نتابع منذ أكثر من أسبوع الهجمة البربرية الإسرائيلية على قطاع غزة والجرائم البشعة ضد سكان القطاع، التي يصل معظمها إلى جرائم حرب مثل التهجير والحرمان من المساعدات وقصف المدنيين والطواقم الطبية والمستشفيات، حتى إن المقررة الأممية لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيز، قالت إن سكان غزة يتعرضون للإبادة، محذرة من تطهير عرقي للفلسطينيين.
أمام هذه الجرائم المتواصلة لأكثر من 10 أيام بحق المدنيين العزل في غزة والضفة وباقي فلسطين المحتلة، خرج مئات الآلاف في مختلف مدن العالم للتنديد والتعبير عن تضامنهم ووقوفهم إلى جانب الفلسطينيين في وجه المحتل الإسرائيلي.
ضمن هذه الفاعليات، برزت مظاهرات كبرى كالتي عرفتها العاصمة المغربية الرباط يوم الأحد، فقد ضمت مئات الآلاف من الداعمين للمقاومة الفلسطينية والمنددين بالغطرسة الإسرائيلية، في وقت يضع ملكهم محمد السادس يده في يد المحتل الإسرائيلي.
في هذه المظاهرة وغيرها من الفاعليات الشعبية التي عرفتها مدن المغرب المختلفة، طالب المتظاهرون المغرب بوقف التطبيع وطرد رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي من الرباط، تنديدًا بجرائم الاحتلال ودعمًا للمقاومة، لكن النظام لم يحرك ساكنًا إلى الآن، فهل يجبر تواصل الجرائم الفلسطينية الملك محمد السادس على وقف التطبيع أم أن هذا الأمر مستحيل الآن وغير مطروح؟
مطالب وقف التطبيع
تزامنًا مع بدء الهجمة الإسرائيلية على قطاع غزة، برزت مجددًا دعوات وقف التطبيع في المغرب، وعرفت المملكة مؤخرًا فاعليات شعبية عديدة مساندة للقضية الفلسطينية ورافضة لمسار التطبيع بين بلادهم وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
كان المغرب قد وقع، نهاية سنة 2020، اتفاقية تطبيع مع دولة الاحتلال، ليصبح سادس دولة عربية تطبع مع “إسرائيل” بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، وذلك بواسطة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أقر بمغربية الصحراء.
وبينت العديد من الأحداث أن الشعب المغربي غير راضٍ عن تطبيع بلاده مع الكيان الإسرائيلي، رغم أن النظام حاول الترويج لإيجابية التطبيع في علاقة بقضية المغرب الأولى وهي الصحراء الغربية، فالنظام يقول إن التطبيع يفتح له الأبواب أمام اختراقات تاريخية في هذا الملف، وتجلى ذلك في الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
لم يُعرف عن ملك المغرب محمد السادس منذ توليه الحكم في يوليو/تموز 1999، أي دعم جدي للقدس ولا القضية الفلسطينية
استغل المغاربة، أحداث غزة الأخيرة والهجمة الإسرائيلية الشرسة ضد المدنيين لتجديد مطالبهم بوقف مسار التطبيع وطرد رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالعاصمة الرباط، ديفيد غوفرين، وهو ما عبر عنه حزب “العدالة والتنمية” المعارض بصفة رسمية.
كما طالبت “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” و”مجموعة العمل الوطنية لدعم فلسطين”، في بيان لهما، بـ”طرد ما يسمى مدير مكتب الاتصال الصهيوني وكل العصابة الإرهابية، وإقرار قانون يجرم التطبيع”.
ورفع المشاركون في أكثر من 80 مظاهرةً عرفتها مختلف مدن المملكة المغربية، شعارات منددة بالكيان الإسرائيلي ومساندة للمقاومة الفلسطينية، وطالب المحتجون في شعارات متعددة بطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية بالرباط ممثلة في مكتب الاتصال.
استحالة وقف مسار التطبيع
تزامنت هذه المطالب مع نشر ديفيد غوفرين بيانًا من الرباط توعد فيه الفلسطينيين بـ”رد قاس”، وتوعد بضرب التجمعات السكنية للمدنيين بزعم أن المقاومة تتخذها كدروع بشرية، في انتهاك وتجاوز لكل الأعراف الدبلوماسية وفي تحد للشعور الوطني والمواقف المغربية الرسمية الثابتة من القضية الفلسطينية.
بيان غوفرين ووعيده للفلسطينيين من قلب العاصمة الرباط، من شأنه أن يزيد الضغوطات المسلطة على الملك المغربي محمد السادس في هذا الشأن، خاصة أن الشارع المغربي أثبت في أكثر من مرة رفضه القاطع لاتفاقيات التطبيع.
مع ذلك من المستبعد جدًا أن يتخذ الملك المغربي أي خطوة في اتجاه وقف مسار التطبيع، بل العكس يمكن أن يحصل، فالرباط حريصة على المواصلة في هذا النهج، خاصة بعد الاعتراف الإسرائيلي في يوليو/تموز الماضي بمغربية الصحراء.
