كيف ولماذا تساهم حملة التضليل الإسرائيلية في تبرير مذبحتها في غزة؟

ترجمة وتحرير: نون بوست

تنفذ إسرائيل حملة تضليل واسعة النطاق لبناء الدعم السياسي لهجومها على غزة، فضلاً عن التعافي من إخفاقاتها الاستخباراتية والعسكرية الشاملة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

في الساعات التي تلت الهجوم المفاجئ على الحدود الجنوبية مع غزة من قبل مقاتلين فلسطينيين، بدأت إسرائيل بتنفيذ حملة تضليل واسعة النطاق كان لها تأثير استراتيجي على الصراع المستمر في قطاع غزة.

إن حملة التضليل هذه مثيرة للدهشة بشكل خاص بالنظر إلى المبالغات في الأحداث التي وقعت على حدود غزة. والسؤال المركزي من وجهة النظر الإسرائيلية: لماذا المبالغة في تصوير الأحداث داخل الحدود، في حين أن الأحداث الفعلية كانت وحشية بما فيه الكفاية؟ وتصدرت ادعاءات إسرائيل، والتي رددها الرئيس الأمريكي بايدن لاحقًا، حول قطع رؤوس الأطفال والاغتصاب وحرق المدنيين الإسرائيليين وغيرها من الحوادث، عناوين الأخبار العالمية، والتي استمرت في الانتشار دون أي إثبات.

إن هذه المحاولة المتعمدة للمبالغة والتمثيل الدرامي للأحداث ستطرح سؤالاً كبيراً حول ما حدث بالفعل في غلاف غزة. وقد أصدرت الجماعات الفلسطينية بالفعل عدة بيانات بشأن حملة التجريد من الإنسانية. وقد أصدر صالح العاروري، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، تصريحًا عبر قناة “الجزيرة”، تضمن عدة ادعاءات مهمة حول سير الحرب في غلاف غزة.

أولاً، دحض عاروري أي ادعاءات تتعلق بالأطفال المقطوعة رؤوسهم. ثانياً، شدد على أن المقاتلين الفلسطينيين تلقوا تعليمات واضحة فيما يتعلق بالتعامل مع أي مستوطنات إسرائيلية تم الاستيلاء عليها، مشيراً إلى أنه في العديد من المناطق، اختار المدنيون الإسرائيليون الدفاع عن أنفسهم بإطلاق النار على المقاتلين. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو تأكيده على أن إسرائيل اختارت عدم الدخول في مفاوضات مع أي مجموعات داخل حدودها، مما أدى إلى أضرار جانبية كبيرة في العديد من حالات الرهائن. وتهدف الاستراتيجية العسكرية الفلسطينية إلى تأخير استعادة إسرائيل السيطرة على المنطقة المحيطة بالقطاع. وفي المقابل، كانت إسرائيل عازمة على استعادة المنطقة بسرعة، دون مراعاة على ما يبدو لسلامة مواطنيها.

ردود أفعالها المحمومة لا تؤكد فقط الصدمة النفسية التي عاشتها يوم السبت، ولكنها تظهر أيضًا عرضًا مروعًا لقدراتها – بهدف تصوير الجيش الإسرائيلي كجهاز مبسط للقتل والدمار.

ومع ذلك؛ كان لحملة التضليل الإسرائيلية أهداف متعددة، أخطرها هو توفير النفوذ السياسي لإسرائيل لتنفيذ غارات جوية وغزو بري محتمل دون مواجهة تداعيات سلبية عليها.

ومع ذلك؛ من المهم أن نفهم أن جوهر محنة إسرائيل ينبع من انتكاستين محوريتين تعرضتا لها يوم السبت. أولاً، كان هناك فشل شامل في آليات المراقبة والكشف والدفاع. وقد تفاقمت هذه الرقابة بسبب عدم كفاءة أجهزة المخابرات في توقع وإحباط الهجوم الذي بدأه المقاتلون الفلسطينيون في غزة. ومثل هذا القصور لا يشوه سمعتها الاستخباراتية العالمية فحسب، بل يوتر أيضًا علاقاتها المجتمعية.

وكانت الضربة الثانية هي التفكك غير المتوقع وسقوط القسم الجنوبي من القطاع، وهو التطور الذي فاجأ حتى الجماعات الفلسطينية في غزة؛ حيث تم أسر أعضاء الفرقة الجنوبية لإسرائيل أو هلكوا أو اختاروا الانسحاب. ولم يقاتل سوى عدد قليل منهم، واستغرق الأمر من إسرائيل أكثر من أربعة أيام لاستعادة السيطرة على “غلاف غزة”، وهي منطقة واسعة تحيط بغزة والتي تسللت إليها قوة ضئيلة قوامها 1200 مقاتل.

