أزالت القمة بين أكبر دولتين في العالم الشكوك حول أي نزاع تجاري بين أمريكا والصين بسبب السياسات التي قد ينتهجها ترامب تجاه الصين. حيث اتسمت تعليقات كل من ترامب والرئيس الصيني “شي جين بينغ” بالإيجابية هدأت من مخاوف الأسواق المالية والمستثمرين حول العالم.
ترامب يقرر التفاهم مع الصين وليس المواجهة
يومين من اللقاءات جمعت بين الرئيس الصيني وترامب كانت كافية لردأ الصدع بين البلدين والذي بدأ منذ ترشح ترامب للسلطة وتبعها تهديدات كثيرة للصين لمعاقبتها على الميزان التجاري مع أمريكا وتلاعبها بالعملة وقضايا أخرى.
قرر ترامب ألا يخطو خطوة جريئة قد تودي به وبإدارته إلى مهالك لا يحمد عقباها بسبب المواجهة مع الصين، وعلق كل من الرجلين تعليقات إيجابية على اللقاء عكس اللقاء مع المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل التي خرجت تقول أن لقاءها مع ترامب لم يتسم بالدفء ولم يكن إيجابيًا، حيث طغى على لقاء ترامب وبينغ صوت المصالح والتعاون على الخلافات السياسية والاقتصادية الموجودة بين البلدين.
وافق الرئيس ترامب خلال القمة على تلبية دعوة الرئيس الصيني للقيام بزيارة رسمية إلى الصين خلال العام الجاري
ووافق الرئيس ترامب خلال القمة على تلبية دعوة الرئيس الصيني للقيام بزيارة رسمية إلى الصين خلال العام الجاري، وقالت الصين أن اللقاء يمثل نقطة بداية جديدة لأهم علاقة ثنائية في العالم والتي لن تعود بالنفع على البلدين فحسب، بل على العالم كله. وبحسب الرئيس الصيني فإن ثمة “ألف سبب يجعل العلاقة الصينية الأمريكية مفيدة ولا سبب لتخريبها”، وقاسمه ترامب نفس الكلام عندما عبر عن أمله “في أن تستمر العلاقات في النمو”.
إلا أن دماغ ترامب التجاري بدأ يعمل لصالح بلاده، فلا معنى أن يتخطى ترامب كل تصريحاته وتهديداته لبكين بدون الحصول على مقابل، وأهم مقابل يمكن أن يحصله ترامب هو تصحيح الميزان التجاري. وهو غاية ما يتمناه على الأقل في الوقت الحالي. وترامب القائل في تغريدة له قبل اللقاء مع الزعيم الصيني الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة لم تعد تتحمل العجز التجاري الهائل مع الصين وخسارة الوظائف وإن اجتماعه مع الرئيس الصيني سيكون “صعبًا للغاية”.
وقد ذكر وزير التجارة الأميركي ويلبور روس، إن الرئيس دونالد ترامب ونظيره الصيني، اتفقا على خطة جديدة مدتها 100 يوم لإجراء مباحثات تجارة ستفضي إلى تعزيز الصادرات الأمريكية وتقليص العجز التجاري لأمريكا مع الصين والذي يقدر بنحو 374 مليار دولار لصالح بكين. وأكدت مصادر أمريكية أن الرئيس الصيني وافق على تلك الخطة، بعد ضغط من قبل ترامب فيما يخص العجز التجاري الأمريكي مع الصين.
اتفق كل من ترامب ونظيره الصيني، على خطة جديدة مدتها 100 يوم لإجراء مباحثات تجارة ستفضي إلى تعزيز الصادرات الأمريكية وتقليص العجز التجاري لأمريكا مع الصين
وأشار ترامب للصحافيين بعد المباحثات “لقد حققنا تقدمًا هائلا في علاقتنا مع الصين… سنحرز تقدمًا إضافيًا والعلاقة التي طورتها مع الرئيس شي علاقة رائعة، أعتقد أن كثيرًا من المشكلات السيئة المحتملة ستحل”.
الرئيس الصيني حمل هدية إلى ترامب
تسير الصين في علاقتها مع الولايات المتحدة على مسارين الأول؛ يرتبط بتخفيف حدة النزاع معها لإدراكها أنها بحاجة ماسة للأسواق الأمريكية وهي على الأقل الرابحة تجاريًا في علاقتها مع واشنطن بفضل الميزان التجاري المائل لصالح بكين، فهناك داع لعدم تخريب هذه المصلحة، والمسار الثاني، العمل أكثر على الصعيد المحلي لتخفيف الاعتماد على النظام العالمي بقيادة واشنطن، وهي في هذا الصدد تعمل على مشروع الحزام والطريق وتنوي إنفاق نحو 3 ترليونات دولار عليه في الأعوام المقبلة. كما أنها تؤسس مؤسسات مالية وبنوك كبيرة بالاتفاق مع دول عديدة لتكون بديلا عن صندوق النقد والبنك الدوليين، بالإضافة إلى خطوات أخرى تتعلق بالعلاقات التجارية مع دول المنطقة.
