“أعتقد أنه يجب أن نتحرك” جملة قالها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية في 21 أغسطس/آب في العام 2013 التي أودت بحياة أكثر من ألف شخص، وفي 4 أبريل/نيسان الحالي تعرضت خان شيخون في إدلب لهجوم بالأسلحة الكيماوية أدى إلى مقتل نحو 100 شخص وإصابة 400، بعدها قال ترامب ” الهجوم الذي اقترفه نظام الأسد، لا يمكن غض النظر عنه، إنها الآن مسؤوليتي”.
نفس الخط الأحمر الذي رسمه أوباما وترامب على استخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أن ترامب لم تمضي 48 ساعة على تصريحاته حتى أمطرت البوارج الأمريكية في البحر المتوسط، مطار الشعيرات العسكري في حمص بصواريخ التوماهوك، لتتركه أثرًا بعد عين.
ترامب يثور على خط أوباما الأحمر
تسارعت الأحداث خلال اليومين الماضيين بعد مجزرة الكيماوي في خان شيخون بإدلب، أدت لحملة انتقادات دولية ضد النظام السوري المتهم الرئيسي بارتكاب هذه الجريمة الدولية، حيث أكدت مصادر المعارضة أن طائرات تابعة للنظام السوري أقلعت صباح يوم الثلاثاء من مطار الشعيرات في حمص وتم التقاط إشاراتها ورصد حركتها إلى أن تم تفريغ حمولتها في خان شيخون لتعود بعدها إلى قاعدتها.
أثبتت بعثة تحقيق من تركيا بعد ذهابها إلى المنطقة استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية في خان شيخون بعد عمليات تشريح لجثث عدد من القتلى بمشاركة ممثلين عن منظمة الصحة العالمية، وقال وزير العدل التركي، بكر بوزداغ، أمس الخميس، في هذا الصدد، إنّ بلاده تأكدت من الناحية العلمية من استخدام نظام بشار الأسد لأسلحة كيميائية، نتيجة تشريح 3 جثث قتلى سقطوا في الهجوم على بلدة خان شيخون.
المجزرة قلبت إدارة ترامب رأسًا على عقب اتجاه سوريا، فما قبل المجزرة كانت الإدارة أعلنت، بلسان البيت الأبيض ووزير الخارجية والسفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة؛ أنها ليست معنية بأمر الرئيس الأسد وأنها تترك للشعب السوري تقرير مصيره، ويتماهى هذا مع موقف ترامب ما قبل الانتخابات في العام 2013، حذر فيه إدارة أوباما من أي تدخل في سوريا.
Here's video from the #Tomahawk launches against #Syria. For more on the story, visit https://t.co/2GprTQGGjs. pic.twitter.com/kB3gbBy4ma
— Department of Defense 🇺🇸 (@DeptofDefense) April 7, 2017
سرعان ما تغيرت هذه اللهجة وتغير الموقف وتسارعت الأحداث ليخرج ترامب ويقول هذه المرة، تزامنًا مع مجزرة الكيماوي في خان شيخون، وأثناء لقاءه مع الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض يوم الأربعاء أن موقفه بعد ضربة الكيمياوي قد “تغيّر من سوريا والرئيس الأسد” وأنه لن يفصح عما في جعبته في هذا الخصوص.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة، نيكي هيلي، في جلسة للأمم المتحدة، بعد المجزرة أنه “إذا فشلت الأمم المتحدة، مرة تلو الأخرى، باتخاذ الخطوات اللازمة وموقف موحد سترى بعض الدول نفسها مضطرة لاتخاذ خطوات أحادية الجانب”. علمًا أنها نفسها التي خرجت قبل أيام تردد موقف إدارتها من مصير الأسد، والذي فهم في إطار تطمينات للأسد على مستقبله.
وزير الخارجية الأمريكي يدعو لرحيل الأسد
ومن ثم بدأ التصعيد وعلى متن طارته الرئاسية متوجهًا إلى فلوريدا للقاء الرئيس الصيني، صرح ترامب أن “ما حصل في سوريا عار على الإنسانية. ما فعله بشار الأسد رهيب، وهو في السلطة، لذلك أعتقد أن شيئا لا بد سيحصل”. ووعد وزير الخارجية الأميركي، تيلرسون، أمس الخميس، بـ”رد مناسب” على هجوم خان شيخون، ودعا تيلرسون إلى رحيل الأسد، وذلك بعد أسبوع من كلامه أن “مصير الأسد يقرره الشعب السوري” . وشدد في تصريحه اليوم، على أن “الدور المستقبلي للأسد غير مؤكد، وبالنظر إلى أفعاله يبدو أنه لن يلعب أي دور في حكم الشعب السوري”.
