الحضارات القديمة، مصطلح يشير إلى الحضارات التي كانت موجودة في العالم القديم (إفريقيا – آسيا – أوروبا) قبل اكتشاف قارة أمريكا، وقد استطاعت تلك الحضارات أن تترك بصمتها عن طريق تطورها الواسع في مجال العلوم والفنون وتطور المجتمعات.
وأهم التطورات التي أبرزتها حضارات العالم القديم هي العمارة، وأهمها الأهرامات المصرية التي صنفت ضمن عجائب الدنيا السبعة القديمة، معبد الإلهة أثينا، حدائق بابل المعلقة، الكولوسيوم، تاج محل، سور الصين العظيم، والكثير من الأبنية والتحف المعمارية، وكذلك براعتهم وتطورهم الملموس في الفنون المتعددة كالرسم والنحت والمسرح القديم.
معبد الكولوسيوم أو Anfiteatro Flavio – روما
لا يقتصر لفظ حضارة على التحضر والتطوّر الصناعي والتكنولوجي الحديث الذي عرفته الشعوب حديثًا، بل يشتمل على كل الشعوب التي عاشت على وجه الأرض منذ بدء الخليقة، وتمكّنت من التأقلم مع الظروف البيئية والاجتماعية المختلفة التي أحاطت بها، واستطاعت الصمود والبقاء ضمن مجموعات كبيرة من الناس لفترة طويلة من الزمان، ممّا ساهم في حدوث التطور الذي يعيشه الجنس البشري الآن، وتختلف كلّ حضارة عن أخرى بالعادات والتقاليد والمعتقدات الخاصّة بها، بالإضافة إلى تفردها في جانب معيّن من جوانب الفن أو العلم أو الأدب.
في هذا التقرير، نتعرف معكم عن قرب إلى بعض أشهر حضارات العالم القديمة التي آمنت بالبعث بعد الموت وبالحياة الآخرة.
الحضارة المصرية القديمة
أهرامات الجيزة – إحدى عجائب الدنيا السبعة سابقًا
واحدة من أقدم الحضارات في العالم، والتي ألهمت خيال العلماء والكتاب والمؤرخين لعدة قرون، تركزت تلك الحضارة على ضفاف نهر النيل، واستمدت نجاحها وشهرتها واستمراريتها لسنوات طويلة من قدرتها على التكيف مع ظروف وادي النيل القاسية، فقد كان المصريون القدماء يملكون القدرة على التنبؤ بموعد الفيضانات وابتكار الطرق للسيطرة على أضراره وتسخيره في إنتاج المحاصيل الزراعيّة الوافرة، وأسهم ذلك في التنمية الاجتماعية والثقافية.
اسم “مصر” يأتي من اليونانية “إيجيبتوس”، كان النطق اليوناني للاسم المصري “هوت – كا – بتاح” (قصر روح بتاح)، أما بالنسبة للمصريين أنفسهم، فقد كانت بلادهم تعرف ببساطة باسم “كيمت” الذي يعني “أرض سوداء” وسميت بذلك نسبة إلى التربة الغنية الداكنة اللون على طول نهر النيل حيث بدأت المستوطنات الأولى، في وقت لاحق، كانت البلاد تعرف باسم مصر التي تعني “البلد”.
قناع الملك توت عنخ آمون
ازدهرت مصر منذ آلاف السنين “من 8000 قبل الميلاد إلى 30 قبل الميلاد” كدولة مستقلة، وكانت ثقافتها مشهورة بالتقدم الثقافي الكبير في كل مجال من مجالات المعرفة الإنسانية، من الفنون إلى العلوم إلى التكنولوجيا والدين، كما أثْرت الآثار المصرية القديمة وعظمة الثقافة المصرية العديد من الحضارات القديمة، ومن بينها اليونان وروما .
