1991-2007
مع بداية عقد التسعينيات كان أن دخلت الصومال والقرن الإفريقي، المرحلة الأخطر في تاريخهما، في سياق الشلل الذي أصاب مرافق الدولتين الصومالية والإثيوبية، بعد أن تمّ فيهما تحويل موارد الولة كلها، باتجاه الإنفاق على الحملات العسكرية المستمرة ضد الحركات القومية والوطنية المناهضة للدكتاتورية، والمطالبة بحقوق الفئات والأقاليم المهمّشة، في شمال غرب الصومال، وإرتريا وشمال غرب إثيوبيا.
وقد كانت الدولتان الجارتان اللدودتان الصومال وإثيوبيا، قد حاولتا تدارك الخطأ التاريخي الذين ارتكبتاه بالرعاية المتبادلة لمعارضيهما، لكن تلك الحركات المناوئة للنظامين، كانت قد بلغت من القوة، وحصدت من التأييد الشعبي، ما لا يمكن عكسه او التغلّب عليه.
وعلى الرغم من أن الطريق كان واضحًا أمام التنظيمات المعارضة الإثيوبية/الإرترية، فإن الأمر بدا مختلفًا أمام التنظيمات الصومالية لأسباب بنيوية، كوحدة القومية والدين واللغة، إلّا أنه نتيجة لسلسلة من الأخطاء التاريخية، إضافة للفشل الدبلوماسي الصومالي الذي لم يتم يومًا إصلاحه منذ حرب سنة 1977، قد حصدت البلاد عزلة تامة، في خضمّ أحداث كبرى في النطاق المحيط بالصومال، بسيطرة الإسلاميين على السودان، وهزيمة السوفييت في جنوب آسيا، وتفكك منظومة الدول العنصرية في جنوب القارة الإفريقية، واجتياح العراق للكويت، واتفاقيات السلام في الشرق الوسط، كل ذلك شتت الانتباه العربي والإقليمي والدولي عن الأزمة الصومالية في بواكيرها، وقد سمح الموقع الجغرافي والديني لإثيوبيا، بمنحها ميزة إضافية، فمع تحقق تحريرإرتريا إعلانها لاستقلالها، فقد كان لزامًا على الغرب تدارك الوضع في إثيوبيا عبر تأمين توافق بين القوى السياسية والعسكرية المتنافسة، على عكس ما حصل في الصومال.
وقد كان إعلان البنك الدولي البنك عن قائمة قصيرة بالدول المرشّحة لأن تكون رائدة في إنتاج النفط، شملت في مقدّمتها جمهوريتي الصومال والسودان، في ذات السنة التي تعرّض فيها أرشيف أعمال الاستكشاف النفطي من مخازن ومستودعات وزارة المعادن والمياه بـ”مقديشو” ، للنهب والحرق والتدمير أي سنة 1991م، وما بقي عالقًا في الأذهان من تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش من اليمن سنة 1986م، عن رغبة الولايات المتحدة، في تشجيع أعمال التنقيب والإنتاج للنفط والغاز، خارج منطقة الخليج العربي، وبعيدًا عن مضيق هرمز والمخاطر السياسية والعسكرية التي تمور بها تلك المنطقة، مما جرّ عبر ذلك التوجّه نتائج عكسية على استقرار البلاد جملة.
فقد بات واضحًا سر السلوك المميز لشركة كونوكو، في تعاملها مع تعليق الأعمال بالقوة القاهرة، الذي قاد كل الشركات لسحب طواقمها ومعدّاتها من البلاد، فعلى العكس من ذلك قامت تلك الشركة العملاقةو، بالحفاظ على وجود واضح لها في مقرّها بالعاصمة، وأسست لشبكة اتصال مع العناصر الجديدة، التي برزت من حالة الفوضى التي تلت هروب قائد النظام، واعمال النهب والصراع السياسي الذي قاد لانهيار الدولة تمامًا.
ولاشكّ في أن تحرّك الشركة البترولية العملاقة تلك، وما أبدته من الثقة في علاقاتها على الأرض الصومالية، قد قاد رجل البترول الذي أصبح على رأس السلطة في الولايات المتحدة جورج بوش، إلى محاولة الاستفادة من نشوة النصر التي رافقت هزيمة العراق و تحرير الكويت، ومع توفّر وجود عسكري أمريكي كبير في شبه الجزيرة العربية المجاورة، ومع ما تكوّن من مستوىً جديدٍ من العلاقات، مع الدول التي ساهمت في التحالف الذي شارك في عاصفة الصحراء، فقد كان من اليسير في نظر الإدارة الأمريكية آن ذاك، القيام بـ”رحلة سفاري” على الأرض الصومالية، بما يضمن تدفّقًا مضمونًا للنفط الرخيص والأقرب، على الخط البحري المعتاد لنقل النفط العربي والإيراني.
فتحوّل مقرّ الشركة الأمريكية إلى سفارة للولايات المتحدة، ورأس جسر للإعداد لنزول القوات الأمريكية التي شكلت معظم عديد القوة العسكرية التي نزلت إلى البلاد بغطاء أممي، عبر الحملة التي أطلق عليها “إعادة الأمل” وذلك في 1992م.