بالرغم من تطبيع حكومته مع الكيان الصهيونى، شعب #المغرب يخرج في مظاهرات حاشدة في #الرباط لمساندة أهلنا في #غزة. #غزة_تحت_القصف #غزة_تقاوم #غزة_تنتصر pic.twitter.com/0M6lcQ9eil
— Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) October 15, 2023
هذه ليست المرة الأولى التي يطالب بها المغاربة النظام بالعدول عن اتفاقيات التطبيع، لكن الملك غير مبالٍ بنبض الشارع، ذلك أنه يرى أن التطبيع في هذا الوقت أهم من القضية الفلسطينية، فهو يصب في مصلحة القضية المغربية الأولى وهي قضية الصحراء الغربية.
ويرمي المغرب من التطبيع، تعزيز علاقاته مع الكيان الإسرائيلي وتعزيز مكانته على الساحة الإقليمية ودفع اقتصاده وتجديد ترسانته العسكرية، فضلًا عن القيام باختراقات تاريخية بخصوص ملف الصحراء الغربية المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو.
لم يُعرف عن ملك المغرب محمد السادس منذ توليه الحكم في يوليو/تموز 1999، أي دعم جدي للقدس ولا القضية الفلسطينية، إذ يكتفي كغيره من قادة العرب ببيانات الإدانة والاستنكار، وفي أفضل الأحيان يرسل مساعدات غذائية وطبية في بعض المناسبات، لتبييض صورته أمام الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي.
ويرأس ملك المغرب محمد السادس “لجنة القدس” التي أُسست خصيصًا للتصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى طمس الطابع العربي الإسلامي للقدس، وفي ظل رئاسته لها اقتصر نشاطها على صياغة بيانات الإدانة، مثلها مثل باقي الهيئات والمؤسسات العربية الإسلامية.
تضع المقاومة والجرائم الإسرائيلية الأخيرة في حق الفلسطينيين الأنظمة العربية في حرج كبير
كالعادة، سيعمل النظام في المغرب حاليًّا على فسح المجال أمام المغاربة للتظاهر وتبيان مساندتهم لفلسطين، كما سيصدر بعض البيانات المنددة والمستنكرة للجرائم الإسرائيلية وسينظم بعض الحملات التضامنية ويرسل قليلًا من المساعدات للفلسطينيين، وذلك حتى يغازل الرأي العام الداخلي.
يذكر أن قرار المغرب تطبيع العلاقات مع الإسرائيليين، مس كثيًرا من صورة الملك محمد السادس بين المغاربة والعرب والمسلمين، باعتباره “أميرًا للمؤمنين” ورئيس لجنة القدس، وكثيرًا ما كان يشدد على دعم القضية الفلسطينية، لكنه عمل بعد ذلك على تبييض صورته باستقبال قادة حماس في المملكة.
المقاومة تفضح الأنظمة العربية
دائمًا ما يدّعي الملك محمد السادس حرصه على دعم القضية الفلسطينية، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك، فالتطبيع شمل كل المجالات، ما مكن الكيان الصهيوني من التغلغل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى الثقافية والرياضية في المغرب.
حال باقي الأنظمة العربية لا يختلف كثيرًا عن نظام المغرب، فهذه الأنظمة تقول إنها تدعم القضية لكن هذا الدعم لا يتجاوز بيانات التنديد والاستنكار فقط، وفي أحسن الأحوال يرسلون بعض المساعدات الغذائية والطبية لفلسطين، ويستثمرون صور هذه الطائرات لبيان دعمهم.
ودائمًا ما يقول قادة الدول العربية المطبعة إن التطبيع لحماية الفلسطينيين ودعمًا لقضيتهم، لكن الواقع أثبت عكس ذلك، فمنذ إبرام اتفاقيات التطبيع والكيان الإسرائيلي زاد من جرائمه واستهدافه للفلسطينيين، ما أكد زيف ادعاءات قادة العرب.
#المغرب_الأقصى و رسالة إلى الأقصى
الدعم الكامل…
فعلا هناك تطبيع على الصعيد الرسمي لكن على الصعيد الشعبي فعلم الكيان تحت الأقدام ✌️✌️#طوفان_الأقصى pic.twitter.com/mTzrTAyUAR— Addi Hicham (@AddiHicham2) October 8, 2023
تضع المقاومة والجرائم الإسرائيلية الأخيرة في حق الفلسطينيين الأنظمة العربية في حرج كبير، فمع استمرار القصف العشوائي وسقوط المزيد من الشهداء، تبقى هذه الأنظمة صامتة لا يسعها إلا التنديد فقط، رغم أنه يمكنها القيام بأكثر من ذلك.
يمكن للأنظمة العربية مراجعة اتفاقيات التطبيع ووقفها، كما يمكنها وقف تصدير الغاز والنفط، فضلًا عن غلق قناة السويس ووقف التعاون مع الأنظمة الحليفة لـ”إسرائيل” والإشراف على حملات مقاطعة تجارية، لكن هذه القرارات تحتاج إرادة قوية، غائبة اليوم عن كل القصور العربية دون استثناء.
تفضح الجرائم الإسرائيلية المتواصلة مدى الهوان الذي وصلت إليه معظم الأنظمة العربية التي تتناقض مع طموحات وأهداف الشعوب بالتحرر وممارسة السيادة الوطنية، ما دفع الإسرائيليين لمواصلة استهداف الفلسطينيين دون وضع القادة العرب في اعتبارهم.