ضربة رمزية لا تغييرية
من بين حزمة من الخطط العسكرية اختار ترامب أن يوجه ضربة عسكرية محدودة على المطار الذي انطلقت منه طائرات النظام، بدون سابق قرار من مجلس الأمن أو الكونغرس الأمريكي، حيث انطلقت عشرات الصواريخ البعيدة المدى من نوع “توماهوك”، من مدمرتين أمريكيتين في البحر المتوسط، كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، وبثت مقطع فيديو في يظهر إطلاق الصواريخ، عن استهداف القاعدة الجوية السورية، شرق حمص بأكثر من 50 صاروخًا، استهدفت طائرات وملاجئ الطائرات ومستودعات للوقود والدعم اللوجستي ومستودعات الذخائر ونظم الدفاع الجوي وأجهزة الرادار في المطار.
الكرملين اليوم الضربة الأميركية عدوانا على دولة ذات سيادة وانتهاكًا للقوانين الدولية لدولة
وقال ترامب: “الليلة أمرت بضرب القاعدة الجوية التي انطلقت منها الهجمة الكيماوية على خان شيخون السورية” إذ “ليس هنالك شك في استخدام النظام السوري اسلحة كيماوية محظورة”، وأكد أن “الضربات العسكرية على سوريا كانت لحماية الامن القومي الأميركي” بعد أن “فشلت جميع المحاولات لتغيير سلوك الأسد”، وأضاف “ادعو العالم المتحضر للانضمام إلى الولايات المتحدة لإنهاء المجازر في سوريا”.
وفرت مجزرة خان شيخون فرصة ثمينة للرئيس ترامب لرسم صورة مغايرة عن أوباما، وعن الإدارة الأمريكية الجديدة ورسالة إلى بعض دول العالم وخاصة روسيا، كما أن للرسالة دوافع داخلية أيضًا؛ ترامب بضربته للأسد قال لحاضنته الأمريكية، أنه رجل الساعة خصوصًا وأن الصحف المحلية الأمريكية والأجنبية عمومًا تفاعلت مع المجزرة بشكل كبير، كما أنه وعد في تجاوز العثرات التي حصلت في إدارته منذ توليه الرئاسة، وبالنسبة لملف التحقيقات الروسية في تدخلها بالانتخابات الأمريكية سيتم تأجيلها مؤقتًا.
كذلك حملت الضربة رسالة مهمة إلى إيران وكوريا الشمالية والأسد نفسه أن الإدارة الجديدة مختلفة عن السابقة وأنها تنفذ ما تقول فيما يخص “التهديد العسكري”، وأن أمريكا عادت لتأخذ زمام المبادرة وأن الكلمة الأمريكية في المنطقة هي العليا.
حملت الضربة رسالة مهمة إلى إيران وكوريا الشمالية والأسد نفسه أن الإدارة الأمريكية الجديدة مختلفة عن سابقتها
فيما يخص روسيا يعتقد أن موسكو لديها علم بالعملية ولو على سبيل الإطلاع وليس التنسيق معها!، وهو ما يعبر عن عدم سقوط ضحايا روس من بين القتلى فالواضح أنهم أخلوا قواتهم من المطار. ولكن كانت البروبوغاندا الروسية ضرورية أمام العالم، حيث اعتبر الكرملين اليوم الضربة الأميركية “عدوانا على دولة ذات سيادة” وانتهاكًا للقوانين الدولية لدولة، كما أوقفت روسيا العمل بالمذكرة مع واشنطن لتفادي الحوادث وتوفير أمن الطيران خلال العملية في سوريا كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية، وأن الضربة ألحقت “ضررا هائلا” بالعلاقات مع روسيا.
وقال المتحدث باسم الكرملين أن روسيا لا تعتقد بأن سوريا تمتلك أسلحة كيميائية، وأن التحرك الأميركي سيشكل حتما عقبة أمام إنشاء تحالف دولي في سبيل محاربة الإرهاب. ووصفت الخارجية الروسية الضربات الأميركية على سوريا بالنهج الجنوني الذي يعقد من المشاكل القائمة، وأكدت أنها عمل عدواني واضح ضد سيادة الدولة السورية.
