أوردت وسائل إعلام متنوعة نبأ عقد “جيش الفتح” الذي يضم مجموعة من الفصائل المسلحة على رأسها هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام من جهة، وإيران وحزب الله من جهةٍ أخرى، اتفاق لإجراء عملية تبادل للمدنيين المقمين في بلدتي كفريا والفوعة العلويتين الموجودتين في إدلب مقابل خروج المدنيين الراغبين والمسلحين من بلدتي مضايا والزبداني الواقعتين في ضواحي العاصمة دمشق.
يتضمن الاتفاق المبرم برعاية قطرية التنفيذ في مرحلتين، إطلاق النظام السوري سراح 1500 معتقل وسجين وعقد عملية وقف إطلاق نار لمدة تسعة أشهر في عدة بلدات
يتضمن الاتفاق المبرم برعاية قطرية التنفيذ في مرحلتين، إطلاق النظام السوري سراح 1500 معتقل وسجين وعقد عملية وقف إطلاق نار لمدة تسعة أشهر في عدة بلدات كمضايا والزبداني وببيلا وبيت سحم ويلدا في ريف دمشق الجنوبي، ومخيم اليرموك والتضامن في جنوب دمشق، والفوعة وكفريا وبنش وتفتناز وطعوم ومعرة مصرين ومدينة إدلب ورام حمدان وزردنا وشلخ في ريف الإدلب.
كان يشير التقويم إلى 28 من مارس/ آذار 2015، حين أحكمت قوات المعارضة سيطرتها على مدينة إدلب، محكمةً بذلك الحصار على بلدتي كفريا والفوعة المعروف عنهما الهوية الشيعية، واحتضانهما لمليشيات تابعة لحزب الله وبعض من قوات النظام.
في 12 من أغسطس/آب 2015، تم تنفيذ أول هدنة لوقف إطلاق النار لمدة شهر في كل من الزبداني ومضايا من جهة، وكفريا والفوعة من جهة أخرى
وفي 12 من أغسطس/ آب 2015، تم تنفيذ أول هدنة وقف إطلاق النار لمدة شهر في كل من الزبداني ومضايا من جهة، وكفريا والفوعة من جهةٍ أخرى.
وفي 20 من سبتمبر/ أيلول 2015، تم التوصل إلى أول اتفاق هدنة يؤدي إلى إجلاء المصابين والمدنيين الراغبين في الخروج من البلدات المذكورة بشكلٍ متبادل، جاء هذا الاتفاق بعد عملية المفاوضات التي تمت بين المعارضة السورية المسلحة من جهةٍ، وقوات النظام وحزب الله اللبناني من جهةٍ أخرى، وشمل الاتفاق حينها إيقاف المعارك الدائرة في الزبداني ومضايا، وإجلاء المدنيين من كفريا والفوعة، بالإضافة إلى إطلاق سراح 500 معتقل لدى النظام السوري، إلى جانب استمرار التهدئة لستة أشهر، لكن استهداف النظام السوري لبعض المناطق المنضوية في الاتفاق أدى إلى انهياره.
وفي 28 من ديسمبر/ كانون الأول 2015، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتوفير ممرات آمنة بجهود الأمم المتحدة وبعض الدول الإقليمية كتركيا وقطر، وفي إطار الاتفاق، خرج بعض المسلحين وعوائلهم من الزبداني نحو مطار بيروت ومنها إلى تركيا، وانطلقت بعض العوائل من كفريا والفوعة إلى تركيا ومنها إلى بيروت.
أشارت وسائل الإعلام حينها إلى أن 130 مسلحًا على الأقل، معظمهم مصابين، غادروا مدينة الزبداني نحو لبنان، وتوجه نحو 350 شخصًا من بلدتي كفريا والفوعة إلى تركيا ومنها إلى بيروت.
وفي 14 من ديسمبر/ كانون الأول 2016 جرت مباحثات لإخراج أهالي كفريا والفوعة مقابل إخراج قوات المعارضة في الأحياء الشرقية لحلب، لكن جبهة النصرة أو ما كانت تعرف باسم “جبهة فتح الشام” عارضت شروط الاتفاق، وأقدمت على إحراق الحافلات المتجهة للبلدتين، إلا أن الاتفاق تم تنفيذه في 19 من ديسمبر/ كانون الأول، حيث خرجت 7 حافلات تقل بعض أهالي البلدتين إلى معبر الراموسة.
ظهر الدور القطري المذكور في الساحة السورية عبر لعب دور الوسيط من خلال إحرازها لصفقة الجنود اللبنانيين الذين كانوا بقبضة جبهة النصرة عام
قبل الاتجاه إلى سرد العوامل التي قد تكون لعبت دورًا أساسيًا في إعادة أطراف مسلسل الاتفاقات إلى إنتاج حلقة جديدة، تجدر الإشارة إلى أن تصريح نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق بأن بلاده نقلت تقاريرًا تفيد بتوقيع اتفاق إجلاء مدنيين البلدات الأربعة، وستعمل على متابعته، يأخذنا نحو اعتبار الأمم المتحدة، في هذا المقام، مجرد هيئة تقوم بدور السكرتير الذي ينتظر القوى الفاعلة، سواء دول أو منظمات أو حتى مليشيات، تبرم الاتفاقات، ليقوم بدور المتابع لمسار تنفيذها.
