يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بدأ فعليًا في تنفيذ مخطط فصل قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة “حماس” عن باقي فلسطين المحتلة، باتخاذه الخطوة الأولى بقطع رواتب آلاف الموظفين المدنيين والعسكريين التابعين للسلطة والموجودين في غزة.
هذه الخطوة المفاجئة أثارت ردات فعل فلسطينية غاضبة جدًا، إلى حد المظاهرات والنزول للشوارع والدعوات الصريحة لرحيل الرئيس عباس ورئيس وزرائه الدكتور رامي الحمد الله، وسط اتهامات مباشرة للسلطة بالتواطؤ على غزة تمهيدًا لعزلها بشكل كامل سياسيًا واقتصاديًا.
وقالت حكومة الوفاق الوطني في تصريحٍ لها إنها قررت فرض خصومات على رواتب الموظفين في غزة فقط، حيث طالت العلاوات وجزءًا من علاوة طبيعة العمل دون المساس بالراتب الأساسي، وذلك لأسباب تتعلق بالحصار المالي الخانق على فلسطين، وانعكاسات آثار الانقسام الأسود وحصار وإجراءات الاحتلال الرهيبة.
غضب فلسطيني.. وعباس المتهم الأول
ويشار هنا إلى أن الخصومات طالت رواتب موظفي السلطة بغزة، بعد يومين فقط من تهديد عباس لقطاع غزة وحركة حماس باتخاذ خطوات وصفها بـ”غير المسبوقة” إثر تشكيلها هيئة إدارية حكومية في القطاع.
“سياسة التمييز في صرف الرواتب مرفوضة تمامًا، من يتحمل مسؤوليتها كاملة رئيس الحكومة رامي الحمد الله، التي باتت استقالته مطلبًا لجميع المواطنين والموظفين خاصة في قطاع غزة”
وتمثل رواتب موظفي السلطة في رام الله عمودًا أساسيًا من أعمدة الاقتصاد بغزة، سيما أن القطاع يتعرض لحصار مالي واقتصادي مشدد، في حين أن الموظفين العموميين في القطاع والذين تتولى حركة حماس مسؤولية صرف رواتبهم لا يتقاضون أكثر من 40% من رواتبهم.
عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح بالضفة الغربية المحتلة، أكد أن القرار الصادر عن حكومة التوافق بإجراء خصومات كبيرة على رواتب موظفي المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) باطل ويحمل أبعادًا سياسية خطيرة للغاية.
وقال في تصريح خاص لـ”نون بوست”: “في حال تم إصدار قرار بالخصومات فذلك يجب أن يشمل جميع موظفي السلطة الفلسطينية بغزة والضفة وكذلك الخارج، أما حصر القرار بموظفي غزة فهذا نذير شؤم ويؤكد وجود مخططات لفصل غزة عن باقي الوطن”.
وأضاف القيادي الفتحاوي: “سياسة التمييز في صرف الرواتب مرفوضة تمامًا، من يتحمل مسؤوليتها كاملة رئيس الحكومة رامي الحمد الله، التي باتت استقالته مطلبًا لجميع المواطنين والموظفين خاصة في قطاع غزة”.
وكشف أن قيادة حركة فتح في الضفة لن تقف صامته أمام هذه الخطوة “غير القانونية”، وسيكون لها ردات فعل غاضبة وكبيرة خلال الساعات المقبلة، مؤكدًا أن قيادة الحركة طالبت بعقد لقاء عاجل مع الرئيس عباس للتباحث في خطورة هذه الخطوة.
وفي ذات السياق، استنكرت فصائل فلسطينية وهيئات دولية قرار الاستقطاعات التي اتخذتها حكومة الحمد الله والرئيس محمود عباس لرواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، بنسبة 30%.
حركة حماس دعت الحكومة لتقوم بواجبها تجاه قطاع غزة بشرائحه ومكوناته كافة وحل القضايا العالقة وعلى رأسها قضايا الموظفين، واعتبر الناطق باسم الحركة فوزي برهوم هذا القرار تعسفيًا وغير مسؤول، والهدف منه تكريس أزمات القطاع واستهداف عوامل صموده في مواجهة التحديات.
