أنطاليا، تلك المدينة التي تقع على الجانب الآخر من البحر الذي طالما أحببته، البحر المتوسط، حيث تقع على ساحله في جنوب غرب البلاد، وتعتبر من مراكز السياحة الرئيسية بتركيا وتصل نسبة السياح الأجانب الزائرين لأنطاليا 30% من نسبة إجمالى عدد السياح القادمين لتركيا، فهي بلا شك واحدة من أهم الجهات السياحية في منطقة المتوسط بل في العالم بأكمله بما تتميز به من شواطئها وطبيعتها وتاريخها وجوها المميز، حيث احتلت المركز الـ9 عالميًا نسبة لعدد السياح في عام 2012 متفوقة بذلك على باريس وإسطنبول وروما وغيرها.
تتمتع أنطاليا بتاريخ حافل كالكثير من المدن التركية حيث يُقال إنها أُسست في القرن الثالث قبل الميلاد طبقًا للحفريات الموجودة بأحد المواقع الأثرية، ويقول آخرون إن أتالوس الثاني ملك برغامون هو من أسس المدينة في عام 150ق.م، لذا أتى الاسم “أتاليا” التي أصبحت فيما بعد “أداليا” ثم إلى اسمها الحالي “أنطاليا”.
كانت أنطاليا جزءًا من الإمبراطورية الرومانية وانتشرت بها المسيحية بعد القرن الثاني، وزارها بولس الطرسوسي كما ذُكر في العهد الجديد في سفر أعمال الرسل، أصبحت أنطاليا مدينة بيزنطية ثم سلجوقية ثم عثمانية وذكرها الرحالة ابن بطوطة في كتاباته “بالمدينة متناهية الضخامة ذات الشوارع الضيقة”، وبالطبع فإن مدينة ذات طقس حار كأنطاليا لا بد لها من حل عمراني كالشوارع الضيقة المُمدة للظل لتخفيف حرارة الشمس والجو.
لتلك المدينة القديمة طابعًا تاريخيًا بأزقتها الضيقة الحجرية والتي تنتهي بك بالميناء القديم حيث تنتشر المقاهي والمطاعم ومرسى القوارب السياحية
أنطاليا كما علمنا هي وجهة سياحية من الوجهات التي يُنصح بها من يزور تركيا خاصة في فترة الصيف كونها مصيفًا متميزًا، وبجانب ذلك فلدى أنطاليا العديد من الوجهات التي تجذب السياح وأهل المدينة على حد سواء كمتحف أنطاليا الأثري الذي يحتوي على آثار تعود إلى حضارات مختلفة قامت على الساحل الأبيض، ويقع المتحف في منطقة “كونيا التي” مقابل حديقة أتاتورك، ومسجد يفلى منارة أول بناء إسلامي بأنطاليا الذي يُعد من الآثار السلجوقية المُشيدة بواسطة السلطان علاء الدين ذي المكانة المميزة لدى هواة التاريخ التركي، ويعتبر هذا المسجد معلمًا مُميزًا لأنطاليا.
الجدير بالذكر أن أنطاليا تشتمل على عدة مُدن تستحق الزيارة بجانب مركز البلدية، مثل “كمر”، “ألانيا”، “كاش”، “سيدا” وغيرها.
وكالعادة، تبدأ الرحلة المعتادة بزيارة مركز المدينة “قلعة اتشي” أي داخل القلعة، حيث إنها الجزء التاريخي للمدينة والذي يحتوي على عدة آثار تستحق الزيارة، فكانت بداية الرحلة منارة يفلى التي ذكرناها سابقًا والتي يبلغ طولها ما يقرب من 40 مترًا، وقد تم ترميمها في عامي 1955 و2010م، وتقع المنارة في وسط ملئ بالآثار السلجوقية، اتجهت بعد ذلك إلى مسجد يفلي ومدرسة يفلى التي تحولت بعد ذلك إلى سوق “بازار” يجمع بائعي التذكارات والهدايا.
ولتلك المدينة القديمة طابعًا تاريخيًا بأزقتها الضيقة الحجرية والتي تنتهي بك بالميناء القديم حيث تنتشر المقاهي والمطاعم ومرسى القوارب السياحية، وننقل هنا ما ذكره ابن بطوطة في وصفها عندما قام بزيارتها: “وهي من أحسن المُدن، متناهية في اتساع الساحة والضخامة، أجمل ما يُرى من البلاد وأكثره عمارة وأحسنه ترتيبًا، وكل فرقة من سكانها منفردة بأنفسها عن الفرقة الأخرى فتُجار النصارى ماكثون منها بالوضع المعروف بالميناء، وعليهم سور تسد أبوابه عليهم ليلاً وعند صلاة الجمعة.
