قاسٍ، كنا نتعرض لاقتحامات مفاجئة من قِبل إدارة السجن، والضرب ورش الغاز، معاناة المرأة الفلسطينية داخل السجون هائلة، فهناك ستجد الأم والبنت والزوجة والعزباء أيضًا، ورغم كل هذا يتحدث الإسرائيليون عن أن سجون الاحتلال “ديموقراطية”
لا يختلف واقع الأسر للنساء عن الرجال، لا توجد تفرقة في التعذيب الجسدي والنفسي خلال فترات الاعتقال الأولى، يتم التضييق علينا بكل الوسائل، فلا يمكننا أن نستحم أو نحصل على احتياجاتنا النسائية، وبعد فترة التحقيق ننتقل بين السجون لقضاء الحكم.
بعد اعتقالي تم وضعي في أقذر الزنازين، ويتعمد الإسرائيليون ذلك من أجل إذلال الأسرى، أما أسوأ تلك الزنازين فهي زنزانة التحقيق التي يتم احتجازنا بها بعد الاعتقال مباشرة.
الزنزانة في مكان عميق تحت الأرض، عندما كنت أنام، كنت أضع رأسي عند حفرة المجاري، وكان المكان مليئًا بالحشرات والفئران، لم يكن هناك غطاءً ولم يُسمح لي أن أستحم، ولا بأخذ احتياجاتي الشهرية النسائية، ولم يُسمح لي بمصحف، ولا بتغيير ملابسي، كما كنت أُحرم من ارتداء حجابي، وعندما انتقلت بعد 43 يومًا من التحقيق المستمر إلى السجن لقضاء فترة الحكم، كانت الزنزانة سوداء قاتمة، والسجن قديمًا بُني وقت الانتداب البريطاني، لا يُسمح لنا بالزيارة إلا مرات محدودة للغاية خلال السنوات التي تقضيها الأسيرات في السجن، وعندما تتم الزيارة لا تطول مدتها عن 45 دقيقة، تتم فيها المحادثة عبر زجاج عازل، ولا يمكننا أن نسلم على أهلنا.
السجن قاسٍ، كنا نتعرض لاقتحامات مفاجئة من قِبل إدارة السجن، والضرب ورش الغاز، معاناة المرأة الفلسطينية داخل السجون هائلة، فهناك ستجد الأم والبنت والزوجة والعزباء أيضًا، ورغم كل هذا يتحدث الإسرائيليون عن أن سجون الاحتلال “ديموقراطية” وأنها ترقى لفنادق الخمس نجوم، لكن الحقيقة هي ما عشناه وما نعرفه، فالسجون ليست إلا منظومة صُنعت لإذلال الفلسطيني وقهره وتحويله إلى مريض نفسي، لكننا كنا قويات، نحمي بعضنا البعض ولم يقهرنا السجن ولا محاولات غسيل الدماغ، ولم نسمح لمصلحة السجون بأن تنفرد بأسيرة واحدة أبدًا ولم يستطع الاحتلال تجنيد أي من الأسيرات خلال تلك الفترة.
إذا ذهبت إحدانا إلى المحكمة فهي تذهب مكبلة اليدين والقدمين بشكل كامل، ولا يتم تقديم الطعام لها، ويتم أحيانًا نزع حجابها وإهانتها، لكننا لم نكن نرضخ لهذه الانتهاكات
الانتهاكات اليومية تستمر أيضًا، فيتم رمينا بأسوأ الشتائم، ونُحرم من رؤية الأهل، وعندما تحدث عملية فدائية تسوء المعاملة أكثر وأكثر، ربما استطعنا إيجاد لغة حوار مع السجان بعد خمس سنوات، وسُمح لبعض الأسيرات برؤية ذويهن من خلال الزجاج العازل، وهذا أيضًا يخضع لمزاج السجان، بل إن هذه الزيارات يتم استخدامها للإيقاع بين الأسيرات عبر السماح لبعضهن بالزيارة ورفض طلب الزيارة للأخريات، لكن الأسيرات أذكى من ذلك كله.
أما معرفة ما يحدث في العالم الخارجي فلا يتم إلا عبر المذياع، إذ يمكننا عبره الاستماع إلى المحطات الفلسطينية، أما التلفاز فيُسمح لنا بأربع قنوات تليفزيونية فقط يحددها السجان، وبعد الانتقال إلى السجون سُمح لنا بارتداء حجابنا وأداء صلاتنا، لكن إذا ذهبت إحدانا إلى المحكمة فهي تذهب مكبلة اليدين والقدمين بشكل كامل، ولا يتم تقديم الطعام لها، ويتم أحيانًا نزع حجابها وإهانتها، لكننا لم نكن نرضخ لهذه الانتهاكات، وكانت إحدانا تقاوم ذلك بوضع قطعة قماش أو حتى غطاء الوسادة على رأسها، لم نسمح لهم بالانتصار.
