ترجمة وتحرير نون بوست
في المستقبل القريب، ستختفي الهواتف الذكية، تماما مثلما انقرضت أجهزة النداء وآلات الفاكس. وفي الأثناء، لا يزال يفصلنا عن هذا التحول ما لا يقل عن عقد من الزمن. وفي السياق ذاته، يعمل مؤسس شركة “سبيس إكس”، إيلون ماسك، فضلا عن العديد من الشركات الأخرى على غرار “مايكروسوفت”، “وفيسبوك”، “وأمازون”، على تمهيد الطريق للتخلي نهائيا على الهاتف الذكي. بالإضافة إلى ذلك، دعمت العديد من الشركات الناشئة هذا التغيير الجذري الذي سيشهده عالمنا.
وتجدر الإشارة إلى أن اختفاء الهاتف الذكي، في حال وقع ذلك، سيؤدي إلى تغير الأمور بشكل غريب. ولن يلقي ذلك بظلاله على الأجهزة الإلكترونية التي يستخدمها كل فرد منا فقط، بل سيحدث تحولا واضحا على حياتنا اليومية بشكل خاص وعلى الإنسانية جمعاء. وفيما يلي نظرة خاطفة لاحتضار الهاتف الذكي، فضلا عن الشكل الذي سيتخّذه العالم بعد اختفائه.
على المدى القصير
عموما، يتعامل الأفراد مع الهواتف الذكية، من قبيل “الأيفون”، على أنها أجهزة ثوريّة، حيث أنها صغيرة الحجم بما يكفي لحملها إلى أي مكان، وذات أداء عالي ما يسمح لمستخدميه بتوظيفه للتعامل بفعالية مع العديد من المهام اليومية. بالإضافة إلى ذلك، يضم هذا الجهاز جملة من الخاصيات على غرار الكاميرا، ونظام تحديد المواقع “جي بي أس”. وبالتالي، يفتح المجال لاستخدام تطبيقات عديدة من قبيل “سناب شات” “وأوبر”.
ستتحول جميع التكنولوجيات المبتكرة، التي لا تزال في مراحلها الأولى والتجريبية، إلى شيء مألوف ولكنه غريب في الوقت نفسه
من منظور آخر، وكما هو الحال بالنسبة للحاسوب الذي يمثل دمجا بين الفأرة، ولوحة المفاتيح، والشاشة، فقد اعتمد الهاتف الذكي النموذج ذاته في حجم أصغر. ففي الواقع، يجمع الهاتف الذكي بين المعطيات الرقمية وخاصية اللمس. فعلى سبيل المثال، كشفت شركة “سامسونغ” النقاب مؤخرا عن هاتفها الجديد من نوع “غالاكسي إس 8″، الذي يتميز بشاشة مذهلة وأداء استثنائي. وعلى الرغم من أن هذا الإصدار الحديث يُعتبر مثيرا للإعجاب، إلا أنه مجرد تحسين وتطوير لما سبقه، وبالتالي، لا يمكن اعتباره ثورة في عالم الهواتف الذكية.
هاتف سامسونغ “غالاكسي إس 8”
والجدير بالذكر أن هاتف سامسونغ الجديد يتميز بمساعد افتراضي يُدعى “بيكسبي”، الذي من المفترض أن يمكّن مستخدمي هذا الهاتف من التحكم في جميع مميزاته وتطبيقاته بالاعتماد على الصوت فقط. علاوة على ذلك، يرافق هاتف “غالاكسي إس 8” نسخة جديدة من سماعة “جير في آر” ذات الخاصية الافتراضية التي تحاكي الواقع، والتي تم تطويرها بالتزامن مع جهاز “أوكيلوس” التابع لفيسبوك.
