قال ناصر شريف نائب وزير النقل في حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إن وزارته تعمل بوتيرة عالية لفتح ميناء المخا – الذي يقول التحالف العربي إنه يسيطر عليه بشكل كامل – ليكون بديلًا لميناء الحديدة المتنفس الوحيد لليمن في ظل الحرب الأهلية في البلاد.
وفي تصريحات للصحفيين يوم السبت 8 من أبريل، كشف شريف أن التحالف أوقف ميناء الحديدة نتيجة لما اعتبره منفذًا لتهريب الأسلحة والتمويل المالي للحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، هو ما يشير إلى استعداد التحالف لشن هجوم قوي على الميناء لانتزاعه من السيطرة الحوثية.
وبما أن الهجوم على ما يبدو أصبح مسألة وقت، يضع المراقبون سيناريوهات عدة لهذه الخطوة، لا سيما أنه يأتي في ظل تناقضات دولية وتحذيرات من أن الهجوم يفاقم الأزمة الإنسانية ويهدد بمجاعة كبيرة في اليمن، نتيجة إحكام الحصار على كل مفاصل البلاد برًا وجوًا وبحرًا، ويصبح المواطن اليمني بين كماشتي الأعداء المتصارعين على السلطة.
مع فارق الإمكانيات بين الحوثيين وقوات التحالف العربي، ستنتهي الحرب إلى سيطرة المملكة العربية السعودية على شريط الحديدة الساحلي بشكل كامل، لكنها لن تستطيع التقدم بعمق أكبر نتيجة لوعورة التضاريس فيها
تحالف الحوثي/ صالح، يبدو علنيًا أنه مستعد للدفاع عن معركة الساحل وخصوصًا الحديدة، إلا أن طرف الحوثيين لا يلتزمون بالاتفاق مع صالح، ويعملون على مضايقة أنصاره ورموز حزبه والوزراء التابعين لحزبه “أعضاء ما تسمى حكومة الإنقاذ في صنعاء”، ويدل على ذلك الاستقالة التي تقدم بها عبد العزيز بن حبتور رئيس وزراء حكومة صنعاء يوم الأربعاء 5 من أبريل 2016 (تم احتواؤها بعد ساعات من تقديمها)، وهذا ما قد يجعل صالح أو أنصاره يغيرون من استراتيجية المعركة وينسحبون منها حتى لا يخسرون فيها أعدادًا بشرية كبيرة، وجزاء للحوثيين الذين يحاربون كل اليمنيين حتى حلفائهم.
سيناريو الانتصار أو الخسارة
وهذا يعني أن الحوثيين سيبقون منفردين في هذه المعركة للقتال بأسلوب حرب حزب الله اللبناني مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في 2006، وهو ما يشير إلى أن النتيجة ستكون خسائرها كبيرة في العدة والعتاد والبشر من الطرفين، غير أن بقاء الحوثيين وحيدون في هذه المعركة وبعيدون عن القوات الموالية للرئيس اليمني السابق يعتمد على إصلاح الشروخات التي تسبب بها الحوثيون مع أنصار صالح.
ومع فارق الإمكانيات بين الحوثيين وقوات التحالف العربي، ستنتهي الحرب إلى سيطرة المملكة العربية السعودية على شريط الحديدة الساحلي بشكل كامل، لكنها لن تستطع التقدم بعمق أكثر نتيجة لوعورة التضاريس بها، غير أن الانتصار في ميناء الحديدة وإحكام السيطرة عليه سيفتح شهية التحالف لفتح جبهات أكثر والتقدم نحو العاصمة صنعاء، وهذا يعد من السيناريوهات المتوقعة في الحرب اليمنية.
السيناريو الثاني، قد يؤجل تحالف الحوثي وصالح خلافاتهم السياسية أو سيتم احتواء المشاكل الداخلية الحالية، إلى ما بعد معركة الحديدة، ويعملون على الاستعداد الجيد لها، ويكتسبون الخبرة من القتال لعامين متتالين في ساحل ميدي إضافة إلى الاستفادة أيضًا من معركة حزب الله اللبناني مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في 2006 في خوض الحرب بالمناطق المكشوفة، وبلا شك الحزب نقل تلك التدريبات إلى الحوثيين خلال الأعوام الماضية.
