ترجمة وتحرير نون بوست
في الأيام الأخيرة، حضرت عروض متاحف تروي قصة ضياع الأمة الأمريكية، كانت تبدو في رأيي ذات صلة وثيقة بعصر ترامب. وقد صوّر متحف “بيركلي” للفنون “حداثة الهيبيز”، التي اصطدمت بالثقافة المضادة لسنوات الستينيات والسبعينيات. ولكن الأمر الذي أثار دهشتي، كان قلة عدد التحف التي صوّرت الاحتجاجات الواسعة ضد الحرب التي ملأت الشوارع في منتصف الستينيات، والتي هزت البلاد، ولم تنته إلا عندما انسحبت القوات الأمريكية من فيتنام، في سنة 1973.
عموما، شملت بعض الصور العلم الأمريكي، الذي رُسم رأسا على عقب، بخطوط على شكل بنادق حمراء، ونجوم على شكل طائرات مقاتلة زرقاء، فضلا عن صور أخرى تظهر جنديا أمريكيا، وهو يحمل بندقية معلقة على كتفه. في الحقيقة، لا تزال هذه الصورة تعبر عن واقعنا الراهن، حيث تستمر حروبنا بلا نهاية، وتهمّ بالدخول إلى عقر دارنا.
في اليوم التالي، ذهبت في زيارة إلى متحف “روزي المبرشمة” التذكاري، الموجود في حديقة “ريتشموند” الوطنية، في كاليفورنيا، الواقعة على ضفاف خليج سان فرانسيسكو. يعرض هذا المتحف عمال مصنع “فورد” العملاق خلال الحرب العالمية الثانية، وهم يقومون بتجميع قطع غيار الدبابات، وهنري كايزر وهو في حوض بناء السفن القريب، لحظة إطلاق سفينة الحرية أو النصر.
لاقت الحركة الواسعة المضادة للحرب، في الستينيات وأوائل السبعينيات، مساندة كبيرة من طلاب الطبقة الوسطى، والأطباء البيطريين من الطبقة العاملة، القادمة من ساحات القتال في جنوب شرق آسيا
بهذا الخصوص، اسمحوا لي أن أقول إن هناك في المعدل سفينة واحدة في اليوم، منذ حوالي ثلاثة أرباع القرن تسيطر على كامل المجال البحري. أنا أعلم أن أحواض السفن تلك سجلت رقما قياسيا عندما قامت ببناء سفينة شحن واحدة، في أقل من خمسة أيام. ولكن ما الذي ساهم في تحقيق هذا الرقم القياسي، خاصة في زمن الحرب الأمريكية؟
في الحقيقة، حدث كل ذلك بعد فتح بوابات القوى العاملة الأمريكية على مصراعيها للكثير من النساء الأخريات اللواتي كانت فرصهن محدودة، إلى حد كبير، على الوظائف النمطية للجنسين؛ مثل الأمريكيين الأفارقة والأميركيين الصينيين، والمسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكل شخص في المدينة (باستثناء الأميركيين اليابانيين المسجونين).
علاوة على ذلك، لاقت الحركة الواسعة المضادة للحرب، في الستينيات وأوائل السبعينيات، مساندة كبيرة من طلاب الطبقة الوسطى، والأطباء البيطريين من الطبقة العاملة، القادمة من ساحات القتال في جنوب شرق آسيا. في واقع الأمر، كان تكاتف القوى العاملة في سنوات الحرب العالمية الثانية من العجائب الأمريكية. كما كانت كل تلك التحف الأثرية صورا لبلد كان لا يزال يعتقد أن الشعب يلعب دورا حاسما في قرارات حكومة الشعب، التي يديرها الشعب بنفسه، ومن أجل الشعب.
بعد مشاهدتنا لموجتين مختلفتين للواجب المدني الأمريكي، في تلك المتاحف، أدركت فجأة أن عائلتي (مثل العديد من العائلات الأمريكية الأخرى) قد تأثرت بشدة بجميع تلك اللحظات الهامة، التي عبّر فيها الناس عن دعمهم للحرب ومعارضتهم لها. في ذلك الوقت، وبعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر، انضم والدي مباشرة إلى سلاح الجو الأمريكي، وأصبح من عناصر الكوماندوز في بورما. فضلا عن ذلك، أصبحت أمي تشغل منصب رئيسة لجنة الفنانين في الجناح الأمريكي للمسرح، وكانت تقوم بالتخطيط لبرامج الترفيه للجنود والنساء.