وهذا يحمل أهمية هائلة؛ كدولة متجذرة في الاستعمار، فإن هيبة إسرائيل وبقائها يعتمدان على براعة ونزاهة أنظمتها الدفاعية وقواتها المسلحة. ويمثل الانهيار السريع لفرقها العسكرية، إلى جانب التفتت السريع لقيادتها الجنوبية، ضربة نفسية عميقة. وقد دفعت هذه الأزمة إدارتها اليمينية إلى التماس الدعم العسكري الدولي – وهي خطوة ستعيد حتما تشكيل مشهدها السياسي وتؤثر على المسارات المستقبلية للعديد من قادتها بمجرد توقف الصراع.

ومع ذلك؛ في قلب هذه الأحداث الجارية يكمن تراجع مثير للقلق في البصيرة الاستراتيجية لإسرائيل. ردود أفعالها المحمومة لا تؤكد فقط الصدمة النفسية التي عاشتها يوم السبت، ولكنها تظهر أيضًا عرضًا مروعًا لقدراتها – بهدف تصوير الجيش الإسرائيلي كجهاز مبسط للقتل والدمار. ومع ذلك، تفتقر الروايات الحالية إلى رؤية استراتيجية واضحة، مما يجعل تعهدها بالقضاء على حماس موقفاً مثيراً للجدل يشكل تداعيات معقدة على الديناميكيات الإقليمية الأوسع.

يعكس النهج القتالي الحالي الذي تتبعه إسرائيل فلسفات عسكرية قديمة؛ حيث كان يُنظر إلى القوة الجوية باعتبارها أداة لإجبار الجماهير المدنية على التمرد ضد حكامهم

هناك عنصر آخر حيوي في حملة التضليل التي تهدف إلى إحياء الوحدة والتصميم داخل مجتمعها خلال الأوقات التي تتضاءل فيها هذه المشاعر. وفي الوقت نفسه، يعاني المجتمع الإسرائيلي من خلاف سياسي داخلي، يتسم بانعدام الثقة العميق الذي يقسم مختلف الفصائل العرقية والسياسية. والأهم من ذلك، أن هذا يحدث على خلفية افترضت فيها إسرائيل – الخالية من أي حل سياسي ملموس لصراع طويل الأمد، وأثناء محاصرة غزة – أنها تستطيع العمل دون مواجهة تداعيات. ويتطلب الصدع بين شعبها والنخبة العسكرية والسياسية صياغة رواية تتناغم مع الحساسيات اليهودية والإسرائيلية.

علاوة على ذلك، فإن المناورة البرية في قطاع غزة ستتطلب تضحيات كبيرة من جانب الجيش الإسرائيلي. إن رهانها على أن الهجوم البري سينهي المقاومة الفلسطينية يمكن أن يأتي بنتائج عكسية ويؤدي إلى وضع سياسي واستراتيجي أسوأ.

علاوة على ذلك، فإن الدعم الثابت من الولايات المتحدة ومحاولاتها للردع قد يثبت عدم جدواه في ثني الفصائل الأخرى عن الانضمام إلى الصراع. لقد بنت كيانات مثل حزب الله وجودها على مناصرة القضية الفلسطينية. إن صمتهم أو تقاعسهم عن العمل الآن من شأنه أن يقوض مبادئهم الأساسية. ومن الناحية الاستراتيجية، لا يستطيع حزب الله ولا إيران أن يتحملوا مشاهدة أحد معاقلهم الرئيسية في غزة ينهار دون التدخل. وهذا من شأنه أن يعرضها لجهود مكثفة من جانب إسرائيل أو حلفائها في المواجهات المستقبلية المحتملة.

ويعكس النهج القتالي الحالي الذي تتبعه إسرائيل فلسفات عسكرية قديمة؛ حيث كان يُنظر إلى القوة الجوية باعتبارها أداة لإجبار الجماهير المدنية على التمرد ضد حكامهم. افترض مفكرون مثل جوليو دوهيت أن الهجمات المركزة على المدنيين يمكن أن تؤدي إلى تحولات سياسية. والآن تعمل إسرائيل على استخدام الجنون كسلاح كرد فعل نفسي وعسكري، ويتعين على العالم أن يكبح جماح هذا الجنون.

المصدر: موندويس