في حلقة جديدة من مسلسل الفوضى والأوراق المبعثرة داخل الإدارة الأمريكية والتي بدت ملامحه مع الساعات الأولى لتولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الأمور في العشرين من يناير الماضي، وبعد أقل من شهرين على الإطاحة بالرجل الأول بعد الرئيس داخل البيت الأبيض مايكل فلين، ها هو كبير مستشاري ترامب، الخبير الاستراتيجي ستيف بانون يعزل من منصبه كعضو بمجلس الأمن القومي.
هذه الخطوة المفاجئة – بحسب البعض – سوف تلغي أحد أبرز القرارات التي أثارت الجدل في الشارع الأمريكي، حين أقدم ترامب بعد فترة قصيرة من تولي منصبه على ضم بانون إلى لجنة الإدارة القوية لمجلس الأمن القومي، المخول له تقديم المشورة للرئيس فيما يتعلق بقرارات الأمن والسياسة الخارجية الحساسة، والذي يضم وزيري الدفاع والخارجية.
التخلص من رجال ترامب داخل البيت الأبيض والذي بدأ بإجبار مايكل فلين على الاستقالة ثم تبعها قرار عزل ستيفن بانون، بالتزامن مع الحديث عن تقليص صلاحيات عدد من المقربين من الرئيس في بعض المناصب، يضع العديد من التساؤلات عن دلالات مثل هذه القرارات التي تأتي وسط أجواء من الصراع والصدام ما بين الإدارة الجديدة ومؤسسات الدولة القضائية والتشريعية.
لقب بـ”ظل” ترامب خلال مسيرته الانتخابية، وكان أبرز المدافعين عن وجهة نظر الرئيس في رفض الهجرة ومناهضة اللاجئين والتصدي للإسلاميين والعرب
من هو ستيف بانون؟
“أنا رجل لينيني النزعة، فمثلما أراد لينين أن يهدم الدولة فإن هذا هو هدفي كذلك” بهذه الكلمات استهل ستيف بانون المدير السابق لحملة ترامب الانتخابية، حديثه واصفًا نفسه، وكاشفًا بعض ملامح شخصيته التي تميل للعنصرية والكارهة للمهاجرين، وهو ما أهله لأن يكون الذراع الأيمن للرئيس دونالد ترامب.
رجل عسكري التكوين، عمل بالقوات البحرية الأمريكية لفترة طويلة قبل أن يدخل عالم السياسة، كما أنه رجل مال وأعمال، ومديرًا لموقع “برايتبارت” الداعم للتوجهات اليمينية المتطرفة، مؤمن وبشدة بنظرية المؤامرة التي ترفض الانفتاح، لذا فهو أحد أبرز رواد التيار المتطرف داخل الحزب الجمهوري الأمريكي.
لقب بـ”ظل” ترامب خلال مسيرته الانتخابية، وكأن أبرز المدافعين عن وجهة نظر الرئيس في رفض الهجرة ومناهضة اللاجئين والتصدي للإسلاميين والعرب، كما تتميز لغته بطابعها العسكري التي تقسم العالم إلى صديق وعدو، مولع بتصدير صورة ذهنية مخيفة عنه وعن توجهاته، وهو ما تجسد في خطاب التنصيب الذي ألقاه ترامب، والذي يستمد الكثير منه من فكر بانون لا سيما حين تحدث عن “الذبح الأمريكي” في المدن الأمريكية، فقد كان خطابًا يتخلله الخوف والرعب، وبهذا الشأن قال بانون عام 2010: “الخوف جيد لأنه يدفع للتحرك”.
ستيف بانون مدير الحملة الانتخابية لدونالد ترامب
لماذا تمت الإطاحة به؟
في ضوء ما سبق، وفي إطار ما يحمله بانون من أفكار عنصرية وأيديولوجيات عدائية، فقد أثار تعيينه داخل مجلس الأمن القومي بعد أيام من تنصيب ترامب رئيسًا جدلاً واسع النطاق بين أعضاء المجلس من جانب، وبعض المسؤولين الأمنيين والسياسيين من جانب آخر، وهو ما تسبب في عرقلة مسيرة العمل داخل المجلس.