يصل تعداد سكان الحديدة بحسب تعداد 2011 إلى 2.621 مليون نسمة، إضافة إلى أنها المحافظة الأكثر فقرًا في اليمن، ويعتمد سكانها على الأجر اليومي من خلال الصيد الذي سيتوقف كليًا مع انطلاق أول شرارة للقتال فيها
هذا السيناريو لا يختلف عن سابقه فيما يخص الخسائر البشرية من الجانبين والمواطنين الأبرياء أيضًا، لكنه يشير إلى خطورة الحرب في الساحل والذي قد تتطور إلى ضرب بوارج حربية، ومن ثم الاعتداء على بواخر تجارية تمر على الممر التجاري، وهو ما سيولد ضغوطًا دولية كبيرة على التحالف العربي لوقف الحرب في هذا الميناء، وإضافة إلى خسائرها المتوقعة ستجبر على أن تتوقف وتفتح باب التفاوض للحل السياسي لكن دون البت فيه، على أمل أن ترهق التحالف الداخلي وتنتظر خلافهما.
وقد يسجل هذا كانتصار لتحالف الحوثي/ صالح، وقد يكون نصرًا عسكريًا ومعنويًا، وهو ما قد يجعل التحالف العربي بقيادة السعودية يغير من مواقفه في الحرب والبحث عن مناطق أخرى لفتح جبهات فيها بهدف استنزاف التحالف القائم بين الحوثي وصالح وإرهاقه من أجل إعطاء الفرصة للقوات الحكومية بالتوسع أكثر في مناطق عدة.
لا يمكن أن نغفل الجانب الإنساني لمحافظة الحديدة والتي يصل تعداد سكانها بحسب تعداد 2011 إلى 2.621 مليون نسمة، إضافة إلى أنها المحافظة الأكثر فقرًا في اليمن، ويعتمد سكانها على الأجر اليومي من خلال الصيد الذي سيتوقف كليًا مع انطلاق أول شرارة للقتال فيها، وهذا يشير إلى أن الحرب في هذه المحافظة ستفاقم من أزمة أبناء الحديدة وسيموت غالبيتهم من الجوع وبعضهم سيموت في الحرب والآخر سينزح إلى محافظة صنعاء أو المناطق القريبة إليها، ويتوقع أن يكون أكبر نزوح سكاني في تاريخ اليمن.
لماذا السعودية متحمسة؟
تريد المملكة العربية السعودية أن تكون مساهمة أيضًا في المراقبة على الممرات الدولية، وتفكر بمنافسة الإمارات العربية السعودية في بناء أساطيل عسكرية في عمق البحار
تعمل المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي في الحرب على اليمن، على إقناع المجتمع الدولي بأهمية السيطرة على ميناء الحديدة، ويبدو أنها متحمسة أكثر من القوات الإماراتية التي تتسابق على الجزر اليمنية المطلة على البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب، بهدف استراتيجي بعيد المدى، غير أن السعودية تسعى للسيطرة على الحديدة لأسباب عدة منها:
السبب الأول.. ميناء الحديدة يستقبل 70% من واردات البلاد من الغذاء والدواء والوقود، إضافة إلى أن العائدات الجمركية من الميناء يستغلها الحوثيون في تمويل عملياتهم الحربية وفقًا لتهم القوات الحكومية والتحالف العربي، والسيطرة عليه يقطع أهم مورد اقتصادي على الحوثيين، إضافة إلى خنق اليمنيين أكثر وحصارهم، على أمل الانتفاضة ضد الحوثيين للمطالبة برواتبهم أو بقوت يومهم، لكن هذا قد يجعل غالبية اليمنيين الذين لا يجدون قوت يومهم لهم ولأولادهم يلجأون إلى التنظيمات الإرهابية التي ستستغل كثيرًا منهم لخدمة أهدافها وأجندتها مستقبلًا في البلاد.
السبب الثاني.. ميناء الحديدة أو الحديدة بشكل عام قريب جدًا من جازان السعودية ذات القبائل المتداخلة والمتقاربة والأنساب المختلطة، وهي تخشى أن سيطرة الحوثيين على الحديدة يساعدهم على نشر المذهب الزيدي أو الشيعي في محافظات الجنوب السعودية، وهو ما قد يهدد أمنها مستقبلًا، وتريد أن تسيطر على الحديدة لمنع تسريب مثل هذا إلى داخل أراضيها حتى لا يكون هناك ثغرة لتمدد المذاهب التي تعادي المذهب الوهابي.
