عرفت تونس بعد انتفاضة الرابع عشر من يناير تصريحات وأحداثًا جريئة مست المقدسات الإسلامية على غرار القرآن والسنة النبوية والذات الإلهية، مما تسبب في اندلاع أحداث عنف في مناطق متفرقة من البلاد.
لا ربي لا سيدي
البداية كانت في شهر يونيو 2011، عندما منع سلفيون عرض فيلم “لا ربي لا سيدي” للمخرجة التونسية نادية الفاني التي سبق أن صرحت لقناة تليفزيونية محلية بأنها لا تؤمن بوجود الإله، وأنها متمسكة بحرية الفكر والتعبير، كما كسروا بعض محتويات القاعة والاعتداء على بعض الموجودين.
وعلى إثر هذه الأحداث، أصدرت أحزاب علمانية ومنظمات من المجتمع المدني بيانات استنكار وتنديد بهذه الاعتداءات، معبرين في ذات الوقت عن وقوفهم إلى جانب مخرجة الفيلم ودفاعهم عن حرية التعبير، في حين قررت الفاني تغيير العنوان من “لا ربي لا سيدي” إلى “العلمانية إن شاء الله”.
وعقب الاحتجاجات على الفيلم أصدرت وزارة الشؤون الدينية بلاغًا تستنكر فيه المساس بالمقدسات ومن رموز ديننا الحنيف وهويتنا العربية الإسلامية، وتعتبر أن حرية التعبير والإبداع حق عام لا يمكن ممارسته إلا في إطار الحرية المسؤولة التي تستوجب احترام حرية ثقافة الاختلاف، كما أدانت الوزارة أعمال العنف والمساس بمبادئ الثورة التونسية السامية ومكاسبها، وترفض كل أشكال الاعتداء على المواطنين والممتلكات الخاصة والعامة.
“بيرسيبوليس” وتجسيد الذات الإلهية
وبعد 3 أشهر من هذه الحادثة، وقبل أيام من الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس في أكتوبر 2011، بثت قناة نسمة الخاصة لصاحبها رجل الأعمال نبيل القروي، فيلم “بيرسيبوليس” الذي يجسد الذات الإلهية، مما تسبب في خروج مظاهرات غاضبة في عدد من المدن التونسية.
ويعود سبب اختيار قناة نسمة لهذا الفيلم دون غيره أيامًا قبل أول انتخابات ديمقراطية يشارك فيها إسلاميون، بهدف توجيه الرأي العام وتحذيره من انتخاب حركة النهضة الحزب الإسلامي الأول في البلاد.
ويروي فيلم “برسيبوليس” الذي أخرجته الفرنسية من أصل إيراني مرجان ساترابي طفولة فتاة إيرانية من عائلة متحررة عايشت أجواء الثورة الإسلامية الإيرانية التي اندلعت سنة 1979 وأوصلت الإمام الخميني إلى الحكم، كما تضمن لقطة بدقيقتين لفتاة صغيرة تتحدث مع شيخ مسن وصف نفسه بأنه الله.
وعلى إثر الضجة التي أثارها بث الفيلم الذي تبرأت منه السفارة الإيرانية في تونس ووصفته بالإلحادي، قدم نبيل القروي مالك ومدير قناة نسمة الخاصة اعتذاره الشخصي للتونسيين، مشيرًا إلى أنه لم يكن المقصود البتة المس بالمقدسات الإسلامية، قبل أن تقضي المحكمة الابتدائية بتونس عليه بدفع غرامة مالية قدرها 2400 دينار تونسي أي ما يعادل 1000 يورو، وهو ما دفع غوردن غراي السفير الأمريكي بتونس إلى القول: “أشعر بقلق بالغ وخيبة أمل عقب إدانة بث قناة نسمة لفيلم صور متحركة سبق الموافقة على توزيعه من قبل الحكومة التونسية”.
كما قضت المحكمة بتغريم هادي بوغنيم المسؤول عن البرمجة في قناة نسمة ونادية جمال رئيسة جمعية “صوت وصورة المرأة” غير الحكومية التي دبلجت الفيلم إلى اللهجة التونسية 1200 دينار (500 يورو) لكل واحد منهما.
معرض العبدلية وجدل المقدسات الإسلامية
وفي يونيو 2012، أقدم عشرات السلفيين على اقتحام معرض العبدلية في مدينة المرسى بضواحي العاصمة، للمطالبة بسحب بعض اللوحات التي تتضمن إساءة إلى المقدسات، حسب تعبيرهم، وهو ما أسفر عن اندلاع اشتباكات بين العارضين والمحتجين.