من ناحية أخرى، كانت تلك الحروب تهدف إلى تعبئة صفوف الأمريكيين وتوحيدهم، على غرار “روزي المبرشمة”، التي نشأت خلال زمن الحروب، ولعبت دورا هاما في تغذية البلاد في وقت الأزمات العالمية، كما هدفت إلى جمعهم في حدائق النصر (تجمّع أكثر من 20 مليون منهم). وخلال فترة الحرب، ظهرت فئة جديدة تم تلقيبها “بمحركات سندات الحرب” التي كانت أمي ترسمها في إعلان كاريكاتوري، وتبيعها لأولئك الذين يشترون سندات الحرب بقيمة 500 دولار أو أكثر.
إن الهزيمة التي لحقت بها في فيتنام، كانت بسبب الجيش الأمريكي أيضا، الذي خدم في صفوفه الآلاف من المواطنين
في الواقع، كانت الحرب العالمية الثانية حرب مواطنين، وقد ولدتُ سنة 1944، أي سنة ازدهار هذه الحرب. وبعد عقدين من الزمن، في أوج شبابي، كنت أحلم بخدمة بلدي، وبأن أصبح مسؤولا في وزارة الخارجية لكي أمثل بلدي في الخارج. وفي وطن كان يملك جيشا قويا، ويؤمن بالحرب، لم أتوقع يوما أني لن أخدم في صفوف جيش بلدي، لأقوم بواجبي.
بدلا من ذلك، اتضح أن واجبي في تلك السنوات كان يتمثل في مناهضة هذه الحرب، وعلى الرغم من أن واجبي كمواطن أمريكي كان يتمثل في الاهتمام بالحروب التي يخوضها بلدي، سواء ضد الفاشية على الصعيد العالمي، أو ضد الفلاحين المتمردين في أنحاء كثيرة من جنوب شرق آسيا. على كل حال، لو خاض بلدي حربا من الجحيم في أرض بعيدة، وقتل الآلاف من الفلاحين، فإنه من الطبيعي أن يرفض الأمريكيون ذلك ويدعون إلى السلم، من خلال خلق صحف مناهضة للحرب على قواعدها العسكرية، ومعارضتها. ومن ذلك المنطلق، دفعتني أهوال تلك الحروب التي شاهدتها إلى الخروج للشارع والتظاهر.
إلى اليوم، لا يزال بإمكاني تذكر مسيرتي في واشنطن، جنبا إلى جنب مع مئات الآلاف من المتظاهرين الآخرين. بيد أن ما أثار دهشتي أنني لم أتوقع عدم استماع رئيس أمريكي إلى أصوات المواطنين المحتجين ضد الحرب، حتى عندما كان ريتشارد نيكسون في البيت الأبيض.
في المقابل، وعلى الرغم من كل اللحظات الحرجة التي عاشتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال تلك الحروب، إلا أنها استطاعت تحقيق انتصار واضح، وذلك من خلال انتصارها في الحرب العالمية الثانية التي هزمت فيها الفاشية بكل أشكالها؛ الألمانية والإيطالية واليابانية، في حين تحولت الولايات المتحدة إلى قوة عظمى عالمية. وتجدر الإشارة إلى أن الهزيمة التي لحقت بها في فيتنام، كانت بسبب الجيش الأمريكي أيضا، الذي خدم في صفوفه الآلاف من المواطنين.
منذ ذلك الوقت، فقد النصر معناه الحقيقي
الأمور التي لا قيمة لها في عالمنا الأمريكي
منذ ذلك الوقت، فقد النصر معناه الحقيقي. وعلى مدى العقود الماضية، أصبح جميع الأمريكيين على قناعة بأن واجبهم يُحتّم عليهم تأييد موقف بلادهم، إذا اختارت خوض حرب في أي مكان في العالم. في المقابل، وفي وقتنا الراهن، تم تلقيح الحرب؛ مثل ميزانية البنتاغون، والقوى المتنامية لدولة الأمن القومي، ضد فيروس مشاركة المواطنين، من أجل التخلص من أي سيل من الانتقادات أو الموجات المعارضة.
