ترجمة وتحرير: نون بوست
أثارت التقارير عن الهجوم الدامي على المستوطنات تساؤلات مع تحذير وسائل الإعلام من أن نشر معلومات لم يتم التحقق منها قد يؤدي إلى تصعيد التوترات.
يوم الأربعاء، هيمنت على عناوين الصحف في المملكة المتحدة تقارير عن مذبحة ارتكبها مقاتلو حماس في المستوطنات في جنوب إسرائيل وزُعم على نطاق واسع أن المهاجمين قاموا بقطع رؤوس الأطفال.
لكن التقارير – التي اعترفت عدد من الصحف نفسها بأنها لم يتم التحقق منها والتي اعترض عليها صحفيون آخرون وأدانوها – أدت إلى اتهامات بأن المنشورات ربما كانت تنشر “أخبارًا مزيفة” و”تعمل كوكيل للدعاية الإسرائيلية” وتأجيج الإسلاموفوبيا.
أثارت فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة، مخاوف بشأن دقة التفاصيل في القصص التي دعت الصحفيين إلى توخي الحذر في تقاريرهم.
كتب ألبانيز على موقع “إكس”، منصة التواصل الاجتماعي المعروفة سابقًا باسم “تويتر”، أن “الكشف عن معلومات لم يتم التحقق منها قد يؤدي إلى تصعيد التوترات وتعريض الأرواح للخطر في سياق متقلب. إن كلمة التحذير هذه لا تخل بأي نتائج أخرى”.
تضمنت التقارير في العديد من الصحف الرائدة في المملكة المتحدة – بما في ذلك “ديلي ميل“، و”ذا صن“، و”ذا تايمز“، و”ديلي تلغراف” – تفاصيل عن عمليات القتل المزعومة لـ 40 طفلاً، بما في ذلك الأطفال الرضع، في الهجوم الذي وقع صباح يوم السبت على كافر عزة بعد أن شن مقاتلو حماس هجوما عليها. واندلعت من غزة وهاجمت بلدات في جنوب إسرائيل.
ذكرت عدة صحف، نقلاً عن ما قاله جندي إسرائيلي لقناة “آي 24” الإخبارية الإسرائيلية، مزاعم عن قطع رؤوس الأطفال الرضع أو “قطع حناجرهم”.
قالت صحيفة “ذا صن” في صفحتها الأولى: “المتوحشون يقطعون رؤوس الأطفال في مذبحة”. وقالت “التايمز”: “لقد قطعت حماس حناجر الأطفال في مذبحة” – علما بأن كلتا الصحيفتين مملوكتان لشركة روبرت مردوخ للأخبار في المملكة المتحدة.
نقلت “التلغراف” عن قائد إسرائيلي تحدث إلى “آي 24” قوله: “إنهم يقطعون رؤوس النساء والأطفال”، مضيفًا أنه لا يمكن التحقق من هذا الادعاء. كما تم تداول القصة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
قال مارك أوين جونز، وهو أكاديمي يبحث في المعلومات المضللة في الشرق الأوسط، لموقع “ميدل إيست آي”، إن التغريدات حول رواية “40 طفلاً مقتولاً” حصدت 44 مليون تفاعل بحلول منتصف صباح يوم الأربعاء.
قال جونز إنه لا يعرف ما إذا كانت هناك حملة منظمة وراء انتشار هذه الرواية، لكنه قال إن الروايات حول الأطفال المقتولين كانت “عاطفية” واستخدمت في حملات دعائية تعود للحرب العالمية الأولى لشيطنة الأعداء.
استشهدت العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية التي نشرت القصة بتقارير الصحفية نيكول زيديك من قناة “آي 24” كمصدر رئيسي لها. وكانت زيديك من بين مجموعة من الصحفيين الذين زاروا كفار عزة برفقة الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء.
وفي منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت زيديك: “أخبرني أحد القادة أنهم رأوا رؤوس أطفال مقطوعة وأخبرني الجنود أنهم يعتقدون أن 40 طفلاً قتلوا”.