كانت الشمس هي الإله الرئيسي الذي يمثل مروره عبر السماء الدورة الأبدية للميلاد والموت، وكان يُنظر إلى الفراعنة على أنهم آلهة أو ممثلون إلهيون على الأرض ويتم إقامة المراسم من أجل تنصيبهم كآلهة، وبعد وفاتهم، ينضموا إلى الآلهة في عالم ما بعد العالم.
بدأت الحضارة المصرية تقريبًا في 3150 ق.م، عندما وحد الملك مينا مصر العليا والسفلى، وتطورت بعد ذلك على مدى الثلاث ألفيات اللاحقة
كما اعتقد المصريون أن الجسد والروح لهما أهمية في الوجود الإنساني وفي الحياة والموت، وقد صممت ممارساتهم الجنائزية مثل التحنيط والدفن في المقابر، من أجل مساعدة المتوفى في العثور على طريقه في عالم ما بعد العالم، وكانت المقابر مليئة بالأغذية والأدوات والأدوات المنزلية والكنوز – كل ضروريات الحياة – لضمان عودة الروح إلى الجسم، ومن أجل أن يعيش المتوفى في راحة وسعاة في العالم الآخر.
بدأت الحضارة المصرية تقريبًا في 3150 ق.م، عندما وحد الملك مينا مصر العليا والسفلى، وتطورت بعد ذلك على مدى الثلاث ألفيات اللاحقة، وضمت تاريخيًا، سلسلة من الممالك المستقرة سياسيًا، يتخللها فترات عدم استقرار نسبي تسمى الفترات المتوسطة.
واستغل الفراعنة المعادن الموجودة في المنطقة والصحراء المصرية في تنظيم عملية البناء الجماعي، بالإضافة إلى إنشاء الكثير من المشاريع الزراعية والتجارية، وتعزيز القوة العسكرية للدفاع عن أنفسهم ضد أي اعتداء خارجي، بالإضافة إلى ابتكارهم لنظام كتابة مستقل، لتأكيد الهيمنة “الفرعونية” على باقي البلاد.
ومن أهم إنجازاتهم والتي ما زالت آثارها باقية حتى يومنا هذا وتشهد على زخم تلك الحضارة وعراقتها الأهرامات والمسلات والمعابد، بالإضافة للعلوم الطبية وأنظمة الري وتقنيات الإنتاج الزراعيّة وغيرها الكثير.
أوانٍ فخارية من مصر القديمة
كان تنظيم تلك الأنشطة وتحفيزها يتم من خلال نخبة من البيروقراطيين والزعماء الدينيين والإداريين تحت سيطرة الفرعون الذي حرص على التعاون والوحدة بين المصريين في سياق نظام محكم للمعتقدات الدينية.
بلغت مصر القديمة ذروة حضارتها في عصر الدولة الحديثة، وبعد ذلك دخلت البلاد في فترة انحدار بطئ، هوجمت مصر في تلك الفترة من قبل العديد من القوى الأجنبية، وانتهى حكم الفراعنة رسميًا حين غزت الإمبراطورية الرومانية مصر وجعلتها إحدى مقاطعاتها.
تركت مصر القديمة إرثًا عظيمًا، ونُسخت وقُلدت الحضارة والفن والعمارة المصرية على نطاق واسع في العالم، ونُقلت آثارها إلى بقاع بعيدة من العالم
تضمنت إنجازات المصريين القدماء، استغلال المحاجر والمسح وتقنيات البناء التي سهلت بناء الأهرامات الضخمة والمعابد والمسلات، بالإضافة لنظام رياضيات عملي وفعال في الطب وأنظمة للري وتقنيات الإنتاج الزراعي وأول ما عُرف من السفن والقيشاني المصري وتكنولوجيا الرسم على الزجاج وأشكال جديدة من الأدب وأول معاهدة سلام معروفة.
