كيف تنعكس مجريات “طوفان الأقصى” على مسار التطبيع؟

أدّى تصاعد الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية إلى تزايد التوترات الدولية، وسط مخاوف من توسع نطاقها لتتحول إلى حرب إقليمية تهدد استقرار المنطقة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الدول العربية و”إسرائيل”.

وفيما يرى مراقبون أن مسار التطبيع الذي بدأته الإمارات والبحرين والسودان عام 2020 سيتعرقل قليلًا بانتظار إعلان التهدئة، يؤكد آخرون أن قطار التطبيع سيتوقف طويلًا، بعد تراجع السعودية التي كانت على وشك الإعلان عن التطبيع مع تل أبيب برعاية أمريكية.

تصاعد الأحداث في فلسطين

يقول الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون السياسية العربية والدولية، قحطان الشرقي، إن تصاعد الأحداث الأخيرة هو نتيجة طبيعية للسياسة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، والتنصُّل من التزاماتها، والضرب بعرض الحائط كل الأعراف والمواثيق الدولية.

ويؤكد الشرقي في حديثه مع موقع “نون بوست”، على أن سياسة “إسرائيل” في الضغط على الفلسطينيين وعدم منحهم أي حقوق أدّت إلى هذا الانفجار، وتصاعد الأحداث بهذا الشكل الخطير.

وينوه المحلل السياسي إلى أن “إسرائيل” لم تلتقِ بالسلطة الفلسطينية منذ عام 2015 رغم أنها تعتبر الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، في دلالة على عدم اهتمامها بالقضية الفلسطينية ولا بحقوق الشعب الفلسطيني.

وحول تأثير تصاعد الأحداث الأخيرة على العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط، يشير الشرقي إلى أن تلك العلاقات قائمة على المصالح، وبالتالي ما يحدث في فلسطين لن يكون بمعزل عن ذلك.

ويصف موقف الولايات المتحدة بأنه مؤسف، كونها انحازت إلى “إسرائيل” بشكل مفرط وفاضح، حتى باتت بعض الدول تنظر بعين الشك إلى دور واشنطن تجاه قضايا الشرق الأوسط عمومًا، بما في ذلك الأوضاع في سوريا والعراق وتركيا وإيران والخليج العربي.

ويشدد على أن استقرار الشرق الأوسط منوط بإعطاء كامل الحقوق للفلسطينيين، وكذلك سحب ميليشيات إيران التي تتذرع بوجود الاحتلال الإسرائيلي، وما لم تستجب طهران وتل أبيب لذلك فلن تشهد المنطقة أي استقرار.

تأثير التصعيد على التطبيع

رغم الإحراجات التي تتعرض لها الدول العربية المطبّعة مع “إسرائيل” بسبب الأحداث الدموية الجارية في فلسطين، إلا أن مختصين يرجّحون عدم تأثر العلاقات بين تل أبيب ودول التطبيع.

وكانت الإمارات قد وجّهت انتقادات حادة ضد حركتَي حماس والجهاد الإسلامي لاستهدافهما المدنيين الإسرائيليين، لكنها في الوقت نفسه أعلنت عن إرسال مساعدات إنسانية لسكان قطاع غزة.

ويعرب الشرقي عن اعتقاده بأن مسارعة بعض الدول نحو التطبيع مع “إسرائيل” بشكل مجاني، ربما عززت من سياسة “إسرائيل” المتغطرسة ضد الشعب الفلسطيني، وشجّعها على استمرار سياسة الاستيطان، وتجاهل المواثيق والأعراف الدولية.

ويرى أن موقف السعودية من التطبيع مغاير تمامًا عن الدول الأخرى، إذ إنها ربطت التطبيع بحلّ الدولتَين، وهذا ربما يعتبر تطورًا نوعيًّا في التعاطي مع ملف القضية الفلسطينية، على عكس دول أخرى طبّعت مع الاحتلال الإسرائيلي من دون أي التزامات أو مكاسب.