تباين وجهات النظر بين بانون المقرب من ترامب والغائب الحاضر عن العديد من جلسات مجلس الأمن الحيوية، وبقية الأعضاء لا سيما “إتس آر ماكماستر”، مدير المجلس، قادت إلى العديد من الصدامات دفعت بانون إلى التلويح بأكثر من مرة بتقديم استقالته كورقة ضغط على المجلس، وهو ما تراجع عنه بعد ذلك، إلى أن تم الإطاحة به في قرار صادر عن البيت الأبيض أمس الأربعاء.
وقد أثار قرار عزل بانون ردود فعل إيجابية من قبل المناوئين له داخل البيت الأبيض وخارجه، حيث اعتبروا هذا القرار هزيمة للتيار الشعبوي القومي، بينما اعتبره آخرون ترجمة واضحة لنفوذ وقوة مدير مجلس الأمن القومي، ماكماستر، وهو ما يتيح له القيام بدوره داخل المجلس بأريحية كاملة.
عزل ستيف بانون والذي جاء بعد استقالة مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين، عكس حالة الفوضى التي تحياها إدارة ترامب منذ توليه قيادة الأمور داخل البيت الأبيض
آدم شيف عضو لجنة المخابرات بالمجلس عن الحزب الديمقراطي، علق على عزل بانون بأنه “لم يكن يومًا ينتمي إلى البيت الأبيض على الإطلاق، ولم ينتم إلى المجلس”، مضيفًا “آمل أن يكون هذا القرار – العزل – دلالة واضحة على سيطرة ماكماستر على مجلس الأمن القومي”.
أما كارل روف مستشار الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، فأشار إلى أنه من الخطأ في البداية أن يتم تعيين بانون في مجلس الأمن القومي، وكان من الصواب أن يتم عزله لتصحيح هذه الخطوة، ملفتًا أن الإطاحة به “ستقوي من مدير المجلس”.
قرار عزل ستيف بانون والذي جاء بعد استقالة مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين، على خلفية اتصاله بالسفير الروسي لدي الولايات المتحدة سيرجي كيسلياك في التاسع والعشرين من ديسمبر 2016، والتي أحدثت حينها أزمة داخل الإدارة الأمريكية لقرب فلين من ترامب منذ حملته الانتخابية، عكس حالة الفوضى التي تحياها إدارة ترامب منذ توليه قيادة الأمور داخل البيت الأبيض، فضلاً عن الصراع بين مؤسسات الدولة المختلفة، فما أبرز ملامح تلك الفوضى وهذا الصراع؟
ملامح الصراع
لم تشهد أي إدارة أمريكية منذ نشأة الدولة صدامًا مع أجهزة الدولة كما تشهدها إدارة ترامب، فمنذ اليوم الأول لتنصيبه باتت ملامح الصدام والصراع تتكشف بصورة واضحة في ظل ما يتنتهجه الرجل من أفكار وسياسات ربما تتعارض بشكل كبير مع توجهات أمريكا الخارجية وفق تقديراتها السياسية والأمنية.. ويمكن الوقوف على بعض هذه الملامح.
اولا: الصدام مع القضاء
دخل ترامب في صدام مبكر مع المؤسسة القضائية في معركتين متتاليتين، الأولى في الثالث من فبراير 2017، والثانية بعدها بستة أيام فقط، في التاسع من نفس الشهر، وذلك حين رفض القضاء القرار الذي أصدره الرئيس في السابع والعشرين من يناير الماضي بشأن حظر دخول مواطني عدد من الدول لأمريكا بدعوى حماية أمنها من الإرهاب.
تصدي القضاء لقراري ترامب دفعه إلى شن هجوم على السلطة القضائية حيث شكك في استقلاليتها واتهمها بـ”التسييس” وهو ما أثار حفيظة القضاة في الولايات المتحدة، مما دفع الرئيس إلى تخفيف حدة الصدام وإعلانه “أنه لن يستأنف قرار تعليق القضاء أمره التنفيذي، ولكنه سيصدر أمرًا تنفيذيًا جديدًا”.
لم تشهد أي إدارة أمريكية منذ نشأة الدولة صدامًا مع أجهزة الدولة كما تشهدها إدارة ترامب
ثانيًا.. الصدام مع البرلمان
من المسائل التي تجسد حجم الصدام بين ترامب ومؤسسات الدولة تلك التي تعنى بعلاقته بمجلسي الكونجرس (مجلس النواب، ومجلس الشيوخ)، فرغم انتماء الرئيس الأمريكي للحزب الجمهوري والذي يسيطر على المؤسسة التشريعية، إلا أنه ومن المرات النادرة في تاريخ أمريكا أن يتفق الحزب الحاكم والمنافس له على التصدي لتوجهات الرئيس.