تابوت لمومياء طائر أبو منجل
تركت مصر القديمة إرثًا عظيمًا، ونُسخت وقُلدت الحضارة والفن والعمارة المصرية على نطاق واسع في العالم، ونُقلت آثارها إلى بقاع بعيدة من العالم، كما ألهمت الأطلال والبقايا خيال الكتاب لعدة قرون، وأدت اكتشافات في مطلع العصر الحديث عن آثار وحفريات مصرية إلى أبحاث علمية للحضارة المصرية تجلت في علم أُطلق عليه علم المصريات، ومزيدًا من التقدير لتراثها الثقافي في مصر والعالم.
الحضارة الصينية القديمة
“لقد دامت هذه الإمبراطورية أربعة آلاف عام دون أن يطرأ عليها تغير يذكر في القوانين أو العادات أو اللغة أو في أزياء الأهلين، وإن نظام هذه الإمبراطورية لهو في الحق خير ما شهده العالم من نظم” فولتير
تعد حضارة الصين واحدة من أقدم الحضارات في العالم، ليس في آسيا وحدها ولكن في حضارات العالم أجمع، حيث نشأت الحضارة الصينية في العديد من المراكز الإقليمية عبر قرى النهر الأصفر ونهر يانغتزي في العصر الحجري الحديث، ويعد البحر الأصفر مهد هذه الحضارة، ومن أهم مكونات هذه الحضارة العريقة الأدب والموسيقى والفنون البصرية وفنون الدفاع عن النفس والمأكولات والدين وغيرها.
واسم “الصين” أتى من اللغة السنسكريتية سينا مشتقًا من اسم اسرة تشين الصينية، والتي تعني “الذقن”، وتم ترجمتها إلى “سين” من قبل الفرس، ثم أصبحت لاحقًا “الصين الشعبية” بسبب التجارة على طول طريق الحرير من الصين إلى بقية العالم.
بدأت مملكة تشو hلرضوخ للضغوط الخارجية والداخلية في القرن الثامن قبل الميلاد، وتم تقسيم المملكة في النهاية إلى دول صغيرة، بدءًا من فترة الربيع والخريف وحتى الوصول إلى التغير الكامل في حقبة الممالك المتحاربة
الرومان واليونانيون عرفوا هذه البلاد باسم “سيريس” أي “الأرض التي يأتي من الحرير”، ماركو بولو المستكشف الشهير هو من عرّف الصين إلى أوروبا في القرن الثالث عشر ميلاديًا، وأشار إليها باسم “كاثاي” أي الأرض في لغة الماندرين الصينية، كما يعرف البلد باسم “تشونج قوه” يعني “الدولة المركزية” أو “الإمبراطورية الوسطى”.
وعاش بيكين مان، وهي حفريات لجماجم اكتشفت فى عام 1927 م بالقرب من بكين، في المنطقة الواقعة بين 700 ألف عام و200 ألف سنة، وعاش يوانمو مان الذي عثر على رفاته في يوانمو عام 1965م، قبل 1.7 مليون سنة.
جماجم إنسان بكين في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي
والأدلة التي كُشفت مع هذه الاكتشافات، تبين أن هؤلاء السكان كانوا يعرفون في وقت مبكر كيفية تطوير الأدوات الحجرية واستخدام النار، كما أن الأدلة القوية التي توفرها الاكتشافات الأخرى تثبت وجود سلالة قديمة جدًا من البشر في الصين، كانوا على مستوى عالٍ من التطور، ومن الأمثلة على ذلك قرية بانبو – وهي قرية من العصر الحجري الحديث سُكنت بين 4500 و3750 قبل الميلاد وتضم 45 منزلاً – بالقرب من مدينة شيان، التي اكتشفت في عام 1953م، وفيها وُجِد خندق محاط بالقرية، من أجل الحماية من الهجوم، كما وُجِد كهوف من صنع الإنسان تحت الأرض استُخدمت لتخزين الأغذية، وتصميم قرية بانبو والقطع الأثرية التي اكتشفت هناك مثل الفخار والأدوات، تقدم دليلاً ملموسًا على مدى التقدم الذي كان موجودًا آنذاك.
