قبل أيام كان الوضع في الجزائر غامضا بسبب الحالة الصحية المتردية جدا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة واقتراب موعد الانتخابات التي ستقام في شهر أبريل نيسان والتي أعلن الحزب الحاكم منافسته فيها عبر الرئيس بوتفليقة.
وزاد من غموض المشهد إقدام بوتفليقة على تعيين رئيس الوزراء عبد المالك سلال على رأس لجنة تحضير الانتخابات، وبالتالي حرمانه من حق الترشح فيها بعد أن كان المرشح الأقوى لخلافة بوتفليقة.
وأما الآن فإن الوضع بات خطرا، فالجنرال توفيق الملقب بالصندوق الأسود والذي كانت الكاميرات الرسمية وغير الرسمية تتفادى تصويره، أصبح الآن عرضة للنقد، ليس من قبل المعارضة ولا الإسلاميين، وإنما من أقرب الناس من السلطة، وعلى لسان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر عمار سعيداني.
سعيداني دعا رئيس جهاز المخابرات محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق إلى “الرحيل”، وقال في حوار أجراه معه موقع “كل شيء عن الجزائر” أن مناوئيه في الحزب يعملون تحت إمرة الجنرال توفيق”، وأن المخابرات الجزائرية التي يترأسها الجنرال توفيق “تسعى لتلطيخ سمعة المحيطين بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة لمنعه من الترشح لولاية رابعة”.
ودعا سعيداني جهاز الأمن الداخلي إلى رفع يده عن نشاط الأحزاب والبلديات والقضاء ووسائل الإعلام. ولم يتوقف عند ذكر أخطاء المخابرات الحالية وإنما عاد إلى التاريخ وفتح ملفات بقيت ممنوعة في الجزائر طيلة عقود، فأشار إلى ما أسماه فشلا في حماية الرئيس المغتال محمد بوضياف”. مع العلم بأن جنرالات جزائريين هربوا إلى أوروبا قالوا أن الجنرال توفيق كان العقل المدبر لعملية اغتيال بوضياف.
وبالإضافة إلى سرده لسلسلة من الإخفاقات التي وقع فيها جهاز المخابارت والتي كان آخرها “محاولة اغتيال الرئيس بوتفليقة في محافظة باتنة عام 2007″، وجه سعيداني اتهاما صريحا للجنرال توفيق بأنه “يقف وراء عدد من العمليات الانقلابية، من قبيل دفع اليامين زروال (الرئيس السابع للجزائر) للاستقالة”، والذي يقال أن عسكر الجزائر -أي الجنرال توفيق ومن معه من جنرالات- أجبروه على الاستقالة في سنة 1999 بعد أن استغلوه لتغطية الجرائم التي ارتكبت خلال عقد التسعينات.
سعيداني، الذي كان أول المنادين إلى ترشح بوتفليقة لفترة رئاسية رابعة، اتهم “عقداء المخابرات وبأمر من الجنرال توفيق بالوقوف وراء زعزعة استقرار حزب جبهة التحرير (الحزب الحاكم)”، وبرأ وزير النفط السابق شكيب خليل من تهم الفساد التي وجهها له القضاء الجزائري، واعتبر ذلك “من تدبير المخابرات.. لمنع الرئيس من الترشح لولاية رابعة”.
وختم سعيداني كلامه قائلا: “وجود المخابرات في كل مفاصل الدولة يعطي الانطباع بأن الحكم في الجزائر ليس مدنيا.. إنهم في كل مكان!! في البلديات والرئاسة وفي الأحزاب السياسية!! هذا لا يمكن أن يؤدي إلى دولة مدنية!!”.
وفي سبتمبر/أيلول 2013، قال محللون أن بوتفليقة قاد انقلابا على جهاز المخابرات، وذلك بعد أن قام بتجريد الجهاز من ثلاث مصالح أساسية، وهي أمن الجيش والصحافة والشرطة القضائية العسكرية، وإلحاقها بقيادة الأركان تحت سلطة الفريق قايد صالح نائب وزير الدفاع.
وذهب معظم المحللين إلى أن الصراع بين فريقي السلطة في الجزائر أي العسكر والرئاسة دار في الخفاء في الثلاث سنوات الأخيرة، حتى جاءت التغييرات التي أعلنها بوتفليقة في سبتمر 2013 لتكشف بعض ملامح الصراع، ثم تلتها تصريحات سعيداني يوم أمس لتكشف عن الصراع بالكامل.
بعض الصور النادرة التي ظهر فيها الجنرال توفيق:
وتذهب آراء أخرى، إلى أن بوتفليقة ومعه سعيداني لا يمتلكون من السلطة ما يكفي لتحدي الجنرال توفيق بهذا الشكل الفض، وإلى أن ما يظهر من صراع هو مسرحية إعلامية وضعها العسكر حتى ينحصر الخيار لدى الجزائريين في الانتخابات القادمة، ما بين رئيس مدني جديد يدفع به الجنرال توفيق، أو الرئيس بوتفليقة الذي دفع به الجنرال توفيق والعسكر قبل سنوات.