الصين تعمل على إنشاء مدينة 3 أضعاف مدينة نيويورك الأمريكية، هذا ما أعلنه الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد، الخطة تقوم على بناء مدينة ضخمة وحديثة في منطقة شيونغان جنوب العاصمة بكين، والتي تغطي ثلاث مقاطعات، وذلك وفقًا لما كشفت عنه وكالة الأخبار المحلية “شينخوا”.
تعمل الحكومة على الترويج لهذه المدينة التي ستكون مركزًا اقتصاديًا مهمًا في الدولة، ذلك لأنها ستحل أعظم المشاكل التي تعاني منها الصين مثل الاكتظاظ السكاني والتلوث البيئي الخانق.
فالصين تعاني من الاختناقات المرورية التي تكلفها 11.3 مليار دولار سنويًا بسبب الضرر البيئي والتلوث الناتج عنها، وكمثال على هذه المعاناة فإن أطول تعطل مروري في التاريخ حدث في شنغهاي الصينية واستمر لمدة 12 يومًا وبطول 62 كيلومترًا.
لطالما عانت الصين من هذه المشاكل المزمنة ومن أضرارها المتتالية، لكن ما دعا الصين للتحرك بهذا الكم من التخطيط والإصلاحات هو مؤتمر المناخ الذي عقد قبل عامين في باريس، إذ إنها وعدت قبل بدء المؤتمر بإطلاق نمط جديد من التحضر وتحسين التناسق السكاني والتعامل مع كميات قليلة من الكربون في عمليات البناء والعمران.
لكن الصين لم تحظ برضى المؤتمر خلال انعقاده، وذلك لأن المؤتمر أوضح مستويات الضباب الدخانية المسجلة في بكين وصرح أن هناك فجوة بين ما تعد به الصين وما تنفذه، وأعلن المؤتمر من خلال منصته أن 35 من كبرى المدن الصينية مسؤولة عن 40% من انبعاثات الغازات التي تؤثر على درجة الحرارة في العالم، لذلك على الصين الاجتهاد في إيجاد حلول للحد من تغير المناخ الشامل، وكان رد الحكومة الصينية هو فرض حظر محدود على السيارات والبحث لإيجاد خطط تحضرية لمدنها.
المدينة الجاري إنشاؤها ستحرر العاصمة بكين من مهماتها الأساسية المركزية وستقدم أهم الخدمات للمواطنين بديلًا عن العاصمة كنوع من التوازن والتناسق
تعتقد الحكومة أن خطة مشروع شيونغان الحل الأمثل للسيطرة على الانفجار السكاني وخلق توازن سكاني بعيدًا عن العشوائية والضغط الذي تعيشه العاصمة بكين التي يسكنها 22 مليون نسمة، إذ إن المدينة الجاري إنشاؤها ستحرر العاصمة بكين من مهماتها الأساسية المركزية وستقدم أهم الخدمات للمواطنين بديلًا عن العاصمة كنوع من التوازن والتناسق.
هذا ما يؤكد عليه أيضًا الرئيس الصيني شي جين بينغ بوصف هذا المشروع على أنه “الخيار الأفضل” لمستقبل الصين، كما وصفته اللجنة المركزية للحزب ومجلس الدولة أنه سيكون نقلة نوعية ستشهدها الصين في الألفية القادمة، وأضاف الرئيس شين، حسب صحيفة تشاينا دايلي: “يجب إعطاء الأولوية لمنطقة شيونغان وذلك بنقل بعض الوظائف من بكين وتحويلها إلى منطقة حضرية حديثة في موقع مناسب وبمفاهيم التنمية الجديدة”.
وفقًا لشينخوا، فإن شيونغان ستساعد في معالجة التلوث المزمن الذي يحد من إمكانية التنمية في المنطقة ويهدد الصحة العامة، من خلال هذا المشروع ستحظى البيئة المحلية بالأولوية، لأنه ليس من مصلحة أحد تكرار الممارسات القديمة بالسماح بحدوث التلوث وعلاجه في وقت لاحق، نأمل أن يعيش الناس في بيئة أكثر نظافة وأمنًا.
قال هوارد لاو محلل في فريق جيفيريز في هونج كونج: “التنمية الشاملة للمنطقة تهدف إلى حل مشاكل الازدحام المروري في بكين، ونقل الصناعات وتحويلها يمكن أن يعزز الاستثمارات والممتلكات في المنطقة الجديدة”.
