استقبلت ألمانيا أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريين لمصلحة قومية بالرغم أنها صدرت ذلك للعالم بأنه دافع إنساني، فالمعلوم أن ألمانيا تعاني من ارتكاسات حقيقية في بنيتها السكانية تجعلها تبحث عن نوعية معينة من المهاجرين يسد العجز السكاني.
وإذا كانت ألمانيا ودول أخرى حول العالم لعل أبرزها كندا التي استقبلت لاجئين بأعداد كبيرة وهي في النصف الآخر من الكرة الأرضية، فلماذا لم تفكر دول الخليج بذلك! وهي ربما أحق بهم من غيرهم، بسبب رابطة العرق واللغة والدين، فهل يبطل العجب إذا عُرف سبب عدم استقبال الخليج للاجئين؟
استقبال ألمانيا وكندا للاجئين السوريين
يحتاج استقبال اللاجئين لجملة من المعايير منها ما يتعلق باللاجئ نفسه ومنها ما يتعلق بالدولة المستضيفة، فاللاجئ هو الشخص الذي يهرب من بلده إلى بلد آخر خوفًا على حياته أو خوفًا من السجن أو التعذيب، وغير قادر على العودة إلى هناك في المستقبل المنظور، وتتعدد أسباب اللجوء بسبب الحرب والإرهاب والفقر. ينطبق هذا التوصيف على اللاجئ السوري الذي هرب من بلاده بسبب ظروف الحرب القاهرة والتي تسببت بانعدام أهم وسائل المعيشة وهي الأمن.
اللاجئ هو الشخص الذي يهرب من بلده إلى بلد آخر خوفًا على حياته أو خوفًا من السجن أو التعذيب، وغير قادر على العودة إلى هناك في المستقبل المنظور
وبالنسبة للدولة المستضيفة، فإما أن يكون لديها قوانين تشرعن اسقبال اللاجئين لأسباب تراها مقنعة، كما في ألمانيا وكندا ودول أخرى، وهذه الدول لديها برامج جاهزة لاستقبال اللاجئ منذ أن تطأ قدمة على أرض الدولة، أو أنها تقوم باستقبال اللاجئين رغمًا عنها وهي غير مهيئة لاستقبالهم، فتتدخل الأمم المتحدة في تنظيمهم والصرف على حاجاتهم من خلال إقامة المخيمات وتقديم الخدمات الضرورية لهم.
لاجئين سوريين في ألمانيا مع وزير الخارجية
لدى ألمانيا أسباب قوية تدعوها لاستقبال اللاجئين السوريين، حيث بلغ من استقبلتهم ألمانيا من اللاجئين في العام 2015 نحو مليون لاجئ، فمنذ عام 2000 يسجل مؤشر عدد الولادات انخفاضًا مطردًا، حيث سجل في العام 2015 نحو 8.42 لكل ألف شخص في حين سجل معدل الوفيات 11.5، وهذا يبين حجم المشكلة في ألمانيا فمقابل ثماني ولادات هناك 11 وفاة سنويًا لكل ألف شخص أي أنه هناك عجزًا بنسبة 0.3%. كما أنه خلال الـ35 سنة الأخيرة يقل جيل الأطفال عن جيل البالغين بمقدار الثلث -فمن بين تسعين بالغًا يوجد 30 طفلا- حيث يعتبر معدل الخصوبة عند الألمان من أدنى المعدلات في العالم حيث يبلغ 1,38 طفل لكل امرأة.
يعتبر معدل الخصوبة عند الألمان من أدنى المعدلات في العالم حيث يبلغ 1,38 طفل لكل امرأة
فضلًا عن ارتفاع متوسط الأعمار هناك، حيث وصل إلى 77 عامًا بالنسبة للرجال و82 بالنسبة للسيدات، وهو ما يجعل البلاد تعاني من شيخوخة يشير المكتب الإحصائي الألماني أن نسبة الشيخوخة سترتفع ما فوق 65 عاما على أن يشكل هؤلاء ثلث عدد السكان عام 2060، ويتوقع أيضا أن تنخفض نسبة من هم تحت سن 15 عامًا إلى 13% وهي من بين أدنى النسب المئوية في العالم، أما من هم فوق الستين فمن المتوقع أن ترتفع نسبتهم من 27% إلى 39%.
كندا هي الأخرى تقتفي ما اقتفته ألمانيا حيث لا تفتأ الحكومة الكندية تستقبل المهاجرين وتعتبرهم مصدر قوة لها ولمستقبل كندا، وأعلن وزير الهجرة الكندي عن رغبة بلاده في استقبال 300 ألف مهاجر خلال العام الحالي 2017 بينما دعا المجلس الاستشاري للشؤون الاقتصادية الحكومة مسبقًا إلى زيادة أعداد المهاجرين بنسبة 50% لتصل إلى 450 ألفًا سنويًا.
تعاني كندا من مشكلة سكانية هي الشيخوخة والتقدم في العمر لدى نسبة كبيرة من سكانها
حيث تعاني كندا من مشكلة سكانية هي الشيخوخة والتقدم في العمر لدى نسبة كبيرة من سكانها البالغ عددهم نحو 36 مليون نسمة، إذ انخفض معدل المواليد منذ تسعينيات القرن الماضي لعوامل عديدة تتعلق بالخصوبة، وقد أعلن رئيس الوزراء جاستن ترودو فور توليه منصبه نهاية العام 2015 عن إعادة تحفيز الهجرة إلى بلاده خاصة من خلال استقبال اللاجئين السوريين.