الاتصالات السرية بين أعضاء بإدارة ترامب وبعض المسؤولين الروس دفعت الحزبين الكبيرين إلى توحيد موقفهما والمطالبة بضرورة فتح تحقيقات بشأن هذه الاتصالات ومحاسبة المتورطين فيها وهو ما تم بالفعل، حيث مثل فلين أمام الكونجرس للشهادة وأُجبر حينها على الاستقالة.
كما أن هناك شبه اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين على أن بعض ممارسات ترامب ربما تمثل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، وهو ما كشفه رد فعل الحزبين على مناقشة الرئيس بعض القضايا الأمنية الحساسة، والمتعلقة بتجربة الصاروخ الباليسيتي الذي أطلقته كوريا الشمالية في الثالث عشر من فبراير 2017، خلال تناوله العشاء مع رئيس الوزراء الياباني شيزو آبي” بمنتجع “ماو آلا غو”، والتي يجب أن تناقش في أماكن خاصة ومؤمنة بصورة كاملة ضد الاختراق والتنصت.
ثالثًا: الصدام مع البيت الأبيض
تباين وجهات النظر وتضارب التصريحات بين ترامب وبعض منتسبي إدارته يعكس حالة الفوضى التي تجتاح البيت الأبيض، وقد تجسد هذا التضارب في عدة مواقف أبرزها:
– الموقف من روسيا: حيث يتبنى ترامب رؤية للتقارب مع موسكو ورئيسها بوتين، ويسعى لتفعيل هذه الرؤية إلى واقع عملي من خلال بعض السبل، وهو ما يتناقض مع تصريحات أعضاء الإدارة الأمريكية ضد سياسة روسيا في المنطقة لا سيما في سوريا كما سيأتي ذكره لاحقًا، كذلك في أوكرانيا.
نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، أكد خلال زيارته لأوروبا أن الولايات المتحدة لن تعترف بالاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم، وهو نفس الموقف الذي أكد عليه وزير الدفاع ماتيس، والذي قال: “لا يمكن أن يكون هناك تعاونًا مع موسكو عسكريًا على الأقل في الوقت الراهن”.
هناك شبه اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين على أن بعض ممارسات ترامب ربما تمثل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي
– الموقف من “الناتو”: ترامب يرى أن حلف شمال الأطلسي”الناتو” بات غير مجدٍ، مشككًا في إمكاناته العسكرية ومدى قدرته على الدفاع عن أوروبا، وهو ما استنكره قادة أوروبا بصورة كبيرة، إلا أن وزير خارجيته ريكس تيلرسون، طالما شدد على أهمية الحلف في تحقيق الاستقرار وحفظ الأمن الإقليمي والدولي.
– الموقف من العراق: في تصريحات سابقة لترامب خلال حملته الانتخابية أشار إلى أنه على واشنطن أن تستولى على النفط العراقي مقابل الدفاع عنها طيلة السنوات الماضية، وهو ما نفاه وزير الدفاع خلال زيارته لبغداد في العشرين من فبراير الماضي، حيث أشار أن أمريكا لا تسعى للسيطرة على النفط العراقي، والعلاقة بين البلدين علاقة شراكة في مواجهة الإرهاب.
ومن الشواهد التي تجسد حجم الصدام تلك المتعلقة بتراجع الثقة بين الرئيس وأجهزة الاستخبارات وهو ما اتضح بصورة جلية إثر تسريب تفاصيل اتصالات مسؤولين بالإدارة الأمريكية مع نظرائهم الروس لوسائل الإعلام، وهو ما وضع ترامب في حرج كبير أمام الأمريكيين والروس على حد سواء.
مايكل فلين مدير مجلس الأمن القومي الذي أجبر على الاستقاله لاتصالاته بمسؤولين روس
رابعًا.. الصدام مع الإعلام
استهل ترامب ولايته الرئاسية الأولى بالصدام المبكر مع العديد من وسائل الإعلام، ففي تغريدة له على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في الـ17 من فبراير الماضي، كتب يقول: “وسائل الإعلام الكاذبة نيويورك تايمز وإن بي سي نيوز وآي بي سي وسي بي إس وسي إن إن، ليست عدوًا لي، بل للشعب الأمريكي، والإعلام لا يخدم الشعب، بل مصالحه الخاصة”، وقد وصف لهجة الإعلام بأنها “لهجة كراهية”.
