ترجمة وتحرير نون بوست
في الثالث من نيسان/ أبريل، شهدت مدينة سانت بطرسبرغ، ثاني أكبر مدينة في روسيا، تفجيرا ارهابيا في مترو الأنفاق. وقد أسفر هذا الهجوم على مقتل 10 أشخاص وإصابة 30 آخرين. وفي الأثناء، سارعت لجنة التحقيق الروسية بفتح بحث في الغرض وذلك لمعرفة الأسباب الكامنة وراء التفجير والمسؤولين عنه وكيفية اختراق مترو الأنفاق على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة في المنطقة.
ووفقا للمعلومات الأولية، فقد نُفذ الهجوم بواسطة عبوة ناسفة. والجدير بالذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان غالبا ما يتوارى عن الأنظار في مثل هذه الظروف الحرجة، ولكن، هذه المرة، هرع بوتين إلى مكان التفجير للاطلاع على الوضع بنفسه. وقد أعرب بوتين عن أسفه الشديد وأكد للشعب الروسي أن “التحقيقات بشأن هذه الواقعة ستكشف كل الحقائق وستجيب على كل تساؤلات الشعب الروسي حول تفاصيل هذه الحادثة المأساوية”.
الفرضية الأولى؛ القوات الخاصة لبوتين
أكد المدون الروسي سلاف رابينوفيتش أن الانفجار الذي طال مترو الأنفاق في سانت بطرسبرغ ليس عملا إرهابيا وإنما هو عملية مدبرة تقف ورائها القوات الخاصة لبوتين
دفعت ردة الفعل السريعة التي قام بها الرئيس الروسي، والتي تجلت من خلال زيارته الآنية إلى مترو الأنفاق أين وقع التفجير الإرهابي، الخبراء إلى تحميل بوتين مسؤولية هذه الحادثة، خاصة وأنها قد تزامنت مع وجوده في ستريلنا جنوب مدينة بطرسبرغ. على العموم، شهدت روسيا منذ تولي بوتين الحكم العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت، على وجه الخصوص، مترو الأنفاق.
ففي سنة 2000، وقع تفجير إرهابي بالقرب من محطة “بوشكينسكايا” وسط العاصمة موسكو. علاوة على ذلك، اهتز مترو الأنفاق بين محطتي “أفتوزافودسكايا” و”بافيليتسكايا” في شمال القوقاز، على وقع تفجير مدوي سنة 2004. وفي سنة 2010، استهدف تفجير إرهابي عربة مترو الأنفاق بمحطة “لوبيانكا” في موسكو. ومن المثير للاهتمام أن ردة فعل بوتين هذه المرة لم تكن متوقعة، إذ سارع بتفقد الأوضاع على عين المكان.
ووفقا لهذه المعطيات، أكد المدون الروسي سلاف رابينوفيتش أن الانفجار الذي طال مترو الأنفاق في سانت بطرسبرغ ليس عملا إرهابيا وإنما هو عملية مدبرة تقف ورائها القوات الخاصة لبوتين. وفي السياق نفسه، أعرب بعض قادة المعارضة عن دعمهم لهذه الفرضية، حيث أكدوا أن بوتين عمل مؤخرا على تسويق فكرة “أعداء الشعب الروسي”، الذين يرغبون في زرع الفتنة داخله. يأتي ذلك في الوقت الذي اجتاحت فيه الاحتجاجات البلاد، مما يشير إلى أن لبوتين يدا في الحادثة الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تزامن هذا الهجوم الإرهابي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في روسيا. وفي الأثناء، يسعى بوتين إلى ترسيخ نظرية وجود أعداء لروسيا نظرا لحراكها البارز على المستوى الدولي، وذلك وفقا لما صرح به بعض الخبراء. ومن هذا المنطلق، يمكن تبرير العمليات الإرهابية على أنها محاولة لتقويض المكانة الروسية على المستوى الدولي وإلهائها عن أهدافها الرئيسية. وتبعا لهذا، ستدفع الأعمال الإرهابية الشعب الروسي إلى توحيد صفوفهم، ومما لا شك فيه أن القائد الوحيد القادر على ذلك هو بوتين، على حد زعمه.
أكد بعض الخبراء أن بوتين يسعى لكسب صلاحيات مطلقة داخل كيان الدولة حتى يضمن بقاءه على رأس السلطة، لذلك يعمل على تعزيز تمركز قوات الأمن في مختلف المناطق، فضلا عن توظيف القوانين لخدمة مصالحه. في واقع الأمر، توحي كل هذه الممارسات بأن لبوتين يد في هذه العملية الإرهابية
وللحد من هذه التهديدات المتنامية، “تعمل السلطات الروسية على تعزيز مهام قوات الأمن في الدولة”، وذلك وفقا لما أكده رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فيكتور أوزيروف. وأضاف أوزيروف، أن “وكالات الاستخبارات بصدد إجراء التحقيقات والبحوث اللازمة لمعرفة المتورطين في هذه العملية. كل الأطراف على استعداد تام لتطبيق القوانين والتدابير التشريعية التي سيتم فرضها”.