Israeli bodies are still being carried out of Kfar Aza. I saw a blood spattered baby crib flipped on it’s side, children’s bicycles lining the sidewalks, one of the commanders told me they saw babies heads cut off. It’s an apocalyptic scene, the site of a true massacre. https://t.co/SbibnuMt0S
— Nicole Zedeck (@Nicole_Zedek) October 10, 2023
قال صحفيون آخرون زاروا الموقع إنهم لم يسمعوا أو يروا أدلة تدعم هذه التقارير.
ويوم الأربعاء، كتب أورين زيف، الصحفي في مجلة “+972″، على وسائل التواصل الاجتماعي “خلال الجولة، لم نر أي دليل على ذلك، ولم يذكر المتحدث باسم الجيش أو القادة أي حوادث من هذا القبيل”.
وأضاف زيف إنه سُمح للصحفيين بالتحدث مع مئات الجنود في المستوطنات دون إشراف فريق المتحدث باسم الجيش، لكن لم يتحدث أي منهم عن أطفال مقطوعي الرأس.
كتبت بيث ماكيرنان، مراسلة صحيفة “الغارديان” في القدس: “نظرت للتو إلى الصفحات الأولى في المملكة المتحدة اليوم وأشعر بالرعب من العناوين الرئيسية التي تزعم أن “حماس قطعت رؤوس 40 طفلاً في كفار عزة”. نعم، لقد قُتل العديد من الأطفال. نعم، كانت هناك عدة عمليات قطع للرؤوس في الهجوم. لكن هذا الادعاء لم يتم التحقق منه وغير مسؤول على الإطلاق”.
يوم الأربعاء، قال تال هاينريش، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لشبكة “سي إن إن”، إنه تم العثور على أطفال رضع وصغار “مقطوعي الرأس”، وذلك حسب ما ذكرت الشبكة الأمريكية. وفي تصريحات لمحطة الإذاعة البريطانية “إل بي سي”، قال هاينريش إن “جنودًا على الأرض” أبلغوا عن ذلك.
نفت حماس هذه الأنباء في بيان عبر قناتها على “تليغرام” قائلة: “نفت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” بشدة الادعاءات الكاذبة التي تروج لها بعض وسائل الإعلام الغربية، مثل قيام المقاتلين الفلسطينيين بقتل الأطفال واستهداف المدنيين”.
قالت مصادر تحدثت إلى موقع “ميدل إيست آي” يوم الثلاثاء إن هناك تقارير تفيد بوجود أطفال من بين الذين قتلوا في المستوطنات. وذكرت إحدى متساكنات البلدة المجاورة، التي لم تزر كفار عزة بنفسها: “لم ينشروا بعد ما حدث بالضبط في كفار عزة، ولكن لم يبق شيء هناك”.
ونقلت عن صديق ذهب إلى كفار عزة للمساعدة، والذي أخبرها بذلك: “يقول إن الناس قتلوا بلا رحمة، وإنهم انتشلوا جثث الأطفال، وجثث الرضع، وجثث عائلات بأكملها”.
أظهرت قناة تليغرام، التي نشرت لقطات من أول المستجيبين للمستوطنات في جنوب إسرائيل بعد هجوم يوم السبت، صورًا بيانية للدمار واسع النطاق في كفار عزة، بما في ذلك جثث الأشخاص الذين يبدو أنهم قُتلوا في منازلهم.
وكُتب في النص المصاحب: “في كفار عزة، نذهب من منزل إلى منزل ونرى عائلات تُذبح في غرف نومها وغرف معيشتها”.
المقالة الأكثر مشاركة على موقع ميل أون لاين هي أخبار لم يتم التحقق منها وربما تكون مزيفة
قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لموقع “ميدل إيست آي”: “لا يمكننا تأكيد أي أرقام. ما حدث في مستوطنة “كفار عزة” هو مجزرة تم فيها ذبح النساء والأطفال الصغار وكبار السن بوحشية على طريقة تنظيم الدولة”.