هذا وذكرت وكالات دولية في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عن مصادر في الحكومة السعودية، أن الرياض أبلغت واشنطن أنها قررت تعليق محادثات التطبيع مع “إسرائيل” بسبب استمرار القصف على قطاع غزة، مؤكدة رفض محاولات تهجير سكان القطاع.

مستقبل التحالفات الدولية

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سكاريا التركية، محمد سليمان الزواوي، أنه رغم تراجع أهمية القضية الفلسطينية لدى عدد من القوى الإقليمية بعد أحداث الربيع العربي، إلا أن فلسطين تظل مركزية فيما يتعلق بتشكُّل محاور التحالفات الرئيسية في الشرق الأوسط، سواء الممانعة أو الاعتدال، أو ما يمكن وصفه بالممانعة المعتدلة والتي تمثلها كل من قطر وتركيا.

ويضيف في حديثه مع “نون بوست”، أن تطور الصراع في فلسطين وتحوله إلى حرب طويلة الأمد، سيمثل ضغطًا على الحكومات من أجل تعديل سياساتها تجاه “إسرائيل”، لا سيما في حال تصاعدت أعداد الضحايا المدنيين.

ويعتقد الزواوي أنه في تلك الحالة قد تجد بعض الحكومات -مثل الحكومة المصرية- نفسها مجبرة على تبنّي رؤى الشارع المصري، وتجميد بعض ملفات التعاون مع “إسرائيل”، كما أعلنت السعودية تجميدها لعملية التطبيع الجارية مع الكيان الصهيوني. 

ويشير إلى أن التقارب الخليجي التركي الأخير ربما يؤدي إلى تطوير رؤية أكثر ضغطًا على “إسرائيل” من أجل الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وكذلك التطبيع السعودي الإيراني الأخير قد يؤدي إلى تقارب في وجهات النظر في بعض الملفات وليس كلها. 

ويشدد أستاذ العلوم السياسية على أهمية أن تجد الدول الإقليمية والدول الغربية أرضية مشتركة لوقف نزيف الدماء الجاري، والضغط من أجل وقف إطلاق النار واللجوء إلى المفاوضات، قبل أن ترتكب “إسرائيل” مذبحة كبرى في غزة.

ويبيّن الزواوي أن وقف نزيف الدماء قد يكون هو العامل الذي يمكن أن يؤدي إلى تقريب وجهات النظر حول القضية الفلسطينية، كما أن الرأي العام المحلي والإقليمي سيكون ضاغطًا بصورة كبيرة على الأنظمة الإقليمية، لا سيما في عصر الصورة وتناقل الأحداث بدقة من الداخل الفلسطيني.

ويتابع بالقول: “كما رأينا أن بعض القنوات الأمريكية أُجبرت على بعض التوازن في التغطية، بعد الإدانات الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي للانحياز الغربي لـ”إسرائيل”، وهذا يؤكد أهمية الضغط الشعبي والإعلامي”.

وحول التحديات والفرص التي تقدمها الأحداث الجارية في فلسطين بالنسبة إلى العمليات السياسية والدبلوماسية في المنطقة، يقول الزواوي إن عملية “طوفان الأقصى” تعدّ حدثًا غير مسبوق في الصراع العربي الإسرائيلي، فمهاجمة عمق “إسرائيل” هي نقطة مفصلية في تاريخ الصراع، ومدى استعداد حماس للضربة الثانية أو التوغل الإسرائيلي المحتمل سيشكّل مستقبل الصراع إلى حد بعيد.

ويلفت إلى أنه من غير المعقول ألا تكون حماس قد استعدّت لمثل هذا السيناريو، بإعداد أسلحة مضادة للدروع أو مضادة للطائرات للدفاع عن الانتصار الأوّلي في تلك العملية.

ويعرب الزواوي عن اعتقاده بأن قدرة حماس على الصمود وامتصاصها للتوغل الإسرائيلي، بالإضافة إلى عامل الوقت الضاغط على الاقتصاد الإسرائيلي والتماسك الداخلي، كلها محاور هامة ستحدد شكل التحديات والفرص وآثارها على العمليات السياسية والدبلوماسية في المنطقة.