أمر الرئيس الأمريكي ترامب بضرب القاعدة العسكرية في سوريا فجر أمس الجمعة، وبعدها جلس على مائدة الطعام مع الرئيس الصيني الذي يحل ضيفًا على الولايات المتحدة لمدة 3 أيام.
الضربة الأمريكية على سوريا أفرزت نتائجًا مهمة على صعيد الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، وصار ما قبل الضربة غير ما بعدها، فكانت مجزرة خان شيخون الشعرة التي قصمت ظهر البعير بمعنى تغير الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية.
حيث بات الموقف الأمريكي رافضًا للأسد ولأي دور له في مستقبل سوريا، وسواء أراد الأسد اختبار ردة فعل الإدارة الأمريكية حيال استخدام الأسلحة الكيميائية أو لم يرد ذلك، فقد انقلب السحر على الساحر، ونفذ ترامب ما لم ينفذه أوباما وقاطع عقيدة الأخير وسياساته في المنطقة، وقال ترامب: “جميع المحاولات لإصلاح الأسد باءت بالفشل” وحمل الإدارة السابقة مسؤولية استمرار النظام السوري في قتل الأبرياء، وأعلنت الإدارة الأمريكية من خلال الضربات الصاروخية على سوريا أنها قادرة على استخدام الخيار العسكري لتعزيز سياستها ومصالحها في المنطقة، كما أنها لن تترك سوريا لروسيا وإيران.
اليمين الأمريكي ينقلب على ترامب
قررت شريحة واسعة من مؤيدي ترامب من اليمين المتطرف في الداخل الأمريكي مهاجمة قرار الضربة الأمريكية على سوريا، وقرار الانخراط بالحرب في منطقة مستعرة في الشرق الأوسط، معتبرة إياها مخالفة لتعهدات ترامب وشعاره الذي جاء به إلى السلطة “أمريكا أولًا”.
وذهب البعض لاعتبار قرار ترامب في مضيه في الحرب في سوريا “رمز من رموز مؤسسة الاستبلشمنت والدولة العميقة” كما أشار اليميني بول جوزف واتسون في تغريدة على حسابه الخاص في تويتر، وقالت لورا أنغراهام وهي مدونة محافظة إن قرار الضربة العسكرية جعلت ترامب على نفس المركب مع ماركو وربيو وجون ماكين وهيلاري كلينتون وهؤلاء رموز الاستبلشمنت في الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
مجزرة خان شيخون الشعرة التي قصمت ظهر البعير لصالح تغيير الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية
وآخرون قرروا عدم انتخاب ترامب مرة أخرى في الدورة القادمة في العام 2020 وأعلنوا إدانتهم للهجوم الأمريكي على سوريا، مثل موقف الناشط اليميني ريتشارد سبنسر.
لحظة قصف مطار الشعيرات
ووصفت النائبة الديمقراطية عن ولاية هاواي تولسي عابارد الضربة العسكرية على سوريا بأنها “هجوم أرعن”، وبالنسبة لأشخاص اليمين الذين يميلون لروسيا فقد رأوا الضربة “تجاوزًا للخطوط الحمراء”، أما المواقع التي تتبنى فكر المؤامرة فقد أشارت أن ما حصل في خان شيخون مؤامرة لجر الولايات المتحدة إلى الحرب والحدث برمته “مفبرك”.
أما السيناتور الديمقراطي جون ماكين فعلق على الضربة قائلاً: “أعتقد أن الضربة الأمريكية بداية جيدة وتبعث برسالة في غاية الأهمية، وأنا مسرور بأن الرئيس قام بذلك، ولكن الظن بأن ذلك كل شيء والأمر هو ضربة واحدة لمطار واحد هو بصراحة تفكير خاطئ”، وتابع “السبب الوحيد لبقاء بشار الأسد في السلطة اليوم هو روسيا وإيران وبالتأكيد ليس بسبب السوريين”.
“قرار الضربة العسكرية جعلت ترامب على نفس المركب مع ماركو وربيو وجون ماكين وهيلاري كلينتون وهؤلاء رموز الاستبلشمنت في الحزبين الجمهوري والديمقراطي”
وأمل ماكين أن يكون هناك المزيد من الضربات الأمريكية تتخذ من الإدارة الأمريكية الجديدة، وأن تكون مقدمة للتغيير في استراتيجية سوريا الفاشلة منذ 8 سنوات، كما أعرب جون كيربي المتحدث السابق باسم وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، عن اعتقاده بأن الضربات الأمريكية على سوريا ستغير “الوضع الميداني” هناك.