لم يتمكن موقع “ميدل إيست آي” من التحقق بشكل مستقل من هذه التقارير.
ويوم الأربعاء، ارتفع عدد الإسرائيليين الذين تأكد مقتلهم في هجوم يوم السبت إلى 1200. وقال متحدث عسكري إن الضحايا كانوا “بأغلبية ساحقة من المدنيين”، وقال إنه تم اكتشاف المزيد من الجثث “في المجتمعات المختلفة التي تسللت إليها حماس وحيث ارتكبت مذابحها”.
لكن الأسئلة حول عدم التحقق من الادعاءات التي برزت على الصفحات الأولى والمواقع الإلكترونية للصحف البريطانية تم تسليط الضوء عليها من قبل مركز مراقبة وسائل الإعلام، وهي منظمة تشجع التقارير العادلة والمسؤولة عن المسلمين والإسلام في المملكة المتحدة.
نقلاً عن تقرير على موقع ديلي ميل، قال المركز: “إن المقالة الأكثر مشاركة على موقع @ميل أون لاين هي أخبار لم يتم التحقق منها وربما تكون مزيفة. لماذا يعمل الموقع الإخباري الأكثر زيارة في العالم بمثابة وكيل للدعاية الإسرائيلية؟ #ليست صحافة”.
At least 5 British Newspapers have produced a front page on a story that has not been independently verified and is at present nothing more than a claim. This is not journalism and shows why so many in Britains #Muslim communities have no trust in the Country’s media pic.twitter.com/PR5YWXR83t
— Centre for Media Monitoring (CfMM) (@cfmmuk) October 11, 2023
في منشور منفصل، قالت: “لكن الأمر لم يعد مفاجئًا بعد الآن نظرًا لهذه الحلقة الأخيرة من الكابوس الذي لا ينتهي أبدًا للفلسطينيين، فقد أطلقت العنان لكراهية الإسلام لدى محرري الصحف التي دعمت تقليص الحقوق المدنية للمسلمين البريطانيين وأغلقت أي انتقاد لإسرائيل”.
في حديثه إلى موقع “ميدل إيست آي”، قال متحدث باسم المركز: “المشكلة الرئيسية في أي قصة هي ما إذا كانت صحيحة أم لا. ما حدث في كفار عزة مروع في حد ذاته، لكن مهمة الصحافيين التأكد من صحة تفاصيل ما يُزعم”.
أشار المتحدث إلى نفي الجيش الإسرائيلي مقتل الصحفية في قناة “الجزيرة” شيرين أبو عاقلة، التي قتلها جندي إسرائيلي بالرصاص أثناء تغطيتها للتقارير من مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية في سنة 2022، كسبب يدعو الصحفيين إلى توخي الحذر بشأنها.
وحسب معلومات من مصادر عسكرية إسرائيلية “يجب التعامل مع أي ادعاءات يصدرها الجيش الإسرائيلي بحذر والتحقق منها قبل نشرها، ناهيك عن أن تصبح قصة في الصفحة الأولى”.
قال المتحدث إن هذه القصص ستكون بمثابة اختبار لمنظمة معايير الصحافة المستقلة، وهي الجهة المنظمة للصحافة، لمعرفة ما إذا كانت ستحمل الصحف “مسؤولية طباعة معلومات لم يتم التحقق منها على أنها حقيقة”.
اتصل موقع “ميدل إيست آي” بمنظمة معايير الصحافة المستقلة للتعليق والسؤال عما إذا كانت قد تلقت شكاوى بشأن الصفحات الأولى ليوم الثلاثاء، لكنها لم تتلق ردًا حتى وقت النشر. ولم تستجب “نيوز يو كي” و”ديلي ميل” و”تليغراف” لطلبات التعليق حتى وقت النشر.
المصدر: ميدل إيست آي