وأعلن برهوم تضامن الحركة مع مطالب الموظفين كافة دون استثناء، داعيًا إلى التراجع عن هذه الإجراءات العبثية اللامسؤولة فورًا، وأن تتوقف الحكومة عن التمييز بين أبناء شعبنا في الضفة والقطاع.
لا يعقل أن تقوم الحكومة الفلسطينية بخصومات على رواتب الموظفين في غزة دون الضفة الغربية، تحت ادعاءات بوجود حصار مالي
كما قالت حركة الجهاد الإسلامي على لسان الناطق باسمها داوود شهاب: “ندين قرار خصومات الرواتب التي فرضتها الحكومة في رام الله بحق موظفي قطاع غزة والذي يعتبر سياسيًا لإغراق القطاع بالأزمات وندعو للبحث عن سبل لمعالجة هذه الأزمات التي خلفتها السلطة بسياساتها وأجندتها”، من جانبها، قالت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين: “الخصومات على رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة كارثية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة جراء الحصار الصهيوني”.
وأكد عضو المكتب السياسي للديمقراطية زياد جرغون، أن هذا الإجراء غير قانوني ويتنافى مع قانون الخدمة المدنية كونه يأتي دون سابق إنذار ويطبق على منطقة جغرافية دون أخرى.
وشدد على أنه لا يعقل أن تقوم الحكومة الفلسطينية بخصومات على رواتب الموظفين في غزة دون الضفة الغربية، تحت ادعاءات بوجود حصار مالي، مؤكدًا أن هذا الإجراء مقدمة لتطبيق بند التقاعد المبكر على موظفي غزة كافة، داعيًا الحكومة إلى التراجع الفوري عن هذا الإجراء الجائر الذي يمس موظفي السلطة في غزة، ويعزز الانقسام بين شطري الوطن.
من جهته حذر النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح ماجد أبو شمالة، من الخطورة السياسية التي يحملها هذا القرار، مؤكدًا أنه جاء استجابة “لضغوط عربية” وليس لحاجة أو مصلحة وطنية ودون مراعاة للبيئة السياسة المحلية ودراسة حقيقية لانعكاسات هذا القرار على المواطن الفلسطيني بشكل عام الذي سيطاله التأثير وتحديدًا الموظفين في المحافظات الجنوبية.
وأشار النائب أبو شمالة أن هذا القرار الذي جاء استجابة لضغوط خارجية، ولا يجوز من الناحية القانونية “ويخالف قانون قوى الأمن رقم (8) لسنة 2005 والذي صادق عليه الرئيس محمود عباس بعد إقراره في المجلس التشريعي” ولا يوجد الآن جهة تملك صلاحية إلغاء هذا التشريع وسن قانون جديد.
كما طالبت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) الرئيس محمود عباس والحكومة الفلسطينية بالتراجع الفوري عن قرار الاستقطاعات غير القانونية والعمل على إعادة صرف رواتب الموظفين كاملة، وذلك إعمالًا لسيادة القانون وتحقيقًا للعدالة.
خرجت تحذيرات من كوارث اقتصادية مقبلة في غزة نتيجة هذا القرار
وأشارت الهيئة إلى أنها تخشى أن يكون هذا القرار جزءًا من استراتيجية تهدف لتخلي الحكومة عن مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه قطاع غزة وموظفيه، خاصة كونه ليس الأول من نوعه بل سبقه حرمان غير قانوني لهؤلاء الموظفين من العلاوات والبدلات.
ضرب اقتصاد غزة
وفي سياق ردود الفعل الغاضبة على خطوة الحكومة الأخيرة بحق الموظفين، خرجت تحذيرات من كوارث اقتصادية مقبلة في غزة نتيجة هذا القرار، فأكد الخبير الاقتصادي الفلسطيني عمر شعبان، أن قرار السلطة بخصم 30% من رواتب موظفي غزة بشكل مفاجئ دون توضيح مسبق يضع القرار موضع شك كبير بشأن مصداقيته وأسبابه، موضحًا أنّ قرار السلطة بهذه الخصومات له تداعيات خطيرة على علاقة السلطة وهياكلها التنفيذية والتشريعية والسياسية بقطاع غزة.