ولأن أفضل الرحلات هي تلك الرحلات التي تحمل جهات غير مقصودة، ظللنا نهيم فى شوارع أنطاليا بلا خريطة أو هدف
والروم الذين كانوا أهلها قديمًا ساكنون بموضع آخر منفردين به، وعليهم أيضًا سور، واليهود فى موضع آخر وعليهم سور، والملك وأهل دولته ومماليكه يسكنون ببلدة عليها أيضًا سور يحيط بها، ويفرق بينها وبين ما ذكرناه من الفرق وسائر الناس من المسلمين يسكنون المدينة العُظمى، وبها مسجد جامع ومدرسة وحمامات كثيرة وأسواق ضخمة مرتبة بأبدع ترتيب، وعليها سور عظيم يحيط بها، وفيها البساتين الكثيرة والفواكه الطيبة والمشمش العجيب المسمى عندهم بقمر الدين وفي نواته لوز حلو وهو ييبس ويُحمل إلى ديار مصر وهو بها مستظرف…” إلى آخر وصفه.
ولأن أفضل الرحلات هي تلك الرحلات التي تحمل جهات غير مقصودة، ظللنا نهيم في شوارع أنطاليا بلا خريطة أو هدف، ووجدنا العديد من الأماكن الشيقة مثل المنارة الناقصة والشوارع التراثية الضيقة، وظللنا نمشي حتى وجدنا أنفسنا في مواجهة ساحل البحر حيث استأجرنا مقاعدًا في مركب متجه للقيام برحلة بحرية قصيرة، وذكرني ذلك المركب بالمراكب النيلية الشعبية المزعجة بمصر حيث قاموا بتشغيل بعض الأغاني الشعبية التركية وقام بعض الركاب بالرقص على تلك الأنغام، تمنيت أن تنتهي الرحلة سريعًا حتى أستريح من تلك الضوضاء!
من الآثار المميزة للمنطقة أيضًا بوابة هادريان وهي البوابة الوحيدة الباقية من بوابات مدينة أنطاليا القديمة، وقد بنيت تلك البوابة على شرف زيارة الإمبراطور هادريان إلى أنطاليا فى عام 130م وقد أعيد ترميمها عام 1959.
بعد انتهاء الجولة اتجهنا مصادفة أيضًا إلى حديقة بالقرب من الساحل وهي حديقة صغيرة نسبيًا، ومنها اتجهنا إلى شوارع أنطاليا المضاءة التي ذكرتني بأجواء الإسكندرية التي افتقدتها، في صباح اليوم التالى، اتجهت مبكرًا إلى شلالات دودن التي تبعد عن وسط المدينة قليلاً، وهي شلالات ليست بالكبيرة جدًا، ولكنها تحمل أيضًا طابعًا من الجمال.
استكملنا رحلتنا في “كابالى يول” أي الطريق المغلق والذي يمتلئ بالمحلات كمنطقة وسط البلد المصرية، في اليوم الذي يليه ذهبنا إلى أكواريوم أنطاليا وهو من أكبر أحواض السمك بالعالم – كما ذُكر لنا – ويوجد به واحد من أطول أنفاق حوض السمك حيث يبلغ طول النفق 130 مترًا وعمق 3 أمتار.
وبعد انتهاء جولتنا هنالك ذهب أصدقائي إلى ساحل كونيا ألتي وقرروا السباحة فيه وقررت أنا المكوث قليلاً ثم الذهاب للمشي قليلاً بحذاء الساحل، ثم العودة إليهم بعد انتهاء سباحتهم لنذهب فيما بعد إلى أكتور بارك وهي مدينة ترفيهية للعب قليلاً لصنع بعض الذكريات قبل ترك مدينة أنطاليا الجميلة والتي يرتادها الكثير من السائحين وعلى وجه الخصوص السائحين الروس، هل تشجعت يا صديقي عند قراءتك لكلمة الروس؟
الصخور الملونة المُميزة لساحل كونيا ألتي
وهذا آخر.. سابح في الملكوت
كان يدور قبل ذهابي سؤال في خاطري، هل سيكون البحر نفس البحر الذي اعتدت الجلوس بجانبه في مصر عند ذهابي إلى الإسكندرية، هل سيحمل نفس الهموم؟ هل يحمل رسائل المحبين المتبادلة في زجاجاتهم الملقاة إلى أمواج القدر؟ هل ستحمل أمواجه أخبارًا سارة من الطرف الآخر؟ لم أدر الإجابة ولكنني ذهبت وجلست على أحد صخور ساحله بل واخترقت أمواجه في رحلة بحرية، وكأن تلك الأمواج التي تضرب الصخور فتمحو ما بها من أتربة، تضرب أصواتها الآذان فتطرب لها، حقُا صدق من قال إن الجلوس إلى البحر يمنح النفس سكينة وهدوءًا لا يماثله شيء آخر.