وبعد 8 أيام فقط على تغريدة ترامب، أصدر المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض شون سبايسر، قرارًا بمنع بعض وسائل الإعلام مثل صحيفة نيويورك تايمز، وقناة سي إن إن الإخبارية، والتي يرى ترامب أنها عدوة للشعب الأمريكي، من حضور الإعلان الصحفي الذي أقامه في مكتبه، بدلاً من المؤتمر الصحفي اليومي الذي يقام عادة بقاعة المؤتمرات الصحفية، وذلك يوم الـ25 من فبراير.
تبني ترامب رؤية للتقارب مع موسكو ورئيسها بوتين، اصطدمت مع تصريحات أعضاء الإدارة الأمريكية ضد سياسة روسيا في المنطقة لاسيما في سوريا وأوكرانيا
خامسًا.. عدم التعاون معه
من المسائل التي تعكس حجم الصدام والصراع الذي وصلت إليه العلاقة بين ترامب وأجهزة الدولة المختلفة، رفض العديد من الشخصيات المرشحة لتولي مناصب قيادية العمل معه، كذلك الضغوط الممارسة من بعض الجهات للتصدي لبعض الترشيحات التي يقدمها بنفسه.
فبعد استقالة فلين رفض الأميرال المتقاعد روبرت هاروارد تولي المنصب، ورغم ما أثير حينها بأن الرفض لأسباب عائلية، إلا أن بعض المقربين من البيت الأبيض ذهبوا إلى أن عدم استجابة ترامب لرغبة “هاروارد” في أن يكون المجلس هو صاحب القرار وليس مستشارو الرئيس، كان السبب الرئيسي وراء الرفض.
كذلك رفض الجمهوريون داخل مجلس الشيوخ ترشيح ترامب لتولي أندرو بازدر وزارة العمل في الـ15 من فبراير الماضي، إثر بعض الملعومات المثيرة للجدل عن حياته الشخصية والمهنية، وهو ما دفعه للانسحاب وتقديم الاعتذار عن تولي هذا المنصب.
أضف إلى ذلك الجدل المثار عن الميزانية الجديدة لعام 2018 التي قدمها ترامب في الـ15 من مارس الماضي، خاصة فيما يتعلق بزيادة نفقات وزارة الدفاع “البنتاجون” والخفض الكبير في نفقات وزارة الخارجية، وهو ما رفضته بعض الشخصيات السياسية الأمريكية التي وصفت الميزانية بأنها “تجعل أمريكا والعالم أقل أمانًا”، فضلاً عن رفض عدد من الجمهوريين للعديد من البنود التي تضمنتها الميزانية وهو ما يمهد الطريق لرفضها أمام الكونجرس، وذلك قبل أيام قليلة من إرجاء التصويت في مجلس النواب لإلغاء قانون “أوباما كير” للرعاية الصحية وتبني قانون آخر بدلاً منه، رغم تكثيف ترامب مشاوراته لإلغاء هذا المشروع كما تعهد بذلك خلال حملته الانتخابية.
الضغوط الناجمة عن هذا الصدام المتشعب بين ترامب ومؤسسات الدولة (الكونجرس – القضاء – الإعلام – بعض منتسبي الإدارة) لا شك أنه سيكون له تأثير واضح على توجهات ترامب الذي يتجنب بالتأكيد الدخول في مزيد من الصدامات التي تعيقه عن القيام بمهامه كرئيس للدولة، وهو ما يدفع للتساؤل: هل رضخ ترامب لهذه الضغوط؟ وما مظاهر ذلك؟
تقليص نفوذ رجال ترامب لن يتوقف على فلين وبانون فحسب، فهناك أنباء بأن ترامب قلص أيضًا من دور مستشار الأمن الداخلي توم بوسرت في المجلس
هل رضخ ترامب؟
بالعودة إلى التصريحات التي طالما كان يرددها ترامب خلال حملته الانتخابية فضلاً عن السياسات التي أعلن انتهاجها عقب دخوله البيت الأبيض، انتهاءً إلى ما وصل إليه الوضع الآن، نجد أن الضغوط التي مورست عليه قد أتت في كثير من الأحيان أكلها، وهو ما أتضح في عدة مظاهر:
- الأول.. تقليل نفوذ رجاله داخل البيت الأبيض
كما تم الإشارة سابقًا فقد عمد ترامب إلى محاولة تقليل الصدام مع أجهزة الدولة لا سيما السيادية وبالأخص مجلس الأمن القومي، وذلك بعد تصاعد وتيرة الاحتجاجات ضد بعض الرجال المقربين منه داخل هذه الأجهزة، وهو ما دفعه لإجبار صديقه المقرب مايكل فلين، على الاستقالة، فضلاً عما أصدره بالأمس من قرار بعزل ستيفن بانون، والذي أثار الجدل داخل المجلس منذ تعيينه.