قبل ممكلة شانج، كان الشعب يعبد العديد من الآلهة، مع إله واحد هو شانجتي. ويعتبر شانجتي “السلف الكبير”، المسؤول عن النصر في الحروب والزراعة والطقس والحكم العادل
ويمكن العثور على تاريخ الصين المكتوب في وقت مبكر مع مملكة شانج “نحو 1700–1046 قبل الميلاد”، رغم أن النصوص التاريخية القديمة مثل سجلات المؤرخ الكبير “نحو 100 قبل الميلاد” وحوليات الخيزران، تؤكد وجود أسرة شيا قبل شانج، وقد تطور قدر كبير من ثقافة الصين وأدابها وفلسفتها بشكل أكبر في أثناء مملكة تشو “1045–256 قبل الميلاد”.
بدأت مملكة تشو الرضوخ للضغوط الخارجية والداخلية في القرن الثامن قبل الميلاد، وتم تقسيم المملكة في النهاية إلى دول صغيرة، بدءًا من فترة الربيع والخريف وحتى الوصول إلى التغير الكامل في حقبة الممالك المتحاربة.
البوصلة المغناطيسية القديمة التي تم اختراعها في حضارة الصين القديمة
وقبل ممكلة شانج، كان الشعب يعبد العديد من الآلهة مع إله واحد هو شانجتي، ويعتبر شانجتي “السلف الكبير” المسؤول عن النصر في الحروب والزراعة والطقس والحكم العادل، ولأنه كان بعيدًا جدًا ومشغولاً جدًا، مال الشعب إلى عبادة الأشخاص بعد وفاتهم بعدما تتحقق فيهم القوى الإلهية، مثل طلب المساعدة في أوقات الحاجة.
هذه الممارسة أدت إلى طقوس متطورة للغاية مكرسة لاسترضاء أرواح الأجداد، والتي شملت في نهاية المطاف، الدفن في المقابر الكبرى المزخرفة، والتي يوجد فيها ما يحتاجه المتوفى من وسائل راحة تضمن له التمتع في الحياة الآخرة.
بين فترات الربيع والخريف وأمراء الحرب، قامت الممالك الصينية بحكم أجزاء أو كل الصين، في بعض العصور، بما في ذلك الفترة المعاصرة
الملك في الحضارة الصينية القديمة، وبالإضافة إلى واجباته تجاه حكم البلاد، شغل منصب رئيس الشرف والوسيط بين الأحياء والموتى، واعتبرت أحكامه من قبيل القانون الإلهي، وعلى الرغم من الولاية السماوية التي وضعت من قبل أسرة تشو في وقت لاحق، فإن فكرة ربط حاكم عادل مع الإرادة الإلهية لها جذورها في المعتقدات التي تعززها شانج.
العربة الصينية القديمة
تحت حكم تشو، ازدهرت الثقافة وانتشرت الحضارة، وتم تدوين الكتابة، وأصبح تعدين الحديد أكثر تعقيدًا، كما أن أعظم وأشهر الفلاسفة والشعراء الصينيين مثل كونفوشيوس، منسيوس، مو تي (موت زو)، لاو تزو، تاو شيان، الاستراتيجي العسكري صن تزو، كانوا في عهد تشو، كما أن “العربة” التي صنعت في عهد تشانج، أصبحت أكثر تطورًا في عهد تشو.
وبين فترات الربيع والخريف وأمراء الحرب، قامت الممالك الصينية بحكم أجزاء أو كل الصين، في بعض العصور، بما في ذلك الفترة المعاصرة، والنظرة التقليدية للتاريخ الصيني تشير إلى الوحدة والتفكك السياسي بشكل متبادل، وتعد التأثيرات الثقافية والسياسية، من العديد من أجزاء آسيا، والتي نجمت عن موجات متتابعة من الهجرة والتوسع والاستيعاب الثقافي، جزءًا من الثقافة المعاصرة للصين.