قديم الرئيس الصيني لترامب بعض “الهدايا” على سبيل التنازلات كعروض استثمارية وحزمة محفزات يكون لها دور كبير في زيادة فرص العمل في أمريكا
لذلك يرى خبراء أن الرئيس الصيني ذهب للقاء ترامب وهو يعرف أن ترامب يكن له كل العداء، لذلك كان لابد من حل طلاسم هذا اللقاء من خلال تقديم بعض “الهدايا” على سبيل التنازلات كعروض استثمارية وحزمة محفزات يكون لها دور كبير في زيادة فرص العمل في أمريكا، وهي أداة مهمة يعرف الرئيس الصيني كم يحتاجها الرئيس الأمريكي الآن، وفي ظل الظروف الصعبة التي واجهها خلال أول شهور حكمه، وتعد أفضل هدية يمكن أن يسديها الرئيس الصيني للأمريكي؛ تخفيض معدل البطالة في الولايات المتحدة وخلق المزيد من الوظائف لتعزيز الاقتصاد الأمريكي ورفع سعر الفائدة وانتعاش الاقصاد أكثر، فضلا عن العمل على تصحيح الميزان التجاري معها.
ومن العروض الاستثمارية التي يعتقد خبراء أن الرئيس الصيني قدمها لترامب هي استثمارات في مجال البنية التحتية في أمريكا بما يعادل ترليون دولار حسب تقديرات ترامب لها، ويرى مصرفيون أن هذه الاستثمارات ربما تكون مجزية بالنسبة لترامب الذي يواجه صعوبات في تمرير مشاريعه داخل الكونغرس الأمريكي، كما حصل مع مشروع الرعاية الصحية “أوباما كير” الذي فشل في تمريره بسبب عدم حصوله على عدد الأصوات اللازم لتمريره.
من ناحية أخرى يدرك الرئيس الأمريكي ترامب مرامي الصين في التفوق على الاقتصاد الأمريكي ومحاولة تجاوزه، وتعرف كيف تمضي الحكومة الصينية في خططها الاقتصادية والسياسية في محاولة لتكون القوة الأولى عالميًا، إلا أن ترامب بنفس الوقت يدرك جيدًا أن الصين لا تزال تحتاج الكثير حتى تتجاوز الولايات المتحدة، وهو أي ترامب بحاجة للصين على كل حال، فهي المستثمر الأكبر في سندات الخزانة الأمريكية، إذ تفوق استثماراتها فيها نحو ترليون دولار، وهي مفيدة في تمويل عجز الميزانية الأمريكية.
بلغت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة نحو 45 مليار دولار في العام الماضي
وهو بحاجة أيضًا إلى الاستثمارات الصينية المباشرة في القطاعات التجارية والصناعية والعقارات التي تسهم في خلق فرص عمل في الأسواق المحلية الأمريكية، حيث بلغت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة بنحو 45 مليار دولار في العام الماضي علمًا أن الصين تسعى لزيادة حجم استثماراتها في أمريكا إلى أرقام أعلى.
ربما كانت زيارة المستشارة الألمانية إلى أمريكا تجربة بنى عليها الرئيس الصيني، كيف يجب أن يكون لقاءه مع ترامب. ولعله نجح في هذا!. حيث بدد كل المخاوف من التوتر الذي كان يمكن أن يحصل بين البلدين والذي كان سيقود إلى حرب تجارية ستكون مكلفة على الاقتصاد الصيني بالمقدمة والذي يعيش على التصدير إلى الأسواق الأجنبية وبالأخص السوق الأمريكي والذي يقدر حجمه بنحو 11 ترليون دولار، وحصل على استثمارات في البنية التحتية في أمريكا، لذلك فهو منتصر.
ولكن ترامب أيضًا انتصر في هذا اللقاء، فهو سيعزز من حجم الصادرات الأمريكية إلى الصين لتخفيض العجز التجاري معها، وحصل على استثمارات في البنية التحتية ستؤدي إلى رفع معدل النمو وتخفيض البطالة وإعادة إنعاش الاقتصاد الأمريكي، والأهم من هذا كله أنه لم يقدم تنازلات.