ارتبط تغير الموقف الأمريكي من الأزمة السورية بتغير في الموقف العراقي من الأزمة هناك أيضًا، فما هي إلا أيام وأعلن كل من رئيس الوزراء العراقي ورئيس التيار الصدري في العراق عن موقف مغاير عن السنوات السابقة بما يشي بتبدل في الموقف الرسمي من الأزمة السورية سيكون له تبعات وعواقب على النظام السوري بالمقدمة، وتحالف بغداد مع طهران.
تغير في السياسة الخارجية للعراق
موقف قوي لمقتدى الصدر وقف فيه ضد الأسد وتصرفاته في سوريا، مطالبًا الولايات المتحدة وروسيا بكف أذاهما عن سوريا، يشير إلى تغير في اللهجة العراقية من الدعم المقدم للنظام السوري والمتمثل بإرسال المليشيات لتقاتل جنبًا إلى جنب مع جبهات القتال في سوريا.
جاء ذلك في بيان للصدر دعا فيه الأسد إلى تقديم استقالته قبل فوات الأوان، وأن يعطي زمام الأمور إلى جهات شعبية تستطيع الوقوف ضد الإرهاب لإنقاذ الأراضي السورية بأسرع وقت ليكون موقف تاريخي حسب قوله، محذرًا في الوقت نفسه الرئيس الأمريكي ترامب من زج نفسه في محرقة جديدة في سوريا قد تكون شبيهة بحرب فيتنام التي خسرت فيها الولايات المتحدة الكثير.
صرح العبادي أن القصف الكيماوي في سوريا يعتبر جريمة مدانة، وهي أولى إشارات التغير في السياسة الخارجية العراقية
وقال الصدر: “لا ينبغي على الرئيس الأمريكي الإفراط في تصريحاته ومواقفه وقراراته الرعناء، فهذا لا يضر أمريكا فحسب، بل يضر المجتمع الدولي كافة”، وأوضح أن الأمريكيين يكيلون بمكيالين حين يقصفون المدنيين العزل في الموصل، ويستنكرون القصف المدان للمدنيين بالكيماوي في سوريا، وأضاف “المتضرر الأكبر من كل ما يجري هو الشعب السوري، الذي تكالبت عليه الأيادي من الداخل والخارج”، فضلاً عن دور أمريكا السلبي، وطالب الجميع بالانسحاب من سوريا ومنح شعبها زمام الأمور لأنه صاحب الحق الوحيد في تقرير مصيره.
ساعتان فقط فصلا بين تصريح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ومقتدى الصدر، حيث سبق تصريح العبادي أمس السبت أن القصف الكيماوي في سوريا يعتبر جريمة مدانة، وهي أولى إشارات التغير في السياسة الخارجية العراقية كما يرى مراقبون، واعتبر العبادي أن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا جريمة مدانة، مؤكدًا أن العراق يقف مع الشعب السوري الذي وقع ضحية لذلك، وأشار العبادي أن العراق كان ضحية أيضًا بضربه بالكيميائي من قبل النظام السابق، مطالبًا بتحقيق دولي وعاجل.
رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر
تصريحات العبادي تشير إلى تغير في السياسة الخارجية العراقية على الأقل مع النظام السوري، فليس بعيدًا من هذا وفي 5 من يناير/ كانون الثاني الماضي حط مستشار الأمن الوطني العراقي وقائد مليشا الحشد الشعبي فالح الفياض في دمشق لينقل رسالة إلى بشار الأسد من رئيس الحكومة حيدر العبادي، تضمنت الرسالة بحسب مصادر إعلامية تهنئة بسقوط حلب بيد قوات النظام وتأكيد موقف العراق الداعم للنظام السوري، وأن البلدين في حرب واحدة ويقاتلان عدوًا مشتركًا وهو تنظيم داعش.
وأكد العبادي في رسالته على ضرورة وضع خطط عسكرية مشتركة في المستقبل بمساعدة الحلفاء، كما بحث الفياض دور الحشد الشعبي في سوريا وإمكانية ضلوعه بدور أكبر ومدى حاجة سوريا إلى دعم الحشد وحجمه.
قدم من العراق نحو 600 مقاتل يتبعون فصائل مسلحة عديدة ضمن الحشد إلى دمشق
وسبق لوزير الخارجية السوري وليد المعلم زيارة العراق أكثر من مرة خلال السنوات الماضية بحجة التنسيق لمحاربة داعش، بينما الحقيقة تكمن أن النظام السوري يريد أن تنخرط المزيد من المليشيات إلى جانب النظام في سوريا، فبعد كل زيارة كانت هناك قوات جديدة من المقاتلين يصلون إلى أنحاء مختلفة في سوريا لمساندة الأسد.
