قليل من الغذاء والأمل هو ما تبقى في حمص القديمة المحاصرة من قبل قوات النظام السوري منذ أكثر من 600 يوم ، بالإضافة إلى الأب فرانس فان دير .. الأب الهولندي الذي قضى أكثر من 5 عقود في سوريا التي أحبها كأنها وطنه الأم على الرغم من أنه ولد في هولندا .. فرفض أن يخرج من حمص حتى الآن وبقي مع المحاصرين هناك.
وعلى الرغم من مشقة تأمين الطعام في هذه الظروف من الحصار والتعب وتضاءل عدد السكان إلى حد كبير لا سيما المسيحيين الذي أصبحوا بضع عشرات فقط ، رفض الأب فرانس المغادرة وبقي في ديره، يقول عن ذلك: “أنا رئيس الدير .. كيف أغادره وأترك خلفي المسيحين ؟ ، سيكون ذلك من المستحيل” ، كان ذلك لوكالة فرانس برس في مكالمة عبر السكايب، والتي قطعت لثلاث مرات بسبب نفاذ شحن بطارية “اللابتوب” الذي يستخدمه لانقطاع الكهرباء التام.
الأب فرانس الذي يبلغ من العمر 75 عاماً كان قد وصل سوريا عام 1966 بعد أن قضى عامين في لبنان وهو يتعلم اللغة العربية ، إلا أن عيناه تزالان تتألقان من خلف نظارته وهو يبستم و يقول : السوريون أعطوني الكثير .. الكثير من اللطف والالهام ، وان كان الشعب السوري يعاني الآن فأريد أن أشاركهم آلامهم والمصاعب التي يواجهونها”.
في الوقت ذاته ، يصف الأب معاناة ما يقارب الـ 3000 محاصر في حمص القديمة في ظل جوع متواصل وقصف لقوات النظام السوري فيقول : “ترى رجلاً بعمر 20 عاماً يقول أنا جائع ، لكن ليس لدينا أي شيء لتساعده ” ، ثم يضيف : ” لقد وصلنا للحد بالقول بأننا نأكل الهواء”.
ويضيف الأب فيقول : “لدينا كمية قليلة جداً من الطعام ، وبعد أسبوع او اثنين او ثلاثة .. سيكون لدينا لا شيء”، أما عن الناس وأحوالهم فيقول: “وجوه الناس التي تراها في الشوارع ضعيفة ومصفرة ، حتى أجسادهم ضعيفة وفقدت الكثير من قوتها .. ماذا علينا أن نفعل : نموت من الجوع ؟”.
ومن الجدير ذكره بأن مدينة حمص كانت مركزاً للمفاوضات بين النظام السوري والمعارضة في محادثات جنيف 2 الأسبوع الماضي في سويسرا، ففي الوقت الذي وافق النظام على خروج النساء والأطفال من المدينة لم يوافق على خروج الرجال أو دخول المساعدات الى المدينة.
” نحن نريد أن نأكل ونريد المساعدات أن تصل كذلك ، لكننا في الوقت ذاته نريد طريقاً للخروج “، يقول الأب فرانس في تعليقه على المحادثات، ثم يضيف: “هناك مجاعة هنا، ولكن هناك جوع للحياة الطيبعية كذلك .. الإنسان ليس عبارة عن معدة فقط .. بل لديه قلب يريد أن يحب ويرى أحبابه من جديد”.
مدينة حمص القديمة تعرضت بفعل القصف المتواصل إلى الكثير من الدمار ، وكثير من سكانها المسلمين والمسيحين نزحوا عنها، إلا أن الأب فرانس يقول أن 66 من المسيحين ما زالوا هناك بالإضافة إلى المسلمين ، ويقول عن ذلك: “أنا الكاهن الوحيد هنا ، وكذلك الأجنبي الوحيد .. على الرغم من أنني لست أجنبياً .. أنا عربي من العرب”.
ويعيش الأب فرانس في الدير اليسيوعية، ويقدم ما بوسعه تقديمه للأسر هناك سواء كان مسلمة أو مسيحية، ويقول في ذلك : “أنا لا أرى الناس كمسلمين او مسيحيين ، وانما أرى انساناً قبل كل ذلك “، ويضيف : ” أسوأ مافي الأمر هنا أنه ليس بامكاننا مساعدة من هم بأمس الحاجة لنا”.