وكانت تونس العاصمة وعدة مدن أخرى قد شهدت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين محسوبين على التيار السلفي، اندلعت على خلفية المعرض المذكور، الذي قيل إنه تضمن لوحات تمس بالمقدسات تبين أن إحداها لم تعرض في المعرض المذكور وإنما عرضت في أحد معارض السنغال، بينما شاركت الفنانة نادية الجلاصي في المعرض بعمل عنوانه “هو الذي لا يملك” احتوى منحوتات لنساء محجبات وسط كومة من الحجارة، اعتُبر تجسيم لعملية رجم المرأة الزانية في الإسلام، في حين تمثلت مشاركة الفنان محمد بن سلامة في رسم أخذ شكل خط من النمل خارج من محفظة طفل ليكتب كلمة “سبحان الله”.
وأسفرت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن عن سقوط قتيل بالرصاص الحي إلى جانب حرق وتخريب العديد من المقرات، مما دفع السلطات التونسية إلى فرض حظر التجول ليلاً في عدة محافظات، كما حكمت المحكمة الابتدائية بالعاصمة في شأن 14 متهمًا بشهر سجنًا وخطية مالية.
الخمر والبغاء حلال
حملة التشكيك في الثوابت الإسلامية والمس بالمقدسات الإسلامية لم تقف عند هذا الحد، حيث خرج رئيس الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين، المفكر والجامعي التونسي المختص في الحضارة الإسلامية محمد الطالبي، بتصريحات في شهر مارس 2015، زعم فيها أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان يشرب الخمر، مما يعني أنها ليست محرمة كما هو متداول بل حلال لا ريب فيه.
وأضاف الطالبي المعروف بمواقفه العلمانية المتطرفة أن البغاء حلال وهو مهنة كغيرها من المهن، مشيرًا إلى أنه سينشر في أحد كتبه بابًا متعلقًا بالجنس في القرآن، معتبرًا أن “الشريعة تكذب على الله” لأن حكم الرجم غير موجود في القرآن شأنه شأن حكم الردة المتمثل في القتل، وهو ما دعاه للقول إن البغاء حلال والخمر حلال.
وأضاف المفكر التونسي زاعمًا أن الرسول محمد كان يشرب الخمر واستشهد بحديث منقول عن السيدة عائشة أنه قال لها “ناوليني الخُمرة”، فقالت “إني حائض”، فقال “إنها ليست في يدك”، معتبرًا ذلك دليلاً على أن الرسول كان يشرب الخمر على حد فهمه.
مسرحية “ألهاكم التكاثر”
وقبل شهر ونصف، خلق ملصق مسرحية في تونس تحمل عنوان “ألهاكم التكاثر” ضجة بين التونسيين، بسبب ما اعتبروه استهزاءً من القرآن الكريم، وهو ما دعا مخرج المسرحية نجيب خلف الله إلى تغيير العنوان، معربًا في الوقت نفسه عن اعتذاره إذا ما اعتبر المواطنون أن في العنوان استفزازًا لهم، مشيرًا إلى أن “ألهاكم التكاثر” تحيل فقط إلى أوضاع المجتمع التونسي والطبقة السياسية.
وندد عدد من المثقفين والإعلاميين التونسيين بالخطوة التي أقدم عليها مخرج المسرحية بتغيير عنوانها، محملين إياه السبب في تراجع حرية التعبير والمسرح والثقافة في تونس.
الرقص على صوت الأذان
حوادث المس بالمقدسات الإسلامية لم تتوقف عند هذا الحد، حيث صُدم التونسيون صباح الإثنين بمقطع فيديو بثه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر شبابًا يرقصون على صوت الأذان في أحد الملاهي الليلية بمدينة الحمامات السياحية، خلال سهرة أحياها اثنان من منسقي الموسيقى الأوروبيين.
وعلى إثر ذلك، أغلقت السلطات التونسية حتى إشعار آخر، الملهى الذي يعود ملكيته لرجل أعمال تونسي معروف، كما أمرت بفتح تحقيق واعتقال مدير الملهى بتهمة “المس بالآداب العامة وخدش الحياء”.
بدورها قالت وزارة الشؤون الدينية في بيان: “بعد تداول مقطع فيديو بمواقع التواصل الاجتماعي عن مزج الأذان مع إيقاع موسيقي بأحد الملاهي بمدينة الحمامات وبعد تأكيد الجهات المعنية لحصول الواقعة، تعبر وزارة الشؤون الدينية عن شجبها لمثل هذه التصرفات التي تمس بالمقدسات ومن الشعائر وتعتبر أن الاستهزاء بمشاعر التونسيين وقيمهم الدينية أمر مرفوض قطعًا”، مضيفة أنها تدعو إلى عدم الانجرار وراء ردود الفعل المتشنجة والتعقل واعتماد الموعظة الحسنة في نبذ مثل هذه التصرفات”.