وفي السياق نفسه أعلن مجلس الدوما عن عقد جلسة طارئة اليوم لبحث التطورات بعد الضربة الصاروخية الأميركية على مطار الشعيرات بحمص وسط سوريا. ووصف رئيس مجلس الدوما الروسي الضربة الاميركية ضد سوريا بأنها عدوان من قبل الولايات المتحدة تحت حجة واهية.
سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة
وبغض النظر عن إخبار أمريكا للروس بخصوص العملية أم لا! فإن الموقف الروسي الحالي يعبر عن الاتساق الزمني لها من موقفها في الأزمة السورية، والذي يبدي تأييدًا صارخًا لنظام بشار الأسد ويسير وفق ما تقتضيه مصالحه.
يرى مراقبون أن الضربة الأمريكية لن تحمل النظام السوري على تغيير حساباته ويبقى الوضع مفتوحًا على احتمالات عديدة لجهة التفاعلات على الساحة السورية، فالعملية محدودة الزمن والمكان ولا تستهدف ردع سلاح الجو السوري ولا أي نظام دفاعي أو هجومي سوى الكيمياوي، ولا تغيير الواقع على الأرض بأي شكل.
وأن التدخل الروسي بالنسبة لأمريكا مسموح في سوريا ومرغوب بالحد الأدنى، ولكن في الوقت الذي تجاوز فيها النظام والروس الخطوط الحمراء للمرة الثانية، أراد ترامب إرسال رسالة لروسيا والنظام.
الضربة الأمريكية لن تحمل النظام السوري على تغيير حساباته
ومن غير المتوقع أن تغير الضربة تغير موازين القوى وإنما هي محاولة لإعادة قواعد اللعب إلى ما كانت عليه قبل خرقها مرارًا من عدة أطراف، وفيها رسالة لتركيا أيضًا أن أمريكا لا تزال تتحكم بخيوط اللعبة في سوريا، أمام فيما يخص إيران فيرى خبراء في الشأن السوري أن الضربة لا تؤثر كثيراً على الدور الإيراني في سوريا، إلا أنها تخفف من الرصيد السياسي للنظام السوري الذي تستخدمه إيران.
المطار خرج عن الخدمة
أكدت وكالة الأنباء الروسية “نوفستي” عن مصدر عسكري في مطار الشعيرات بريف حمص، أن الضربة الأمريكية ألحقت خسائر جسيمة بالمطار وبجميع محتوياته، وأكد أن “جميع الطائرات في القاعدة خرجت من الخدمة ويمكن القول إنها دمرت بالكامل”. وأفادت وسائل الإعلام المحلية في سوريا والمقربة من النظام بأن الضربات الأميركية، أدت إلى مقتل نحو 12 عنصر من قوات الأسد، وألحقت دمارًا “شبه كامل” بالمطار، إلى جانب تدمير نحو 14 طائرة عسكرية.
يُذكر أن المطار يضم 40 حظيرة إسمنتية وفيه مدرجان رئيسيان لإقلاع الطائرات طول كل واحد منهما 3 كيلو متر، وتحوي نوعين من الطائرات الحربية الروسية، وهي “ميغ” و”سوخوي”، وفيه دفاعات جوية محصنة من صواريخ “سام 6”.
مطار الشعيرات في حمص المستهدف في الضربة الأمريكية
ويعتبر المطار من أهم القواعد العسكرية في المنطقة الوسطى، ويحتوي على أحدث طائرات سلاح الجو الذي يملكه النظام. وأكثر قواعد النظام العسكرية “إجرامًا” في المنطقة الوسطى من سوريا كما يشير موقع أورينت نيور المعارض، ويعد منطلقًا للغارات الجوية التي تستهدف المناطق المحررة في حمص وحماة وإدلب وريف دمشق، ويضم الفرقة 22 اللواء 50 جوي مختلط.
ويعد مطار الشعيرات، من أهم المطارات السورية في الأشهر القليلة الماضية، بسبب تهديد مطار حماة العسكري بعد هجمات المعارضة المكثفة عليه، وفيه وجود روسي وإيراني كبير، ويُعتبر ذا أهمية كبيرة لدى الروس، لقربه من معامل الفوسفات في الفرقلس.