وقال: “هذا القرار سيعزز الشعور المتنامي بأنّ قطاع غزة لم يعد على سلم أولويات السلطة الوطنية رغم كل التصريحات التي تزعم غير ذلك”، ويشير شعبان، إلى أن هذا القرار يمس بعشرات آلاف العائلات التي تعتمد على المرتب كمصدر دخل لمواجهة متطلبات المعيشة في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية جدًا التي يعانيها القطاع من بطالة وحصار وبطء عملية إعادة الإعمار.
ويتساءل: “لماذا تسارع الحكومة للاقتصاص من موظفيها وتطبق خطط التقشف عليهم تاركة بنود صرف أخرى تقع ضمن المصروفات الترفيهية وغير الضرورية”.
حرمت القروض السوق الفلسطينية في غزة بما يزيد على 50% من السيولة النقدية المحولة، وبقيت حبيسة خزائن البنوك على شكل أقساط محصلة لصالحها
فيما كشف خبير اقتصادي آخر ويدعي محمد أبو جياب، عن هجمات مالية تشنها السلطة ضد قطاع غزة، حيث يفيد أنّ السلطة تحول ما يقرب من 50 مليون دولار شهريًا بدل فاتورة رواتب الموظفين في غزة، ويقول: “فتحت البنوك وبقرار سياسي باب التسهيلات المصرفية في القطاعات الاستهلاكية ليصل عدد المقترضين إلى ما يزيد على 85% من الموظفين بواقع خصم قسط شهري عن الموظف يصل إلى 50%”.
وفي هجمة أخرى، يؤكد أبو جياب، أن القروض حرمت السوق الفلسطينية في غزة بما يزيد على 50% من السيولة النقدية المحولة، وبقيت حبيسة خزائن البنوك على شكل أقساط محصلة لصالحها، وأن الهجمة الجديدة التي تمثلت بالخصومات من رواتب الموظفين، لم ولن تكون الأخيرة، مما سيتسبب بانعكاسات خطيرة على مكونات المنظومة الاجتماعية والاقتصادية في غزة.
غزة تغضب وكرة اللهب تشتعل
وفي سياق ردود الفعل الغاضبة، أعلن عدد من موظفي السلطة الفلسطينية، البدء بإضراب عن الطعام، احتجاجًا على قيام الحكومة بخصم 30% من مرتباتهم عن شهر مارس الماضي، وأكد الموظفون أنهم بصدد تصعيد فعالياتهم الاحتجاجية من خلال نصب خيمة اعتصام بدءًا من يوم الخميس في ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، داعين جميع الموظفين المدنيين والعسكريين الذين طالهم الخصم إلى ضرورة التكاتف من أجل استعادة الرواتب التي تم خصمها، مشددين على استقلالية فعالياتهم الاحتجاجية، وأنها لا تخضع لأي طرف من الأطراف.
قرابة 58 ألف موظف ما بين عسكري ومدني جلسوا في بيوتهم مقابل استمرار صرف رواتبهم منذ عام 2007 بقرار من الرئيس محمود عباس والحكومة الفلسطينية التي كان يرأسها د. سلام فياض، عقب الأحداث التي أدت للانقسام الفلسطيني
واعتبر المحتجون أن خصم الرواتب له أبعاد خطيرة عليهم وعلى ذويهم، داعين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمد الله للنظر إلى ما أسموه بالمأساة التي طالتهم، في ظل الحصار والانقسام الحاصل بين شقي الوطن.
وتوقعت حكومة الحمد الله في بيان صدر عقب اجتماع لها مطلع يناير الماضي عجزًا إجماليًا قدره (1.07 مليار دولار) في موازنة عام 2017، وألا يتجاوز التمويل الخارجي لدعم الموازنة خمسمائة مليون دولار، مرجحة أيضًا زيادة في الإيرادات العامة عام 2017 بنسبة 6% عن عام 2016 لتصل إلى (3.566 مليارات دولار).
تجدر الإشارة إلى أن قرابة 58 ألف موظف ما بين عسكري ومدني جلسوا في بيوتهم مقابل استمرار صرف رواتبهم منذ عام 2007 بقرار من الرئيس محمود عباس والحكومة الفلسطينية التي كان يرأسها د. سلام فياض، عقب الأحداث التي أدت للانقسام الفلسطيني.