طيلة عقود عديدة، كانت علاقات تونس مع دول المغرب العربي على أحسن ما يرام، إذ انتهجت دبلوماسية الحياد في التعامل مع الأزمات التي تحدث بين دول المنطقة، بغية عدم التورط فيها وعدم الاصطفاف إلى جانب طرف على حساب آخر.
لكن الأمر تغير في السنوات الأخيرة، تحديدًا منذ وصول أستاذ القانون الدستوري المساعد – قيس سعيد – إلى قصر قرطاج في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فبوصلة الدبلوماسية التونسية تغيرت ولم تعد تمسك العصا من المنتصف، وإنما انخرطت في بعض الأزمات بوعي أو دونه ونصرت طرفًا على آخر.
مثال على ذلك، وقوف تونس إلى صف الجزائر على حساب المغرب في ملف الصحراء الغربية، ما أثر على علاقات البلاد مع المغرب الذي يعتبر أبرز مستورد للبضائع التونسية في المنطقة، ويستقطب العديد من الشركات التونسية.
في المقابل لم تجنِ تونس أي شيء من الجارة الغربية في وقت يزداد الوضع في هذا البلد العربي سوءًا يومًا بعد يوم، نتيجة توقف أغلب مراكز الإنتاج ورفض صندوق النقد الدولي صرف القرض المتفق عليه مع سلطات البلاد المقدر بـ1.9 مليار دولار، واتفاق أغلب الصناديق المالية والدول الأجنبية على عدم منح تونس أي قروض ما لم تتوصل لاتفاق مع النقد الدولي.
رغبة تونسية لتحسين العلاقات مع المغرب
قدم نظام الحكم في تونس منذ تولي قيس سعيد رئاسة البلاد، تنازلات كثيرة للجانب الجزائري على حساب المغرب، حتى يرضي النظام الرسمي في قصر المرادية، رغم عواقبها الكبيرة على البلد الغارق في الأزمات.
لكن يبدو أن قصر قرطاج يرغب في تعديل الأوتار مجددًا وإصلاح أخطاء الماضي، علّه يتدارك الوضع بعد خيبة الأمل التي مُني بها، فالرئاسة كانت تطمح أن تُعينها الجزائر في أزماتها سواء اقتصاديًا أم دبلوماسيًا لكن ذلك لم يحصل.
تعتبر قضية الصحراء الغربية المحدد الأبرز للسياسة الخارجية المغربية
يُفهم هذا الأمر، من خلال كلام وزير الخارجية التونسية نبيل عمار الذي قال في مقابلة مع جريدة محلية خاصة إنه ليس هناك عداوة بين بلاده والمغرب، وأضاف الوزير التونسي “أطمئن الجميع، لا نلتفت إلى الوراء.. تونس لم تغيّر موقفها منذ عشرات السنين.. المهم ليس هناك قطيعة بيننا وبين المغرب”.
وأشار نبيل عمار إلى أن “السفيرين سيعودان مع الوقت إلى سفارتيهما”، وكان المغرب قد سحب سفيرها لدى تونس حسن طارق عقب استقبال الرئيس قيس سعيد في نهاية أغسطس/آب 2022 زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، بوصفه رئيس “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” المعلنة من جانب واحد للمشاركة في أعمال القمة اليابانية الإفريقية التي عقدت في تونس حينها، وردت هذه الأخيرة بالمثل.
ماذا عن الرد المغربي؟
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة (المغرب) رشيد لزرق أن تصريح الوزير التونسي خطوة في الاتجاه الصحيح لعودة العلاقة الدبلوماسية بين البلدين إلى طبيعتها، فالتوتر لا يخدم مصلحة أي طرف وفق قوله.
وأشار لزرق في حديث لـ”نون بوست” إلى أهمية التسريع بعودة سفراء البلدين، وأضاف أنه ينبغي على النظام التونسي التوقف عن القيام بما وصفه بـ”الأفعال السلبية المستهدفة للمملكة المغربية والمصالح العليا للمملكة”، حتى يتم تجاوز الأزمة.
دائمًا ما كانت تونس تعتمد الحياد فيما يخص قضية الصحراء الغربية، فقد حرصت السلطات على عدم الانزلاق وتبني أي موقف من القضية يمكن أن يسبب لها مشكلات سواء مع الجزائر أم المغرب، لكن تغير الأمر مع قيس سعيد وظهر ذلك في امتناع تونس السنة الماضية عن التصويت لمصلحة قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بتمديد عمل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية “مينورسو” لمدة سنة إضافية.
