في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة العربية السعودية، أعلن الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي ولي العهد ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، إزاحة الستار عن أكبر مشروع ترفيهي في العالم، وذلك بمنطقة (القدية) جنوب غرب العاصمة الرياض.
المشروع المقرر أن ينطلق العمل فيه بداية عام 2018م على مساحة تبلغ 334 كيلومترًا مربعًا، على أن يتم افتتاح المرحلة الأولى منه عام 2022م، والرامي إلى تحويل العاصمة الرياض إلى معلم حضاري بارز ومركز ثقافي وترفيهي يلبي احتياجات الأجيال المستقبلية ليس داخل المملكة فحسب بل خارجها أيضًا، لا شك أنه سيساهم بشكل كبير في إحداث نقلة نوعية في السعودية، ويضعها على خارطة الدول الجاذبة في العالم، بحسب ما يرى القائمون عليه.
إعلان إقامة هذه المدينة العالمية يدفع للتساؤل عن تفاصيل المشروع وأبرز المجالات الترفيهية التي يسعى لتضمينها، فضلاً عن دوافع إقامته في هذا التوقيت، مع الإشارة إلى موقف التيار الديني الوهابي من مثل هذه المشروعات التي يتبناها التيار الإصلاحي بقيادة ابن سلمان واحتمالية الصدام بين التيارين مستقبلاً.
ما الهدف من المشروع؟
أعلن ولي ولي العهد السعودي أن هذا المشروع يأتي في إطار دعم توجهات الدولة ورؤيتها التي تهدف إلى تحقيق المزيد من الازدهار والمضي في الارتقاء بمنظومة الخدمات داخل العاصمة الرياض، في محاولة للوصول بها لأن تصبح واحدة ضمن أفضل مئة مدينة على مستوى العالم لتصبح مقصدًا للزوار والسائحين من كل البلدان.
المشروع المقترح تنفيذه يسعى إلى وضع المملكة على قائمة بورصات المدن الترفيهية في العالم من خلال توظيف الإمكانيات المتاحة لتقديم تجربة فريدة في الخدمات الترفيهية المقدمة، تنافس بها السعودية الدول المتقدمة في هذا المجال، حيث يجد المرء الباحث عن الترفيه والإمتاع غايته في هذه المدينة الجديدة، مما يجعلها مقصده الأول، خاصة أنه من المتوقع أن يضم المشروع مدينة (Six Flags) الترفيهية بوصفها أحد عناصر الجذب الرئيسية في المشروع.
المشروع يهدف إلى الوصول بالعاصمة الرياض لتصبح واحدة ضمن أفضل مئة مدينة على مستوى العالم
الأهداف التي وضعها القائمون على أمور هذا المشروع تتمحور في شقين، أحدهما اقتصادي من خلال العائد المقترح من وراء إنشاء هذه المدينة، والثاني اجتماعي بهدف الوصول إلى ما يهدف إليه المواطن السعودي من تقدم ورقي من خلال توفير أماكن تجذب العائلات والأصدقاء للاستمتاع بقضاء أجمل الأوقات.
بُعدًا آخر يهدف مسؤولو المدينة الترفيهية المقترحة لتحقيقه يتمثل في دعم طاقات الشباب، وتحفزهم إلى التميز في المسابقات الرياضية الإقليمية والعالمية، واكتشاف المواهب وتطويرها، وصقل مهارات الشباب السعودي، وتنمية قدراتهم في مختلف المجالات الرياضية والتعليمية، إضافة إلى دوره في فتح مجالات أرحب وآفاقٍ أوسع لمحبي الرحلات البرية وعشاق المناظر الطبيعية، ونشاطات الهواء الطلق، ودعم هواة سباقات السيارات لممارسة هواياتهم المفضلة بأسلوب مفيد وآمن، من خلال توفير حلبات سباق وطرق آمنة بمواصفات عالمية عالية.
المشروع يهدف إلى جعل الرياض واحدة من أفضل 100 مدينة في العالم
ترفيه رباعي المحاور
بحسب التوقعات المعلنة فإن المشروع يضم أربع مجموعات رئيسية وعشرة أنشطة فرعية، تسعى جميعها إلى إحداث نقلة نوعية في منظومة الترفيه السعودي لتنافس به نظيراتها الخليجية والعربية، في محاولة للوصول إلى العالمية خلال الأعوام القادمة.