أما فيما يخص الدوافع التي أعادت الفصائل ذات العلاقة إلى طاولة إبرام الاتفاقات، يمكن توقع البواعث الدافعة لهم للانخراط في مثل هذه الاتفاقات على النحو التالي:
ـ السيطرة القطرية المباشرة على تمويلهما، فقطر تسعى إلى الظهور بثوب الوسيط والمصيغ لعميات حل النزاعات الفاعلة في أكثر من منطقة كأحد أهداف سياساتها الدبلوماسية الناعمة، وفي وقت سابق، ظهر الدور القطري المذكور في الساحة السورية عبر لعب دور الوسيط من خلال إحرازها لصفقة الجنود اللبنانيين الذين كانوا بقبضة جبهة النصرة عام 2015.
ـ تكاد رغبة هيئة تحرير الشام في البزوغ بثوب الأكثر سيطرة سياسيًا والأكثر حفاظًا على الحقوق الإنسانية للمواطنين السوريين، تكون أحد الدوافع الأساسية لها للانخراط في هكذا اتفاقات.
ـ حالة الوهن الشديدة التي باتت بها حركة أحرار الشام بعد تقليص الولايات المتحدة وبعض الدول الداعمة الأخرى دعمهم لها، خاصة بعد سقوط حلب، والضعفاء ميدانيًا مصيرهم التحول لضعفاء سياسيًا مرغمون على القبول بما تمليه عليهم الجهات العليا، ولاستعادة زخم تأييدها الشعبي، على الأرجح رأت حركة أحرار الشام في هذا الاتفاقية “الإنسانية” وسيلة لمخاطبة ود الشعب السوري وتأييده.
أما فيما يتعلق بهدف إيران وحزب الله من الخوض في مثل هذه الاتفاقات، فيمكن سرد السيناريوهات التالية:
ـ إخلاء بلدتي الفوعة وكفريا من سكانهما، لإفقاد المعارضة ورقة ضغط مهمة على النظام، كونهما المنطقتين الوحيدتين الواقعتين تحت حصار قوات المعارضة المسيطرة على كامل أرجاء مدينة إدلب، ويبدو أن تزايد مخاوف إيران والنظام السوري من استهداف المنطقة بأسلحة غير تقليدية أو استخدام “سياسة الأرض المحروقة في قصفها” دفعهما للقبول السريع بالاتفاق الذي تم تأجيل إبرامه أكثر من مرة.
ـ لعل الأمر يرتكز على وجود مخطط لإيران ومليشيا حزب الله يقوم على إكمال الاستعدادات الخاصة بشن هجوم بري على محافظة إدلب، فإفراغ بلدتي كفريا والفوعة من المدنيين يأخذنا إلى توقع سعي الطرفين لإبقاء المسلحين من سكان المنطقة ومن حزب الله، لمساندة القوات العسكرية التي قد تهاجم المدينة، وإن تم إخراج المسلحين منهما، يغدو خطر قصف البلدتين من قبل قوات المعارضة وفقًا لسياسة الأرض المحروقة زائلاً.
وبالتالي يصبح الطريق أمام إيران ومليشيات حزب الله للتحرك خاليةً من أدوات الضغط، ويتزامن طرح هذا السيناريو مع وجود توقعات لتحرك روسيا نحو عفرين للهجوم على إدلب، ولكن على صعيدٍ آخر، ترى آراء مطلعة عدم وجود تعويل إيراني على إمكانية دخول إدلب، بعد بزوغ شواهد لتدخلٍ أمريكي أوسع في الساحة السورية.
ـ الاتجاه نحو صناعة الكيانات الجغرافية الديمغرافية المختلفة، لتأسيس أرضية مواتية لإجراء التقسيم الجيوسياسي المجتمعي بما يخدم مصلحة إيران الرامية إلى تأسيس “طوقٍ شيعي” حول العاصمة دمشق، وحزامٍ جغرافي ديمغرافي بين بيروت ودمشق.
كان من المتوقع بدء عملية التبادل في 5 من نيسان/ أبريل، لكن طبقًا لبعض المصادر المطلعة، فقد تم تأجيلها 5 أيام، بهدف استكمال بعض النقاط اللوجستية المرتبطة بآلية تنفيذ الاتفاق
في الختام، كان من المتوقع بدء عملية التبادل في 5 من نيسان/ أبريل، لكن طبقًا لبعض المصادر المطلعة، فقد تم تأجيلها 5 أيام، بهدف استكمال بعض النقاط اللوجستية المرتبطة بآلية تنفيذ الاتفاق، دون إعادة البحث بتفاصيله الجوهرية، ويبدو أن العوامل الحقيقية في عدم إجراء الاتفاق كما هو مخطط له تكمن في رفض فصائل الجيش الحر الأخرى بالإضافة إلى الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لحيثيات الاتفاق.
إلى جانب رفض أهالي الزبداني ومضايا وحتى كفريا والفوعة له، وفي حال بقيت هذه العوامل حاضرة قد ينتهي الاتفاق كما انتهت الاتفاقات السابقة، والأيام القادمة ستكون كفيلة بكشف مدى إمكانية تنفيذ هذا المخطط في ظل تعالي الأصوات السياسية والميدانية والشعبية المعارضة له.