وفي السياق ذاته، أكد بعض الخبراء أن بوتين يسعى لكسب صلاحيات مطلقة داخل كيان الدولة حتى يضمن بقاءه على رأس السلطة، لذلك يعمل على تعزيز تمركز قوات الأمن في مختلف المناطق، فضلا عن توظيف القوانين لخدمة مصالحه. في واقع الأمر، توحي كل هذه الممارسات بأن لبوتين يد في هذه العملية الإرهابية. من جانب آخر، قامت الولايات المتحدة الأمريكية، إثر عملية 11 أيلول/ سبتمبر، بسن العديد من القوانين في مجال مكافحة الإرهاب، مع العلم أن هذه القوانين كانت تهدف لحماية المواطنين. في المقابل، وعلى خلفية العملية الإرهابية الأخيرة، سيفرض بوتين جملة من القوانين الجديدة التي من شأنها أن تحمي السلطة فقط.
الفرضية الثانية؛ مسلحين من داغستان
من المرجح أن هناك علاقة بين الهجوم الإرهابي في سانت بطرسبرغ وإضراب سائقي الشاحنات في داغستان. وبالتالي، من المحتمل أن المسلحين المتورطين في هذه العملية ينحدرون بالأساس من منطقة داغستان
على العموم، أكد الجنرال إيغور رومانينكو، النائب السابق لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني، أنه لا يمكن الجزم بأن هذه العملية الإرهابية التي استهدفت عددا من المدنيين، من تخطيط فلاديمير بوتين، إذ يوجد احتمال كبير أن تكون عملية إرهابية منظمة. وفي هذا الصدد، قال رومانينكو، إن “روسيا تعد بمثابة هدف إقليمي بالنسبة لبعض جيرانها. كما أن العديد منهم يرغبون في زعزعة مكانة روسيا في المنطقة”. ومن هذا المنطلق، من الممكن أن تستغل أطراف خارجية بعض المعارضين في الأراضي الروسية لصالحها.
علاوة على ذلك، ندد العديد من المواطنين في داغستان، (وهي إحدى الكيانات الفدرالية في روسيا الواقعة في جنوب الجزء الأوروبي من روسيا في منطقة القوقاز على طول ساحل بحر قزوين)، بالسياسة الروسية. فقد نظم سائقي الشاحنات في هذه المنطقة إضرابا واسع النطاق. من جهتها، ردت الشرطة الروسية على هذه التحركات من خلال قمع “الحركات الانفصالية” التي اعتبرتها المسؤولة الأولى على أعمال الشغب في داغستان.
وعلى ضوء هذه المعطيات، من المرجح أن هناك علاقة بين الهجوم الإرهابي في سانت بطرسبرغ وإضراب سائقي الشاحنات في داغستان. وبالتالي، من المحتمل أن المسلحين المتورطين في هذه العملية ينحدرون بالأساس من منطقة داغستان. والجدير بالذكر أن بعض الحركات السياسية في داغستان ترغب في الانفصال عن روسيا، مع العلم أنها تحظى بدعم كبير من الشيشان التي نفذت، سابقا، العديد من العمليات الإرهابية في روسيا.
ووفقا لما ذُكر آنفا، تعتبر الهجمات الإرهابية بالنسبة لبعض الحركات السياسية في داغستان، آلية ضرورية للقتال من أجل الاستقلال، والتخلص من السياسة القمعية التي تمارسها السلطات الروسية عليهم. علاوة على ذلك، يقدر عدد الذين انضموا إلى تنظيم الدولة من منطقة داغستان بحوالي 3 آلاف مواطن. لذلك، من المنطقي أن توجد بحوزتهم العديد من الأسلحة والمتفجرات لتنفيذ مثل هذه العمليات الإرهابية.
أقر خبير عسكري أوكراني أن السلطات الروسية من المستبعد أن تعثر على أي دليل يربطها بمرتكبي هذه العملية
خلافا لذاك، أورد المحلل السياسي الروسي ليونيد رادزيخوفسكي، أنه ينبغي على روسيا تغيير سياستها فيما يتعلق بالأعمال الإرهابية التي ترتكب على أراضيها. في المقابل، أكد رادزيخوفسكي أن الهجوم الإرهابي في سانت بطرسبرغ يعد أقل حدة مقارنة بالهجمات الوحشية التي استهدفت بعض المدن الأوروبية، والتي أسفرت عن مقتل 300 شخص.
الفرضية الثالثة؛ المخابرات الأوكرانية
يحاول الخبراء والمحللين الروس البحث عن أي صلة تربط أي جهات أوكرانية بانفجار مترو الأنفاق في سانت بطرسبرغ، نظرا لأنه قد تم اغتيال زعيم المعارضة الروسي، بوريس نيمتسوف، على الأراضي الأوكرانية من قبل المخابرات الروسية في سنة 2015. في المقابل، نفت السلطات الأوكرانية الاتهامات الموجهة ضدها، وأكدت أنه وعلى الرغم من الخلافات القائمة بين روسيا وأوكرانيا حول شبه جزيرة القرم وبعض القضايا الأخرى، إلا أنها لا تمثل أي تهديد إرهابي بالنسبة لموسكو أو غيرها من البلدان.
وفي هذا السياق، أقر خبير عسكري أوكراني أن السلطات الروسية من المستبعد أن تعثر على أي دليل يربطها بمرتكبي هذه العملية. وفي الوقت نفسه، أمرت السلطات الأوكرانية بتعزيز التدابير الأمنية في مترو الأنفاق في مدينة كييف، خاصة وأنه لا يمكن التنبؤ بتحركات فلاديمير بوتين، في الوقت الراهن، التي تندرج ضمن لعبته السياسية.
المصدر: أبوستروف