خلال هذه الفترة القاسية، وبصفتك مواطنة أردنية، هل تدخّل الأردن لإطلاق سراحك أو تحسين وضعك؟
لم يتدخل الأردن بأي شيء في أثناء فترة اعتقالي، لم يطالبوا بحريتي على الإطلاق، ما فعلته الحكومة الأردنية كان إحضار أهلي مرة واحدة فقط، خلال العشر سنوات التي قضيتها في السجن، لزيارتي حينها خرجت لوالدي مكبّلة اليدين والقدمين، خلاف ذلك لم يجر أي تواصل بيني وبين الحكومة الأردنية بأي شكل.
كيف يتابع الأسرى أنباء صفقات التبادل، وهل كنتِ تتوقعين أن تشملك الصفقة الأخيرة؟
بالنسبة للأسرى، صفقات التبادل هي بادرة الأمل الوحيدة من أجل الحرية، جميع الأسرى يتابعون عبر المذياع والتلفاز، والمحامون كانوا يحملون لنا بعض الأخبار كذلك.
عندما علمت بالصفقة توقعت أن يكون اسمي من بين المحررين، فموضوع الأسيرات محسوم لدى كتائب القسام، لكن ما لم أكن أتوقعه هو إبعادي خارج فلسطين، وفوجئت به بالفعل
أتذكر جيدًا، عندما سمع الأسرى عن اختطاف الجندي الإسرائيلي، كان الجميع سعداءً ودموع الفرح في أعينهم، فأصحاب المحكوميات الطويلة والمؤبدات يدركون تمامًا أنهم لن يستطيعوا الحصول على حريتهم إلا بصفقة تبادل للأسرى.
أما أنا، فعندما علمت بالصفقة توقعت أن يكون اسمي من بين المحررين، فموضوع الأسيرات محسوم لدى كتائب القسام، لكن ما لم أكن أتوقعه هو إبعادي خارج فلسطين، وفوجئت به بالفعل.
هل تعتقدين أن الاحتلال سوف يقبل بصفقة جديدة؟
نعم سيرضخ الاحتلال لصفقة حماس الجديدة، فكما أعلنت كتائب القسام فلديها أكثر من أسير، والإسرائيليون لا يقبلون أن يبقى أبناؤهم في أيدي حماس، وعائلات الجنود يضغطون باستمرار على حكومتهم لسرعة تحرير أبنائهم، وأوقن أننا سنرى المزيد من الأسرى الفلسطينيين أحرارًا في صفقة تبادل جديدة.
كيف كان موقف السلطة الفلسطينية منك عقب إطلاق سراحك؟
قد يعتقد البعض أنني تعرضت لمضايقات، لكن على العكس من ذلك، لقد اتصل بي ممثلون عن السلطة وقاموا بتهنئتي لخروجي ولزواجي من نزار.
هل تعتقدين أن القضية الفلسطينية منفكّة عن القضايا النضالية العربية؟ بعبارة أخرى كيف ترين حق الشعوب المقهورة في الثورة ضد حكامها؟
المؤامرات السياسية تبدو الآن أكبر من الشعوب، لكن على الشعوب أن تصمد وترفض التدخل الخارجي، وعلى الشعوب أن تتجه بعد إسقاط الأنظمة الفاسدة
القضية الفلسطينية هي الثورة الأولى وأم الثورات، ومن بعدها جاءت الشعوب لتثور سواء ضد الاحتلال في القرن الماضي أو من أجل الحرية، لكن حق القضية قد هُضم في ظل الثورات العربية، ولا تحظى القضية الفلسطينية بالاهتمام الذي تستحقه مع انشغال الشعوب العربية بثوراتها وأوضاعها الداخلية، وهذا – مع الأسف – خدم الاحتلال بالتوسع في الاستيطان والتمادي في الانتهاكات ضد المواطن الفلسطيني.
يمكنني أن أقول إنه كلما عادت الشعوب العربية إلى التمسك بفلسطين، وصححت بوصلتها تجاه القضية، فسيتغير الوضع على أراضيها، من حق الشعوب أن تثور على حكام مثل مبارك الذي حول الحكم من رئاسي انتخابي إلى ملكي وراثي، لكن مع الأسف، المؤامرات السياسية تبدو الآن أكبر من الشعوب، لكن على الشعوب أن تصمد وترفض التدخل الخارجي، وعلى الشعوب أن تتجه بعد إسقاط الأنظمة الفاسدة لإسقاط القوى الكبرى المتحالفة مع هذه الأنظمة.
كيف ترين الآن جدوى العمليات الفدائية، بصفتك مخططة ومنفذة لواحدة من أكبر تلك العمليات؟
نحن شعب أعزل، لسنا دولة مستقلة، وليس لنا جيش يحمينا، كانت تلك العمليات في فترة ما كل ما نملكه، لم نكن نملك إلا المولوتوف والحجارة، بل إن الذي كان يذهب لتنفيذ عملية فدائية كان يحمل متفجرات مصنوعة يدويًا.