حضارة الإنكا
مدينة ماتشو بيتشو أو القلعة الضائعة – إحدى عجائب الدنيا السبعة الجديدة
حضارة الإنكا واحدة من أهم الحضارات التي انتشرت في أمريكا الجنوبية وتحديدًا في جبال الأنديز، وكانت أكبر الإمبراطوريات في أمريكا الجنوبية في العصر قبل الكولومبي، وذات حضارة ضاربة في القدم، وتشمل أرض الإنكا بوليفيا والبيرو والإكوادور وجزءًا من تشيلي والأرجنتين.
قاموا ببناء عاصمتهم “كسكو” – مدينة مترفة ومليئة بالمعابد والقصور – على ارتفاع 11000 قدم فوق مستوى سطح البحر في جبال الأنديز، وأطلقوا عليها اسم مدينة الشمس المقدسة، وتبلغ مساحتها 990000 كيلومتر مربع.
ما زالت عادات وتقاليد حضارة الإنكا، موجودة حتى اليوم لدى سكان الجبال الأصلين، فكان أول من بدأها هم الهنود الحمر في القرن الثاني عشر بعد الميلاد
تتحدث شعوب الإنكا – حتى اليوم – لغة “رونا سيمي” وهي لغة شفهية لا تُوجد بها أي مخطوطات أو كتابات، وحتى شعوب الإنكا نفسهم لم يكتبوها، بل توارثتها الأجيال كشيء من ميراثهم التقليدي وعلموها لأولادهم.
تركت حضارة شعوب الإنكا، بصمة عجيبة ومحيرة تلفها الأساطير التي تقول إنهم أتوا من الفضاء الخارجي لروعة الإرث الذي تركوه، كما أن الآثار التي خلفتها حضارة الإنكا خاصة المعمارية، أدهشت العالم، لكن مع الأسف أغلب هذه الآثار دُمرت بفعل الزلازل التي ضربت المنطقة، وغُمرت تحت مياه المحيط الهادئ.
ما زالت عادات وتقاليد حضارة الإنكا موجودة حتى اليوم لدى سكان الجبال الأصلين، فكان أول من بدأها الهنود الحمر في القرن الثاني عشر بعد الميلاد، واستطاعت هذه الحضارة أن تُبهر العالم بما تركته من آثار في غاية الأصالة والروعة والتفرد، فلم تكن آثارها تُشبه أي حضارة أخرى مجاورة لها، بل وتدل على أنهم بلغوا مبلغًا كبيرًا من التقدم والرقي.
تمثال لخالق الكون المعبود في حضارة شعوب الكون
وكلمة إنكا في لغة شعوب الإنكا تعني “الابن الأوحد للشمس” وهو الحاكم، ولا بد أن يتزوج الحاكم من أخته ويُطلق عليها “كويا”، وذلك كي يُحافظ على نسل العائلة الملكي القادم من الإله مباشرة، ويُقال إن العائلة التي حكمت شعب الإنكا كان لها أربعمئة طفل بهذه الطريقة.
كانت بداية حضارة الإنكا على جبال الأنديز في نحو سنة 1100ق.م، واستمرت حتى الغزو الإسباني عام 1532 م، وتوصل شعب الإنكا إلى بناء دولة العدالة الاجتماعية، حيث وضعت الحكومة يدها على الأرض، والذهب والفضة ومعادن أخرى وقطعان الماشية وبخاصة حيوان اللاما – الذي يقوم بدور المواصلات – وذلك لضمان قوت الشعب.
كانت شعوب الإنكا تعبد كل ما هو طبيعي من حيوانات وطيور وحتى الظواهر الطبيعية كالمطر والبرق وغيره، وقاموا ببناء المعابد وزخرفتها لهم وعينوا عليها الكهنة، واعتادوا تقديم التضحيات البشرية لأجل الآلهة
وكانت العائلة هي الوحدة الرئيسية في التقسيمات الحكومية، فلكل مجموعة من عشر عائلات قائد مسؤول أمام الكابتن الذي يشرف على خمسين عائلة والذي يشارك في الحكم، ولكل عائلة مقدار معين من محصول الأرض الزراعية، كما كانوا يحيكون ملابسهم ويصنعون أحذيتهم ويسبكون الذهب والفضة بأنفسهم، وكان العجزة والمرضى والفقراء يلقون رعاية كافية من المجتمع.