أما بالنسبة لجهاز “آيفون” المقبل، فقد قيل إنه سيحمل في طياته جملة في من التحسينات على مستوى المساعد الافتراضي الخاص به، “سيري”، بالإضافة إلى عدة مميزات، تهدف بالأساس إلى تعزيز الجانب الواقعي للجهاز. في المقابل، تستمر أجهزة أخرى على غرار “أمازون إيكو”، “وسوني بلاي ستيشن في آر”، فضلا عن “ساعة آبل” في تحقيق نجاح محدود وجوهري في الآن ذاته. كما يُتوقع أن تدخل المزيد من الشركات التكنولوجية، الكبرى والصغرى على حد سواء، مضمار المغامرة من خلال محاولة الاضطلاع بجملة من التجارب في إطار موجة تطوير واجهات الحواسيب القادمة.
إن تعزيز عامل الواقعية في الأجهزة من شأنه أن يطيح بالهواتف الذكية، والتلفزيون، وأي جهاز آخر يحتوي على شاشة
على المدى المتوسط
في الحقيقة، ستتحول جميع التكنولوجيات المبتكرة، التي لا تزال في مراحلها الأولى والتجريبية، إلى شيء مألوف ولكنه غريب في الوقت نفسه. ففي الوقت الراهن، تعمل كل من شركات “مايكروسوفت”، “وفسيبوك”، “وغوغل”، و”ماجك ليب” التي تدعمها “غوغل”، على إنشاء سماعات ذات خاصية مستقلة وقادرة على محاكاة الواقع. وتتميز هذه الأجهزة بخاصية عرض الصور بتقنية ثلاثي الأبعاد بشكل مفصل أمام عينيك مباشرة. وفي الأثناء، تواترت الشائعات بأن شركة آبل تعمل على تطوير أجهزتها هي الأخرى.
من جهته، أكد الخبير الفني في شركة مايكروسوفت، أليكس كيبمان، لموقع “بيزنس إنسايدر”، أن تعزيز عامل الواقعية في الأجهزة من شأنه أن يطيح بالهواتف الذكية، والتلفزيون، وأي جهاز آخر يحتوي على شاشة. ونتيجة لذلك، لن يصبح استخدام هذه الأجهزة عمليا في الوقت الذي بإمكانك فيه ربط المكالمات، والدردشات، والأفلام والألعاب، بحاسة البصر وعكسها على العالم المحيط بك.
سماعات آبل “آير بود” تربط الأذنين بالمساعد الافتراضي “سيري”
من جانب آخر، أصبحت أجهزة من قبيل “أمازون إيكو” وسماعات آبل “آير بود” مهمة للغاية في عالمنا. وفي الوقت الذي تتطور فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي على غرار “سيري” التابع لآبل، و”أليكسا” التابع لأمازون، بالإضافة إلى “بيكسبي” التابع لسامسونغ، “وكورتانا” التابع لمايكروسوفت، لن نصبح قادرين على التحدث إلى أجهزة الكمبيوتر فحسب، بل ستتحدث إلينا هذه الأدوات بدورها.
إن جميع الاستثمارات المستقبلية، على امتداد عقد من الزمن، ستواصل الاعتماد على أجهزة من المفترض ارتدائها، حتى ولو كانت مجرد زوج من النظارات
بعبارة أخرى، ستسلبك أجهزة الكمبيوتر حواسك، أكثر من ذي قبل، حيث سيرتبط نظرك وسمعك بالتكنولوجيا. في الحقيقة، يبدو هذا الأمر مخيفا قليلا، فعلى سبيل المثال، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار مواضع الخلل في موقع فيسبوك، وتأثيرها على عالمك في الوقت الذي لا يتم فيه السيطرة على ما تقرأه على هاتفك فحسب، بل فيما تراه من حولك أيضا.
وفي الأثناء، وعدت أغلب شركات التكنولوجيا بخلق عالم في غاية السلاسة يجمع بين الحياة الحقيقية والتكنولوجيا، كما تعهدت بأن مستقبل الأجهزة الإلكترونية سيؤدي إلى تركيز المزيد من التوازن والتخلص من كل الملهيات التي تعيق تطورنا في هذا المجال. وبالتالي، سيصبح العالم المادي والرقمي وجهان لعملة واحدة.