المجموعات الرئيسية الأربعة المقترح تضمينها بمشروع “القدية” هي: الترفيه، رياضة السيارات، الرياضة، الإسكان، الضيافة، ينبثق عنها عشرة مشروعات وأنشطة هي الرياضات، مركز تعليمي ترفيهي، مغامرات مائية، مغامرات في الهواء الطلق، منطقة تسوق، الضيافة، مراكز ألعاب الواقع الافتراضي، تجربة برية، رياضة السيارات، مراكز التراث والعلوم وغيرها من الأنشطة المتنوعة.
يسعى القائمون على أمور المدينة إلى مضاهاة نظم الترفيه في أوروبا حيث التوظيف الجيد للتكنولوجيا وأساليب التشويق المتباينة، حيث من المقرر أن تنقل الرياضات المقترحة الزوار عبر الواقع الافتراضي بتقنية الهولوجرام ثلاثي الأبعاد، إلى أوربا، ليعيش الزائر الحماس والإثارة في مباريات الدوري الأوروبي وكأنه في مدرجات الملعب الذي تقام عليه تلك المباريات.
إضافة إلى تصميم مركز تعليمي ترفيهي في آن واحد للأطفال، في محاولة لإدخال الترفيه على جوانب التعليم بما يحقق أهدافًا مضاعفة في مجال التحصيل والإمتاع على حد سواء، بما يسمح بتوفير فرص للتعليم في بيئات مليئة بالمرح والتسلية والترفيه.
القائمون على أمور المدينة الترفيهية الجديدة يسعون إلى مضاهاة نظم الترفيه في أوروبا حيث التوظيف الجيد للتكنولوجيا وأساليب التشويق المتباينة
أما فيما يتعلق بالرياضات المائية، فمن المقترح أن تقام منطقة للمغامرات المائية، تتضمن المشي فوق المياه، ومغامرات الهواء الطلق، وسباق السيارات، وذلك من خلال مواقع مجهزة بأحدث الوسائل المؤمنة للقيام بمثل هذه الأنشطة التي تستهدف بث روح المغامرة في نفوس الصغار.
المشروعات المقترحة لا تستهدف الأطفال فحسب، بل هناك مناطق للتسوق تتوفر بها أشهر الماركات العالمية بأسعار جيدة، فضلاً عن البعد الثقافي في هذا المشروع والمتمثل في إنشاء مراكز للتراث والعلوم يكتشف من خلالها الزائر عوالم وحضارات مختلفة عبر معارض مجهزة بأحدث التقنيات.
كما لم يغفل القائمون على إقامة هذه المدينة الترفيهية إنشاء فروع لأشهر المطاعم التي تتسابق فيما بينها لتوفير وتسويق مختلف الأطعمة من شتى الدول والثقافات المختلفة.
قصور في مجال الترفيه في المملكة وهو ما يتسبب في تراجع السياحة الداخلية
دعم رؤية 2030
يعد هذا المشروع أحد أبرز منظومة المشاريع الكبرى التي يخطط السعوديون لها في إطار سياسة دعم وتنمية العديد من القطاعات الخدمية والترفيهية والمجتمعية للمملكة بهدف تحقيق عائد استثماري لصندوق الاستثمارات العامة، والذي يأتي ضمن الخطط والسياسات المحددة لدعم (رؤية 2030) التي أعلنها محمد بن سلمان.
دعم هذه الرؤية يأتي من خلال إيجاد مشروعات هادفة وفق ابتكارات استثمارية متنوعة داخل المملكة، تخدم المواطن والوطن على حد سواء، وتسهم في دعم مسيرة الاقتصاد من خلال تنويع مصادر الدخل وإيجاد فرص عمل جديدة للشباب، فضلاً عن تقليل نفقات السعوديين خارج بلادهم نتيجة عدم وجود مصادر الجذب والترفيه في الداخل، مما يدفعهم للبحث عنها في الخارج وهو ما تجسده الأرقام التي تكشف حجم ما ينفقه السعوديون على السياحة الخارجية سنويُا، والذي يقارب 52.8 مليار ريال (14 مليار دولار) وذلك من خلال 19 مليون رحلة دولية، في الوقت الذي تتضاءل فيه السياحة المحلية والتي يتراوح إجمالي ما تحققه بين 2.9% إلى 5.0% من إجمالي ناتج القطاع غير النفطي.