مومياء تابعة لحضارة شعوب الإنكا تم العثور عليها في بيرو
كما كان لشعب الإنكا خبرة في الزراعة، حيث أنتجوا محاصيلاً ممتازة، وشقوا السواقي ليجلبوا الماء من المناطق الجبلية لريّ الحقول، وبنوا جسورًا مصنوعة من أغصان الكرمة والصفصاف مجدولة بالحبال، وأتقن الإنكيون نسج القطن الناعم بمهارة حتى إن الإسبان عندما غزوهم اعتقدوا بأن نسيجهم مصنوع من الحرير، لكن بعد قرون من الرخاء، انقسمت إمبراطوريتهم إلى قسمين فقام الإسبان بغزوهم ودمروا الإمبراطورية تمامًا.
حتى الآن تم الكشف عن 2200 رجل وامرأة وطفل من الأغنياء والفقراء إلى جانبهم بعض الطعام والملابس وأدوات منزلية ليستخدموها في حياة الآخرة
وكانت شعوب الإنكا تعبد كل ما هو طبيعي من حيوانات وطيور وحتى الظواهر الطبيعية كالمطر والبرق وغيره، وقاموا ببناء المعابد وزخرفتها لهم وعينوا عليها الكهنة، واعتادوا تقديم التضحيات البشرية لأجل الآلهة، لكنهم عادوا وعبدوا إلهًا واحدًا فقط هو الشمس، وأسموه “أنتي” وشيدوا له المعابد المدرجة وغالوا قليلاً في ارتفاعها حتى تصل لضوء الشمس بين أشجار الغابات الكثيفة، وكان الحاكم لديهم هو ابن الشمس والموكل بحكمهم.
تم الكشف عن بقايا إحدى مقابر الإنكا، وعثر فيها على نحو 1200 رزمة، على مساحة 5 هكتارات تحتوي كل منها على جثة واحدة على الأقل، ويصل عدد الجثث الموجود في إحدى الرزم سبع جثث ولا تزال الألوف منها مدفونة أسفل البلدة.
حتى الآن تم الكشف عن 2200 رجل وامرأة وطفل من الأغنياء والفقراء إلى جانبهم بعض الطعام والملابس وأدوات منزلية ليستخدموها في حياة الآخرة.
حضارة شعب المايا
مدينة إيتزا المايّاوية الأسطورية إحدى عجائب الدنيا السبعة
وفقًا للتسلسل الزمني لأمريكا الوسطى، فإن حضارة “المايا” تأسست في البداية خلال فترة ما قبل العصر الكلاسيكي “نحو 2000 ق.م إلى 250 م”، حيث أقام شعب “المايا” حضارته في أمريكا الوسطى التي تعرف الآن بجواتيمالا والهندرواس والمكسيك والسلفادور.
وصلت حضارة “المايا” أقصى مراحل تطورها الكبرى في منتصف القرن الثالث الميلادي واستمرت ما يقارب 600 عام وأكثر، إلى ما بعد العصر الكلاسيكي وحتى وصول الإسبان
وتميزت حضارة “المايا” التي يُقدّر تاريخها بـ 3000 سنة، بالفنون من عمارة وتصوير تشكيلي وخزف ونحت، كما حققت شعوب “المايا” تقدمًا كبيرًا في علم الفلك والرياضيات، وطوروا تقويمًا سنويًا خاصًا بهم، وخلافًا للشائع وما روّجت له هوليوود ووسائل الإعلام الغربية، فشعوب المايا لم يتنبأوا بانتهاء العالم في عام 2012، كل ما في الأمر أن تقويمهم الطويل المكون من 2.880.000 يومًا (وهو أحد تقويمات مايّاوية ثلاثة) انتهى في عام 2012، مما تسبب في إثارة بلبلة انتهاء العالم ويوم القيامة.