ففي الشهر الماضي مارس/ آذار انتقل نحو 600 مقاتل يتبعون فصائل مسلحة عديدة ضمن الحشد إلى دمشق، كانوا ضمن جبهة شمال بغداد على أطراف مدينة بيجي بمحافظة صلاح الدين، ويتبع أولئك المقاتلون إلى كل من “مليشا النجباء” و”العصائب” و”الإمام علي” و”مليشيا البدلاء” و”الإمام الحجة”، ويُذكر أنه يوجد في سوريا 13 مليشيا عراقية تقاتل إلى جانب الأسد، تتورط بجرائم وانتهاكات كثيرة بحق الشعب السوري منذ اندلاع الثورة السورية.
ويُذكر أيضًا أن تلك المليشيات مدعومة بشكل مباشر من إيران وتأتمر بأمرها، وزجها في الصراع في سوريا يأتي ضمن انخراط إيران في الصراع في سوريا ودعمها للنظام السوري.
وكانت كتلة “متحدون البرلمانية” وهي أبرز الكتل العراقية في البرلمان العراقي طالبت أواخر العام الماضي، حكومة العبادي بسحب المليشيات العراقية من سوريا معتبرة مشاركتها في جرائم حلب “أمرًا مخجلًا وحرجًا لمشاعر كل عراقي وعربي مسلم”.
وذكرت الكتلة في بيان صادر عنها: “ليس هنالك من وصف يصدق على ما يجري في مدينة حلب سوى أنه جريمة إبادة متكاملة الأركان، حيث يقوم النظام السوري وحلفاؤه في موسكو وطهران، والمليشيات غير النظامية القادمة من شتى الدول، بما فيها العراق، وتحت دوافع انتقامية طائفية، بعملية إبادة وتصفية جسدية وتدمير كامل للممتلكات، وعقاب جماعي على العزل من المدنيين، وبكافة الأسلحة، بما فيها المحرمة قانونًا”.
يواجد في سوريا 13 مليشيا عراقية تقاتل إلى جانب الأسد
وطلبت الكتلة من الحكومة العراقية “تحمّل مسؤوليتها والمباشرة بسحب المليشيات العراقية الموجودة في سورية، والشباب العراقيين المغرر بهم بالمال والرايات الطائفية الوهمية، وإلا فمعاملتهم معاملة الإرهابيين”.
فك رموز موقف الحكومة والصدر من الأسد والأزمة في سوريا لا يمكن إلا من خلال تعقب ما سبق هذه التصريحات، من مواقف وزيارات، فحسب مكتب العبادي أنه تلقى اتصالًا هاتفيًا من نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس تناقشا بشأن استمرار الدعم الدولي للعراق في حربه على الإرهاب والأوضاع في المنطقة، وقال بنس إن موقف العراق من سوريا الذي تم ذكره مهم بالنسبة للأمريكيين، مبينًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تراقب الوضع في سوريا وسياسة أمريكا في المنطقة لم تتغير والأولوية لا تزال ممثلة بهزيمة داعش في العراق وسوريا.
بنس يقول للعابدي إن موقف العراق من سوريا الذي تم ذكره مهم بالنسبة للأمريكيين
ويأتي أيضًا بعد زيارة صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر إلى العراق يوم الإثنين الماضي، مع الجنرال رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة “جوزيف دانفورد” ليتلقي بشكل مباشر تقييمًا للمعركة ضد داعش من القادة الأمريكيين والمسؤوليين العراقيين، وتأتي هذه الزيارة متناغمة مع خطط ترامب بالقضاء على داعش في سوريا والعراق.
حيث التقى كوشنر، قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ستيفن تاونسند ورئيس الحكومة حيدر العبادي، وذكر مكتب العبادي أن المحادثات بين الطرفين ركزت على المعركة الدائرة لاستعادة الموصل من داعش والمساعدات التي يقدمها التحالف بقيادة واشنطن بما في ذلك مساعدة اللاجئين والمشردين بسبب الحرب هناك، وأكد الوفد الأمريكي دعمه للحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب وأبدى إعجابه بالقوات العراقية التي تحقق الانتصارات ضد داعش، وهي محاولة من واشنطن لقطع يد طهران في العراق وسحب البساط من تحتها في العراق.
وكذلك زار العبادي واشنطن في 20 من مارس/ آذار الماضي والتقى فيها ترامب لأول مرة، وهدف العبادي في زيارته إلى الحصول على المزيد من الدعم العسكري واللوجستي للإسراع في هزيمة داعش بالإضافة إلى مساعدات اقتصادية لإنقاذ الاقتصاد العراقي من الأزمة المالية التي تعصف به.