وعلى ضوء هذه المعطيات، يمكننا الجزم بأننا في عصر أمريكي جديد يحكمه أصحاب الثروات والسلطة، وجنرالات الحرب، الذين يسعون فقط إلى تحقيق مصالحهم، وليس مصلحة الشعب. منذ أكثر من 15 سنة، يخوض الجيش الأمريكي حروبا مآلها الخسارة والفشل. كما تبدو كل الصراعات التي تدخل فيها في ظاهرها حروبا لمكافحة الإرهاب، الذي من المفترض أن يقوم بالقضاء عليه في أفغانستان والعراق، ومؤخرا في سوريا، ونسبيا في اليمن، وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط، وأجزاء من أفريقيا.
في المقابل، كان المدنيون في تلك الأراضي البعيدة يموتون بأعداد متزايدة. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال جنرالات دونالد ترامب يواصلون تصعيد تلك الحروب، وبكل هدوء. من جهة أخرى، تستمر الولايات المتحدة في إرسال المئات، وربما الآلاف، من الجنود الأمريكيين وقوات العمليات الخاصة إلى كل من سوريا والعراق، والكويت، والذين سيمتنع البنتاغون عن الكشف عن أعدادهم، حتّى وإن لم تكن دقيقة. كما تشهد الغارات الجوية الأمريكية ارتفاعا في جميع أنحاء المنطقة. أما بالنسبة للقائد الأمريكي في أفغانستان، فقد طالب بمزيد من الدعم والتعزيزات.
مؤخرا، حققت الطائرات الأمريكية بدون طيار رقما قياسيا جديدا لعدد الغارات في اليمن، فيما تمثل الصومال الهدف التالي لزحف البعثة الأمريكية وتصعيد عملياتها. خلافا لذلك، تبدو إيران على مرمى الهدف الأمريكي أكثر من أي وقت مضى. وعلى الرغم من الأعداد الهائلة لمعارضي ترامب، الذين يملؤون الشوارع احتجاجا على سياسة الرئيس الأمريكي، إلا أنها تخلو من أي إشارة إلى الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة.
منذ حرب فيتنام، تُركت مسائل الحرب والأمن القومي الأمريكي بيد “المحترفين”، وذلك على الرغم من أنه قد ثبت أن هؤلاء المحترفين هم هواة بامتياز
وفي هذا الصدد، تم التنبؤ مسبقا بالعديد من هذه التطورات الحاصلة، وذلك حين أمر دونالد ترامب، غير المهتم بتفاصيل أي شيء، الجنرالات المتورطين بالفعل في الحروب الأمريكية الكارثية، بالتخطيط والإشراف على رؤيته الخاصة لها، وعلى السياسة الخارجية بشكل عام. من جانب آخر، تعيش وزارة الخارجية الأمريكية التي يترأسها ريكس تيلرسون، إقصاءا إلى أبعد الحدود.
من ناحية أخرى، اتجّه الكثيرون في وسائل الإعلام وغيرها إلى اعتبار جنرالات ترامب بصفتهم وحدهم “العقلاء” في إدارة ترامب، وإن كان الأمر كذلك، فقد ساهموا بوضوح في تضليل الرأي العام. في المقابل، ما تفسير سعي هؤلاء الجنرالات إلى التكثيف من حروبهم بطريقة ألفها الجميع خلال أكثر من عقد، فيما لم يتضح بشكل كاف ماذا كانت ثمارها طوال هذه السنوات؟
فضلا عن ذلك، كيف لأحد ألا يقشعر بدنه عند سماع كلمة “بعثة عسكرية” مرة أخرى، وما سينتج عنها من إمكانية إرسال الآلاف من القوات الأمريكية إلى أفغانستان؟ من جهة أخرى، نحن نعلم بالفعل مآل هذه القصة، بعد أكثر من 15 سنة من الدروس القاتمة التي تلقتها واشنطن، إلا أن السؤال المطروح هو: لماذا لم يعتبر هؤلاء الجنرالات بعد؟