ومع تفاعل الصراع على الأرض الصومالية، والذي أخذ مناحي عدّة، نظرًا لتراكماتٍ الفترة الدكتاتورية الطويلة نسبيًا ـ ثلثي عمر الجمهورية ـ، فكانت النتيجة مفجعة في كافة أنحاء البلاد، خاصة المناطق الحضرية الزراعية، في إقليم ما بين النهرين، خاصة أن سكّانها مسالمون بطبعهم، ولم يشاركوا بشكل مباشر في أعمال الإطاحة بالنظام، مما حرمهم من القدرة على التسلح وتأمين مناطقهم، ضد اجتياح كتائب المناطق القبلية البدوية إلى الشمال والشرق.طول تراكم الإشكاليات في العهد الدكتاتوري الطويل نسبيًا ، فقد انفجرت البلاد وخاصة مناطق الوسط والجنوب، بصراعات اختلط فيها السياسي بالقبلي بالاقتصادي.
وقد قاد تحوّل الوجود العسكري الأجنبي إلى طرف في الصراع الدائر في البلاد، بعد ان كان الهدف المعلن تأمين وصول المساعدات للمتضررين من الحرب الأهلية والجفاف، خاصة مع بروز الخلافات بين القيادتين الأمريكية والإيطالية، بحكم تضارب توجّهات القيادتين، نظرًا لرغبة الأمريكان إحكام قبضتهم على العملية العسكرية، في حين أن الإيطاليين كرروا انتقاداتهم للتحرّك الأمريكي تأكيدًا لما ادّعوه من معرفة بالأرض والسكان منذ فترة الاستعمار.
وتطوّرت الأمور بحيث أن اتهم الأمريكيون للإيطاليين، بإفشاء أسرار التحركات العسكرية الأمريكية، للجنرال محمد فارح عيديد، بما ضمن له النجاة مرارًا من محاولات الاغتيال، أو الاعتقال التي قامت بها القوات الأمريكية، بل وتطوّر الأمر إلى إفشال آخر المحاولات الأمريكية في ذلك الصدد، فشلًا مدويًا أدى لمقتل عدد من الجنود الأمريكان، مما قاد إلى هرولة الأمريكان باتجاه الانسحاب من الصومال إثر ذلك بستة أشهر، خاصة بعد الآثار السياسية الخطيرة التي أدى إليها سحل الجنود الأمريكان في الشوارع المتربة لمقديشو، وعرض مشاهد يبالغ فيها الصوماليون، بالاستخفاف والوعيد للأمريكان.
ولا شكّ أن الفشل المدوّي الذي رافق الحملة الأممية، التي كانت مدفوعة برغبة أمريكية في وضع موطئ قدم على الرض الصومالية، قد أدى إلى تعبير الأمين العام للإمم المتحدة آن ذاك “بطرس بطرس غالي” عن خيبة أمله الكبيرة ويأسه من الصوماليين، كتجاوب مع الشعور العميق لدى الأمريكيين بالإهانة، وهو ما أشار إليه خبراء بريطانيون، معتبرين أن التجاهل الدولي الذي تلى ما حدث، بل وتشجيع الأمريكي لتدخل دول الجوار في الشأن الصومالي، منعًا لاستتباب الأوضاع في البلاد “ذاتيًا”، إنما كان الطريقة الأمثل التي ارتأتها دوائر اتخاذ القرار الأمريكية في الانتقام من حادثة “سقوط الباز الأسود/ BLACK HAWK DOWN”، مما أدى لتجاوز الوفيات الناتجة عن ذلك المليون إنسان.
وتنشط المحاولات الداخلية ومن الدول الإقليمية كذلك، لإيجاد مخرج من الأزمة الصومالية، خاصة ومع بروز قوى إسلامية جهادية، وتكرر أحداث دامية نتيجة للصراعات القبلية والسياسية، فتنجح جيبوتي في استضافة مؤتمر “عرتا”، بدعم فرنسي واضح، ويتم انتخاب حكومة الدكتور”عبدي قاسم صلاد حسن”، وتحصل الحكومة الفرنسية على ما كانت تسعى إليه، بان يتم منح إمتياز التنقيب في جنوب الصومال لشركات توتال و فينا وإلف Total-Fina-Elf الفرنسية لتحل محل أجيب الإيطالية AGIP و أموكو الأمريكية Amoco وذلك سنة 2001م.
ويصدر سنة 2002 تقرير ملخص عن جامعة ولاية كانساس حول أعمال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في الصومال والإمكانيات المتوقعة، ولا يكاد العام التالي يبدأ حتى تنشغل دوائر صنع القرار الأمريكية بغزو العراق وإحتلاله، وتبدو بوادر ترحّك بريطاني هادئ، للحلول محلّ الأمريكان في ملف النفط الصومالي، بعد غياب دام لعدّة عقود، 2003 فتبدأ شركة روفاغولد للطاقة البريطانية Rovagold Energy Corp.، بأعمال التنقيب عن النفط في المناطق الساحلية في (أرض الصومال) جنوب شرق مدينة “بربرة” لتحل مكان شركة أموكو Amoco التي أوقفت سنة 1989، رغم ما تردد في النصف الثاني من التسعينيات، عن قدوم وفد من ممثلي شركات شرق آسيوية، من ماليزيا و أندونيسيا كمحاولة من قبل الصين الشعبية، لجس نبض النوايا الأمريكية تجاه البلاد، وما حدث من قطع الوفد برنامج زيارته ومغادرته البلاد على عجل.