من الواضح أن رؤية 2030 الإصلاحية لا تعتمد فقط على الانفتاح الاقتصادي كأحد مقررات تنويع مصادر الدخل الوطني، إذ إنها تتضمن أيضًا البعد الترفيهي كمصدر قوي من مصادر إنعاش خزانة المملكة خاصة في ظل الأرقام المعلنة سابقًا بشأن الإنفاق السعودي على السياحة الخارجية.
المشروع يأتي في إطار دعم رؤية 2030 من خلال إيجاد مشروعات هادفة وفق ابتكارات استثمارية متنوعة داخل المملكة، تسهم في دعم مسيرة الاقتصاد من خلال تنويع مصادر الدخل
وكالة “بلومبرج” نشرت تقريرًا في الخامس من يناير الماضي تطرق إلى أبرز محاور خطة 2030 فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل، ملفتًا أن النموذج المقدم وفق هذه الرؤية يتشابه إلى حد كبير مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد أورد التقرير إقامة أكثر من 450 ناديًا ثقافيًا واجتماعيًا، بهدف تنشيط الفعاليات المجتمعية والثقافية والترفيهية بالمملكة، من خلال الهيئة العامة للترفيه، التي تم تأسيسها العام الماضي خصيصًا للقيام بهذا الدور، والتي تعمل على زيادة نسبة إنفاق السكان على وسائل الترفيه وتقديم البديل المناسب لهم مما يقلل من نسبة المبالغ المنفقة خارجيًا.
الرؤية الإصلاحية لولي ولي العهد والتي بدت ملامحها تتكشف بصورة كبيرة خاصة مع إعلانه أمس إقامة هذه المدينة الترفيهية وفق المقترحات والأهداف المعلنة لا شك أنها ستلقي بظلالها على المشهد الديني، خاصة في ظل الصراع المستتر بين رجال الدين السعوديين المنتمين للفكر الوهابي والتيار الليبرالي السعودي والذي يتزعمه هنا محمد بن سلمان، فما ملامح هذا الصراع؟
المشروع يأتي في إطار دعم رؤية 2030
صدام مرتقب
“لا خير فيها وضرر وفساد، كله مفسد للأخلاق ومدمر للقيم ومدعاة لاختلاط الجنسين” بهذه الكلمات التي علق بها مفتي عام السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ بشأن الترخيص للحفلات الغنائية وإعداد دور سينما، بدأت أولى ملامح الصدام بين المؤسسة الدينية والتيار الليبرالي الجديد في المملكة.
تشديد آل الشيخ على أن الحفلات الغنائية لا خير فيها، فالترفيه بالأغاني ليل نهار، وفتح صالات السينما في كل الأوقات مدعاة لاختلاط الجنسين، ومفسدة للأخلاق وتدمير للقيم، على حد قوله، جاء في أعقاب التصريحات التي أدلى بها الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للترفيه السعودية عمرو المدني، بشأن التفكير في إنشاء وسائل ترفيهية جديدة كدور للسينما وإقامة حفلات غنائية وغير ذلك من الأنشطة التي تهدف إلى جذب السعوديين، مما دفع البعض إلى اعتبار هذا التعارض أولى جولات الصدام بين وهابية المملكة وتوجهات محمد بن سلمان الليبرالية الجديدة، خاصة أن محاولات “هيئة الترفيه” وهي الجهة التي تم إنشاؤها تماشيًا مع رؤية 2030، تعد اختبارًا قدمه ولي ولي العهد لقياس مستوى رد فعل رجال الدين السعوديين حيال رؤيته الإصلاحية الجديدة، لكنها لن تكون الأخيرة.
ورغم مساعي ابن سلمان لمغازلة التيار الديني الوهابي في المملكة من خلال عدد من التصريحات التي رفض من خلالها التهم الموجهة إليه بالإرهاب والتطرف، معبرًا عن دهشته بخصوص “سوء الفهم العميق” من الأمريكيين تجاه الربط بين “الوهابية” والإرهاب، إلا أن هذا لا يمنع أن صدامًا قريبًا سيلوح في الأفق بين التيارين الديني والإصلاحي داخل السعودية خاصة بعد الإعلان عن إنشاء مدينة “القدية” الترفيهية