أخر الاخبار-تونس العاصمة(تونس)…..”السفير المغربي و التونسي سيعودان الى عملهما قريبا..ولن تكون أبدا عداوة بين البلدين🇲🇦🇹🇳” وزير الخارجية التونسي نبيل عمار لصحيفة “الشروق” 🇹🇳#اخبار_بلادي_مع_هشام #المغرب #تونس #Maroc #Morocco pic.twitter.com/F6KLMkfFqd
— أخبار بلادي-مع هشام (@akhbarbladie) October 11, 2023
عن رد فعل المغرب المرتقب على تصريح نبيل عمار، يقول الباحث المغربي عبد الوهاب السحيمي إن بلاده بدورها تريد تحسين العلاقات مع تونس، خاصة أن العلاقات بين البلدين منذ الاستقلال سنة 1956 لم تعرف أي أزمة كبيرة.
يقول السحيمي إن المغرب يرى أن تونس حادت عن الإجماع العربي فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية والمواقف العربية المتخذة بخصوص هذه القضية المركزية للمملكة، فضلًا عن قرارات الأمم المتحدة، باستقبالها قائد البوليساريو بوصفه رئيس دولة.
ويرى محدثنا أنه “إن كان هناك رغبة حقيقية لتونس لإعادة العلاقات لطبيعتها، فعليها أن تتقدم بمبادرات جدية لتجاوز الأزمة، وألا تنخرط في سياسة المحاور وتعود على الأقل إلى ما قبل القمة اليابانية الإفريقية التي عقدت فيها”.
وأشار الباحث المغربي إلى أن بلاده اليوم “أصبحت تتعامل بصرامة شديدة مع مسألة الصحراء الغربية، وقد رأينا ما قامت به المملكة مع إسبانيا وألمانيا وفرنسا في الفترة الأخيرة بناءً على موقف هذه الدول من قضية الصحراء”.
استفادت تونس إلى حد كبير من اتفاقية التجارة الحرة مع المغرب
خلال الزلزال المدمر الذي ضرب مراكش المغربية، أرسلت تونس مساعدات وفرق إغاثة إلى المملكة للمساعدة في عمليات الإنقاذ لكن الرباط سمحت بقبول مساعدات فقط من عدد محدود من الدول ولم تكن تونس من بينها.
وتعتبر قضية الصحراء الغربية المحدد الأبرز للسياسة الخارجية المغربية، باعتبارها القضية الوطنية الأولى للمغاربة، وهي جوهر فهم السياسة الخارجية للمملكة وتفاعلها مع العديد من القضايا الدولية، وكان الملك محمد السادس قد قال إن قضية الصحراء بوصلة محددة لنظرة المغرب صوب الخارج، ومحدد رئيسي للعلاقات مع باقي بلدان العالم.
تأثيرات الأزمة
أثرت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ومن شأن تواصلها لفترة أطول أن يزيد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد، خاصة من جهة تونس التي تطمح لإنقاذ اقتصادها المتهالك.
وتعد تونس الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية بحجم مبادلات قدرت بـ4.3 مليار درهم أي ما يعادل 1.327 مليار دينار تونسي، وفق التقرير السنوي الأخير لمكتب الصرف المغربي تحت عنوان “التجارة الخارجية للمملكة 2022”.
وتعد التمور أحد أبرز واردات المغرب من تونس، وفي سنة 2019، استورد المغرب من تونس 33 ألف طن من التمور، ليكون بذلك أول مستورد للتمور التونسية، وتصدّر تونس نحو 120 ألف طن من التمور سنويًا إلى 73 دولة.
في أغسطس الماضي، استقبل الرئيس التونسي #قيس_سعيد زعيم جبهة البوليساريو “إبراهيم غالي” ضمن قمة “تيكاد 8” للتنمية، ليثير غضبًا مغربيًا واسعًا، ويتسبب بإحداث شرخ بين البلدين.
فما أصل الأزمة بين #تونس والمغرب؟
لمشاهدة التقرير كاملا:https://t.co/5ubnQmYeNZ pic.twitter.com/2uvRLw6VVp
— صحيفة الاستقلال (@alestiklal) October 27, 2022
استفادت تونس إلى حد كبير من اتفاقية التجارة الحرة مع المغرب، ووقع البلدان “اتفاق التبادل الحر” في تونس منذ 16 مارس/آذار عام 1999، ويأمل البلدان في تعزيز التعاون الاقتصادي إلا أن الأزمة الأخيرة حالت دون ذلك.
ويقول عبد الوهاب السحيمي: “صحيح أننا نطمح لعودة العلاقات إلى ما كانت عليه، لكننا نطمح أيضًا إلى أن تتطور وتتحسن أكثر، فاليوم الكل يتكتل سواء عربيًا أم أوروبيًا إلا منطقة المغرب العربي ما زالت مشتتة ومتشرذمة، ما ينعكس سلبًا على اقتصادات المنطقة”.
على قيادة البلدين تجاوز هذا الخلاف وإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي خدمة لمصلحة الشعبين ومصلحة المنطقة ككل، فالانقسام والتوتر لا يخدم مصلحة أي طرف في هذا الوقت، فالزمن الآن – كما قال السحيمي – زمن تكتلات.