المستقبل المجنون
وعلى الرغم من كل ما ذكر آنفا، فإن جميع الاستثمارات المستقبلية، على امتداد عقد من الزمن، ستواصل الاعتماد على أجهزة من المفترض ارتدائها، حتى ولو كانت مجرد زوج من النظارات. فضلا عن ذلك، ينتظرنا المزيد من التقدم التكنولوجي أكثر جنونا مما قد نتوقع.
إن تنامي الذكاء الاصطناعي، الذي يعزّز الكثير من التقنيات الأخرى على غرار المساعدين الصوتيين والواقع الافتراضي، يتطلب بالضرورة أن يحسن الإنسان الرفع من أدائه من أجل مواكبة الآلات
وفي السياق ذاته، شارك إيلون ماسك مؤخرا في إنشاء “نيورالينك”، وهي شركة جديدة، ستعمل على دمج أجهزة الكمبيوتر داخل أدمغتنا عن طريق “الأربطة العصبية”. وتمثل هذه الخطوة حجر الأساس لخلق تكنولوجيا من شأنها بناء جسر بين الدماغ والحاسوب. وفي الأثناء، من المتوقع أن تحدث هذه الخطوة ثورة، إذ ستساهم في دمج العالمين الرقمي والفيزيائي، حيث سيتم الجمع بين الإنسان والآلة.
ووفقا لآخر التطورات، يؤمن العديد من الأشخاص الأذكياء، أن هذه الخطوة الآنف ذكرها ستكون بمثابة نقطة النهاية المنطقية لوجود الهواتف الذكية. ففي حين تمكننا الهواتف الذكية من الوصول إلى المعلومات، سيسمح لنا الواقع الإفتراضي بوضعها نصب أعيننا عند الحاجة، وبالتالي، ستعمد “الأربطة العصبية” داخل أدمغتنا إلى سد تلك الفجوة.
تنبأ “ريموند كرزويل” بمستقبلنا المليء بكائنات “السايبورغ” منذ وقت طويل
وفي هذا الصدد، أشار إيلون ماسك إلى أن تنامي الذكاء الاصطناعي، الذي يعزّز الكثير من التقنيات الأخرى على غرار المساعدين الصوتيين والواقع الافتراضي، يتطلب بالضرورة أن يحسن الإنسان الرفع من أدائه من أجل مواكبة الآلات. ومن بين الأشخاص الذين يؤمنون بهذه الفكرة، نجد المستقبلي، ريموند كرزويل، الذي يمثل الصوت الرائد في هذا الموضوع.
يشير الكثير من التكنولوجيين إلى أن الهواتف الذكية تؤمن لنا قوى عظمى من خلال الولوج إلى المعرفة والحكمة، فضلا عن قدرات تفوق ما توفره لنا الطبيعة
في الواقع، يُعتبر الدمج بين الإنسان والآلة فكرة مرعبة، في الوقت الذي يملك فيه كتّاب الخيال العلمي، ومحبي التكنولوجيا، والفلاسفة على حد سواء أسبابا وجيهة للغاية للتساؤل حول ما يجعلنا بشرا في المقام الأول. في الأثناء، تعتبر هذه الفكرة جديدة وخارجة عن المألوف، وبالتالي، لا أحد يعلم حقا ما سيبدو عليه هذا العالم في ظل هذه التطورات حين يتم تجسيدها على أرض الواقع.
ونتيجة لذلك، وفي حال اختفى الهاتف الذكي، فسيعلن ذلك، عن نهاية حقبة زمنية كاملة بأكثر من طريقة، حيث سنشهد نهاية الأجهزة الإلكترونية التي نحملها معنا، وبداية زمن ارتباط أجسادنا بزخّ من المعلومات الرقمية، وهو أمر غريب فعلا. في المقابل، يشير الكثير من التكنولوجيين إلى أن الهواتف الذكية تؤمن لنا قوى عظمى من خلال الولوج إلى المعرفة والحكمة، فضلا عن قدرات تفوق ما توفره لنا الطبيعة. من ناحية أخرى، سيُعدّ تطوير العقل البشري بمثابة القوة العظمى القصوى.
المصدر: بيزنس إنسايدر الفرنسي النسخة الإنجليزية