تقويم مايّاوي
ووصلت حضارة “المايا” أقصى مراحل تطورها الكبرى في منتصف القرن الثالث الميلادي واستمرت نحو 600 عام وأكثر، إلى ما بعد العصر الكلاسيكي وحتى وصول الإسبان.
وخلال ذلك الوقت الطويل كانوا يتحدثون في تلك الأراضي مئات اللهجات التي نشأ منها في يومنا هذا نحو 44 لغة “ماياوية” مختلفة، وقد عُرفت حضارتهم على أنها الحضارة الوحيدة التي أظهرت تطور في اللغة الكتابية في الأمريكتين في زمن ما قبل كريستوفر كولومبوس، كما تركوا إرثًا علميًا وفلكيًا مشهودًا ومهمًا على مستوى العالم.
لم تختف شعوب “المايا” نهائيا، لا في وقت تراجع العصر الكلاسيكي ولا مع وصول الغزو الإسباني واستعمارهم للأمريكتين
وأثّرت حضارتهم بالإيجاب في الكثير من الحضارات الأخرى التي جاورَتهم في وسط أمريكا، ويرجع ذلك إلى التفاعل الكبير ونشر الثقافة التي اتسمت به هذه المنطقة، كما تم العثور على آثار عمرانية وفنية منسوبة إلى حضارة “المايا” خارج أراضيهم، الأمر الذي يُعتقد أنه راجع إلى حدوث تبادل تجاري وثقافي في هذه المنطقة بين الحضارات المختلفة.
رسم لعازفي البوق المايّاوين
ولم تختف شعوب “المايا” نهائيًا، لا في وقت تراجع العصر الكلاسيكي ولا مع وصول الغزو الإسباني واستعمارهم للأمريكتين، حيث يشكل أبناء شعب “المايا” في الوقت الحالي الأكثرية لسكان جميع دول أمريكا الوسطى، وذلك لأنهم حافظوا على التقاليد المميّزة لهم والمعتقدات الخاصة بهم، والتي هي عبارة عن دمج لأفكار وثقافات فترتي ما قبل “كولومبوس” وما بعد الغزو الإسباني.
لا أحد يعرف كيف اندثرت إمبراطورية “المايا”، فقبل فترة طويلة من غزو إسبانيا لأمريكا الوسطى، كانت مدن “المايا” الكبرى خاوية على عروشها وفي حالة خراب
كما يعكس الأدب “الماياوي” حياة ومآثر هذه الثقافة، ومن الأمثلة على ذلك مسرحية “رابينال اتشي” المكتوبة بلغة “اتشي” والتي أعلنتها اليونسكو عام 2005 كواحدة من روائع التراث الشفهي اللامادي للبشرية.
ومن الأعمال الأدبية المميزة أيضًا “بوبول فوه” للأساطير التاريخية، وكتب “شيلام بالام” التي تقدر بتسعة كتب، أما ما دمره الغزو الإسباني فهو نموذج لحضارة ما قبل “كولومبوس” والتي تقدر بثلاثة آلاف سنة من التاريخ العريق.
الأبجدية المايّاوية
وفقًا لدين المايا، فإن الروح بعد الوفاة تبدأ برحلة إلى العالم السفلي “زيبلبا” حيث تعبر النهر بمساعدة الكلب المكسيكي الأقرع، وتنتهي الرحلة في الجنوب حيث أتت الروح.
لا أحد يعرف كيف اندثرت إمبراطورية “المايا”، فقبل فترة طويلة من غزو إسبانيا لأمريكا الوسطى، كانت مدن “المايا” الكبرى خاوية على عروشها وفي حالة خراب، وأرجع العلماء والباحثين السبب في ذلك إلى تغير المناخ والجفاف وزيادة عدد السكان، الأمر الذي ربما أدى إلى مجاعة ونزوح جماعي.