إذن، فاستقبال اللاجئين السوريين بالنسبة لهاتين الدولتين دل على مصلحة قومية لحل مشكلة كبيرة وقعت كلا البلدين فيها، وتطلب حلها استحضار سكان جدد. علمًا أن كلا البلدين يعاملون اللاجئين وفق آلية معينة تهدف إلى إدماج اللاجئ خلال سنوات معينة ليكون فرد فاعل ومنتج ومندمح مع مجتمعه الجديد بعد فترة “الحضانة” هذه، حيث يخضع اللاجئ لدورات لغة وتأهيل وتدريب للعمل ويتم عمل كافة الأوراق الضرورية له لضمان وجده في أنظمة الدولة المختلفة.
لماذا لم تستقبل دول الخليج اللاجئين السوريين؟
تصاعدت الانتقادات لدول الخليج الغنية بالنفط والمال من قبل المؤسسات الدولية والمسؤولين الأجانب، وبالأخص على السعودية التي تحمل الهم الإسلامي وفيها المقدسات الإسلامية.
حيث وجهت سارة حشاش المسؤولة الصحفية بالبرنامج الإعلامي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية في سبتمبر/أيلول من العام 2015 لقطر والكويت والبحرين والسعودية والإمارات انتقادات لأنها لم تستقبل رسميا أي لاجئين، وأن سجلت “موقفًا شائن” تمامًا مع اللاجئين السوريين.
عدد من المثقفين الخليجيين قدموا إجابات مجتزئة عن هذا الموضوع، حيث فسّر عبد الله العذبة من قطر، رئيس تحرير صحيفة “العرب” موقف بلاده تجاه قضية اللاجئين السوريين ” قطر بلد صغير يقدم تبرعات للاجئين في الأردن وتركيا وشمال العراق”، وأضاف أن بلاده لا تستطيع، لأسباب وصفها باللوجستية، أن تقبل أعدادًا كبيرة من اللاجئين ولذلك تفضل تقديم دعم مالي.
وتكلم أستاذ العلوم السياسية عبد الخالق عبد الله من الإمارات، عن موقف بلاده من عدم استقبال لاجئين بالقول “أعداد الأجانب كاسحة هنا لدينا 90% فهل تريد أن تحول السكان المحليين إلى أقليات في بلادهم؟ هم بالفعل كذلك”، وهو يشير إلى الأعداد الكبيرة من الأيدي العاملة في بلاده ومعظمها من دول جنوب شرق آسيا.
ورأى المحلل السياسي الكويتي الدكتور فهد الشليمي أن اللاجئين السوريين يعانون من “مشاكل عصبية ونفسية” وأنهم من “بيئة أخرى مختلفة”، مضيفًا أيضًا أن تكلفة المعيشة في الكويت تتطلب أموالا من اللاجئين أكثر من دول أخرى!.
الحكومات الخليجية ومنذ اندلاع الثورات في دول الربيع العربي وقفت موقفًا مناهضًا ضدها ودعمت في بعض البلدان الثورات المضادة.
لم يقدم أولئك الأشخاص إجابات شافية عن هذا الموضوع، فالواقع أن الحكومات الخليجية ومنذ اندلاع الثورات في دول الربيع العربي وقفت موقفًا مناهضًا ضدها ودعمت في بعض البلدان الثورات المضادة.
ويُذكر أنها (أي دول الخليج) فتحت الباب للاجئين من نوع معين وهم فئة رجال الأعمال وأصحاب المال وأطباء ومهندسين، وأقفلت حدودها على النوع الأكبر من اللاجئين الذين يبلغون عددهم مئان الآلاف واستقبلت تركيا منهم 3 مليون ومئات الآلاف في الأردن ولبنان ومنهم ركبوا المخاطر عبر البحار للوصول إلى أوروبا.
والحقيقة من عدم استقبال الدول الخليجية لذلك النوع من اللاجئين هو خشيتها من انتقال ما تسميه “جرثومة الثورة” أو”الفوضى” إلى مجتمعاتها لأن أولئك اللاجئون يمثلون الحاضنة الحقيقية للثورة في بلدهم وهي لا تزال مشتعلة وحديثهم وشغلهم الشاغل، وربما خشيت الحكومات من تأجيج مشاعر الشعوب الخليجية ضد حكوماتها.
فتحت دول الخليج الباب للاجئين من نوع معين وهم فئة رجال الأعمال وأصحاب المال وأطباء ومهندسين، وأقفلت حدودها على النوع الأكبر من اللاجئين
أما من ناحية المصلحة القومية، فالدول الخليجية تحتاج إلى يد عاملة في المستويات المختلفة وهي تستقبل يد عاملة من دول جنوب شرق آسيا. كان من الممكن أن يكون اللاجئون بديلًا أفضل من الآسيويين، من الناحية التعليمية والمهارة ومن ناحية اللغة والدين والعرق. وبهذا اختارت دول الخليج ألا تكون مثل ألمانيا وكندا لاستقبال اللاجئين من وازع مصلحة قومية بل اختارت الوازع الإنساني من بعيد، حيث تقوم بدعم اللاجئين في الدول التي استضافتهم في الأردن ولبنان وتركيا.