وفي السياق ذاته، ينبغي أن يتبادر سؤال آخر (بيد أن هذا لا يحدث) إلى ذهن الأمريكيين في القرن الحادي والعشرين، وهو: لماذا لا يحرك الشعب الأمريكي ساكنا تجاه حرب كلفت دافعي الضرائب الأمريكية تريليونات من الدولارات؟ ولماذا لا تواجه ضرائب الحرب، وسنداتها، ومحركاتها، وما يعرف “بحدائق النصر”، أو التضحيات من أي نوع، انتقادات جدية، أو احتجاجا، أو مقاومة من طرف الأمريكيين؟
والجدير بالذكر أنه، ومنذ حرب فيتنام، تُركت مسائل الحرب والأمن القومي الأمريكي بيد “المحترفين”، وذلك على الرغم من أنه قد ثبت أن هؤلاء المحترفين هم هواة بامتياز. ولسائل أن يسأل: هل ستظل حروبنا والجيش ودولة الأمن القومي مجرد مسائل لا قيمة لها في عالمنا الأمريكي، في ظل تنامي حركة المعارضة للقضايا الداخلية؟
في إطار الحروب الأمريكية، نجد تاريخا قادرا على تفسير السبب الذي أوصلنا إلى مثل هذا الوضع
بالإضافة إلى ذلك، لماذا لا يسعى أي أحد، باستثناء الرئيس ترامب (الذي لا يلقي بالا لأجهزة الاستخبارات إلا في حال تعلق الأمر بالطريقة التي تتعامل بها هذه الأجهزة معه)، وباستثناء مجموعات صغيرة من المناهضين للحرب وعدد قليل من النشطاء، إلى إيلاء الاهتمام بدولة الأمن القومي. في المقابل، تهدد الحروب التي تقودها هذه الدولة بفشل عدد كبير من الدول، وجحيم تخلفه الحركات الإرهابية، وشعوب خاضعة.
زمن من الركود الشعبي
في إطار الحروب الأمريكية، نجد تاريخا قادرا على تفسير السبب الذي أوصلنا إلى مثل هذا الوضع. ومن المؤكد أن البداية ستكون من القيادة الأمريكية العليا، التي واجهت جيشا قاد الثورة في فيتنام آنذاك، إلا أنها قررت تجسيد مشروع حربها على أرض الواقع. وما خلصت إليه القيادة أنها كانت في حاجة إلى قوة من “المتطوعين” (والتي كانت تعني بالنسبة لهم غياب معارضة هذه القوة).
في سنة 1973، أُجبِر الرئيس نيكسون على إنهاء الحرب، ومثل ذلك الخطوة الأولى لإحكام السيطرة على جيش المواطنين والسكان المتمردين. وخلال العقود التي تلت تلك الحرب، شهد الجيش تحولا، على الرغم من أن قلة فقط ستوافق على هذا الأمر، إلى أقرب ما يكون من فيلق أمريكي أجنبي. وفي سنوات ما بعد 11 أيلول/سبتمبر، آوى جيش المتطوعين داخله جيشا ثانيا أكثر سرية، قوامه 70 ألف شخص، يُدعى “قيادة العمليات الخاصة”.
علاوة على ذلك، ينتشر أفراد هذه النخبة، التي بالإمكان اعتبارها جيش الرئيس الخاص، بشكل دائم في جميع أنحاء العالم، بهدف تدريب الفصائل الأجنبية. فضلا عن ذلك، يرتكب هؤلاء أفعالا، لا يعلم الشعب الأمريكي إلا نصفها في أحسن الأحوال.
يجب أن تمتلك الحكومة القدرة على مراقبة المواطنين، في حين أصبحت مراقبة الشعب للحكومة، أو مجرد الاطلاع على ما تقوم به، “ترفا من زمن آخر”
خلال هذه السنوات، كان الأمريكيون مقتنعين إلى حد كبير بأن السرية هي العامل الوحيد الأكثر أهمية في مسألة الأمن القومي، ذلك أن المعلومات التي سنطّلع عليها ستلحق بنا الضرر. وبالتالي، سيساعدنا جهلنا بعمل حكومتنا، الذي أصبح غموض السرية يلفه، على إبقائنا في مأمن من “الإرهاب”. أي أن المعرفة تعادل الخطر، والجهل يضمن السلامة. ونتيجة لذلك، أصبح المبدأ “الأورويلي” معيار الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين.
