بقرار من جانب واحد أعلنت حركة إيتا الباسكية الانفصالية في إسبانيا يوم السبت الماضي 8 من أبريل/ نيسان قرارها التخلي عن سلاحها وتسليمه للسلطات الفرنسية والإسبانية، منهيةً بذلك صراع مسلح بينها وبين الدولة الإسبانية قارب على الـ60 عامًا.
حكاية إيتا من الإعلان وحتى إلقاء السلاح
“نحذر من أن عملية إلقاء السلاح لا تزال عرضة للاستهداف من جانب أعداء السلام، الضمان الحقيقي الوحيد لنجاح العملية هو آلاف الأشخاص الذين سيحتشدون غدًا في مدينة بايون (جنوب غربي فرنسا) لتأييد عملية إلقاء السلاح” هذا جزء من الخطاب الذي حصلت على نسخة منه البي بي سي والذي تعلن فيه حركة إيتا الانفصالية قرارها أحادي الجانب بالتخلي عن السلاح.
حركة إيتا تكونت في خمسينيات القرن الماضي 1959م في عهد الديكتاتور الإسباني فرانشيسكو فرانكو مطالبة بانفصال إقليم الباسك عن إسبانيا
حركة إيتا تكونت في خمسينيات القرن الماضي 1959م في عهد الديكتاتور الإسباني فرانشيسكو فرانكو مطالبة بانفصال إقليم الباسك عن إسبانيا، تكونت على يد مجموعة من الطلاب الباسكيين في جامعات مدينة بيلباو وكانوا منشقين من الحزب القومي الباسكي، واتهموا الحزب بتكاسله في المطالبة باستقلال إقليم الباسك، وأطلقوا على أنفسهم (أوسكادي تا إسكاتاسونا) وتعني أرض الباسك والحرية باللغة الباسكية واختصارها ETA ويُرمز لهم بالفأس حوله ثعبان.
تركزت عقيدة الحركة على أربعة أعمدة هي: الدفاع عن اللغة المحلية والعرق الباسكي ومقاومة الإسبانية واستقلال بلاد الباسك، واتخذت من المقاومة المسلحة طريقًا لتحقيق هذه العقيدة، وقامت بعدة عمليات ضد الإسبان والفرنسين كانت حصيلتها 850 قتيلًا منهم المدني والعسكري، وكانت أول العمليات المسلحة لهم عام 1968م وآخرها عام 2009م بمايوركا، وكان الديكتاتور فرانكو يتعامل مع مواطني الباسك بطريقة قمعية شديدة بسبب مطالبتهم بالانفصال، ولأنه لم ينس لهم أنهم وقفوا بجوار الجمهوريين في أثناء الحرب الأهلية الإسبانية.
بدأت هذه العمليات باغتيال ميليتون مانزاناس قائد الشرطة السرية في مدينة سان سيباستيان عام 1968م، ثم كانت أكبر عمليات الحركة اغتيال رئيس الوزراء الإسباني لويس كاريو بلانكو في مدريد عام 1973م والذي كان يُجهز لخلافة الجنرال فرانكو في رئاسة البلاد، استمرت الحركة بعد ذلك في عمليات الاغتيال للعسكريين والقادة السياسيين المخالفين لها في طريقة حكم إقليم الباسك حتى ولو كانوا من الباسكيين أنفسهم، بل وحاولت الحركة في عام 1995م اغتيال الملك إخوان كارلوس في منتجع مايوركا، ولم يسلم المدنيين كذلك من قنابل الحركة كتفجير مقهى في مدريد عام 1974م، وتفجير سيارة مفخخة في مركز تجاري ببرشلونة عام 1978م.
الحكومة الإسبانية حلت حزب هري باتاسونا عام 2003م بقرار من المحكمة الدستورية، ووضع الحزب وقادته على قائمة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للإرهاب
أسست الحركة عام 1978م حزب هري باتاسونا ليكون ذراعًا سياسيًا لها، وكان يحصل على 12-18% من أصوات الناخبين في انتخابات المجلس النيابي للإقليم، حيث إن الإقليم يتمتع بحكم ذاتي منذ دستور 1978م مع صلاحيات كبيرة لمحافظ الإقليم، ولكن الحكومة الإسبانية حلت الحزب عام 2003م بقرار من المحكمة الدستورية، ووضع الحزب وقادته على قائمة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للإرهاب.
