من منا لم يتابع بشغف العديد من الصور المتحركة وأفلام الكرتون في الصغر مثل سالي، عهد الأصدقاء، بيل وسيباستيان، صاحب الظل الطويل وغيرها مما تم استبداله بحلول الألفية الجديدة بالبوكيمون وأبطال الديجيتال فلم تعد مثل هته الأفلام الموجه أساسا للأطفال تروج لقيم الصداقة والوفاء والصبر بل للخيال العلمي.
كم كنا نتهكم من أبطال الديجيتال الذي اكتسح الشاشات الصغيرة عبر أجزائه المتتالية والذي اعتقدنا أنه يروج لوهم الإنتقال من عالم حقيقي إلى عالم رقمي عبر البوابة الرقمية التي يجوزون من خلالها نحو عالم مختلف تماما عما هم عليه. عالم ممتلىء بالوحوش والكائنات المفزعة الغريبة في شكلها والمعادية لبعضها في معضم الأحيان حيث تدور فكرة الفلم حول تحرير العالم من الشر المحدق به.
ما أشبه الأمس باليوم، فابتلاع تلك البوابة الرقمية لأبطال الطفولة بدون سابق إنذار أو استعداد هو تماما ما يحدث لنا حينما نفتح وسائل التواصل الإجتماعي
الغريب لم يعد في إنتاج مثل هذا الصنف من الأفلام فقد تبدد الوهم وأضحى واقع وإن كان بصفة مغايرة قليلا فالغريب غروبنا عن عالمنا الحقيقي نحو عالم افتراضي بكل ما له من تزوير للواقع وتشويه للأحداث فقد غدا مسرحا لعروض التباهي والتماهي في التملق والنفاق الإجتماعي وإظهار عكس ما هو موجود.
ما أشبه الأمس باليوم، فابتلاع تلك البوابة الرقمية لأبطال الطفولة بدون سابق إنذار أو استعداد هو تماما ما يحدث لنا حينما نفتح وسائل التواصل الإجتماعي ونبحر في بحر هائج من الإعلانات والصور والمنشورات التي تتلاطم بلا توقف لتجبرنا على مجاراة التيار فالتوقف يعني المجازفة بلفظ الأحداث لك خارج السياق وخارج الزمن.
قد يبدو الأمر مهما من خلال إيجاد بديل لوسائل الإعلام خاصة العربية منها والتي تأبى حتى الآن لعب دورها في نقل المعلومة في الإبان وبدون مغالطات وبدون اجتثاث الأحداث من سياقها علاوة على عزوفها عن تقديم مختلف وجهات النظر وإيصال نبض الشارع الحانق على الأوضاع.
كل هذه الأسباب دفعت نحو إدمان مواقع التواصل الإجتماعي والإفراط في استخدامها فقد أضحى رُوادها مهووسين بالتقليد والكشف عن خصوصياتهم والمغالاة في عزف لحن السعادة إلى أن يصبح نشازا تصم لسماعه الآذان وتقرف منه الأنفس قد أُجابه بقول البعض ألم يقل الولى عز من قائل ”وأَما بنعمة ربك فحدث”؟ أقول هذا صحيح لكن من خلال العطاء لا التباهي.
قد لا يكون محض صدفة ما يحصل إذ من المرجح أن يكون ما عُرض في الماضي القريب هو تهيأة لما يحصل الآن وخاصة إذا ما أقررنا بنظرية المُؤامرة أو نظرية القطيع
فشتان بين مقاصد الشريعة وما عليه الناس اليوم من إدعاء فإقحام تفاصيلنا اليومية داخل هذا الفضاء الوهمي لهو أشبه بالعيش داخل بيت زجاجي حبة حصى كفيلة بجعلة شظايا بلور مكسور فوق من عليه ولن يدرك الفرد منا أنه يعيش في ازدواجية بين عالمين مختلفين إلا حينما يعدل ولو ليوم واحد عن استعمال وسائل التواصل الإجتماعي.
قد لا يكون محض صدفة ما يحصل إذ من المرجح أن يكون ما عُرض في الماضي القريب هو تهيأة لما يحصل الآن وخاصة إذا ما أقررنا بنظرية المُؤامرة أو نظرية القطيع حيث يتم بمقتضاها تحضير الفرد لتقبل حقائق قد تبدو أول الأمر غير متناسقة مع طبيعته وسلوكه.
كما يمكن تفسير هذا ”الاستشراف” بما سيحصل ولو مجازا بسطوة التكنولوجيا وطفرة المعلومات الحديثة بما لها من أثر على المتقبل سواء أكان ذلك سلبا أم إيجابا وقدرتها الرهيبة على التحكم في تفاصيل ونسق حياة الأشخاص باعتبارها بوابة ليس فقط نحو الآخر المختلف عنا ونحو معلومات لطالما كانت حكرا على صناع الإعلام والرأي العام وإنما ثقافات مهيمنة ومنتجة للتكنولوجيا قادرة بموجبها على صناعة الأفكار والوعي والتنبأ بالمستقبل.