من هذا المنطلق، يجب أن تمتلك الحكومة القدرة على مراقبة المواطنين، في حين أصبحت مراقبة الشعب للحكومة، أو مجرد الاطلاع على ما تقوم به، “ترفا من زمن آخر”. وقد أثبت أن هذا الأمر يعد صيغة فعالة للركود الشعبي الذي بدأ في تحديد هذه الحقبة الزمنية. على العموم، لا يتناسب هذا الأمر مع التعريف العادي لكيفية عمل الديمقراطية، أو الاعتقاد الذي يُعتبر الآن قديما، والذي ينص على أن الرأي العام المطلع على ما يحدث (وهو عكس الشعب الجاهل أو الذي تمت مغالطته) لا غنى عنه خلال قيام الحكومة بأعمالها.
في شأن ذي صلة، وحين شنت الحكومة الأمريكية حربها العالمية على الإرهاب، في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، رافقت هواجس ذكريات التعبئة لحرب فيتنام كبار المسؤولين في إدارة بوش. في الحقيقة، كانوا حريصين على خوض حروب سيغيب عنها الصحفيون المتطفلون، وتعداد الجثث قبيحة المنظر، فضلا عن أكياس الجثث العائدة إلى أرض الوطن والمواطنين المحتجّين.
ووفقا لظنونهم، اقتصرت أدوار الجمهور الأمريكي على أمرين فقط؛ يتمثل الأول في مقولة الرئيس جورج بوش الكلاسيكية وهي “الذهاب إلى عالم ديزني في ولاية فلوريدا، برفقة الأسرة للتمتع بالحياة على أكمل وجه”، وبعبارة أخرى، الذهاب إلى التسوق. أما الدور الثاني، فهو التعبير عن الشكر الأزلي والثناء “للمحاربين” الأمريكيين، بسبب الأعمال والجهود التي يقومون بها، إن كانت حروبهم للخير أو للشر، والتي دائما ما ستتحول إلى الشر. وفي الأثناء، يتواجد أفراد من الشعب في أراض بعيدة، حيث لن يعكروا مزاج المواطنين الأمريكيين بأية حال.
ستصبح النتيجة في الولايات المتحدة بمثابة عصر من عدم الحراك الشعبي، فيما يتمثل الاستثناء الوحيد في خروج مئات الآلاف من الأمريكيين والملايين عالميا إلى الشوارع، في احتجاجات متكررة، وذلك قبل بضعة أشهر من غزو إدارة بوش للعراق
من ناحية أخرى، سيتم التحكم في التغطية على نتائج الحروب بعناية فائقة، حيث أن الصحفيين يمثلون “جزءا لا يتجزأ” من الجيش. أما الخسائر الأمريكية، فسيتم إظهار أقل قدر ممكن منها. كما أن الحرب نفسها ستكون سرية “وذكية”، مع التصعيد في استخدام الروبوتات، على غرار الطائرات بدون طيار، وبالتالي لا مفر للعدو من الموت. بالإضافة إلى ذلك، ستصبح الحرب على الطريقة الأمريكية باختصار تطهيرية وعن بعد، كما أن ذكرى هجمات 11 أيلول/سبتمبر ستساعد على تبرير كل ما فعلته الولايات المتحدة بعدها.
خلال تلك السنوات، ستصبح النتيجة في الولايات المتحدة بمثابة عصر من عدم الحراك الشعبي، فيما يتمثل الاستثناء الوحيد في خروج مئات الآلاف من الأمريكيين والملايين عالميا إلى الشوارع، في احتجاجات متكررة، وذلك قبل بضعة أشهر من غزو إدارة بوش للعراق. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الأمر قد انتهى بالغزو الفعلي من طرف حكومة مصممة على عدم الاستماع للشعب.
في الوقت ذاته، سيتعين علينا انتظار ما إذا كانت ستصبح حروب الولايات المتحدة وسياساتها العسكرية، مرة أخرى، هدفا للحشود الجماهيرية، في بلد يحكمه دونالد ترامب. وعلى صعيد مقابل، هل سيتمتع دونالد ترامب وجنرالاته “الذين لا قيمة لهم” بالحرية للقيام بما يريدون خارج البلاد، بغض النظر عما يحدث داخلها؟ علما وأن الولايات المتحدة، منذ تأسيسها، تمثل أُمّة صنعتها الحروب. فيما يبقى السؤال المطروح في هذا القرن هو: هل سيساهم مواطنو الولايات المتحدة والشكل الذي تتخذه حكومتهم في هدم ما تم بناؤه؟
المصدر: ذي نايشن