حدثت أكتر من هدنة وأكثر من محاولة للتفاوض بين الحركة والحكومة الإسبانية، وكانت دائمًا ما تصل لطريق مسدود، كان آخرها عام 2006م في عهد رئيس الوزراء هوسيه لويس ثاباتيرو، وكادت أن تصل المفاوضات لنقاط متقدمة لولا التفجير الذي وقع في موقف مطار باراخاس وأعلنت الحركة مسؤوليتها عنه، والذي أوصل المفاوضات لطريق مسدود، ومن وقتها وضعت الحكومات الإسبانية شروطًا أحادية غير قابلة للتفاوض للحركة وهي تسليم أسلحتها وحل الحركة وتسليم المسؤولين عن العنف ليحاكموا.
مع بداية عام 1992م وبداية الألعاب الأوليمبية بمدينة برشلونة بدأت الحركة تتلقى عدة ضربات متتابعة وقوية من جانب الأمن الفرنسي الذي تعاون مع الأمن الإسباني، وكان أبرزها القبض على القادة الثلاث الأبرز للحركة في مدينة بيدار بإقليم الباسك الفرنسي وهم خوسيه لويس سانتا كرستينا وفرانشيسكو موخيكا غارننديا وخوسيه إرستار بيه، كان آخر هذه الضربات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016م عندما تم القبض في بلدية أسكين جنوب غرب فرنسا علي رئيس الحركة ميكيل أراستوثا وكان سبقه في سبتمبر/ أيلول 2015م القبض على زعيمين في القيادة السياسية العليا للحركة، ومع الضربات المتتالية للحركة أعلنت الحركة في 2011م وقف الأعمال المسلحة وهدنة شاملة وتعهدت بتسليم أسلحتها والذي حدث بعدها بست أعوام.
الباسك أرض وعِرق ولغة
بلاد الباسك أو البشكنش – كما تُذكر في المصادر العربية – هو إقليم ضخم يمتد على الحدود بين فرنسا وإسبانيا، تبلغ مساحته نحو 20 ألف كم يقع 18 ألف منها في إسبانيا والباقي في فرنسا، يسكنه شعب الباسك وهم من أقدم القوميات الأوروبية التي قدمت أوروبا من الحوض الشرقي للبحر المتوسط أو البحر الأسود، يبلغ عدد سكان الشطر الإسباني من الإقليم مليونين و120 ألف بينما يبلغ عدد سكان الشطر الفرنسي 250 ألف.
تشمل منطقة الباسك التاريخية من الجانب الإسباني أربعة أقاليم هي: بيسكاي وغيبوزوكوا وألافا ونافار، لكن جغرافيًا وحسب التوزيع الإسباني فإقليم نافار لا يقع داخل حدود إقليم الباسك، ومن الجانب الفرنسي ثلاثة أقاليم وهي لابور وسول ونافار المنخفضة، والمنطقة كلها تمتد عبر جبال البرينييه الأطلسية.
يعتبر إقليم الباسك من أغني الأقاليم الإسبانية والأعلى في دخل الفرد، وتستولي التعاونيات الإنتاجية – مثل موندراجون التعاونية – على 95% من اقتصاد الإقليم، والإقليم متقدم صناعيًا ويسعى لإنتاج المركبات التي تسير بالطاقة الكهربائية، حيث تخطط إدارة الإقليم بحلول عام 2020 أن تكون 10% من المركبات تسير بالكهرباء، ويعد من المناطق الصناعية الرائدة في مجال النانو تكنولوجي، ويمثل إنتاج الإقليم 6.2% من الإنتاج المحلي الكلي لإسبانيا.