المواقف الدولية المتبانية من الضربة
رحب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالضربة الأمريكية وقرار ترامب لمعاقبة الأسد على استخدامه الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وعلق: “بالأقوال وبالأفعال بعث ترامب رسالة قوية وواضحة مفادها أن استخدام الأسلحة الكيماوية ونشرها لا يطاقان”، مؤكدًا “إسرائيل تدعم دعمًا كاملاً قرار ترامب”.
ذهب محللون في الشؤون العسكرية والأمنية في “إسرائيل” أن ترامب ليس في وارد خوض مواجهة فعلية مع روسيا ولكن الضربة تشير إلى عودة الولايات المتحدة للعب دور شرطي العالم في المنطقة، واعتبرها المحلل العسكري يوسي ميلمان تمثل عمليًا بدء ترامب مزاولة أعماله كرئيس فعلي للولايات المتحدة، وأنها رسالة من ترامب لاستعادة مكانة الصدارة للولايات المتحدة باعتبارها القوة الأولى في العالم والشرطي الدولي، ورسالة ليست للأسد وحسب بل لكوريا الشمالية وإيران وبشكل أخف إلى الصين وروسيا، أن رجل البيت الأبيض اليوم حازم وصارم تجاه التجاوزات الدولية.
ليس واردًا خوض ترامب مواجهة فعلية مع روسيا ولكن الضربة تشير إلى عودة الولايات المتحدة للعب دور شرطي العالم في المنطقة
وبينما تسعى “إسرائيل” لتقويض سلطة إيران في المنطقة وقطع نفوذها الممتد في سوريا ولبنان، رأت إيران أن الضربة هي في “صالح تقوية الإرهابيين وتساهم في تعقيد الأوضاع في سوريا والمنطقة” وأكدت وزارة الخارجية الإيرانية أنها تدين بشدة أي تدخل عسكري منفرد، وهو موقف متوقع من الإدارة الإيرانية المختلفة مع ترامب على العديد من الملفات من بينها سوريا والملف النووي.
أما تركيا فكانت من أوائل المرحبين بالضربة الأمريكية، وعبر الرئيس التركي بأنها “خطوة إيجابية ضد جرائم الأسد بالأسلحة الكيميائية والتقليدية إلا أنها غير كافية”، وقال “آن الأوان لاتخاذ خطوات جدية قادرة على تحقيق نتائج إيجابية لصالح حماية الشعب السوري المظلوم”، وطالب وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، بضرورة الإطاحة برئيس النظام بشار الأسد في أسرع وقت ممكن، وتشكيل حكومة انتقالية.
يُذكر أن تركيا تتحضر لإطلاق عملية عسكرية جديدة على الحدود الشمالية العراقية التركية لمحاربة الأكراد من جماعة بي كا كا التي تصنفها تركيا من المنظمات الإرهابية.
روسيا كانت رافضة وبشدة للضربة الأمريكية على سوريا حيث اعتبرها الكرملين “عدوانًا على دولة ذات سيادة” وانتهاكًا للقوانين الدولية، كما أوقفت روسيا العمل بالمذكرة مع واشنطن لتفادي الحوادث وتوفير أمن الطيران خلال العملية في سوريا، كما أعلنت وزارة الخارجية الروسي أن الضربة ألحقت “ضررًا هائلاً” بالعلاقات مع روسيا.
بوتين يملك أوراقًا يستطيع اللعب بها في أي وقت، تتعلق بعلاقة روسيا بحملة ترامب الانتخابية، والتي من شأنها هز موقف ترامب على الصعيد المحلي، وربما تؤدي للإطاحة به
على أنه من المستبعد قيام الروس بأي عملية استفزاز للأمريكيين ردًا على الضربة كما يرى مراقبون، ولكن في نفس الوقت يجب عدم نسيان أن بوتين يملك أوراقًا يستطيع اللعب بها في أي وقت، تتعلق بعلاقة روسيا بحملة ترامب الانتخابية، والتي من شأنها هز موقف ترامب على الصعيد المحلي، وربما تؤدي للإطاحة به.
وفيما يخص مواقف الدول الغربية والعربية، فقد أيدت أوروبا الضربة الأمريكية على سوريا وهو موقف يتناسق مع موقفهم الرافض لبقاء الأسد في السلطة في المرحلة الانتقالية، وكذلك فعلت الدول العربية مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت والأردن، فكلها جاءت مواقفها مؤيدة للضربة وأبدت استنكارها لاستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في سوريا، ويُذكر أن الملك سلمان أجرى اتصالاً هاتفيًا مع ترامب أمس الجمعة هنأه فيه على نجاح الضربة العسكرية على سوريا، وأثنى على قراره “الشجاع”.