يجب على الشعوب العربية تزويد الفلسطينيين بالسلاح
من حقنا أن نقاوم كيفما نستطيع، لا يمكن لأي جهة أن تحرم شعبًا محتلًا من المقاومة، عندما استطاع الفلسطينيون استخدام سلاح أكثر دقة أو امتلاك سلاح حقيقيّ، أصبح ذلك أكثر جدوى، وأصبحت المقاومة أقدر على الدفاع مثلما يحدث في غزة.
يجب على الشعوب العربية تزويد الفلسطينيين بالسلاح، نحن في حرب، قُتل فيها العديد من الجنود الإسرائيليين والقيادات السياسية الإسرائيلية، ومن حق الشعب الفلسطيني المقاومة بالشكل الذي يعتقد أنه الأنجع.
ما الرسالة التي توجهينها للمعتقلات العربيات اللاتي يواجهن سجون الأنظمة القمعية؟
أنا أشعر بكِ يا أختي، لا تستسلمي للحظات الضعف.. كوني قوية
رسالتي إلى النساء العربيات المظلومات في السجون، لا تدعي الجلاد يكسرك، لا تجعلي عدوك يحولك إلى مريضة باكية محطمة، كوني على قناعة بأن هناك أمل باقٍ، لقد حُكم عليّ بـ16 مؤبدًا، لم تكن هناك أي حسابات تخبرني أنني سأرى النور مرة أخرى، لكني خرجت من السجن بعد كل ما حدث، وأسعد الآن بحياة هانئة طيبة.
تمسكّي بتعاليم دينك، حافظي على حجابك وصلاتك، فهذا السجن مرحلة ستنتهي مهما طالت المدة.
عندما خُطبت لزوجي نزار كان ذلك من أجل بث الأمل، كنت أتحدى الاحتلال بزواجي، ظن الجميع أنني سأخرج بعد عشر سنوات ونصف في السجن يائسة محبطة ومريضة، لكنني خرجت أقوى، والدليل هو استمرار ملاحقتي من قبل الإسرائيليين وحتى الولايات المتحدة، وأنتِ كذلك، ابحثي عن الأمل واصنعيه، تحلي بالابتسامة دومًا، لا أقول لكِ ألا تبكي، لكنني أقول لكِ ألا تدعي السجّان يرى دموعك أبدًا مهما كانت الظروف، زيّني زنزانتك واستخدمي ألوانًا زاهية، التقطي كتابًا وتعلّمي كل شيء.
أنا أشعر بكِ يا أختي، لا تستسلمي للحظات الضعف.. كوني قوية.
كيف تعامل الأهل مع العملية التي قمت بها وخلال فترة اعتقالك؟
خلال عشر سنوات لم يُسمح لي أن أرى أهلي غير مرة واحدة
أهلي جزء من الشعب الفلسطيني، ونحن جميعًا تربينا على ضرورة الدفاع عن أرضنا، لم أفعل شيئًا مميزًا، هذا هو الطبيعي، شارك والدي – قبلي – في معركة الكرامة عام 1968 عندما حاول الإسرائيليون احتلال نهر الأردن، وأصيب في قدمه خلال تلك المعركة، لذلك كانوا يدعمونني بكل طاقتهم، كانوا يتحدثون عني في كل الصحف، ويفتخرون بي دومًا.
خلال عشر سنوات لم يُسمح لي أن أرى أهلي غير مرة واحدة، كان الأمر صعبًا للغاية، فنحن بشر في نهاية المطاف، نحنّ إلى قضاء الوقت معهم، ولم يكن بأيدينا إلا الدعاء حتى التقينا.
في النهاية، كيف ترين نتائج الانتخابات التي جرت مؤخرًا داخل حركة حماس، لا سيما مع صعود بعض رموز كتائب القسام إلى مناصب سياسية كبرى في الحركة؟
لا تعبر الانتخابات داخل حركة حماس إلا عن ديمقراطية الحركة، وتؤكد على أن الشورى المبدأ الأساسي فيها، لا يوجد قيادي دائم في حماس، الانتخابات هي الأساس والأجيال المتعاقبة من حقها أن تأتي على رأس الحركة، فالأجيال الجديدة تحمل أفكارًا جديدة، والقاسم المشترك أن جميعنا نلتزم بمبادئ حماس ومنهجها، ولا يمكن أن نخرج عن هذا الأمر ولا أن تُقاد حماس عكس ثوابتها.
حماس حركة ولّادة، وأؤكد أن هناك شخصيات عاقلة ومهمة ستظهر قريبًا على الساحة، وكلها تحمل الأفكار السياسية وتؤمن بالوسائل التي تصب في مصلحة الحركة.