يبدو من كل هذه المواقف أن التأثير الأمريكي على العراق بدأ يظهر لإبعاد التأثير الإيراني عن الحكومة العراقية وكبح جماح المليشات العراقية المدعومة من طهران في العراق.
بلا أدنى شك إن موقف الصدر والعبادي سيغضب إيران الحليف الرئيسي للعراق ومليشياته والأسد من جهة أخرى، ولكن بالنظر إلى توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة والرافضة لدور إيران ونفوذها في المنطقة ولزج المليشيات العراقية في سوريا للقتال إلى جانب الأسد، فإن على العراق أن يختار إما البقاء مع طهران أو إعادة الاصطفاف مجددًا مع أمريكا والانفتاح على محيطها العربي أكثر.
موقف الأطراف العراقية الأخرى
ليس كل المليشيات مؤيدة لما ذهب إليه الصدر، فهناك أخرى أصدرت موقفها مبكرًا والرافض للغارات الأمريكية على سوريا ووصفت الولايات المتحدة بأنها “الشيطان الأكبر” كما يقول القيادي في مليشيا كتائب “سيد الشهداء” محسن الزبيدي، وأوضح أن للضربة الأمريكية هدفين، الأول إرسال رسالة طمأنة إلى حلفاء أمريكا في المنطقة، والثاني من خلال التأكيد على أن الولايات المتحدة ليست حيادية في الحرب السورية، وكذلك في العراق واليمن، وهي راعية للإرهاب والقتل والدمار في العراق وليبيا وسوريا، بحسب قوله.
كما رفض القيادي في مليشيا “سرايا الخرساني” العراقية ميثم الكفائي القصف الذي استهدف قاعدة الشعيرات السورية، موضحًا خلال تصريحات صحفية أن هذا القصف يدل على أن الأمريكيين وقوى الشر المتحالفة معهم متعاونون مع الإرهاب وتنظيم داعش.
التأثير الأمريكي على العراق بدأ يظهر لإبعاد التأثير الإيراني عن الحكومة العراقية وكبح جماح الميليشات العراقية المدعومة من طهران في العراق وسوريا
وهذه الميليشيات تعد مقربة لنوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق والمقرب من طهران، وموقفه يحاكي موقف المقاومة والممانعة التي تدعمه إيران في المنطقة ومؤيد للأسد ورافض لأي تدخل أمريكي في المنطقة، حيث قال إن الهجوم الأمريكي على سوريا له أهداف أبعد من الادعاءات باستخدام الأسلحة الكيميائية، وبيّن خلال لقائه بعدد من الصحافيين أن استخدام القوة ضد الدول يعتبر أمرًا خطيرًا.
وأضاف “يبدو أنها رسالة لحكام المنطقة مفادها أننا نتعامل بالقوة ولا نحتاج إلى تحقيق وتدقيق في الحادثة، ولا نحتاج لقرار دولي لضرب دولة لها سيادة”، بينما برأيه أن المنطق والقانون يقتضيان إجراء تحقيق دقيق لتشخيص المتسبب باستخدام السلاح الكيميائي، وأن التدخل العسكري يتطلب قرارًا دوليًا حتى إن ثبت استخدام الأسلحة المحرمة.
وفي موقف آخر مؤيد لما ذهب به العبادي والصدر رحّب النائب عن التحالف الكردستاني عرفات كرم، بالموقف الجديد للحكومة إزاء الأزمة السورية، وأكد في حديث مع صحيفة العربي الجديد أن هذا الموقف يتطابق مع موقف الأكراد، وسيصب لصالح العراق، وأن هذا الموقف الجديد للعبادي يشير أنه لا يمكن للعراق أن يكون طرفًا في الصراعات الأيديولوجية في المنطقة، ويجب أن ينأى بنفسه عن المحور الذي لم يخدم العراق، وأشار إلى أن موقف الصدر أيضًا موقف وطني وإنساني كبير، وأنّه متطابق أيضًا مع موقف التحالف الكردستاني الذي انتقد وشجب بشدة جريمة خان شيخون المروّعة.
على العراق أن يختار إما البقاء مع طهران أو إعادة الاصطفاف مجددًا مع أمريكا والانفتاح على محيطها العربي أكثر
ويبدو أن الحكومة من خلال موقفها هذا بدأت تفكر بشكل جدي أكثر بالابتعاد عن المحور الإيراني في المنطقة والداعي إلى ولاية الفقيه والذي تؤيده وتدعمه بعض أطراف التحالف الوطني العراقي، وهذا التغير سيعقبه أمور قد تؤدي إلى تصاعد الخلاف بين طهران وبغداد، وربما تذهب الحكومة لسحب المليشيات العراقية في بغداد وإلا معاقبتها، والانفكاك عن دعم النظام السوري.