تقليص نفوذ رجال ترامب لن يتوقف على فلين وبانون فحسب، وهو ما أشارت إليه وكالة بلومبرج الإخبارية، التي استندت إلى وثيقة حكومية، بأن ترامب قلص أيضًا من دور مستشار الأمن الداخلي توم بوسرت في المجلس.
- الثاني.. تغير الموقف من روسيا
المظهر الثاني الذي من الممكن التوقف عنده بشأن استجابة ترامب للضغوط الممارسة عليه، هو الموقف من روسيا، والذي طالما عزف ترامب طيلة الأشهر الماضية على قربه من الروس وضرورة تقوية العلاقات الأمريكية الروسية، فضلاً عن تبني بعض المواقف والتوجهات الروسية حيال بعض القضايا، وهو ما أثار استياء المسؤولين الأمنيين والسياسيين الأمريكيين ممن يروا أن روسيا تمثل خطرًا وتهديدًا للأمن القومي الأمريكي كما تم ذكره سابقًا.
الكشف عن بعض التسريبات الخاصة باتصالات بين بعض منتسبي البيت الأبيض ومسؤولين روس، أزمة قد تعصف بإدارة ترامب، على غرار فضيحة “ووترجيت” التي أرغمت الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون على الاستقالة في أغسطس عام 1974، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي إلى التخلي قليلاً عن الخطاب الحميمي السابق بشأن العلاقة مع موسكو.
قدرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذ قراراته – الداخلية كانت أو الخارجية – ستتضاءل بنسبة كبيرة في ظل الضغوط الممارسة عليه
ثم جاء عدول ترامب عن رأيه المُعلَن حيال سوريا ورئيسها بشار الأسد، والذي جاء على لسانه خلال مناظرةٍ رئاسية، في أكتوبر 2016 حين قال: “لا أحب الأسد إطلاقًا، غير أنَّ الأسد يقتل داعش، وروسيا تقتل داعش، وإيران تقتل داعش”، فضلاً عن تلميحاته بشأن إجراءاتٍ عقابية محتملة، ردًا على مجزرة خان شيخون، داعيًا روسيا بإعادة النظر في دعمها للنظام السوري، ليمثل انقلابًا واضحًا في مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة.
التلميح الأمريكي بإمكانية التدخل في الصراع يعد خروجًا جذريًا عن نهج سياسة ترامب “أمريكا أولاً”، وهو ما أشار إليه ترامب بإعلانه أنَّ الهجوم الكيماوي في إدلب قد تجاوز “الكثير والكثير من الخطوط، وما وراء الخط الأحمر”، وأيدته المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، بقولها: “حينما تفشل الأمم المتحدة في القيام بواجبها، تكون هناك أوقاتٌ في حياة الدول نضطر فيها إلى القيام بتحرُّكاتنا الخاصة”.
مما سبق يتضح أن قدرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذ قراراته – الداخلية كانت أو الخارجية – ستتضاءل بنسبة كبيرة في ظل الضغوط الممارسة عليه، وهو ما يجعله أمام إحدى سيناريوهين، إما أن يستجيب لتلك الضغوط ويعيد النظر في بعض توجهاته بما يتماشى مع مواقف مؤسسات الدولة المختلفة من أجل القدرة على مواصلة مهامه، وهو السيناريو الأقرب من وجهة نظر الكثيرين وفق الشواهد والدلالات التي تم عرضها، أو أن يدخل في مزيد من الصدام مع أجهزة الدولة بكل انتماءاتها وهو ما يهدد مستقبله السياسي.