عندما قرر المخرج أوليفر داهان تصوير فيلمه “La Vie en rose” والذي تدور قصته عن حياة المطربة الفرنسية إيديث بياف اختار النجمة الفرنسية ماريون كوتيار لأداء الدور، وهو القرار الذي كان موفقًا للغاية، فماريون كوتيار ممثلة قوية ومن نجوم شباك التذاكر، بالإضافة إلى إتقانها الدور للغاية وبالفعل حصدت جائزة الأوسكار عن أفضل ممثل رئيسية، والسعفة الذهبية بمهرجان كان.
قال النقاد الفرنسيون والإيطاليون عن فيلم “داليدا” بأنه أحيا من جديد عارضة الأزياء الإيطالية سفيفا وقدمها للعالم في هيئة ممثلة قوية كأنها امتهنت التمثيل منذ زمن بعيد
وعلى عكس داهان عندما قررت المخرجة ليزا أزوليوس تصوير فيلم “داليدا” أو “أنا داليدا” – Je suis Dalida – كما كان مقرر أن يطلق عليه من قبل، اختارت عارضة أزياء إيطالية للقيام بالدور وهي سفيفا ألفيتي، وقبل دورها في “داليدا” لم تقم سفيفا بأي أدوار قوية، بل ويمكن إحصاء أعمالها على أصابع اليد الواحدة، وهو ما يمكن اعتباره مجازفة من مخرجة الفيلم أن تولي دور البطولة لفتاة مثلها علاقتها بالتمثيل بسيطة.
قال النقاد الفرنسيون والإيطاليون عن فيلم “داليدا” بأنه أحيا من جديد عارضة الأزياء الإيطالية سفيفا وقدمها للعالم في هيئة ممثلة قوية كأنها امتهنت التمثيل منذ زمن بعيد، وهو الأمر الصحيح، فاختيار ليزا أزوليوس كان يستحق المجازفة، فليس واضح تمامًا هل اختارت إلقاء الدور على عاتقها لأنها تشبه داليدا في ملامحها وهيئتها أم لموهبة رأتها فيها في أثناء قيامها بأدوراها السابقة، على كلٍ فإن المخرجة نفسها ما زالت حديثة عهد بالإخراج، فقد كان عملها الرئيسي في السينما هو كتابة السيناريو، ولكنها حصلت على شهرتها في فرنسا من خلال فيلمها “LOL” وهو فيلم درامي عائلي.
عن قصة الفيلم
يبدأ الفيلم بمشهد غير واضح تمامًا لداليدا تجلس أمام مرآة وتسرح شعرها الذهبي، ثم ينتقل بنا إلى مطار شارل ديجول بفرنسا وداليدا تودع أخيها وزوجته وتخبرهما بأنها يجب أن تبحث عن عائلة لويتشي وحدها، وتذهب إلى إيطاليا وتستقل سيارة أجرة وتصل إلى الفندق وتضع لافتة ممنوع الإزعاج على باب غرفتها، ثم ينتقل المشهد إلى صوت سيارات الإسعاف والنجدة وأصوات الكاميرات، وبعض التعليقات عن محاولة داليدا الانتحار.
داليدا التي أعطت الأمل لملايين حول العالم بأغانيها عن الحب عاشت حياتها تبحث عنه في خمس محاولات يائسة
لا يخفى على أحد أن داليدا ماتت منتحرة تاركة بجوار سريرها رسالة وداع مكونة من جملة واحدة: “سامحوني الحياة لم تعد تطاق”، إلا أن هذه لم تكن المرة التي ماتت فيها داليدا، كانت تلك أول مرة حاولت فيها داليدا إنهاء مأساتها والخلود إلى نوم أبدي بحثًا عن راحة دائمة.
داليدا التي أعطت الأمل لملايين حول العالم بأغانيها عن الحب عاشت حياتها تبحث عنه في خمس محاولات يائسة، أنهت بإرادتها أربع منهم، بينما أنهى لويتشي المغني الإيطالي حياته وبالتالي علاقته معها رغمًا عنها.
طريقة عرض الفيلم وتقطيع المشاهد وسرد الأحدث يشبه إلى حد كبير طريقة عرض فيلم “La vie en rose” ، فبعد المشهد الأول ومحاولة انتحارها الفاشلة يأتي دور الطبيب النفسي ومحاولته لفهم ملابسات انتحارها عبر التقصي عن حياتها من شقيقها وزوجها السابق، وحبيبها الثاني، فيبدأ أخيها بالتحدث عن طفولتها بمصر، وأنها عانت من مشكلة ما في الإبصار وهي رضيعة مما اضطر أبيهما وأمهما ربط عينيها، واعتماد أبيها على عزفه لآلة الكمان لحملها على التوقف عن البكاء, ثم تتشابك الأحداث ونتحول إلى حياتها الفنية وبداية مشوارها عندما يبدأ زوجها الأول ومنتج أغانيها الحديث عنها.
غنت داليدا بالفرنسية والإيطالية والعربية والإسبانية والألمانية والعبرية، إلا أنه من المؤكد أنها حصلت على شهرتها الأساسية من فرنسا، ومنها انتقلت إلى العالم.
المشهد الرئيسي في الفيلم هو عندما تغني على المسرح أغنيتها الأشهر “Je suis Malade”
رغم ذياع صيت إيديث بياف في ذلك الوقت وهي مطربة فرنسا الأثيرة، فإن النوع الذي كانت تقدمه داليدا في أغانيها كان مختلفًا عنها، بالإضافة إلى تنوعها، فيتعامل معها الفرنسيون – حتى إلى الآن – على أنها فرنسية تمامًا رغم ميلادها في مصر وأبويها الإيطاليين.
المشهد الرئيسي في الفيلم هو عندما تغني على المسرح أغنيتها الأشهر “Je suis Malade”، فأداء سفيفا كان رائعًا ومشابهًا تمامًا لأداء داليدا عندما قدمتها لأول مرة، ويتداخل مع الأغنية مشهد قتل زوجها الأول لنفسه.
داليدا تغني Je suis malade
ربما أفضل ما في الفيلم بجوار أداء الممثلة الرئيسية والبحث المتقن في أرشيف داليدا هو كيف أدخلت المخرجة أغانيها في وسط الأحداث، ليفهم المشاهد ملابسات هذه الأغنية أو تلك، فأغنية Le temps des fleurs مثلاً غنتها وهي في باريس في أكثر أيامها سعادة مع حبيبها الثاني، وأغنية Je suis malade أصرت على أن تغنيها بعد عودتها من رحلتها في الهند والتصالح مع نفسها بعد محاولة انتحارها الأولى.
سيناريو الفيلم تشاركت فيه مخرجته مع أورنالدو – أخو داليدا – والذي كتب كتابًا عن حياتها كما أنه قام بإخراج فيلم تسجيلي عنها من قبل، أما موسيقى الفيلم فكانت من نصيب جان كلود، الفيلم عبارة عن تكريم لائق لمحبوبة فرنسا التي أعطت الأمل لملايين ومات دونه.