تعتبر مدينة بلباو – التي ينحدر منها نادي أتلتيكو بلباو لكرة القدم – وسان سيباستيان وبامبلونا وفيتوريا من أهم مدن الإقليم، وتمثل مدينة فيتوريا – غاستايز عاصمة الإقليم من الجانب الإسباني
تعتبر مدينة بلباو – التي ينحدر منها نادي أتلتيكو بلباو لكرة القدم – وسان سيباستيان وبامبلونا وفيتوريا من أهم مدن الإقليم، وتمثل مدينة فيتوريا – غاستايز عاصمة الإقليم من الجانب الإسباني، يتحدث سكان الإقليم لغتهم المحلية الباسكية التي تعرف أيضًا بلغة الأوسكارا وهي من أصعب وأقدم اللغات الأوروبية.
ويتمتع الإقليم بحكم ذاتي منذ دستور 1978م مع صلاحيات واسعة لمحافظ الإقليم، وتحكم في الثروات الداخلية وجمع الضرائب طالما لم تمس هذه الأمور الأقاليم الأخرى، وتحتفظ الدولة الإسبانية حسب الدستور بالسلطات المركزية والخارجية والدفاع، تكثر بالإقليم المناطق الخضراء والغابات وتمتاز بوجود خامي الحديد والفحم الحجري، وبلغ حجم الصادرات الإقليم عام 2016م 21.5 مليار يورو، وحجم الواردات 15.5 مليار يورو، بفائض تجاري قدره 6 مليار يورو.
أتلتيكو بيلباو… الحفاظ على الهوية بالرياضة
مدينة بيلباو معقل نادي أتلتيك بيلباو تعد أكبر مدن منطقة الباسك ويسكنها نحو مليون نسمة، وهي عاصمة إقليم بيسكاي وعاشر مدينة إسبانية في عدد السكان، وتقع علي خليج بسكاي، ويشقها نهر نيرفين ليصب في الخليج، وثاني أهم مدينة صناعية بعد برشلونة، أنشئت المدينة في القرن الرابع عشر، وكانت عاصمة جمهورية الباسك في أثناء الحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939م، ويطلق عليها بلبو Bilbo باللغة الباسكية، وقديمًا كان مينائها على خليج بسكاي يُصدر منه الحديد المستخرج من المناجم المحلية.
أما النادي فهو من أعرق أندية إسبانيا، فهو وريال مدريد وبرشلونة الأندية الوحيدة التي لم تهبط لدوري الدرجة الثانية من الليغا الإسبانية منذ بدايتها وحتى الآن، وكان من مؤسسي الليغا الإسبانية عند انطلاقها 1928م، وبسبب منع الديكتاتور فرانكو لكل مظاهر الاعتزاز بالهوية غيّر النادي اسمه من أتلتيك – تعني بالباسكية النادي الرياضي – إلي أتلتيكو.
يمتاز نادي أتلتيك بيلباو بسياسة كروية غريبة، فهو لا يضم في تشكيلة الفريق إلا اللاعبين الباسكيين فقط
يمتاز النادي بسياسة كروية غريبة، فهو لا يضم في تشكيلة الفريق إلا اللاعبين الباسكيين فقط، ولا يقيل بالمحترفين إلا من إقليم الباسك الفرنسي لأنه يعتبرهم نسيج واحد، ويعتبر النادي هذا الالتزام حفاظًا على الهوية الباسكية التي يعتزون بها.
وينظرون لمبارياتهم مع فريق الإسبانية وكأنها حرب مع غريم من دولة أخري وليس مع فريق من نفس البلد، وأتلتيك الأكثر حصولًا على كأس ملك إسبانيا بـ24 مرة ولا يسبقهم إلا برشلونة، فهم يشعرون بالانتصار عندما يسلمهم ملك لا يعترفون به ملكًا عليهم الكأس وكأنها غنيمة حرب، وحصل النادي بهذه السياسة الهوياتية على الدوري الإسباني 8 مرات كان آخرها عام 1984م، وكانت أعظم الإنجازات الكروية للفريق الفوز ببطولة الدوري الأوروبي عام 2011م، ليبرهن على نجاعة الفكرة التي يتبناها الفريق، وحاليًا يوجد الفريق في الدوري الإسباني في المركز الثامن.