صواريخ “التوما هوك”
صاروخ “التوما هوك” المتسخدم في القصف الأمريكي يُعد من طراز “بي جي ام-109″، وهو الذي يتم إطلاقه من غواصات وسفن كبيرة، وتصل سرعته نحو الأهداف الموجه إليها 880 كلم في الساعة، ويمكن أن يبلغ مداه 2500 كلم حسب الأنواع، وتقوم شركتي “جنرال دايناميكس” وشركة “رايثيون” على إنتاجه بطلب من البحرية الأمريكية، ويتراوح سعر الصاروخ الواحد بين 600 ألف و2.1 مليون دولار.
الضربة الأمريكية لا تستهدف ردع سلاح الجو السوري ولا أي نظام دفاعي أو هجومي سوى السلاح الكيمياوي
في حين يتميز الصاروخ بالدقة الفائقة، إذ يصل أهدافه بدقة محددة لا تتجاوز بضعة أمتار، باستخدام نظام توجيهه بالرادار الذي يمكنه من التحليق على علو يتراوح بين 15 و100 متر عن الأرض ويتكيف مع تضاريسها ليحافظ على تخفيه قدر الإمكان، كما تتميز صواريخ “توما هوك” بالفعالية ضد البنى التحتية، مثل الأبنية والثكنات والمطارات والأهداف المحصنة الأخرى، إذ يصل وزن الصاروخ نحو 1,5 طن مزود بشحنة ناسفة تبلغ 450 كلغ.
صاروخ توماهوك الذي أُطلق من المدمرة الأمريكية
وكذلك يمكن تزويد الصاروخ برؤوس نووية ثقيلة، لكن الولايات المتحدة أعلنت ربيع العام الماضي أنها تنوي أن تسحب صواريخ “توما هوك” ذات الطابع النووي من الخدمة خلال عام او عامين.
جدير بالذكر أن الصاروخ وضع في الخدمة في العام 1983، واستخدام للمرة الأولى في 17 يناير/كانون الثاني 1991 في عملية “عاصفة الصحراء” ضد العراق، ويذكر حينها أيضًا أن كل الصواريخ تقريبًا (282 من أصل 297) أصابت أهدافها.
كيف نفذت الولايات المتحدة ضربتها؟
عقب توجيه البحرية الأمريكية وابل الصواريخ نحو مطار الشعيرات في حمص، ازدادت التساؤلات حول طبيعة البوارج التي صوبت صواريخها تجاه نظام الأسد لأول مرة، خبراء عسكريون تحدثوا عن المدمرة الـصاروخـية «يو أس أس بورتر»، وهي سفينة حاملة للصواريخ من فئة المدمرات «بيرك».
حسب المعلومات المتاحة، المدمرة «بورتر» يبلغ وزنها 9 ألاف طن، ويصل طولها إلى 157 متر، وعرضها 20 مترًا، ويتم دفعها بـ 4 محركات توربين غاز «جنرال إلكتريك»، ومحركات كهربائية، فيما تصل سرعتها إلى 56 كم في الساعة، وتتكون الطاقم الخاص بها، من 280 بحارًا، بالإضافة إلى وحدة مقاتلة من مشاة البحرية.
مدمرة بورتر الأمريكية
تمتلك هذه المدمرة، مجموعة كبيرة من الأسلحة والتسليح، حيث بها 90 فوهة صاروخية محملة بصواريخ «RIM156، وRIM161، وتوماهوك BGM109»، بالإضافة إلى 8 قاذفات صواريخ مضادة للسفن هاربون«MK141»، ومدفع بحري ثقيل «127 ملم مارك 54»، و2 مدفع غزير إطلاق النار من عيار 25 ملم، و مدافع رشاشة عيار 12.7 ملم، و2 مدفع CIWSعيار 20 ملم، و6 فوهات طوربيد ثقيلة « MK32»، وطائرة هيلوكوبتر«SH60».
خط سير هذه المدمرة قبيل القصف يعود تحديدًا إلى عام 2013، حيث جرى تحديث للمدمرة لتستوعب منظومة صواريخ «ستاندر 3 – RIM 161»؛ لتعمل كجزء من نظام الدفاع الصاروخي إيجيس، وفي عام 2015 التحقت المدمرة «بورتر» بالأسطول السادس الأمريكي؛ لتقديم الدعم الناري للأسطول في البحر الأبيض المتوسط.
ولكن المفاجأة أن هذه المدمرة كانت عائدة من الصيانة قبل الهجمات الصاروخية بـ 3 أيام عبر البحر الأسود، محملة بصواريخ «توماهوك BGM109»، التي أطلقت منهم 59 صاروخًا على أهداف نظام الأسد.