نصب الناس خيامًا مقابل الوكالات العقارية
بمجرد إعلان اللجنة المركزية للحزب هذا المشروع العظيم، توافد الناس على مكاتب العقارات وبالأخص المستثمرين الذين اشتروا عقارات لم تبن بعد، وجدير بالذكر أن أسعار هذه العقارات قد تضاعفت بعد أن تلقت هذا الطلب الضخم من المشتريين.
نقلًا عن صحيفة الجارديان البريطانية، قال أحد المستثمرين لصحيفة بكين نيوز “لقد كنت متحمسًا طول الليل، هذه الخطة نزلت علينا من السماء”، بجانب هذا تقول الأنباء إنه حدث ازدحام مروري في الطريق المؤيدة إلى المنطقة بسبب التدافع على شراء عقارات فيها، لدرجة أن الفنادق لم تتسع للنزلاء الذين جاءوا بأعداد هائلة لتملك في شيونغان.
هذا التزاحم الكبير على شيونغان، بسبب الدعم المستمر الذي يعلنه قادة الصين لهذا المشروع الذي يدعون أنها ستصبح “شنغهاي” الجديدة بعد أن كانت منطقة زراعية ليس أكثر.
يذكر أن منطقة “شنغهاي” عانت من الركود وحولتها الحكومة الصينية في منتصف خمسينيات القرن العشرين إلى العاصمة الاقتصادية للبلاد ومقر للشركات العالمية، عملية تطوير “شنغهاي” كانت بجلب المزيد من الاستثمارات وبدء بناء منشآت في المدينة كالطرق السريعة والجسور وأقطار الأنفاق، التي تدفع عجلة التنمية فيها إلى الأمام ورد الحيوية بشكل شامل لقواعدها الصناعية والادارية والاقتصادية.
عمليات البناء ليست موحدة، أي أنه ليس هناك تناسقًا عمرانيًا في طول المباني وذلك لوجود منازل قديمة بالقرب منها
قامت عدة وسائل إعلامية مختلفة بمقارنة هذه المدينة مع مدينة “شنتشن” وهي المنطقة الثرية الضخمة الواقعة بالقرب هونج كونج، ويعتبر مستوى الحياة في شنتشن مرتفعًا مقارنة مع المدن الأخرى، بدأ تطور هذه المدينة اقتصاديًا وصناعيًا بسبب الانطلاقات الإصلاحية الاقتصادية التي حدثت في الثمانينيات تحت حكم الزعيم السابق دنغ شياد بينغ.
قام بينغ بجعل شنتشن المكان الأنسب للصناعات الحديثة، وذلك عن طريق فتح اقتصاد البلاد على الاستثمارات الخارجية، لذلك تجد فيها عددًا كبيرًا من الاجانب المستثمرين والتجار، وسبب ازدهار هذه المنطقة بالعلاقات الأجنبية هو المزايا الضريبية التي تكون أقل من باقي المدن الأخرى ولوفرة اليد العاملة الرخيصة.
أحد التحديات التي واجهتها الصين في مشاريعها العمرانية وجود كمية محدودة من الأراضي، الأمر الذي جعلها تضطر إلى هدم بعض الهياكل القديمة القائمة، بالإضافة إلى هدم بعض المنازل بطريق الخطأ، على سبيل المثال هدمت الحكومة منزل امرأة في قوانغتشو الأمر الذي أدى إلى انتحارها، علاوة على ذلك، فإن عمليات البناء ليست موحدة، أي أنه ليس هناك تناسقًا عمرانيًا في طول المباني وذلك لوجود منازل قديمة بالقرب منها.
بحلول العام 2025، ستكون الصين قد أكملت بناء 40 مليون متر مربع من المدن الجديدة، والتي ستحتوي على 5 مليون مبنى منهم 50 ألف ناطحة سحاب، أي أننا نتحدث عن 10 مدن جديدة بمثل حجم مدينة نيويورك الأمريكية.
إضافة إلى مشروع شيونغان الذي يعادل في مساحته 3 أضعاف نيويورك، هذه الحملة التوسعية في العمران الضخمة تعد بدور حاسم في تحويل الاتصالات بين المناطق أي أن الناس ستسافر بين أي نقطتين في أقل من ساعة، على سبيل المثال، تأمل الحكومة بقطع وصلة “إكسبرس” للسكك الحديدية التي تبلغ مداها 100 ميل من هونج كونج وقوانغتشو من ساعتين إلى 48 دقيقة، والأهم هو الحفاظ على مناخ بلادها في المستقبل ومناخ العالم معها من ارتفاع الحرارة والانبعاثات الغازية.