السبب الثالث.. تريد المملكة العربية السعودية أن تكون مساهمة أيضًا في المراقبة على الممرات الدولية، وتفكر بمنافسة الإمارات العربية السعودية في بناء أساطيل عسكرية في عمق البحار، وتكون من الدول التي تتحكم بمصير الملاحة الدولية لأهداف بعيدة المدى.
سيناريوهات الحرب
وفقًا لمصدر مسؤول في الحرس الجمهوري اليمني رفض الإفصاح عن اسمه لحساسية الموقف ومنصبه، فإن الحرس الجمهوري كان يتملك ما يفوق عشرة آلاف صاروخ محمولًا على الكتف (بعضها معلوم والآخر سري) وهو من يحيد طائرات الأباتشي في المعركة
يبدو أن الحرب لها سيناريوهات عديدة، ستنتهي إلى اتفاق سياسي شامل ستكون المملكة العربية السعودية طرفًا رئيسيًا فيه، فالتاريخ يُعيد نفسه من جديد، فالحرب الحالية شبيهة بالحرب السعودية اليمنية 1924- 1934 والتي تفوق فيها الجيش الملكي السعودي في السواحل اليمنية، قابله تفوق جيش المملكة المتوكلية اليمنية في الحد الجنوبي “عسير وحاصر مدينتي صبيا وجازان”، لكن تلك الحرب انتهت باتفاقية الطائف، حيث اعترفت المملكتين بكل منهما.
وهذا يعني أن السيطرة على الحديدة من قبل التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية بات مسألة وقت، ونتيجة لتفوق التحالف العربي بالسلاح الجوي وطائرات الأباتشي، غير أن تحالف الحوثي وصالح قد يعد خطة بديلة لتعويض ميناء الحديدة وهو حسم موضوع جازان وعسير ونجران وإسقاطهما، وذلك سيجبر المملكة العربية السعودية على القبول بالواقع السياسي.
غير أن التاريخ الحالي يختلف عن عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي بالسلاح والتطور الفضائي والتكنولوجي، فإن الحرب الجبلية قد تحسمها الطائرات الحديثة “الأباتشي”، وما يعيقها إلا الصواريخ الموجهة التي تحمل على الكتف، فهل القوات الموالية للرئيس اليمني تمتلك هذا النوع من السلاح؟
وفقًا لمصدر مسؤول في الحرس الجمهوري اليمني رفض الإفصاح عن اسمه لحساسية الموقف ومنصبه، فإن الحرس الجمهوري كان يتملك ما يفوق عشرة آلاف صاروخ محمولًا على الكتف (بعضها معلوم والآخر سري) وهو ما يحيد طائرات الأباتشي في المعركة، غير أن مصدر آخر، كشف لكاتب السطور أن الولايات المتحدة الأمريكية سحبت نحو سبعة آلاف صاروخ في 2013 من الرئيس اليمني بحجة تخوفها أن يقع هذا النوع من الأسلحة بيد جماعات متشددة، ووافق الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على تسليمها هذه الصواريخ إضافة إلى تفريغ الدفاعات الجوية.
إن الحرب على الحديدة أو السيطرة عليها لا يبدو أنها ستنهي الصراع اليمني بقدر تلك النهاية المأساوية التي ستضعها للمواطن اليمني، لكون سقف التوقع لتحالف صنعاء هو وصول القوات الموالية إلى حدود صنعاء
وهذا يعني أن القوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ما زالت تمتلك عددًا لا بأس به من الصواريخ المضاد للطيران، وقد يستعملها في الحرب الجبلية على الحدود السعودية اليمنية في حال اتخذ قرارًا بإسقاط محافظات نجران وجازان وعسير السعودية.
الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، يتحدث في خطاباته المتكررة عن حرب حصار ما بات يعرف بحصار (السبعين) على العاصمة صنعاء عام 1967، عندما كانت المملكة العربية السعودية تدعم الملكيين في اليمن لقتال الجمهوريين، وهذا يبدو أنه سيناريو متوقع لصالح بأن تستطيع القوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مسنودة بالتحالف العربي السيطرة على الجبال المطلة على صنعاء، وهذا ما يراهن صالح عليه.
إن الحرب على الحديدة أو السيطرة عليها لا يبدو أنها ستنهي الصراع اليمني بقدر تلك النهاية المأساوية التي ستضعها للمواطن اليمني، لكون أن سقف التوقع لتحالف صنعاء هو وصول القوات الموالية إلى حدود صنعاء، وستتحطم على تلك الجبال، والنهاية ستكون اتفاقًا سياسيًا وتغادر كل الأطراف الساحة السياسية.