ترجمة وتحرير: نون بوست
تمتلئ الفصول الدراسية في جميع أنحاء قطاع غزة بالفلسطينيين المنكوبين. لقد تحولت المدارس التي تديرها وكالة “الأونروا”، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، إلى ملاجئ للعائلات الفلسطينية النازحة بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل والأمر بالفرار من شمال غزة.
الوضع مأساوي في إحدى مدارس الأونروا في المغازي، وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا بسبب النكبة في سنة 1948، وسط قطاع غزة. ويلجأ إلى المدارس حوالي 5.870 شخصًا، أي حوالي 1.100 عائلة. ويقول الأشخاص الذين يديرون الملجأ إن ما يزيد قليلاً عن نصف هؤلاء اللاجئين من الذكور.
بدأ النازحون الفلسطينيون بالاحتماء هناك في الأيام الأولى للحرب، عندما قوبل الهجوم الفلسطيني العنيف على إسرائيل بقصف إسرائيلي عنيف. وقُتل حوالي 1300 إسرائيلي في الهجوم الذي شُنّ في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، كما قُتل أكثر من 2300 فلسطيني في الغارات الجوية الإسرائيلية اللاحقة.
كان أول الأشخاص الذين فروا إلى المدرسة التابعة للأونروا من الجزء الشرقي من المغازي، وهو المكان الذي تعرض لغارات جوية مكثفة بسبب قربه من الحدود بين غزة وإسرائيل.
منذ يوم الجمعة، عندما أمر الجيش الإسرائيلي جميع سكان شمال غزة البالغ عددهم 1.1 مليون نسمة بالنزوح جنوبًا لأنهم مهددون بالموت، تزايد عدد النازحين في المغازي ومدرستها. وقالت الأمم المتحدة إن 400 ألف فلسطيني نزحوا حتى قبل صدور قرار الترحيل الإسرائيلي.
قالت أم يوسف، التي جاءت إلى هنا من مخيم الشاطئ الذي يقع على البحر، لموقع ميدل إيست آي، إن “الوضع أصبح الآن أكثر خطورة، والعيش هناك يعني العيش في خوف دائم. لقد كانت الصواريخ تسقط من حولنا ليلا ونهارا، وامتلأت السماء بضجيج الطائرات المقاتلة. لقد حذرونا من الفرار، لذلك أخذت أطفالي وغادرت إلى المغازي”.
توجهت عشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية جنوبا يوم السبت عبر طريق صلاح الدين، وهو أحد الطريقين اللذين أمرت إسرائيل باستخدامهما. قالت أم يوسف إن “المشهد كان أشبه بهجرة جماعية: شاحنات مليئة بالعائلات والأفرشة وأصوات الأطفال”. ولكن بينما كانوا يعبرون الطريق، بدأت الطائرات بقصفهم.
استُهدفت شاحنة تقل عشرات الأشخاص، وقالت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة إن 70 فلسطينيا، معظمهم من النساء والأطفال، قتلوا في غارة إسرائيلية. وتزعم إسرائيل أن الهجوم كان من تنفيذ حماس، رغم أن أم يوسف، التي شهدت الحدث، قالت إن طائرة ضربت الشاحنة.
وأردفت قائلة “لقد شاهد أطفالي الدماء، وكانت وجوههم مليئة بالرعب. لقد شاهدوا السيارات المتفحمة، والشاحنات الملطخة بالدماء، والأسوأ من ذلك كله، شاحنة مليئة بالأطفال وأفرشتهم الغارقة في الدماء. لقد رأينا ذلك بأعيننا”.
أضافت أم يوسف أن الرحلة كانت “تذكيرًا مؤلمًا” بتاريخ النزوح في فلسطين، “ربما لم نشهد أحداث سنة 1948، ولكننا الآن نعيش قصة مماثلة. فمن دون ماء أو كهرباء أو طعام، تركنا تحت الحرارة الشديدة وافترشنا الأرض الباردة”. وتابعت قائلة “كان أطفالي يعانون من الجوع والرعب والارتباك. ومع انفجار الصواريخ في مكان قريب، تشبثت بي ابنتي ملاك، البالغة من العمر 12 سنة فقط، وهي تبكي: أمي، لا أريد أن أموت”.
تضاءل الإمدادات بسرعة
يأتي العديد من الفلسطينيين إلى مدارس الأونروا ليس فقط بحثا عن المأوى، وإنما أيضًا للحصول على الطعام، الذي هم في أمس الحاجة إليه منذ أن فرضت إسرائيل حصارًا كاملاً على غزة، وقطعت إمدادات الغذاء والمياه والطاقة والإنترنت. ومع أن العديد من الفلسطينيين يعيشون على الأجور اليومية والعمل غير الرسمي، فقد انقطعت مصادر دخل الآلاف فجأة.
في المدارس، تُوزّع الأغذية الأساسية. ولكن المواد الغذائية تتناقص بمعدل مخيف. يوم الأحد، من المفترض أن يحصل كل فرد في مدرسة المغازي على وجبة من الخبز والتونا المعلبة، لكن الأونروا لم تتمكن من الحصول على أي خبز، نظرًا لأن المورد يوجد في منطقة غرب غزة، التي كانت تتعرض لحملة قصف شديدة استثنائية.
تتراجع إمدادات كل من مياه الشرب والماء المناسب للغسيل بسرعة. الآن، توفر الحنفيات مياهًا ملوثة فقط لنصف ساعة تقريبًا في اليوم، وتنفد الإمدادات تقريبًا فور الحصول عليها. وفي الوقت الراهن، أصبح الأشخاص الذين يقدر عددهم بنحو 6 آلاف شخص في مدرسة المغازي يعانون من الجوع والعطش.
جاءت نور، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 39 سنة، إلى المدرسة من منزلها الكائن بالقرب من الحدود مع إسرائيل. أوضحت نور قائلة: “تم قصف منزل جارنا، الذي كان يعود لطبيب. أدى الحطام من ذلك الانفجار إلى تلف منزلنا، وتطاير زجاج النوافذ على أطفالي”.
وأضافت “منزلنا الآن مدمر، وكاد زوجي أن يقتل بسبب الشظايا”. وتكافح نور لتوفير قوت ابنها أدهم، البالغ من العمر 12 سنة، وابنتها هنان، التي تبلغ من العمر أربع سنوات. في الشأن ذاته، قالت “تكسرني استغاثاتهم من الجوع، وأنا لا أستطيع توفير الغذاء لهم. جئنا إلى هذا المكان على أمل الحصول على بعض الراحة والطعام، لكن أطفالي يتضورون جوعًا. لا أريد أن يموت أطفالي. لا أريد أن يموتوا. لا أستطيع تحمل ذلك”.
وتابعت: “يقولون لي أماه، نريد أن نأكل، نحتاج إلى ماء”. من أين يمكنني الحصول على ذلك لهم؟ من أين؟ قولي لي من أين؟ أنا أختنق. عشت من قبل في الجوع، عانيت، كان الأمر فظيعًا، والآن بات من المستحيل العيش في هذا الوضع”.
نور، التي تعاني من مرض السكري، لديها أيضا سرطان الثدي والغدة الدرقية، ومن المقرر أن تجري عملية جراحية في نهاية الشهر. الآن، جميع مستشفيات غزة مكتظة بالقتلى والجرحى، وقد تعرضت بعضها حتى للقصف الجوي.
يعاني زوج نور أيضًا من مرض السكري ومشاكل في الرئة، ومازال قيد التعافي من جلطة. وأضافت “وصلت إلى نقطة أصلي لله فيها أن يستهدفني صاروخ حتى يكون لأطفالي مستقبل أفضل”. وأردفت “بدأ ابني في التبول على نفسه من الخوف، ولم أستطع العثور على أي بنطلون له ليغيره. وجدت واحدا في القمامة كان ممزقا. ولكن الأطفال ضحكوا عليه”.
طبيب واحد، ممرضة واحدة، 6000 شخص
منذ الأمر الإسرائيلي بالفرار من شمال غزة، أرسلت الأونروا رسائل بريد إلكتروني توجه كل موظفيها إلى الجنوب.
حسب الأونروا “أي موظف يبقى في شمال غزة، بما في ذلك مدينة غزة، يتحمل مسؤوليته الخاصة.
حتى الآن، كانت المساعدات الأونروا كافية فقط للحفاظ على حياة هؤلاء الناس. تستخدم الوكالة المخزونات الموجودة لأن إسرائيل ترفض السماح بدخول أي إمدادات جديدة إلى غزة. يعمل في مأوى مدرسة المغازي 21 شخصًا بورديات مختلفة، بما في ذلك العاملين في التنظيف والمدير.
أقامت الأونروا نقطة صحية في المدرسة، مع طبيب واحد وممرضة واحد يقدمون خدمات لحوالي 6 آلاف شخص من الساعة 9 صباحًا حتى الساعة 2 ظهرًا. إذا كان هناك طوارئ خارج هذه الساعات، فإنهم لا يستطيعون فعل الكثير.
يعتبر الوضع الصحي مقلق للغاية نظرا لأن المركز الصحي هو مكان مخصص لتوفير الدواء للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، التي يعد العديد منها غير متوفر.
في شأن ذي صلة، قالت أم يوسف: “أتوسل إلى العالم، إلى أولئك الذين ما زالت قلوبهم رحيمة، الدول العربية ومنظمات حقوق الإنسان: ارحموا معاناة الشعب الفلسطيني وتحركوا. نحن بحاجة ماسة إلى هدنة إنسانية. نحتاج إلى مساعدتكم؛ نحتاج إلى قلوبكم الرحيمة”.
المصدر: ميدل إيست آي